سورة النحل
آية
﴿ إِنَّا كَفَيْنَٰكَ ٱلْمُسْتَهْزِءِينَ ﴿٩٥﴾ ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٩٥﴾]
وفي وصفهم بذلك [أي: بالشرك] تسلية لرسول الله ﷺ، وتهوين للخطب عليه، عليه الصلاة والسلام، بالإشارة إلى أنهم لم يقتصروا على الاستهزاء به ﷺ، بل اجترأوا على العظيمة التي هي الإشراك به سبحانه. الألوسي: 14/441.
آية
﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ۚ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَىٰكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩﴾]
لما ذكرت نعمة تيسير السبيل الموصلة إلى المقاصد الجثمانية ارتُقِي إلى التذكير بسبيل الوصول إلى المقاصد الرُّوحانية؛ وهو سبيل الهدى، فكان تعهّد الله بهذه السبيل نعمة أعظمَ من تيسير المسالك الجثمانية؛ لأن سبيل الهدى تحصل به السعادة الأبدية. ابن عاشور:14/112.
آية
﴿ وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨﴾ وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨﴾]
لَمَّا ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السبل الحسية، نَبَّه على الطرق المعنوية الدينية. وكثيراً ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور النافعة الدينية. ابن كثير:2/544.
آية
﴿ وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨﴾]
(ويخلق ما لا تعلمون): مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء التي يركبها الخلق في البر، والبحر، والجو، ويستعملونها في منافعهم، ومصالحهم؛ فإنه لم يذكرها بأعيانها لأن الله تعالى لا يذكر في كتابه إلا ما يعرفه العباد، أو يعرفون نظيره. وأما ما ليس له نظير فإنه لو ذكر لم يعرفوه، ولم يفهموا المراد منه؛ فيذكر أصلاً جامعاً يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون؛ كما ذكر نعيم الجنة: سمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره؛ كالنخل، والأعناب، والرمان، وأَجمَلَ ما لا نعرف له نظيراً. السعدي:436.
آية
﴿ لِيَحْمِلُوٓا۟ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢٥﴾]
يُضِلُّونَ مَن لا يعلم أنهم ضُلال على الباطل، وفيه تنبيه على أن كيدهم لا يروج على ذي لُبّ، وإنما يُقلِّدُهُم الجهلة الأغبياء، وفيه زيادة تعيير لهم وذم؛ إذ كان عليهم إرشاد الجاهلين لا إضلالهم... واستدل بالآية على أن المقلِّد يجب عليه أن يبحث ويميز بين المُحِقِّ والمُبْطِل، ولا يُعذرُ بالجهل. الألوسي:489-490.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْـًٔا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴿٢٠﴾ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢٠﴾]
قوله سبحانه: (غَيْرُ أَحْياءٍ)... فائدة ذكره... أن بعض ما لا حياة فيه قد تعتريه الحياة؛ كالنطفة، فجيء به للاحتراز عن مثل هذا البعض، فكأنه قيل: هم أموات وغير قابلين للحياة مآلاً. الألوسي:14/485.
آية
﴿ وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٨﴾]
ذكر من أول السورة إلى هنا أنواعاً من مخلوقاته تعالى على وجه الاستدلال بها على وحدانيته، ولذلك أعقبها بقوله: (أفمن يخلق كمن لا يخلق)، وفيها أيضاً تعداد لنعمه على خلقه؛ ولذلك أعقبها بقوله: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، ثم أعقب ذلك بقوله: (إن الله لغفور رحيم) أي: يغفر لكم التقصير في شكر نعمه. ابن جزي:1/460.
آية
﴿ وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٨﴾]
(وإن تعدوا نعمة الله) عددا مجردا عن الشكر (لا تحصوها)، فضلا عن كونكم تشكرونها؛ فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات، من جميع أصناف النعم مما يعرف العباد، ومما لا يعرفون، وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن تحصى، (إن الله لغفور رحيم) يرضى منكم باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير. السعدي:437.
آية
﴿ جَنَّٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْزِى ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٣١﴾]
وذكر بعضهم أن تقديم (فيها) للحصر، و (ما) للعموم بقرينة المقام؛ فيُفيدُ أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة، فتأمَّلهُ. الألوسي:14/500.
آية
﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا۟ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا۟ خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ فِى هَٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ ٱلْءَاخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٣٠﴾]
وحسنة الدّنيا هي الحياة الطيّبة وما فتح الله لهم من زهرة الدنيا مع نعمة الإيمان. ابن عاشور:14/142.
آية
﴿ فَأَلْقَوُا۟ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوٓءٍۭ ۚ بَلَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢٨﴾]
وهذا في بعض مواقف القيامة: ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا ظناً أنه ينفعهم، فإذا شهدت عليهم جوارحهم، وتبين ما كانوا عليه أقروا واعترفوا؛ ولهذا لا يدخلون النار حتى يعترفوا بذنوبهم. السعدي:439.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ صَبَرُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤٢﴾]
والتعبير في جانب الصبر بالماضي، وفي جانب التوكّل بالمضارع إيماء إلى أن صبرهم قد آذن بالانقضاء؛ لانقضاء أسبابه، وأن الله قد جعل لهم فرجاً بالهجرة الواقعة، والهجرة المترقّبة، فهذا بشارة لهم. وأنّ التوكّل ديدنهم؛ لأنهم يستقبلون أعمالاً جليلة تتمّ لهم بالتوكّل على الله في أمورهم؛ فهم يكرّرونه، وفي هذا بشارة بضمان النجاح. ابن عاشور: 14/159.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟ فِى ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا۟ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ ٱلْءَاخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤١﴾]
قال قتادة: هم أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم- ظلمهم أهل مكة، وأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك؛ فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصاراًً من المؤمنين. القرطبي: 2/615.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟ فِى ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا۟ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ ٱلْءَاخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤١﴾]
ويحتمل أن يكون سبب نزول هذه الآية الكريمة في مهاجرة الحبشة... تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرا منها في الدنيا؛ فإن من ترك شيئا لله عوضه الله بما هو خير له منه، وكذلك وقع... (لو كانوا يعلمون) أي: لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله. ابن كثير: 2/551.
آية
﴿ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَنَّهُمْ كَانُوا۟ كَٰذِبِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٣٩﴾]
حين يرون أعمالهم حسراتٍ عليهم، وما نفعتهم آلهتهم التي يدعون مع الله من شيء لما جاء أمر ربك، وحين يرون ما يعبدون حطباًً لجهنم، وتكور الشمس والقمر، وتتناثر النجوم، ويتضح لمن يعبدها أنها عبيد مسخرات، وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات. السعدي: 440.
آية
﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُوا۟ ٱلطَّٰغُوتَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٣٦﴾]
لم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم؛ من عهد نوح أول رسول إلى أهل الأرض إلى زمن خاتم النبيين -صلوات الله عليه وعليهم- ودعوة الكل واحدة كما قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الأنبياء: 25]، وكما أخبر هنا في هذه الآية، فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول: (لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء)؟! القاسمي: 4/516.
آية
﴿ وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓا۟ إِلَٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ فَإِيَّٰىَ فَٱرْهَبُونِ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٥١﴾]
والاقتصار على الأمر بالرّهبة، وقصرها على كونها من الله يفهم منه الأمر بقصر الرغبة عليه؛ لدلالة قصر الرهبة على اعتقاد قصر القدرة التامة عليه تعالى. ابن عاشور:14/174.
آية
﴿ أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُوا۟ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٤٥﴾ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ﴿٤٦﴾ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤٥﴾]
ولكنه رؤوف رحيم، لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم، ويعافيهم، ويرزقهم، وهم يؤذونه، ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهم أبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع عن السيئات التي تضرهم، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب. السعدي:441.
