فوائد من كتاب محاسبة النفس 2
حكمــــــة
عن ابن أبي شميلة، قال: دخل رجل على عبد الملك بن مروان ممن كان يوصف بالعقل والأدب فقال له عبد الملك بن مروان: تكلم قال: « بم أتكلم وقد علمت أن كل كلام يتكلم به المتكلم عليه وبال إلا ما كان لله؟ » فبكى عبد الملك ثم قال: يرحمك الله لم يزل الناس يتواعظون ويتواصون، قال الرجل: « يا أمير المؤمنين، إن للناس في القيامة جولة لا ينجو من غصص مرارتها ومعاينة الردى فيها إلا من أرضى الله عز وجل بسخط نفسه » قال: فبكى عبد الملك ثم قال: لا جرم لأجعلن هذه الكلمات مثالا نصب عيني ما عشت أبدا.
حكمــــــة
عن إسماعيل بن أمية، قال: قيل لمسروق: لو أنك قصرت عن بعض ما تصنع، أي من العبادة قال: « والله لو أتاني آت من ربي فأخبرني أن الله لا يعذبني لاجتهدت في العبادة » قيل: وكيف ذاك؟ قال: « حتى تعذرني نفسي إن دخلت جهنم لا ألومها أما بلغك في قول الله تبارك وتعالى (ولا أقسم بالنفس اللوامة) سورة: القيامة آية رقم: 2 إنما لاموا أنفسهم حتى صاروا إلى جهنم واعتنقتهم الزبانية وحيل بينهم وبين ما يشتهون وانقطعت عنهم الأماني ورفعت عنهم الرحمة وأقبل كل امرئ منهم يلوم نفسه ».
حكمــــــة
عن عمارة بن زاذان، أن مالك بن دينار لما حضره الموت قال: لولا أني أكره أن أصنع شيئا لم يصنعه أحد كان قبلي لأوصيت أهلي إذا أنا مت أن تقيدوني وأن تجمعوا يدي إلى عنقي فينطلق بي على تلك الحال حتى أدفن كما يصنع بالعبد الآبق وقال غير أحمد بن محمد: فإذا سألني ربي قلت: أي رب لم أرض لك نفسي طرفة عين قط.
حكمــــــة
قال يزيد الرقاشي: « ابن آدم إنك رقيق على الناس غليظ بعضك على بعض لو نعي إليك بعض أهلك بكيت وأنت كل يوم تنعى إليك نفسك لا تبكيها » وقال أبو بكر يعني ابن أبي الدنيا: أنشده محمد الوراق وفي مثل ذلك يقول الشاعر: فيبكي على ميت ويغفل نفسه كأن بكفيه أمانا من الردى وما الميت المقبور في صدر يومه أحق بأن يبكيه من ميت غدا.
حكمــــــة
عن الوليد بن عقبة، قال: كان يخبز لداود الطائي ستون رغيفا يعلقها بشريط يفطر به في كل ليلة على رغيفين بملح وماء فأخذ ليلة فطره فجعل ينظر إليه قال: ومولاة له سوداء تنظر إليه فقامت فجاءت بشيء من تمر على طبق فأفطر وأصبح صائما فلما أن جاء وقت الإفطار أخذ رغيفه وملحا وماء، قال الوليد بن عقبة: حدثني حارثة قال: جعلت أسمعه يعاتب نفسه يقول: « اشتهيت البارحة تمرا فأطعمتك واشتهيت الليلة تمرا لا ذاق داود تمرا ما دام في دار الدنيا ».
حكمــــــة
قالت أم محمد بن كعب القرظي لابنها محمد: يا بني، لولا أني أعرفك صغيرا طيبا وكبيرا طيبا لظننت أنك أحدثت ذنبا موبقا لما أراك تصنع بنفسك في الليل والنهار قال: « يا أماه وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي وأنا في بعض ذنوبي فمقتني؟ وقال: اذهب لا أغفر لك مع أن عجائب القرآن تردني على أمور حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي »
حكمــــــة
عن كلاب بن جري، قال: رأيت شابا ببيت المقدس قد عمش من طول البكاء فقلت له: يا فتى كم تكون العين سليمة على هذا البكاء؟ قال: فبكى ثم قال « كم شاء ربي فلتكن وإذا شاء سيدي فلتذهب فليست بأكرم علي من بدني إنما أبكي رجاء السرور والفرح في الآخرة وإن تكن الأخرى فهو والله شقاء الدهر وحزن الأبد، والأمر الذي كنت أخافه وأحذره على نفسي وإني احتسب على الله غفلتي في نفسي وتقصيري في حظي ثم غشي عليه » قال ابن أبي الدنيا: أنشدني محمد بن قدامة الجوري: إني أرقت وذكر الموت أرقني فقلت للدمع أسعدني فأسعدني إن لم أبك لنفسي مشعرا حزنا قبل الممات ولم أرق لها فمن يا من يموت ولم تحزنه ميتته ومن يموت فما أولاه بالحزن إني لأرقع أثوابي ويخلقها جدب الزمان لها بالوهن والعفن لمن أثمر أموالي وأجمعها لمن أروح لمن أغد لمن لمن لمن سيوقع بي لحدي ويتركني تحت الثرى ترب الخدين والذقن.
حكمــــــة
قال أبو عزبة الأنصاري، قال: كان قوما من أهل المدينة يجتمعون في مجلس لهم بالليل يسمرون فيه فلما قتل الناس يوم الحرة قتلوا ونجا منهم رجل فجاء إلى مجلسه فلم يحس منهم أحدا ثم جاء الليلة الثانية فلم يحس منهم أحدا ثم جاء الليلة الثالثة فلم يحس منهم أحدا فعلم أنه قد قتلوا فتمثل بهذا البيت: « ألا ذهب الكماة وخلفوني كفى حزنا بذكري للكماة » قال: فنودي من جانب المجلس: « فدع عنك الكماة فقد تولت ونفسك فابكها قبل الممات فكل جماعة لا بد يوما يفرق بينها شعث الشتات ». __
حكمــــــة
يذكر أن سليمان بن عبد الملك كان ربما نظر في المرآة فيقول: « أنا الملك الشاب » قال: فنزل مرج دابق فمرض مرضه الذي مات فيه وفشت الحمى في أهله وأصحابه فدعا جاريته بوضوء فبينا هي توضئه إذ سقط الكوز من يدها قال: « ما قصتك؟ » قالت: محمومة قال: ففلان قالت: محموم، قال: ففلانة قالت: محمومة قال: « الحمد الله الذي جعل خليفته في أرضه ليس عنده من يوضئه » ثم التفت إلى خاله ابن الوليد بن القعقاع العنسي فقال: « قرب وضوءك يا وليد فإنما هذه الحياة تعلة ومتاع » قال: فأجابه الوليد: فاعمل لنفسك في حياتك صالحا فالدهر فيه فرقة وجماع.
حكمــــــة
قال أبو أيوب الهجري: أخبرني شيخ، من أهل هجر يكنى أبا صالح قال: « تفكرت في أشياء من أمري فمقت نفسي فدمعت عيني لما ذكرت، وسهرت ساعة من الليل فتوضأت وصليت ثم أغفيت موضعي فإذا بجارية حسناء عليها ثياب خضر ومعها شيء شبه القرص الأبيض فقالت: ذق هذا فذقته فإذا هو شهد فاستعذبته فجعلت تلقمني فقلت: ما ذقت مثل هذا فقالت: هذا منك فإن زدت زادوك فقلت: فسري قالت: مقتك نفسك عبادة وفكرتك حسنة ودمعتك مسرة وصلاتك جنة ثم قالت: اعمل للكريم لا تضيق بالكبير وقل: يا متسع اتسع علينا بفضلك وأهلنا لأمر لسنا أهله فإن لم نستحق المغفرة فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة وجد علينا برحمتك فإن ما عندنا ينفذ وما عندك يبقى ونحن إلى الفناء وأنت الحي القيوم ثم قالت: اضطجع فاضطجعت فنمت فانتبهت فإذا في يدي خرقة حرير لازورد فيها مكتوب: سبحان من أنعم وشكر وأعطى من كفر يا ابن آدم ما أجهلك تطيع عدوك وتعصي رازقك وفيه تيقظ من منامك يا غبي فخير تجارة الدنيا التقى قال: فانتبهت وإنها لملصقة في راحتي »
حكمــــــة
عن أحمد بن سهل الأردني، قال: دخل على زنجلة العابدة نفر من القراء فكلموها في الرفق بنفسها فقالت: « ما لي وللرفق بها إنما هي أيام مبادرة فمن فاته اليوم شيء لم يدركه غدا والله يا إخوتاه لأصلين لله عز وجل ما أقلتني جوارحي ولأصومن له أيام حياتي ولأبكين له ما حملت الماء عيني » ثم قالت: « أيكم يأمر عبده بأمر فيحب أن يقصر فيه؟ ».
حكمــــــة
عن سرار أبو عبيدة، قال: قالت لي امرأة عطاء السليمي: عاتب عطاء في كثرة البكاء فعاتبته فقال لي: يا سرار، « كيف تعاتبني في شيء ليس هو إلي، إني إذا ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله عز وجل وعقابه تمثلت لي نفسي ثم، فكيف لنفس تغل يدها إلى عنقها وتسحب في النار أن لا تصيح وتبكي؟ وكيف لنفس تعذب أن لا تبكي؟ ويحك يا سرار ما أقل غناء البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله عز وجل ».
حكمــــــة
قال محمد بن المنكدر: إني خلفت زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش وهو يخاصم نفسه في المسجد يقول؟: « اجلس أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان ودار فلان؟ » قال: وكان يقول لنفسه: « وما لك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت وما لك من الثياب إلا هذان الثوبان، وما لك من النساء إلا هذه العجوز، أفتحبين أن تموتي؟ » فقالت: « أنا أصبر على هذا العيش ».
حكمــــــة
عن سهل بن غليظ، قال: مضيت مع عامر بن الصباح إلى بكر العابد وكان في دار وحده فسمعناه يتكلم فلما أدركنا قال له عامر: لمن كنت تكلم؟ قال: « لنفس نازعتني الطعام فإذا مطهرة فيها كسر قد بلها فسألتني ملحا طيبا فقلت لها: ليس إلا ملح العجين الجريش فإن كنت تشتهين هذا وإلا فليس عندي غيره قال فمكث بعد ذلك ثلاثا لم يطعم شيئا ».
حكمــــــة
عن الحسن قال: « أيسر الناس حسابا يوم القيامة الذين يحاسبون أنفسهم في الدنيا فوقفوا عند همومهم وأعمالهم فإن كان الذي هموا به لهم مضوا وإن كان عليهم أمسكوا قال: وإنما يثقل الأمر يوم القيامة على الذين جازفوا الأمور في الدنيا أخذوها من غير محاسبة فوجدوا الله عز وجل قد أحصى عليهم مثاقيل الذر وقرأ (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) ».