فوائد من كتاب سلاح اليقظان لطرد الشيطان 2
حكمــــــة
قال بعض العلماء: اعلم أن للعالم العامل بعلمه حقيقة علامات وأمارات تفرق بينه وبين علماء اللسان المخلطين المتبعين للهوى المؤثرين للدنيا على الآخرة المحبين للظهور والشهرة. فمن علامات العالم الحقيقي الممتاز أن يكون متواضعًا خائفًا وجلاً مشفقًا من خشية الله زاهدًا في الدنيا قانعًا باليسير منها بعيدًا عن الحسد والعجب والغيبة والنميمة والمداهنة. ملتمسًا للفقراء المتمسكين بدينهم الخالية بيوتهم من الملاهي والمنكرات الذين ليس لهم موارد ولا مساكن ليسعفهم بما يقدر عليه من مال وجاه. ناصحًا لعباد الله شفيقًا عليهم رحيمًا بهم، وآمرًا بالمعروف فاعلاً له وناهيًا عن المنكر، ومجتنبًا له ومسارعًا في الخيرات ملازمًا للعبادات. دالاً على الخير داعيًا إلى الهدى، ذا صمت وتوأدة ووقار وسكينة. حسن الأخلاق، واسع الصدر، لين الجانب، مخفوض الجناح للمؤمنين، لا متكبرًا ولا متجبرًا، ولا طامعًا في الناس، ولا حريصًا على الدنيا، ولا مؤثرًا لها على الآخرة. ولا منهمكًا بجمع المال، ولا غشاشًا، ولا مقدمًا للأغنياء على الفقراء، ولا مرائيًا، ولا محبًا للولايات.
حكمــــــة
كان الإمام أحمد يقدر الشافعي ـ رضي الله عنهما ـ ويذكره كثيرًا ويثني عليه وكانت له ابنة صالحة تقوم الليل وتصوم النهار وتحب أخبار الصالحين. وتود أن ترى الشافعي لتقدير الإمام أحمد له فاتفق مبيت الشافعي عنده ففرحت البنت بذلك طمعًا في أن ترى أفعاله وتسمع مقاله. فلما كان الليل قام الإمام أحمد إلى صلاته والإمام الشافعي مستلق على ظهره والبنت ترقبه لتنظر عمله حتى الفجر. فقالت لأبيها أنت تقدر الشافعي وتثني عليه وما رأيته صلى في هذه الليلة ولا سمعت له ذكرًا ولا وردًا. فبينما هم في الحديث إذ قام الشافعي فقال له أحمد كيف كانت ليلتك فقال ما رأيت ليلة أطيب منها ولا أبرك ولا أربح فقال كيف ذلك. قال لأني رتبت في هذه الليلة مائة مسألة وأنا مستلق على ظهري كلها في منافع المسلمين ثم ودعه ومضى. فقال أحمد لابنته هذا الذي عمله الليلة وهو نائم أفضل مما عملته وأنا قائم.
حكمــــــة
اعلم أيها الأخ أنه ما من ساعة تمر على العبد لا يذكر الله فيها إلا تأسف وتحسر على فواتها بغير ذكر الله ولذلك ينبغي للعاقل أن يجعل معه شيئًا يذكره لذكر الله كلما غفل عنه. ويقال إن العبد تعرض عليه ساعات عمره في اليوم والليلة فيراها خزائن مصفوفة أربع وعشرين خزانة فيرى في كل خزانة أمضاها في طاعة الله ما يسره. فإذا مرت به الساعات التي غفل فيها عن ذكر الله رآها فارغة ساءه ذلك وتندم حين لا يفيده الندم. وأما الساعات التي كان يذكر الله فيها فلا تسأل عن سروره فيها وفرحه بها حتى يكاد أن يقتله الفرح والسرور
حكمــــــة
قال بعض العلماء أوقات الإنسان أربعة لا خامس لها النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية.، ولله عليك في كل وقت منها سهم من العبودية. فمن كان وقته الطاعة لله فسبيله شهود المنة من الله عليه أن هداه ووفقه للقيام بها. ومن كان وقته المعصية فعليه بالتوبة والندم والاستغفار. ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر والحمد لله والثناء عليه. ومن كان وقته البلية فسبيله الرضا بالقضاء والصبر والرضا رضى النفس عن الله، والصبر ثبات القلب بين يدي الرب
حكمــــــة
كان لمحمد بن المنكدر قطع قماش بعضها بخمسة وبعضها بعشرة فباغ غلامه قطعة من القطع التي على خمسة بعشرة. فلما علم محمد بذلك ذهب يطلب الذي اشترى من غلامه ليرد عليه خمسة فلم يزل يطلبه طول النهار حتى وجده. فقال له إن الغلام قد غلط باعك ما يساوي خمسة بعشرة. فقال يا هذا أنا قد رضيت فقال له وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا. فاختر إحدى ثلاث خصال إما أن تأخذ بدلها من القطع التي على عشرة بدراهمك وإما نرد عليك خمسة وإما أن ترد القطعة وتأخذ دراهمك. فقال أعطني خمسة فرجع عليه خمسة وأخذها وانصرف. فقال من هذا الرجل الناصح لنفسه وللمسلمين فقالوا هذا محمد بن المنكدر رحمه الله.
