تدبــــر - المجموعة الرابعة والعشرين
{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} لا يستغربن أحد هذا الوعيد! فإن جرثومة الشقاق لا تولد حتى يولد معها كل ما يهدد عافية الأمة بالانهيار. [محمد الغزالي]
قال تعالى في سورة البقرة: {وما أوتي النبيون من ربهم} وفى آل عمران: {والنبيون} بدون ذكر الإيتاء، فما الحكمة في هذا؟ تأمل، أن آل عمران تقدم فيها: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة}، فأغنى عن إعادة إيتائهم ثانيا، ولم يتقدم مثل ذلك فى البقرة، فصرح فيه بإيتائهم ذلك. [ابن جماعة]
مع أهمية (التفكير) وأثره في الحياة، فيجب أن يبنى على أصول صحيحة، ومنطلقات شرعية، وتجرد سالم من المؤثرات الصارفة؛ وإلا كان وبالا على صاحبه في العاجل والآجل. تدبر: {إنه فكر وقدر*فقتل كيف قدر*ثم قتل كيف قدر*ثم نظر*ثم عبس وبسر*ثم أدبر واستكبر}. [أ.د.ناصر العمر]
إذا صدع المسلم بأمر ربه على الوجه المشروع، فلن يضره المستهزؤن؛ فلقد تكفل الله بكفايته إياهم. تأمل قول ربك: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين* إنا كفيناك المستهزئين}. [د.محمد الربيعة]
توكل عليه وحده، وعامله وحده، وآثر رضاه وحده، واجعل حبه ومرضاته هو كعبة قلبك التي لا تزال طائفا بها، مستلما لأركانها واقفا بملتزمها، فيا فوزك ويا سعادتك إن اطلع سبحانه على ذلك من قلبك! ماذا يفيض عليك من ملابس نعمه، وخلع أفضاله: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم}. [ابن القيم]
وصية إمام مجرب: يقول الشعبي: "إذا قرأت القرآن فاقرأه قراءة تسمع أذنيك، ويفقه قلبك، فإن الأذن عدل بين اللسان، والقلب"
{ولا تنسوا الفضل بينكم} تمام المروءة أن تراعي ورثة من كنت تراعيه، وتخلفه بزيادة على ما كنت تراعيهم حال حياته؛ لتكون الزيادة بإزاء إرعائه، ولا توهمهم أن المنزلة سقطت بموت كاسبهم، ووفر الإكرام على الأيتام؛ لتشوب مرارة يتمهم حلاوة التحنن. [ابن عقيل]
كلمة عالم عاش مع القرآن: هذا الكتاب المبارك انتقل بالإنسان من حدود الدنيا وضيقها إلى سعة الآخرة ونعيمها، فجعل من سعي الآخرة برا بالدنيا، ومن العمل الصالح في الدنيا نعيما في الآخرة، فلم يعد الإنسان -بفقه القرآن- حبيس غم وهم على فوات دنياه. [محمد الراوي]
سئل بعض العلماء هل تجد في القرآن شاهدا على المثل السائر: "من أعان ظالما سلط عليه"؟ فأجاب بآية واحدة، الجواب عن شاهد المثل: (من أعان ظالما سلط عليه) هو قوله تعالى: {كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير}. [الاتقان]
كم مرة قرءنا وسمعنا: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} فهل توقفنا عندها؛ لننظر هل ظلمنا أحدا؟! أزواجنا، أبناءنا، من تحت ولايتنا وكفالتنا؟ أو أننا نتصور أنها خاصة بالرؤساء والقادة؟!
فلنتدبرها؛ حتى لا ندخل في هذا التهديد، وسوء العاقبة والمصير! [أ.د.ناصر العمر]
{سماعون للكذب} إذا كان ربنا تعالى قد عاب سماع الكذب، فما ظنك بالكذب نفسه؟ والغيبة والنميمة والبهتان؛ لأن مجرد سماع الكذب يفضي لشر كثير، أوله: مرض القلب بالشبهة، ثم تتأثر الجوارح -بعد ذلك- تبعا لتاثر القلب
بحسب قيام العبد بالأمر تدفع عنه جيوش الشهوة، كما قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}، وقال تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}، وفي القراءة الأخرى: {يدفع}. [ابن القيم]
من مفاتيح التأثر بالآيات: قرأ الحسن البصري: {أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة} الآية، ثم قال الحسن: سمع رجل من المهاجرين رجلا يقرؤها -يعيدها ويبديها- فقال: أو ما سمعتم الله تعالى يقول: {ورتل القرآن ترتيلا}؟ هذا هو الترتيل!
