سورة العنكبوت
آية
﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا۟ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَٰذِبِينَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٣﴾]
والمراد بالذين من قبلهم: المؤمنون أتباع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- أصابهم من ضروب الفتن والمحن ما أصابهم فصبروا، وعضوا على دينهم بالنواجذ؛ كما يعرب عنه قوله تعالى: (وكأين من نبي قاتل معه ربيِّيُّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا) [آل عمران: 146]. الألوسي:10/340.
آية
﴿ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوٓا۟ أَن يَقُولُوٓا۟ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٢﴾]
نزلت في قوم من المؤمنين كانوا بمكة مستضعفين، وكان كفار قريش يؤذونهم، ويعذبونهم على الإسلام، فضاقت صدورهم بذلك؛ فآنسهم الله بهذه الآية، ووعظهم وأخبرهم أن ذلك اختبار ليوطنوا أنفسهم على الصبر على الأذى، والثبوت على الإيمان، فأعلمهم الله تعالى أن تلك سيرته في عباده: يسلط الكفار على المؤمنين ليمحصهم بذلك، ويظهر الصادق في إيمانه من الكاذب. ولفظها مع ذلك عام، فحكمها على العموم في كل من أصابته فتنة من معصية أو مضرة في النفس، والمال، وغير ذلك. ابن جزي:2/154.
آية
﴿ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوٓا۟ أَن يَقُولُوٓا۟ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٢﴾]
أظن الناس أَن يُتْرَكُوا بغير اختبار ولا ابتلاء؟ (أن يقولوا) أي: بأن يقولوا: (آمنا وهم لا يفتنون): لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم، كلا لنختبرنهم ليتبين المخلص من المنافق، والصادق من الكاذب. البغوي:3/461.
آية
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَٰلِمُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿١٤﴾]
فأنت يا محمد، لا تأسف على من كفر بك من قومك، ولا تحزن عليهم؛ فإن الله يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وبيده الأمر، وإليه ترجع الأمور. ابن كثير:3/393.
آية
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَٰلِمُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿١٤﴾]
والنكتة في اختيار السنة: أولا أنها تطلق على الشدة والجدب بخلاف العام، فناسب اختيار السنة لزمان الدعوة الذي قاسى عليه السلام فيه ما قاسى من قومه. الألوسي:10/348.
آية
﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿١٣﴾]
فالذنب الذي فعله التابع لكلٍّ من التابع والمتبوع حصته منه؛ هذا لأنه فعله وباشره، والمتبوع لأنه تسبب في فعله ودعا إليه، كما أن الحسنة إذا فعلها التابع له أجرها بالمباشرة، وللداعي أجره بالتسبب. السعدي:627.
آية
﴿ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَآ ۚ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٨﴾ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى ٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٨﴾]
ومن لطيف مناسبة هذا الظرف في هذا المقام أن المؤمن لما أمر بعصيان والديه إذا أمراه بالشرك كان ذلك مما يثير بينه وبين أبويه جفاء وتفرقة، فجعل الله جزاءً عن وحشة تلك التفرقة أُنساً بجعله في عداد الصالحين؛ يأنس بهم. ابن عاشور:20/215.
آية
﴿ قُلْ سِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُوا۟ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلْءَاخِرَةَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٢٠﴾]
(فانظروا كيف بدأ الخلق): على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم، كيف أهلكهم؛ لتعلموا بذلك كمال قدرة الله. القرطبي:17/352.
آية
﴿ فَٱبْتَغُوا۟ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُوا۟ لَهُۥٓ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿١٧﴾]
(فابتغوا) وأشار بصيغة الافتعال إلى السعي فيه؛ لأنه أجرى عادته سبحانه أنه في الغالب لا يؤتيه إلا بكد من المرزوق وجهد: إما في العبادة والتوكل، وإما في السعي الظاهر في تحصيله بأسبابه الدنيوية، (والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني). البقاعي:14/412- 413.
