سورة الكهف
آية
﴿ ا۟ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِۦٓ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴿١٠٧﴾ وَيَقُولُونَ سُبْحَٰنَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴿١٠٨﴾ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٧﴾]
(ويخرون للأذقان يبكون): هذه مبالغة في صفتهم، ومدح لهم. وحق لكل من توسم بالعلم، وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة؛ فيخشع عند استماع القرآن، ويتواضع، ويذل، وفى مسند الدارمي أبى محمد عن التيمي قال: «من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق ألا يكون أوتى علماً؛ لأن الله تعالى نعت العلماء»، ثم تلا هذه الآية. القرطبي:13/189.
آية
﴿ قُلْ ءَامِنُوا۟ بِهِۦٓ أَوْ لَا تُؤْمِنُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِۦٓ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٧﴾]
(قل آمنوا به أو لا تؤمنوا): أمر باحتقارهم، وعدم الاكتراث بهم؛ كأنه يقول: سواء آمنتم أو لم تؤمنوا، لكونكم لستم بحجة، وإنما الحجة أهل العلم من قبله، وهم المؤمنون من أهل الكتاب. (إن الذين أُوتوا العلم من قبله): يعني المؤمنين من أهل الكتاب، وقيل: الذين كانوا على الحنيفية قبل البعثة. ابن جزي:1/499.
آية
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَٰهُمْ هُدًى ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٣﴾]
ذكر تعالى أنهم فتية، وهم الشباب، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله- صلى الله عليه وسلم- شباباً، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل. ابن كثير:3/72.
آية
﴿ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُوا۟ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠﴾]
هذه الآية صريحة في الفرار بالدين، وهجرة الأهل والبنين، والقرابات، والأصدقاء، والأوطان، والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة، وقد خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- فارا بدينه، وكذلك أصحابه... وهجروا أوطانهم، وتركوا أرضهم، وديارهم، وأهاليهم، وأولادهم، وقراباتهم، وإخوانهم رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين. القرطبي:13/216.
آية
﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَٰبَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُوا۟ مِنْ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا ﴿٩﴾ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُوا۟ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٩﴾]
وفيه لفت لعقول السائلين عن الاشتغال بعجائب القصص إلى أن الأولى لهم الاتعاظ بما فيها من العِبر والأسباب وآثارها، ولذلك ابتدئ ذكر أحوالهم بقوله: (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيِّئ لنا من أمرنا رشدا). ابن عاشور:15/259.
آية
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٧﴾]
(إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) يعني: ما يصلح للتزين؛ كالملابس، والمطاعم، والأشجار، والأنهار، وغير ذلك. (لنبلوهم أيهم أحسن عملا) أي: لنختبرهم أيهم أزهد في زينة الدنيا. ابن جزي:1/502.
آية
﴿ فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا۟ بِهَٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦﴾]
في هذه الآية ونحوها عبرة؛ فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبها ونِعمَت، وإلا فلا يحزن، ولا يأسف؛ فإن ذلك مُضعِفٌ للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الذي كُلِّفَ به، وتوجه إليه، وما عدا ذلك فهو خارج عن قدرته. السعدي:470.
آية
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٨﴾]
هذا أيضاً من حفظه لأبدانهم؛ لأن الأرض من طبيعتها أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله أن قَلَّبَهم على جنوبهم يميناً وشمالاً، بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض من غير تقليب، ولكنه تعالى حكيم، أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها. السعدي:472.
آية
﴿ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٧﴾]
ومعنى الآية: أن الشمس لا تصيبهم عند طلوعها، ولا عند غروبها؛ لئلا يحترقوا بحرها، فقيل: إن ذلك كرامة لهم وخرق عادة ابن جزي:1/504.
آية
﴿ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٦﴾]
فيقال: إن ملكهم لما دعوه إلى الإيمان بالله أبى عليهم وتهددهم وتوعدهم... وأجلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه... فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة... ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس، ولا تشرع فيما عداها لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع. ابن كثير:3/73.
آية
﴿ وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٢﴾]
فيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى؛ إما لقصوره في الأمر المستفتى فيه، أو لكونه لا يبالي بما تكلم به، وليس عنده ورع يحجزه... وفي الآية أيضاً دليل على أن الشخص قد يكون منهياً عن استفتائه في شيء دون آخر، فيستفتى فيما هو أهل له، بخلاف غيره؛ لأن الله لم ينه عن استفتائهم مطلقاً، إنما نهى عن استفتائهم في قصة أصحاب الكهف، وما أشبهها. السعدي:474.
آية
﴿ ۖ فَقَالُوا۟ ٱبْنُوا۟ عَلَيْهِم بُنْيَٰنًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُوا۟ عَلَىٰٓ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢١﴾]
واتخاذ المساجد على القبور، والصلاة فيها منهي عنه؛ لأن ذلك ذريعة إلى عبادة صاحب القبر، أو شبيهٌ بفعل من يعبدون صالحي ملتهم. ابن عاشور:15/290.
آية
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَآ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢١﴾]
في هذه القصة دليل على أن من فرَّ بدينه من الفتن سلمه الله منها، وأن من حرص على العافية عافاه الله، ومن أوى إلى الله آواه الله وجعله هداية لغيره، ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب. السعدي:473.
آية
﴿ ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾]
ودلت الآية على أن الذي ينبغي أن يُطاع ويكون إماماً للناس من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه؛ فلهج بذكر الله، واتبع مراضيَ ربه؛ فقدمها على هواه؛ فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما مَنَّ الله به عليه، فحقيق بذلك أن يتبع ويجعل إماماً. السعدي:475.
آية
﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾]
(تريد زينة الحياة الدنيا): فإن هذا ضار غير نافع، قاطع عن المصالح الدينية؛ فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة؛ فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويُقْبِل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره. السعدي:475.
آية
﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾]
في الآية استحباب الذكر والعبادة والدعاء طرفي النهار؛ لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويُرَغِّبُ فيه. السعدي:475.
آية
﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾]
(واصبر نفسك) أي: احبسها صابراً (مع الذين يدعون ربهم): هم فقراء المسلمين: كبلال، وخباب، وصهيب. وكان الكفار قد قالوا له: اطرد هؤلاء نجالسك نحن. ابن جزي:1/507.
آية
﴿ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرِّيَٰحُ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٥﴾]
قالت الحكماء: إنما شبه تعالى الدنيا بالماء... لأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة، كذلك الدنيا، ولأن الماء لا يبقى، ويذهب، كذلك الدنيا تفنى، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتل، كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعا منبتا، وإذا جاوز المقدار كان ضارا مهلكا، وكذلك الدنيا: الكفاف منها ينفع، وفضولها يضر. القرطبي:13/289.
آية
﴿ وَيَقُولُ يَٰلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّىٓ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٢﴾]
ولا يستبعد من رحمة الله ولطفه أن صاحب هذه الجنة التي أحيط بها تحسنت حاله، ورزقه الله الإنابة إليه، وراجع رشده، وذهب تمرده وطغيانه؛ بدليل أنه أظهر الندم على شركه بربه، وأن الله أذهب عنه ما يطغيه، وعاقبه في الدنيا، وإذا أراد الله بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا. السعدي:478.
آية
﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٢﴾]
وأحاط به هذا العقاب لا لمجرد الكفر؛ لأن الله قد يمتع كافرين كثيرين طول حياتهم، ويملي لهم، ويسْتدرجهم، وإنما أحاط به هذا العقاب جزاء على طغيانه، وجعله ثروته وماله وسيلة إلى احتقار المؤمن الفقير. ابن عاشور:15/328.
آية
﴿ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّى لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٦﴾]
فأيُّ تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الآخرة حتى يظن بجهله أن من أُعطِيَ في الدنيا أُعْطِيَ في الآخرة، بل الغالب أن الله تعالى يَزوِي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويوسعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة نصيب. السعدي:477.