نظرت إلى هذا الخلق؛ فرأيت كل من معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه، ثم نظرت إلى قول الله عز وجل: {ما عندكم ينفد وما عند الله باق} فكلما وقع معي شيء له قيمة ومقدار وجهته إلى الله؛ ليبقى عنده محفوظا. [أبو حامد الغزالي]
{أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} تأمل كيف نفر القرآن من الغيبة على أبلغ وجه؛ إذ جعل المحبة متجهة إلى ما لا يميل إليه الطبع -وهو أكل لحم الميت-، وزاد الصورة شناعة أن جعل الميت إنسانا، وأخا لمن يأكله! ولا يقارف ذلك إلا حيوان متوحش، لا يخضع لتشريع، ولا عهد له بتهذيب. [الخضر حسين]
قال تعالى في سورة البقرة: {لا يقدرون على شيء مما كسبوا} وفي سورة إبراهيم: {لا يقدرون مما كسبوا على شيء} ولهذا التغاير سر ذكره بعض أهل العلم، حاول أن تتأمل السياق ليظهر لك السبب. المثل في (البقرة) للعامل، فكان تقديم نفي قدرته وصلتها أنسب، أما آية (إبراهيم) فالمثل للعمل، لقوله تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم} تقديره: مثل أعمال الذين كفروا. [ابن جماعة]
عندما تخضع العقول تفكيرها: للإلف، والعادة، والتقليد، والهوى، دون تجرد لاتباع الحق؛ فإنها ستنكر البدهيات، وتعارض المسلمات. تدبر: {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب}! [أ.د.ناصر العمر]
تقليب النظر في ملف الزمن: قال قتادة في قوله تعالى:{لعلي أعمل صالحا فيما تركت} طلب الرجوع ليعمل صالحا، لا ليجمع الدنيا، ويقضي الشهوات، فرحم الله امرءا عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب.
القرآن غيرهم(1): آية من كتاب الله كانت سببا بعد توفيق الله في تركي لمعصية طالما نغصت علي حياتي، هي قوله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله}.
رمضان مدرسة التقوى.. تأمل كيف ذكرت التقوى في أول آية وأخر آية من آيات الصيام؛ ذلك أن الصيام من أعظم ما يعزز التقوى في النفوس، فلنفتش عن أثر الصيام على تقوانا لربنا في أسماعنا وأبصارنا وكلامنا، لنحقق الغاية: {لعلكم تتقون}. [د.محمد الربيعة]
من التطبيق العملي الذي كان يمارسه النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {وبشر المؤمنين} أنه كان يبشر أصحابه برمضان، ويقول: "قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم". [د. عمر المقبل]
قال تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلم تعقلون} دلت الآية على أنه بحسب عقل العبد يكون قيامه بما أمر الله به. [السعدي]
قف متأملا لهذه الآية: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} وفي آخرها: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} فشريعة حددت حركة العين، وبينت حكم صوت الخلخال في القدم؛ أينقصها بيان حكم الله في سائر شئون الحياة؟ فلا نامت أعين المنهزمين! [أ.د.ناصر العمر]
ابن تيمية والبدهيات قال تعالى: {لا يعصون الله ما أمرهم} ثم قال: {ويفعلون ما يؤمرون} قد يقول قائل: إذا كانوا لا يعصون الله ما أمرهم، فما الذي أضافه قوله بعد ذلك: {ويفعلون ما يؤمرون} أليس المعنى واحدا؟ الجواب: هما جملتان مفيدتان معنيين مختلفين: فمعنى الأولى: أن الله سبحانه إذا أمرهم بالأمر لا يعصونه في أمره. ومعنى الثانية: أنهم لا يفعلون شيئا من عند أنفسهم، إنما يفعلون ما أمرهم به ربهم، فهم يفعلون ما يؤمرون لا ما لا يؤمرون، بل أفعالهم كلها ائتمار وطاعة لأمر ربهم.
نظر العقل في هذه الدنيا، فرأى بأن فيها من يعيش ظالما ويموت ظالما، وأن فيها من يعيش مظلوما ويموت مظلوما، والرب العادل لا يقر الظلم، ولا يدع صاحبه بغير عقاب، ولا يترك من يقع عليه من غير إنصاف، فأيقن العقل أنه لا بد من حياة أخرى ينصف فيها المظلوم ويعاقب الظالم {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار}. [علي الطنطاوي]
إنك تتعامل مع من لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل، فداو دينك فقد دخله سقم، وهيئ زادك فقد حضر سفر بعيد {وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء}. [أبو حامد الغزالي]
أربع من كن فيه كن له: الشكر والإيمان والاستغفار والدعاء، قال الله تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم}، وقال: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}وقال: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}. [مكحول الشامي]
مرض القلب يفضي بصاحبه إلى الشقاء الأبدي، ولا شفاء لهذا المرض إلا بالعلم، ولهذا سمى الله تعالى كتابه شفاء لأمراض الصدور، قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم منه وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}. [ابن القيم]
زرت أحد العباد –في سن السبعين-، فذكر موقفا حصل له أيام شبابه، حيث دخل سجن التوقيف مع خصم له، في قضية حقوقية، قال: والحق معي، وكان خصمي سفيها، وكنت أوقظه للصلاة، فقد كان مقصرا فيها، وعندما أتى علينا وقت السحر؛ توضأت وأخذت المصحف وصليت، وبدأت بالجاثية، فلما بلغت قوله تعالى: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله} تأثرت بها كثيرا، وبكيت منها بكاء طويلا، وعفوت عن خصمي بسببها. [من متدبر]
لقوة انبهار السحرة بآية موسى العظيمة، وخرورهم الفوري، عبر بـ{ألقي}، ثم قالوا: {آمنا برب العالمين}، لينفوا أي توهم بأن سجودهم كان لموسى، كما كانت عادتهم لفرعون، ثم قالوا: {رب موسى وهارون}: لبيان أن السجود لله الحق، وليس لمدعي الربوبية القائل: {أنا ربكم الأعلى}. [أ.د.ناصر العمر]
ابن تيمية والبدهيات قوله تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} ما فائدة إعادة ذكر الزلزلة مرة ثانية؟ أليس يكفي اللفظ الأول (زلزلت)؟ الجواب: إن ذكر الزلزال مرة ثانية وإضافته، يفيد معنى زائدا، وهو زلزالها المختص بها، المعروف منها المتوقع منها، كما تقول: غضب زيد غضبه، وقاتل قتاله، أي: غضبه الذي يعهد منه، وقتاله المختص به الذي يعرف منه.
قال تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} ينبغي للإنسان أن يعمل بهذه الآية ولو مرة واحدة، إذا أعجبه شيء من ماله فليتصدق به؛ لعله ينال هذا البر. [ابن عثيمين]
إذا كان الزارع يتعب نفسه في الحرث والبذر؛ أملا بيوم الحصاد، فإن الدنيا مزرعة الآخرة، فازرعوا فيها من الصالحات؛ لتحصدوا ثمرتها حسنات يوم يقوم الحساب {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}. [علي الطنطاوي]
عن عبد الله بن رباح، قال: كان صفوان بن محرز المازني إذا قرأ هذه الآية: {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} بكى حتى أقول: اندق قصيص زوره. "وقصيص الزور: هو ما ارتفع من الصدر إلى الكتفين أو ملتقى أطراف عظام الصدر". [حلية الأولياء]
لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر؛ فإنه جامع لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين، ومقامات العارفين، {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}. [ابن القيم]
من تأمل حكاية الله لحال أنبيائه في سورة الأنبياء، وكيف نجى إبراهيم من النار، ولوطا من القرية التي تعمل الخبائث، ونوحا من الكرب العظيم؟ وكيف علم داود وفهم سليمان، وكشف الضر عن أيوب ونجى ذا النون من الغم، ووهب الولد لزكريا-عليهم الصلاة والسلام-؟ ثم عقب ذلك بقوله: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} عرف المؤهلات المطلوبة لإجابة الدعاء وتحصيل ولاية الله. [د.أحمد القاضي]
الاقتصار في الكلام على ما تدعو الحاجة إليه، منهج قرآني، تأمل ما ذكره الله في أول قصة ذي القرنين: {سأتلوا عليكم منه ذكرا}، وهو سنة لنبينا صلى الله عليه وسلم، حيث أعطي جوامع الكلم، فهل نتأسى بهذا المنهج المتين؟ [أ.د.ناصر العمر]
ابن تيمية والبدهيات قوله تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا} ما فائدة ذكر الدك والصف مرة أخرى؟ ألا تكفي الأولى منهما؟ الجواب: ليس للتأكيد كما يظنه طائفة من الناس، وإنما المراد الدك المتتابع، أي: دكا بعد دك... وكذلك قوله: {صفا صفا} ليس للتأكيد، إذ المراد صفا بعد صف، أي: صفا يتلوه صف.
الله سبحانه مدح أهل العلم، وأثنى عليهم وشرفهم؛ بأن جعل كتابه آيات بينات في صدورهم، وهذه خاصة ومنقبة لهم دون غيرهم، فقال تعالى: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ما يجحد بآياتنا إلا الظالمون}. [ابن القيم]
{وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع} فهذا وصف حالهم، وحكاية مقالهم، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقهم. [القرطبي]
سوء الظن مثل سوء القول، فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير، فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك، فإن الله: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}. [أبو حامد الغزالي]
إن صلاح الدين انتصر؛ لأنه دعا بدعوة الإسلام، لم يدع بدعوة الجاهلية، ولا نادى بشعائر الكفار، ولم يرفع راية مذهب باطل ابتدعه أهل الضلال من البشر، بل رفع راية القرآن الذي أنزله رب العالمين وخالق البشر. {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}. [علي الطنطاوي]
إن القصص القرآني لم يكن في لحظة من اللحظات سبيلا للتسلية، ولا حديثا مفترى، ولا منهجا للتفكه، ولا فتونا للاختلاق، وإنما جاء سردا لتاريخ أمم ومجتمعات وأجيال، يعرض وقائع حية، وحقائق موصلة إلى غايات عظمى، ومرام سامية، يتم إدراكها بالتفكر العميق، والتدبر الواعي، والتأمل الناضج، والعظة المعتبرة، قال تعالى: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}. [أحمد ولد محمد]
تدبر سورة العصر: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر} ثم استثنى من الخسران من اتصف بصفات أربع، فهم الرابحون، وليس من تلك الصفات تحقق نتائج ما يتواصون به من الحق، وإنما الغاية تواصيهم بذلك، وصبرهم على ما يصيبهم.
وفقه هذه الحقيقة للانتصار، من أعظم عوامل الثبات والاطراد والتفاؤل.
[أ.د.ناصر العمر]
قال تعالى في سورة الأعراف، بعد ذكر قصة آدم وما لقيه من وسوسة الشيطان: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي} لمخاطبتهم ببني آدم وقع عجيب بعد الفراغ من ذكر قصة آدم وما لقيه من وسوسة الشيطان: وذلك أن شأن الذرية أن تثأر لآبائها، وتعادي عدوهم، وتحترس من الوقوع في شَركِه. [ابن عاشور]
إن الشيطان متربص بالبشر، يريد أن يوقع بينهم العداوة والبغضاء، وأن يجعل من النزاع التافه، عراكا داميا، ولن يسد الطريق أمامه كالقول الجميل {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم}. [محمد الغزالي]
يقول الله: {إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم} فإذا أقبلت على الله تعالى بصدق نية، ورغبة لفهم كتابه باجتماع هم، متوكلا عليه أنه هو الذي يفتح لك الفهم، لا على نفسك فيما تطلب، ولا بما لزم قلبك من الذكر، لم يخيبك من الفهم والعقل عنه إن شاء الله. [المحاسبي]
قال تعالى في هذه الدار: {وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم} فهذا شأن الانتقال في الدنيا من بلد إلى بلد، فكيف الانتقال من الدنيا إلى دار القرار؟! [ابن القيم]
ما أعظم عاقبة الصدق مع الله، تأمل: {إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم}، {فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}، {فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم}. [د.محمد الربيعة]
{والشعراء يتبعهم الغاوون} ثم: {إلا الذين آمنوا}، وقال عن المنافقين: {لايذكرون الله إلا قليلا}، وعن أهل الكتاب: {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون}، وهذا منهج قرآني مطرد؛ فما بال بعض الناس يعممون ولا يستثنون؟ ألا تخافون: {أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}. [أ.د. ناصر العمر]
ابن تيمية والبدهيات(1): قال تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر} فلا يدرى انقضى أجل الميقات عند الثلاثين وكانت العشر تماما، أو إنما كان انقضاؤه عند تمام الأربعين، وأن الإتمام بعشرة هو زيادة في الأجل؟ الجواب: لما قال تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} علمنا أن العشر دخلت في الأجل ، فصارت جزءا منه.