حكمــــــة
يروى عن الإمام علي أنه قال إن لله عبادًا في الأرض كأنما رأوا أهل الجنة في جنتهم وأهل النار في نارهم، اليقين وأنواره لامعة على وجوههم، وقلوبهم محزونة. وشرورهم مأمونة، وأنفسهم عفيفة، صبروا أيامًا قليلة لراحة طويلة. أما الليل فصافون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله سبحانه " أي يتضرعون إلى الله بالدعاء ". قد حلا في أفواههم، وحلا في قلوبهم طعم مناجاته ولذيذ الخلوة به. قد أقسم الله على نفسه بجلال عزته ليورثنهم المقام الأعلى في مقعد صدق عنده. وأما نهارهم فحكماء علماء بررة أتقياء كالقداح (أي أجسامهم نحيفة). ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى، وما بالقوم من مرض، أو يقول قد خولطوا ولعمري لقد خالطهم أمر عظيم جليل.
حكمــــــة
عباد الله اغتنموا نفائس أوقات تسير بكم سيرًا حثيثًا، وأيامًا وليالي طالما أرتكم عبرة وأسمعتكم مواعظها حديثًا، لقد أخبرتكم بما أخلت من الديار. وما أحلت بالقرون من قبلكم وأعفت من الآثار، ألم تروا كيف أوردت الأتراب مصارع المنايا، ألم تصل إليكم أخبار قوارع الرزايا أما دهتكم في أنفسكم بكثير من الآلام. أما أذاقتكم في أنفسكم مرارة الأسقام فلو فكرتم في الدنيا لعلمتم أنكم في إدبار منها حثيث. فكأنكم بالليل والنهار وقد وقفا بكم على الآجال وأزالا عنكم غرور الآمال ووصلا بكم إلى دار القرار، فيا حسرة منتقل إلى دار لم يتخذ بها منزلا ولم يقدم إليها من الباقيات الصالحات عملا.
حكمــــــة
خطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال أيها الناس إن لكل سفر زادًا لا محالة فتزودوا من سفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى. وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثوابه وعقابه فترغبوا وترهبوا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم وتنقادوا لعدوكم. فإنه والله ما بسط أمل لمن لا يدري لعله لا يمسي بعد إصباحه، ولا يضحي بعد إمسائه، وربما كانت بين ذلك خطرات المنايا. وإنما يطمئن من وثق بالنجاة من العذاب وأهوال القيامة، فأما من ناحية أخرى كيف يطمئن. أعوذ بالله من أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي، وتبدو مسكنتي ليوم لا ينفع فيه إلا الصدق.
حكمــــــة
قيل كان عمر بعث رسلاً إلى ملك الروم في فداء من عندهم من المسلمين فمات عمر وهم في بلاد الروم فبلغ ملك الروم موت عمر رحمه الله قبل أن يصل الخبر المسلمين فأعلمهم ملك الروم بموته. فبكوا فقال لا تبكوا عليه فقد استراح من نصب الدنيا وهمومها وكربها وأنكادها وأعراضها، وكان إلى الروح والدعة والسرور. إن بقاء أهل الخير مع أهل الشر قليل. وإن صاحبكم كان أعجب عندي من الرهبان الذين تفردوا في الصوامع لأنه رفض الدنيا مع إقبالها عليه وتركها وهي في يديه.
حكمــــــة
روي أن عمر بن عبد العزيز قرأ يومًا قول الله جل وعلا(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ)الآية فبكى بكاءًَا شديدًا حتى سمعه أهل الدار فجاءت زوجته فجلست تبكي معه وبكى أهل الدار لبكائهما. فجاء ابنه عبد الملك وكان ولدًا صالحًا ودخل عليهم وهم يبكون فقال يا أبتي ما يبكيك فقال يا بني ود أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه. والله يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار.
حكمــــــة
قدم على عمر وفد من العراق فنظر إلى شاب منهم يريد الكلام فقال عمر أولو الأسنان أولى. فقال الفتى يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن ولو كان كذلك لكان في المسلمين من هو أسن منك. فقال عمر صدقت تكلم فقال يا أمير المؤمنين إنا لم نأتك رغبة ولا رهبة. أما الرغبة فقدمت علينا في بلادنا وأما الرهبة فقد أمنا من جورك بما وهبك الله جل وعلا من العدل. قال فمن أنتم قال وفد الشكر قال لله درك ما أحسن نطقك.