آية
﴿ فَأَنجَيْنَٰهُ وَأَصْحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَٰهَآ ءَايَةً لِّلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿١٥﴾]
لأن من لم يشاهد بقايا سفينة نوح يشاهد السفن فيتذكر سفينة نوح، وكيف كان صنعها بوحي من الله لإنجاء نوح ومن شاء الله نجاته، ولأن الذين من أهل قريتها يُخبرون عنها، وتنقل أخبارهم فتصير متواترة. ابن عاشور:20/223.
آية
﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِۦٓ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٢٨﴾]
إن كثيرا من المفاسد تكون الناس في غفلة عن ارتكابها لعدم الاعتياد بها، حتى إذا أقدم أحد على فعلها، وشوهد ذلك منه، تنبهت الأذهان إليها وتعلقت الشهوات بها. ابن عاشور:20/241.
آية
﴿ فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّى مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّىٓ ۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٢٦﴾]
لم يذكر الله عنهم أنه أهلكهم بعذاب، بل ذكر اعتزاله إياهم، وهجرته من بين أظهرهم... فلو كان الله استأصلهم بالعذاب لذكره كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة، ولكن لعل من أسرار ذلك أن الخليل عليه السلام من أرحم الخلق وأفضلهم وأحلمهم وأجلهم، فلم يدعُ على قومه كما دعا غيره... ومما يدل على ذلك: أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط، وجادلهم، ودافع عنهم، وهم ليسوا قومه، والله أعلم بالحال. السعدي:629-630.
آية
﴿ وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَٰنًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٢٥﴾]
عن قتادة قال: صارت كل خلة في الدنيا عداوة على أهلها يوم القيامة إلا خلة المتقين. الطبري:20/25.
آية
﴿ وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَٰنًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٢٥﴾]
ويدخل في هذا كل من وافق أصحابه من أهل المعاصي أو البطالة على الرذائل ليعُدُّوه حسن العشرة مهذب الأخلاق لطيف الذات، أو خوفاً من أن يصفوه بكثافة الطبع وسوء الصحبة، ولقد عم هذا لعمري أهل الزمان ليوصفوا بموافاة الإخوان ومصافاة الخلان، معرضين عن رضى الملك الديان. البقاعي:14/424.
آية
﴿ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٢٤﴾]
ولم يجعل آية واحدة لأنه آية لكل من شهده من قومه، ولأنه يدل على قدرة الله، وكرامة رسوله، وتصديق وعده، وإهانة عدوه، وأن المخلوقات كلها جليلها وحقيرها مسخرة لقدرة الله تعالى. ابن عاشور:20/235.
آية
﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُوا۟ مُسْتَبْصِرِينَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٣٨﴾]
(وزين لهم الشيطان) بوسوسته وإغوائه (أعمالهم) القبيحة من الكفر والمعاصي... (مستبصرين) أي: عقلاء؛ يمكنهم التمييز بين الحق والباطل بالاستدلال والنظر، ولكنهم أغفلوا ولم يتدبروا. الألوسي:10/362.
آية
﴿ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰٓ أَهْلِ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُوا۟ يَفْسُقُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٣٤﴾]
عن ابن عباس قال: إن قوم لوط كانت فيهم ذنوب غير الفاحشة؛ منها: أنهم يتظالمون فيما بينهم، ويشتم بعضهم بعضا... وتتشبه الرجال بلباس النساء والنساء بلباس الرجال، ويضربون المكوس على كل عابر، ومع هذا كله كانوا يشركون بالله، وهم أول من ظهر على أيديهم اللوطية والسحاق. القرطبي:13/342.
آية
﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ ۗ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٤٥﴾]
روي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه، فكُلِّم في ذلك، فقال: إني واقف بين يدي الله تعالى، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا، فكيف مع ملك الملوك؟! فهذه صلاة تنهى ولا بد عن الفحشاء والمنكر. ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء؛ لا خشوع فيها، ولا تذكر، ولا فضائل، -كصلاتنا وليتها تجزي- فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان. القرطبي:16/367.
آية
﴿ ٱتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ ۖ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٤٥﴾]
والإكثار في تلاوته يزيد بصيرة في أمره، ويفتح كنوز الدقائق من علمه، وهو أكرم من أن ينيل قارئه فائده، وأجلّ من أن يعطي قياد فوائده، ويرفع الحجاب عن جواهره وفرائده في أول مرة، بل كلما ردده القارىء بالتدبر حباه بكنز من أسراره، ومهما زاد زاده من لوامع أنواره، إلى أن يقطع بأن عجائبه لا تعد، وغرائبه لا تحد. البقاعي:14/ 447.
آية
﴿ وَتِلْكَ ٱلْأَمْثَٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلَّا ٱلْعَٰلِمُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٤٣﴾]
والسبب في ذلك أن الأمثال التي يضربها الله في القرآن إنما هي للأمور الكبار، والمطالب العالية، والمسائل الجليلة، فأهل العلم يعرفون أنها أهم من غيرها لاعتناء الله بها، وحثه عباده على تعقلها وتدبرها، فيبذلون جهدهم في معرفتها. السعدي:631.
آية
﴿ وَتِلْكَ ٱلْأَمْثَٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلَّا ٱلْعَٰلِمُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٤٣﴾]
لا يفهم مغزاها إلا الذين كمُلت عقولهم؛ فكانوا علماء غير سفهاء الأحلام. وفي هذا تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بها جهلاء العقول، فما بالك بالذين اعتاضوا عن التدبر في دلالتها باتخاذها هُزءاً وسخرية. ابن عاشور:20/256.
آية
﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٤١﴾]
فالمشركون أشبهوا العنكبوت في الغرور بما أعدوه، وأولياؤهم أشبهوا بيت العنكبوت في عدم الغناء عمن اتخذوها وقت الحاجة إليها وتزول بأقل تحريك. ابن عاشور:20/252.
آية
﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٤١﴾]
قال الفراء: هو مثل ضربه الله سبحانه لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضره؛ كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حراً ولا برداً...أي: لو علموا أن عبادة الأوثان كاتخاذ بيت العنكبوت التي لا تغني عنهم شيئا، وأن هذا مثلهم لما عبدوها. القرطبي:16/363.
آية
﴿ وَقُولُوٓا۟ ءَامَنَّا بِٱلَّذِىٓ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَٰحِدٌ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٤٦﴾]
ولا تكن مناظرتكم إياهم على وجه يحصل به القدح في شيء من الكتب الإلهية، أو بأحد من الرسل؛ كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم؛ يقدح بجميع ما معهم من حق وباطل؛ فهذا ظلم وخروج عن الواجب وآداب النظر؛ فإن الواجب أن يرد ما مع الخصم من الباطل، ويقبل ما معه من الحق، ولا يرد الحق لأجل قوله ولو كان كافراً السعدي:632
آية
﴿ ۞ وَلَا تُجَٰدِلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوٓا۟ ءَامَنَّا بِٱلَّذِىٓ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَٰحِدٌ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ ﴿٤٦﴾ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٤٦﴾]
ووجه الوصاية بالحسنى في مجادلة أهل الكتاب: أن أهل الكتاب مؤمنون بالله غير مشركين به؛ فهم متأهّلون لقبول الحجة، غير مظنون بهم المكابرة، ولأن آداب دينهم وكتابهم أكسبتهم معرفة طريق المجادلة؛ فينبغي الاقتصار في مجادلتهم على بيان الحجة دون إغلاظ حذراً من تنفيرهم. ابن عاشور:21/6.
آية
﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٥١﴾]
المعنى: كيف يطلبون آية والقرآن الكريم أعظم الآيات، وأوضحها دلالة على صحة النبوة، فهلا اكتفوا به عن طلب الآيات. ابن جزي:2/161.
آية
﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٤٧﴾]
الذين دأبهم الجحود للحق والعناد له، وهذا حصر لمن كفر به؛ أنه لا يكون من أحد قصده متابعة الحق، وإلا فكل من له قصد صحيح فإنه لا بد أن يؤمن به؛ لما اشتمل عليه من البينات لكل من له عقل، أو ألقى السمع وهو شهيد. السعدي:633.