الله قد أقسم بالعصر (الذي هو الزمان) على أن الإنسان لفي خسر، إشارة إلى أن هذه الخسارة تأتي حتما مع الزمان، وليست خسارة مال يعوض ولا خسارة حبيب يُنسى، إنها خسارة الحياة نفسها. [علي الطنطاوي]
الأخلاق السيئة هي السموم القاتلة، والمهلكات الدامغة، والمخازي الفاضحة، والرذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين، المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين، وهي الأبواب المفتوحة إلى {نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة}. [أبوحامد الغزالي]
عن مسروق قال: قال رجل من أهل مكة: هذا مقام تميم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح، يقرأ آية من كتاب الله، ويركع ويسجد ويبكي: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}. [القرطبي]
إن الشيطان متربص بالبشر، يريد أن يوقع بينهم العداوة والبغضاء، وأن يجعل من النزاع التافه، عراكا داميا، ولن يسد الطريق أمامه كالقول الجميل {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم}. [محمد الغزالي]
إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فإنما هو استدراج فاحذره، قال تعالى: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} وقال تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}. [أبو حازم الأعرج]
قد تكون آخر ليلة من رمضان .. وقد تنتظر إمامك ليقنت أو يختم، فيتحرك قلبك مع دعائه، فتنزل دمعاتك، هذا حسن؛ ولكن ألا أدلك على دعاء عظيم تسمعه في كل ركعة، ولكن القليل منا من يحضر قلبه معه؟! إنه قول العزيز الرحيم في آخر الفاتحة -والتي نسمعها كل ركعة ثم نؤمن على هذا الدعاء بقلب غافل-: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم...} الآية. بالله حرك قلبك مع هذا الدعاء، فوالذي نفسي بيده إن استجاب الله لك هذه الدعوة فقط فإنك والله من الفائزين المفلحين. [عبدالعزيز المديهش]
كثير من المسلمين –ولله الحمد- يسألون الله من فضله، لكن كثيرا منهم لا يخطر بباله إلا الفضل الدنيوي، كالرزق والصحة ونحوها، ويغيب عنهم أن أعظم الفضل الإلهي إنما هو تزكية النفوس، ولذا قال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء}. [إبراهيم السكران]
وصف الله الصحابة بقوله: {تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا} ولم يقل: (يبتغون أجرا) ففيه اعتراف منهم بالتقصير، وطمع بالفضل الإلهي الذي لا منتهى ولا حد له، والذي هو أعظم من الأجرة التي يستحقونها على عملهم. [التفسير الكبير]
فلنجتهد فيما بقي من شهرنا، ولنطمع في فضل ربنا. فليجعل العاقل شغله خدمة ربه، فما له على الحقيقة غيره، وليكن أنيسه وموضع شكواه: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} فلا تلتفت أيها المؤمن إلا إليه، ولا تعول إلا عليه، وإياك أن تعقد خنصرك إلا على الذي نظمها. [ابن الجوزي]
{إنا أنزلناه في ليلة مباركة} في كثرة خيراتها، مباركة في سعة فوائدها ومبراتها، ومن بركتها: أنها تفوق ليالي الدهر، وأن من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، أما يحق لك -أيها المؤمن- أن تجرد قلبك في هذه الليلة من جميع الأشغال؟ وأن تقبل بكليتك إلى طاعة ذي العظمة والجلال؟ وأن تعترف بذنوبك وفاقتك وافتقارك؟ وأن تتوسل إليه مخلصا في خضوعك وانكسارك؟ [السعدي]
تصور يجتمع هذا الحشد من الحديث عن التوبة في سورة واحدة: {فإن تبتم}، {فإن تابوا}، {ثم يتوب الله على من يشاء}، {عسى الله أن يتوب عليهم}، {يقبل التوبة}، {وإما يتوب عليهم}، {التائبون}، {لقد تاب الله}، {ثم تاب عليهم ليتوبوا} فما عذر من تأخر عن التوبة في شهر التوبة؟ [من متدبر]
تأمل حالك في هذه الليالي المباركة هل تشعر بلذة النوم وحب الفراش؟ أو أنك تأوي إلى فراشك قدر حاجتك؛ لتستعين بذلك على العبادة، فتلحظ أنك كلما استغرقك النوم قمت فزعا؛ خوفا من فوات هذه المغانم؟ تدبر هذه الآية لتكتشف أي (عابد) أنت: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}الآية. فمن ضيع هذه الليالي المباركة فهو لما سواها أضيع. [أ.د.ناصر العمر]