فوائد من كتاب احياء علوم الدين
القرآن قوله عز وجل: ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط﴾ (آل عمران 3: 18) فانظر كيف بدأ سبحانه وتعالى بنفسه وثنى بالملائكة وثلث بأهل العلم وناهيك بهذا شرفا وفضلا وجلاء ونبلا وقال الله تعالى: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ (المجادلة: 11) قال ابن عباس رضي الله عنهما: للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل: يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق، وقال علي أيضا رضي الله عنه: العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: خُيِّر سليمان بن داود عليهما السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه.
وسئل ابن المبارك: من الناس؟ فقال: العلماء قيل: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قيل: فمن السفلة؟ قال: الذين يأكلون الدنيا بالدين
وقال فتح الموصلي رحمه الله: أليس المريض إذا منع الطعام والشراب والدواء يموت؟ قالوا: بلى، قال: كذلك القلب إذا منع عنه الحكمة والعلم ثلاثة أيام يموت
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: عليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه موت رواته، فوالذي نفسي بيده ليودن رجال قتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامتهم، فإن أحدا لم يولد عالما وإنما العلم بالتعلم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها. وكذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه وأحمد بن حنبل رحمه الله
وقال الحسن في قوله تعالى: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة﴾ (سورة البقرة: الآية 201. سورة التوبة: الآية 122) إن الحسنة في الدنيا هي العلم والعبادة وفي الآخرة هي الجنة
وقال الشافعي رحمة الله عليه من شرف العلم أن كل من نسب إليه ولو في شيء حقير فرح ومن رفع عنه حزن
قال ابن أبي مليكة رحمه الله: ما رأيت مثل ابن عباس، إذا رأيته رأيت أحسن الناس وجها، وإذا تكلم فأعرب الناس لساناً، وإذا أفتى فأكثر الناس علماً
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: من رأى أن الغدو إلى طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله.
يحيى بن معاذ العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم قيل وكيف ذلك قال لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم يحفظونهم من نار الآخرة
أول العلم الصمت ثم الاستماع ثم الحفظ ثم العمل ثم نشره وقيل علم علمك من يجهل وتعلم ممن يعلم ما تجهل فإنك إذا فعلت ذلك علمت ما جهلت وحفظت ما علمت
وقال معاذ بن جبل في التعليم والتعلم تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة وهو الأنيس في الوحدة والصاحب في الخلوة والدليل على الدين والمصبر على السراء والضراء والوزير عند الأخلاء والقريب عند الغرباء ومنار سبيل الجنة يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة سادة هداة يقتدى بهم أدلة في الخير تقتص آثارهم وترمق أفعالهم وترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم وكل رطب ويابس لهم يستغفر حتى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه والسماء ونجومها
قال الشعبي صلى زيد بن ثابت على جنازة فقربت إليه بغلته ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء فقبل زيد بن ثابت يده وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم
فمن طلب بالعلم المال كان كمن مسح أسفل مداسه بوجهه لينظفه فجعل المخدوم خادماً والخادم مخدوماً وذلك هو الانتكاس على أم الرأس ومثله هو الذي يقوم في العرض الأكبر مع المجرمين ناكسي رءوسهم عند ربهم
قيل لإبراهيم بن عيينة أي الناس أطول ندماً قال أما في عاجل الدنيا فصانع المعروف إلى من لا يشكره وأما عند الموت فعالم مفرط
قال عيسى عليه السلام مثل علماء السوء كمثل صخرة وقعت على فم النهر لا هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع ومثل علماء السوء مثل قناة الحش ظاهرها جص وباطنها نتن ومثل القبور ظاهرها عامر وباطنها عظام الموتى
كتب رجل إلى أخ له إنك قد أوتيت علماً فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم في نور علمهم
قيل لبعض العارفين أترى أن من تكون المعاصي قرة عينه لا يعرف الله قال لا شك أن من تكون الدنيا عنده آثر من الآخرة أنه لا يعرف الله تعالى
قال سهل رحمه الله العلم كله دنيا والآخرة منه العمل به والعمل كله هباء إلا الإخلاص وقال الناس كلهم موتى إلا العلماء والعلماء سكارى إلا العاملين والعاملون كلهم مغرورون إلا المخلصين والمخلص على وجل حتى يدري ماذا يختم له به
قال الثوري فتنة الحديث أشد من فتنة الأهل والمال والولد وكيف لا تخاف فتنته وقد قيل لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً
قال الشعبي يطلع يوم القيامة قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون لهم ما أدخلكم النار وإنما أدخلنا الله الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم فيقولون إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله وننهى عن الشر ونفعله
قال حاتم الأصم رحمه الله ليس في القيامة أشد حسرة من رجل علم الناس علماً فعملوا به ولم يعمل هو به ففازوا بسببه وهلك هو
قال مالك بن دينار إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله مررت بحجر بمكة مكتوب عليه اقلبني تعتبر فقلبته فإذا عليه مكتوب أنت بما تعلم لا تعمل فكيف تطلب علم ما لم تعلم