آية
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُوا۟ لِءَادَمَ فَسَجَدُوٓا۟ إِلَّآ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِۦٓ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّۢ ۚ بِئْسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٠﴾]
يقول تعالى منبهاً بني آدم على عداوة إبليس لهم، ولأبيهم من قبلهم، ومُقَرِّعاً لمن اتبعه منهم، وخالف خالقه ومولاه، وهو الذي أنشأه وابتدأه بألطافه، ورزقه وغذاه، ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله، فقال تعالى: (وإذ قلنا للملائكة)... ابن كثير:3/87.
آية
﴿ يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٩﴾]
قال قتادة: اشتكى القوم الإحصاء، وما اشتكى أحد ظلماً، فإياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه. القرطبي:15/459.
آية
﴿ ۖ وَٱلْبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٦﴾]
الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره: الباقيات الصالحات؛ وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله وحقوق عباده؛ من: صلاة، وزكاة، وصدقة، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وقراءة، وطلب علم نافع، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وصلة رحم، وبر والدين، وقيام بحق الزوجات، والمماليك، والبهائم، وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق. السعدي:479.
آية
﴿ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٦﴾]
(المال والبنون): التي يفتخر بها عتبة وأصحابه الأغنياء (زينة الحياة الدنيا): ليست من زاد الآخرة. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «المال والبنون حرث الدنيا، والأعمال الصالحة حرث الآخرة، وقد يجمعها الله لأقوام». البغوي:3/34.
آية
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبْرَحُ حَتَّىٰٓ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٠﴾]
في هذا من الفقه: رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء -وإن بعدت أقطارهم- وذلك كان دأب السلف الصالح، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح، وحصلوا على السعي الناجح؛ فرسخت لهم في العلوم أقدام، وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام، قال البخاري: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس- رضي الله عنهم- في حديث. القرطبي:13/318.
آية
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوٓا۟ إِذًا أَبَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٧﴾]
وفي هذه الآية من التخويف لمن ترك الحق بعد علمه أن يحال بينهم وبينه، ولا يتمكن منه بعد ذلك، ما هو أعظم مرهب وزاجر عن ذلك. السعدي:481.
آية
﴿ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُوا۟ بِهِ ٱلْحَقَّ ۖ وَٱتَّخَذُوٓا۟ ءَايَٰتِى وَمَآ أُنذِرُوا۟ هُزُوًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٦﴾]
ففرق بين الآيات الدالة على العلم التي يعلم بالعقل أنها دلائل للرب، وبين النذر: وهو الإخبار عن المخوف؛ كإخبار الأنبياء بما يستحقه العصاة من العذاب؛ فهذا يعلم بالخبر والنذر. ابن تيمية:4/260.
آية
﴿ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٤﴾]
كثير من الناس يجادلون في الحق بعد ما تبين، ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق؛ ولهذا قال: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً) أي: مجادلة ومنازعة فيه، مع أن ذلك غير لائق بهم، ولا عدل منهم، والذي أوجب له ذلك وعدم الإيمان بالله إنما هو الظلم والعناد، لا لقصور في بيانه وحجته، وبرهانه. السعدي:480.
آية
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٤﴾]
عن علي: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- طرقه وفاطمةَ ليلاً؛ فقال: (ألاَ تصليان؟!) فقال علي: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثَنا، قال: فانصرف رسول الله حين قلت له ذلك ولم يرجع إليّ شيئاً، ثم سمعته يَضرب فخذه ويقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً). ابن عاشور:15/348.
آية
﴿ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٦﴾]
العلم النافع هو العلم المرشد إلى الخير؛ فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك فإما أن يكون ضاراً، أو ليس فيه فائدة؛ لقوله: (تعلمن مما علمت رشدا). السعدي:484.
آية
﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٢﴾]
(فأراد ربك): أسند الإرادة هنا إلى الله لأنها في أمر مغيب مستأنف، لا يعلم ما يكون منه إلا الله، وأسند الخضر إلى نفسه في قوله: (فأردت أن أعيبها) لأنها لفظة عيب، فتأدب بأن لا يسندها إلى الله؛ وذلك كقول إبراهيم عليه السلام: (وإذا مرضت فهو يشفين) [الشعراء: 80]. ابن جزي:1/518.
آية
﴿ وَأَمَّا ٱلْغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَٰنًا وَكُفْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٠﴾]
قال قتادة: قد فرح به أبواه حين وُلِد، وحزنا عليه حين قُتِل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما؛ فليرضَ امرؤ بقضاء الله؛ فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خيرٌ له من قضائه فيما يحب. ابن كثير:3/96.
آية
﴿ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِى ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٧٩﴾]
القاعدة الكبيرة أيضاً وهي: (أن عمل الإنسان في مال غيره إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة؛ أنه يجوز، ولو بلا إذن، حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير)؛ كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم. فعلى هذا: لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال أو هدم بعض الدار فيه سلامة للباقي جاز للإنسان، بل شرع له ذلك. السعدي:485.
آية
﴿ قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْءٍۭ بَعْدَهَا فَلَا تُصَٰحِبْنِى ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٧٦﴾]
وهنا لم يعتذر موسى بالنسيان: إما لأنه لم يكن نَسِي، ولكنه رجّح تغيير المنكر العظيم- وهو قتل النفس بدون موجب- على واجب الوفاء بالالتزام؛ وإما لأنّه نسي وأعرض عن الاعتذار بالنسيان لسماجة تكرر الاعتذار به. ابن عاشور:16/6.
آية
﴿ قَالُوا۟ يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰٓ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴿٩٤﴾ قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٩٤﴾]
في هذه الآية دليل على أن الملك فرض عليه أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم، وسد فرجتهم، وإصلاح ثغورهم من أموالهم التي تفيء عليهم، وحقوقهم التي تجمعها خزانتهم تحت يده ونظره، حتى لو أكلتها الحقوق وأنفذتها المؤن لكان عليهم جبر ذلك من أموالهم، وعليه حسن النظر لهم؛ وذلك بثلاثة شروط: الأول: ألا يستأثر عليهم بشيء، الثاني: أن يبدأ بأهل الحاجة؛ فيعينهم، الثالث: أن يسوي في العطاء بينهم على قدر منازلهم. القرطبي:31/384-385.
آية
﴿ وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَهُۥ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُۥ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٨﴾]
أي: فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة. (وسنقول له من أمرنا يسرا) أي: وسنحسن إليه، ونلطف له بالقول، ونيسر له المعاملة. وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين، الأولياء العادلين العالمين؛ حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل أحد بما يليق بحاله. السعدي:485.
آية
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِى ٱلْأَرْضِ وَءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٤﴾]
هذه القصة القرآنية تعطي صفات لا محيد عنها: إحداها: أنه كان ملكاً صالحاً عادلاً، الثانية: أنه كان ملهما من الله، الثالثة: أن ملكه شمل أقطارا شاسعة، الرابعة: أنه بلغ في فتوحه من جهة المغرب مكانا كان مجهولا؛ وهو عين حمئة. ابن عاشور:16/20.
آية
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلْأَخْسَرِينَ أَعْمَٰلًا ﴿١٠٣﴾ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠٣﴾]
فيه دلالة على أن من الناس من يعمل العمل، ويظن أنه محسن، وقد حبط سعيه. والذي يوجب إحباط السعي: إما فساد الاعتقاد، أو المراءاة. القرطبي:13/392.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَآءٍ عَن ذِكْرِى وَكَانُوا۟ لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠١﴾]
أي: لا يقدرون على سمع آيات الله الموصلة إلى الإيمان؛ لبغضهم القرآن والرسول؛ فإن المبغض لا يستطيع أن يلقي سمعه إلى كلام من أبغضه، فإذا انحجبت عنهم طرق العلم والخير فليس لهم سمع ولا بصر، ولا عقل نافع. السعدي:487.