آية
﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤٧﴾]
(أوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ): فيه وجهان: أحدهما: أن معناه على تنقص؛ أي ينتقص أموالهم وأنفسهم شيئا بعد شيء، حتى يهلكوا من غير أن يهلكهم جملة واحدة، ولهذا أشار بقوله: (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)؛ لأن الأخذ هكذا أخف من غيره، وقد كان عمر بن الخطاب أشكل عليه معنى التخوف في الآية، حتى قال له رجل من هذيل: التخوف: التنقص في لغتنا. والوجه الثاني: أنه من الخوف؛ أي يهلك قوما قبلهم فيتخوّفوا هم ذلك، فيأخذهم بعد أن توقعوا العذاب وخافوه. ابن جزي: 1/465.
آية
﴿ فَسْـَٔلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿٤٣﴾ بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤٣﴾]
وأفضل أهل الذكر: أهل القرآن العظيم؛ فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم؛ ولهذا قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر) أي: القرآن. السعدي:441.
آية
﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٤﴾]
فالقرآن أهم مقاصده هذه الفوائد الجامعة لأصول الخير؛ وهي: كشف الجهالات، والهدى إلى المعارف الحق، وحصول أثر ذينك الأمرين؛ وهو الرحمة الناشئة عن مجانبة الضلال واتباع الهدى. ابن عاشور:14/196.
آية
﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَـْٔخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦١﴾]
روي أن أبا هريرة -رضي الله عنه- سمع رجلاً يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: بئس ما قلت، إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم. البغوي:2/620.
آية
﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَـْٔخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦١﴾]
روي أن أبا هريرة -رضي الله عنه- سمع رجلاً يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: بئس ما قلت، إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم. البغوي:2/620.
آية
﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَـْٔخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦١﴾]
(ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) من غير زيادة ولا نقص (ما ترك عليها من دابة) أي: لأهلك المباشرين للمعصية وغيرهم من أنواع الدواب والحيوانات؛ فإن شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل. (ولكن يؤخرهم) عن تعجيل العقوبة عليهم إلى أجل مسمى؛ وهو يوم القيامة. (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) فليحذروا ما داموا في وقت الإمهال قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه. السعدي:443.
آية
﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُۥ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٥٨﴾ يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓ ۚ أَيُمْسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُۥ فِى ٱلتُّرَابِ ۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٥٨﴾]
والآية ظاهرة في ذم مَن يحزن إذا بشر بالأنثى؛ حيث أخبرت أن ذلك فعل الكفرة، وقد أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة أنه قال في قوله سبحانه: (وإذا بشر): هذا صنيع مشركي العرب؛ أخبركم الله تعالى بخبثه، فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله تعالى له، وقضاء الله تعالى خير من قضاء المرء لنفسه، ولعمري ما ندري أيٌ خير؛ لرُبَّ جارية خيرٌ لأهلها من غلام، وإنما أخبركم الله عز وجل بصنيعهم لتجتنبوه، ولتنتهوا عنه. الألوسي:14/549.
آية
﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَىْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٠﴾]
وكان من دعائه ﷺ عن أنس: (أعوذ بك من البخل، والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات). الألوسي:14/572.
آية
﴿ ثُمَّ كُلِى مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسْلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٩﴾]
(إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) أي: يعتبرون، ومن العبرة في النحل بإنصاف النظر وإلطاف الفكر في عجيب أمرها؛ فيشهد اليقين بأن ملهمها الصنعة اللطيفة مع البنية الضعيفة، وحذقها باحتيالها في تفاوت أحوالها هو الله سبحانه وتعالى... ثم أنها تأكل الحامض والمر والحلو والمالح والحشائش الضارة، فيجعله الله تعالى عسلا حلوا وشفاء، وفي هذا دليل على قدرته. القرطبي:12/374.
آية
﴿ وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلْأَعْنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٧﴾]
قال ابن عباس في قوله: (سكرا ورزقا حسنا): «السكر: ما حرم من ثمرتيهما، والرزق الحسن: ما أحل من ثمرتيهما»... (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون): ناسب ذكر العقل هاهنا؛ فإنه أشرف ما في الإنسان؛ ولهذا حرم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة صيانة لعقولها. ابن كثير:2/556.
آية
﴿ وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلْأَعْنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٧﴾]
(إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) عن الله كمال اقتداره؛ حيث أخرجها من أشجار شبيهة بالحطب، فصارت ثمرة لذيذة، وفاكهة طيبة، وعلى شمول رحمته، حيث عَمَّ بها عباده، ويسَّرها لهم. السعدي:444.
آية
﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِّلشَّٰرِبِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٦﴾]
فهل هذه إلا قدرة إلهية لا أمور طبيعية؛ فأي شيءٍ في الطبيعة يقلب العلف الذي تأكله البهيمة، والشراب الذي تشربه من الماء العذب والملح لبناً خالصاً سائغاً للشاربين. السعدي:444.
آية
﴿ أَلَمْ يَرَوْا۟ إِلَى ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِى جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٩﴾]
وجمع الآيات لأن في الطير دلائل مختلفة من: خلقة الهواء، وخلقة أجساد الطير مناسبة للطيران في الهواء، وخلق الإلهام للطير بأن يسبح في الجو، وبأن لا يسقط إلى الأرض إلا بإرادته. ابن عاشور:14/236.
آية
﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَمَن رَّزَقْنَٰهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُۥنَ ۚ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٥﴾]
مثلٌ لله تعالى وللأصنام؛ فالأصنام كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والله تعالى له الملك، وبيده الرزق ويتصرف فيه كيف يشاء، فكيف يسوي بينه وبين الأصنام؟! ابن جزي:1/432.
آية
﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَمَن رَّزَقْنَٰهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُۥنَ ۚ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٥﴾]
فشبّه حال أصنامهم في العجز عن رزقهم بحال مملوك لا يقدر على تصرّف في نفسه، ولا يملك مالاً. ابن عاشور:14/223.
آية
﴿ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلْأَنْعَٰمِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَٰثًا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٠﴾]
هذا من تعداد النعم التي ألهم الله إليها الإنسان؛ وهي نعمة الفكر بصنع المنازل الواقية والمرفهة، وما يشبهها من الثياب والأثاث عطفا على جملة (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) [النحل: 78]. وكلها من الألطاف التي أعد الله لها عقل الإنسان وهيأ له وسائلها. ابن عاشور:14/236.
آية
﴿ وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوا۟ شُرَكَآءَهُمْ قَالُوا۟ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا۟ مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا۟ إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَٰذِبُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٦﴾]
أي: نطقت بتكذيب من عبدها بأنها لم تكن آلهة، ولا أمرتهم بعبادتها، فينطق الله الأصنام حتى تظهر عند ذلك فضيحة الكفار. القرطبي:12/409.
آية
﴿ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨١﴾]
(لَعلَّكُم) إذا ذكرتم نعمة الله ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه (تُسْلِمُونَ) لعظمته وتنقادون لأمره، وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها؛ فكثرة النعم من الأسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر، والثناء بها على الله تعالى، ولكن أبى الظالمون إلا تمردا وعنادا. السعدي:446.
آية
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٠﴾]
يعني بالعدل: فعل الواجبات، وبالإحسان: المندوبات؛ وذلك في حقوق الله تعالى وفي حقوق المخلوقين. قال ابن مسعود: «هذه أجمع آية في كتاب الله تعالى». ابن جزي:1/472.
آية
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٠﴾]
وخَصّ الله بالذّكر من جنس أنواع العدل والإحسان نوعاً مُهمّاً يكثر أن يغفل الناس عنه، ويتهاونوا بحقّه، أو بفضله؛ وهو: إيتاء ذي القربى؛ فقد تقرّر في نفوس الناس الاعتناء باجتلاب الأبعدِ، واتّقاء شرّه، كما تقرّر في نفوسهم الغفلة عن القريب، والاطمئنان من جانبه، وتعوّد التساهل في حقوقه. ابن عاشور:14/256.
آية
﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٩﴾]
(لكل شيء) يفيد العموم؛ إلا أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشّرائع من: إصلاح النفوس، وإكمال الأخلاق، وتقويم المجتمع المدنيّ، وتبيّن الحقوق، وما تتوقّف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية، وصدق الرسول ﷺ. ابن عاشور:14/253.
آية
﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٩﴾]
وزيد في هذه الجملة أن الشهيد يكون من أنفسهم زيادة في التذكير بأن شهادة الرسل على الأمم شهادة لا مطعن لهم فيها؛ لأنها شهود من قومهم؛ لا يجد المشهود عليهم فيها مساغاً للطعن. ابن عاشور:14/250.
آية
﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ۚ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٩﴾]
هذا من كمال عدل الله تعالى؛ أن كل رسول يشهد على أمته؛ لأنه أعظم اطلاعاً من غيره على أعمال أمته، وأعدل وأشفق من أن يشهد عليهم إلا بما يستحقون. السعدي:447.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ يُفْسِدُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٨﴾]
أي: عذاباً على كفرهم، وعذاباً على صدهم الناس عن اتباع الحق... وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم. ابن كثير:2/562.
آية
﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٧﴾]
فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها، بل لا تسمى أعمالاً صالحة إلا بالإيمان، والإيمان مقتضٍ لها؛ فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات. السعدي:449.
آية
﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ ۗ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٦﴾] فآثروا ما يبقى على ما يفنى؛ فإن الذي عندكم -ولو كثر جداً- لا بد أن ينفد ويفنى، وما عند الله باق ببقائه، لا يفنى ولا يزول، فليس بعاقل من آثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس... وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا، خصوصاً الزهد المتعين، وهو الزهد فيما يكون ضرراً على العبد. [السعدي:448-449].
آية
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْغَٰفِلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٨﴾]
ثم وصفهم فقال: (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) أَي: عَن فَهمِ الْمَوَاعِظِ، (وسمعهم) عَن كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى، (وأبصارهم) عَنِ النَّظَرِ فِي الآيَاتِ، (وأولئك هم الغافلون) عَمَّا يُرَادُ بِهِم. القرطبي:12/449.
آية
﴿ كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَئِنٌّۢ بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٦﴾]
أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر فاختار القتل؛ أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة. القرطبي:12/444.
آية
﴿ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٦﴾]
هذه الآية مخاطبة للعرب الذين أحلوا أشياء، وحرموا أشياء؛ كالبحيرة وغيرها مما ذكر في سورة المائدة والأنعام، ثم يدخل فيها كل من قال: هذا حلال، وهذا حرام بغير علم. ابن جزي:1/476.
آية
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٢﴾]
جعلهم مثَلاً وعظة لمن يأتي بمثل ما أتوا به من إنكار نعمة الله. ابن عاشور:14/303.
آية
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٢﴾]
سماه لباساً لأنه يظهر عليهم من الهزال، وشحوبة اللون، وسوء الحال ما هو كاللباس. القرطبي:12/452.
آية
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٢﴾]
وقدم الأمن على الطمأنينة؛ إذ لا تحصل الطمأنينة بدونه، كما أن الخوف يسبّب الانزعاج، والقلق. ابن عاشور:14/305.
آية
﴿ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٥﴾]
فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً، ومن ذلك: الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها؛ فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق، لا المغالبة ونحوها. السعدي:452.
آية
﴿ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٥﴾]
المراد بالسبيل هنا: الإسلام، و(الحكمة) هي الكلام الذي يظهر صوابه، و(الموعظة) هي الترغيب والترهيب، والجدال هو الردّ على المخالف. وهذه الأشياء الثلاثة يسميها أهل العلوم العقلية بالبرهان، والخطابة، والجدال. ابن جزي:1/478.
آية
﴿ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٠﴾]
(إن إبراهيم كان أمة): فيه وجهان: أحدهما: أنه كان وحده أمة من الأمم بكماله، وجمعه لصفات الخير...والآخر: أن يكون أمة بمعنى إماماً؛ كقوله: (إني جاعلك للناس إماماً) [البقرة: 124]، قال ابن مسعود: والأمة: معلم الناس الخير. ابن جزي:1/477.
آية
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا۟ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوٓا۟ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٩﴾]
أخبر تعالى تكرما وامتنانا في حق العصاة المؤمنين أن من تاب منهم إليه تاب عليه، فقال: (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة) قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل. ابن كثير:2/571.