آية
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ ۚ فَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ ٱلْكِتَٰبَ يُؤْمِنُونَ بِهِۦ ۖ وَمِنْ هَٰٓؤُلَآءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِۦ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٤٧﴾]
وجيء بصيغة المضارع للدلالة على أنه سيقع في المستقبل، أو للدلالة على تجدد إيمان هذا الفريق به؛ أي إيمان من آمن منهم مستمرّ يزداد عدد المؤمنين يوماً فيوماً. ابن عاشور:21/9.
آية
﴿ وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٦٠﴾]
(الله يرزقها وإياكم): يسوي بين الحريص والمتوكل في رزقه، وبين الراغب والقانع، وبين الحيول والعاجز؛ حتى لا يغتر الجلد أنه مرزوق بجلده، ولا يتصور العاجز أنه ممنوع بعجزه. القرطبي:16/386.
آية
﴿ وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٦٠﴾]
أي: كم من دابة ضعيفة لا تقدر على حمل رزقها، ولكن الله يرزقها مع ضعفها، والقصد بالآية: تقوية لقلوب المؤمنين؛ إذا خافوا الفقر والجوع في الهجرة إلى بلاد الناس، أي: كما يرزق الله الحيوانات الضعيفة كذلك يرزقكم إذا هاجرتم من بلدكم. ابن جزي:2/162.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَٰمِلِينَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٥٨﴾]
وقصد منها أيضاً تهوين ما يلاقيه المؤمنون من الأذى في الله -ولو بلغ إلى الموت- بالنسبة لما يترقبهم من فضل الله وثوابه الخالد. ابن عاشور:21/23.
آية
﴿ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ أَرْضِى وَٰسِعَةٌ فَإِيَّٰىَ فَٱعْبُدُونِ ﴿٥٦﴾ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٥٧﴾]
وإنما ذكره ها هنا تحقيراً لأمر الدنيا ومخاوفها؛ كأن بعض المؤمنين نظر في عاقبة تلحقه في خروجه من وطنه من مكة أنه يموت، أو يجوع، أو نحو هذا، فحقر الله شأن الدنيا. أي: أنتم لا محالة ميتون، ومحشورون إلينا، فالبدار إلى طاعة الله، والهجرة إليه وإلى ما يمتثل. القرطبي:16/382.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُوا۟ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٦٩﴾]
قال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط، بل هو نصر الدين، والرد على المبطلين، وقمع الظالمين، وعِظَمُه: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله؛ وهو الجهاد الأكبر. القرطبي:16/390.
آية
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا۟ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَامِنًا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِٱلْبَٰطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٦٧﴾]
أي: جعلت لهم حرما آمنا؛ أمنوا فيه من السبي، والغارة، والقتل، وخلصتهم في البر، كما خلصتهم في البحر، فصاروا يشركون في البر، ولا يشركون في البحر، فهذا تعجب من تناقض أحوالهم. القرطبي:16/389.
آية
﴿ فَإِذَا رَكِبُوا۟ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٦٥﴾]
لأن أسفارهم في البر كانوا لا يعتريهم فيها خوفٌ يعم جميع السفر؛ لأنهم كانوا يسافرون قوافلَ، معهم سلاحهم، ويمرون بسبل يألفونها؛ فلا يعترضهم خوف عام، فأما سفرهم في البحر؛ فإنهم يَفْرَقون من هوْله، ولا يدفعه عنهم وفرة عدد، ولا قوة عُدد، فهم يضرعون إلى الله بطلب النجاة، ولعلهم لا يدعون أصنامهم حينئذ. ابن عاشور:21/32.
آية
﴿ وَمَا هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلْءَاخِرَةَ لَهِىَ ٱلْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة العنكبوت آية:﴿٦٤﴾]
أي: شيء يلهى به ويلعب، أي: ليس ما أعطاه الله الأغنياء من الدنيا إلا وهو يضمحل ويزول؛ كاللعب الذي لا حقيقة له ولا ثبات، قال بعضهم: الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها. القرطبي:16/387.