قال ابن السماك رحمه الله كم من مذكر بالله ناس لله وكم من مخوف بالله جريء على الله وكم من مقرب إلى الله بعيد من الله وكم من داع إلى الله فار من الله وكم من تال كتاب الله منسلخ عن آيات الله
قال عيسى عليه السلام مثل الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله تعالى يوم القيامة على رءوس الأشهاد
قال عمر رضي الله عنه إذا زل العالم زل بزلته عالم من الخلق وقال عمر رضي الله عنه ثلاث بهن ينهدم الزمان إحداهن زلة العالم
قال ابن مسعود سيأتي على الناس زمان تملح فيه عذوبة القلوب فلا ينتفع بالعلم يومئذ عالمه ولا متعلمه فتكون قلوب علمائهم مثل السباخ من ذوات الملح ينزل عليها قطر السماء فلا يوجد لها عذوبة وذلك إذا مالت قلوب العلماء إلى حب الدنيا وإيثارها على الآخرة فعند ذلك يسلبها الله تعالى ينابيع الحكمة ويطفىء مصابيح الهدى من قلوبهم فيخبرك عالمهم حين تلقاه أنه يخشى الله بلسانه والفجور ظاهر في عمله فما أخصب الألسن يومئذ وما أجدب القلوب فوالله الذي لا إله إلا هو ما ذلك إلا لأن المعلمين علموا لغير الله تعالى والمتعلمين تعلموا لغير الله تعالى
قال ابن مسعود رضي الله عنه أنزل القرآن ليعمل به فاتخذتم دراسته عملاً وسيأتي قوم يثقفونه مثل القناة ليسوا بخياركم والعالم الذي لا يعمل كالمريض الذي يصف الدواء وكالجائع الذي يصف لذائذ الأطعمة ولا يجدها
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله ليس شيء أشد على الشيطان من عالم يتكلم بعلم ويسكت بعلم يقول انظروا إلى هذا سكوته أشد علي من كلامه
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ مَا أَشْتَهِي مِنَ الدنيا إلا ثلاثة أخاً إنه إِنْ تَعَوَّجْتُ قَوَّمَنِي وَقُوتًا مِنَ الرِّزْقِ عَفْوًا من غير تَبِعَةٍ وَصَلَاةً فِي جَمَاعَةٍ يُرْفَعُ عَنِّي سَهْوُهَا ويكتب لي فضلها
روي أن أبا عبيدة بن الجراح أم قوماً مرة فلما انصرف قال ما زال الشيطان بي آنفاً حتى أريت أن لي فضلاً عن غيري لا أؤم أبداً
قال حاتم الأصم فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشر آلاف لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يُجِبْ لَمْ يُرِدْ خَيْرًا لم يرد به خير
قال أبو هريرة رضي الله عنه لأن تملأ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع النداء ثم لا يجيب
كان يوسف بن أسباط يقول يا معشر الشباب بادروا بالصحة قبل المرض فما بقي أحد أحسده إلا رجل يتم ركوعه وسجوده وقد حيل بيني وبين ذلك
قال عقبة بن مسلم ما من خصلة في العبد أحب إلى الله عز وجل من رجل يحب لقاء الله عز وجل وما من ساعة العبد فيها أقرب إلى الله عز وجل منه حيث يخر ساجداً
ويروى أن الحسن نظر إلى رجل يعبث بالحصى ويقول اللهم زوجني الحور العين فقال بئس الخاطب أنت تخطب الحور العين وأنت تعبث بالحصى
قيل لخلف بن أيوب ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال لا أعود نفسي شيئاً يفسد على صلاتي قيل له وكيف تصبر على ذلك قال بلغني أن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان ليقال فلان صبور ويفتخرون بذلك فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة
كان عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكرم وجهه إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فقيل له مالك يا أمير المؤمنين فيقول جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها
يروى عن علي بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء فيقول أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال قال داود عليه السلام في مناجاته إلهي من يسكن بيتك وممن تتقبل الصلاة فأوحى الله إليه يا داود إنما يسكن بيتي وأقبل الصلاة منه من تواضع لعظمتي وقطع نهاره بذكري وكف نفسه عن الشهوات من أجلي يطعم الجائع ويؤوي الغريب ويرحم المصاب فذلك الذي يضيء نوره في السموات كالشمس إن دعاني لبيته وإن سألني أعطيته أجعل له في الجهل حلماً وفي الغفلة ذكراً وفي الظلمة نوراً وإنما مثله في الناس كالفردوس في أعلى الجنان لا نيبس أنهارها ولا تتغير ثمارها
يروى عن حاتم الأصم رضي الله عنه أنه سئل عن صلاته فقال إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي أظنها آخر صلاتي ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيراً بتحقيق وأقرأ قراءة بترتيل وأركع ركوعاً بتواضع وأسجد سجوداً بتخشع وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص ثم لا أدري أقبلت مني أم لا
قال ابن عباس رضي الله عنهما ركعتان مقتصدتان فِي تَفَكُّرٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ
قال علي كرم الله وجهه إذا مات العبد يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ثم قرأ {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين} وقال ابن عباس تبكي عليه الأرض أربعين صباحاً
قال عطاء الخراساني ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت
قال أنس بن مالك ما من بقعة يذكر الله تعالى عليها بصلاة أو ذكر إلا افتخرت على ما حولها من البقاع واستبشرت بذكر الله عز وجل إلى منتهاها من سبع أرضين وما من عبد يقوم يصلي إلا تزخرفت له الأرض ويقال ما من منزل ينزل فيه قوم إلا أصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم