فوائد من ذم الهوى 2
عن خالد بن معدان قال ما من عبد إلا وله عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه فأبصر بهما ما وعد الله بالغيب وإذا أراد الله به غير ذلك تركه على ما فيه ثم قرأ أم على قلوب أقفالها
سأل محمود أبا سليمان وأنا حاضر ما أقرب ما يتقرب به إلى الله عز و جل فبكى أبو سليمان ثم قال مثلى يسأل عن هذا أقرب ما تتقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سمعت إبراهيم الخواص يقول قال لي محمد ابن الفضل ما خطوت أربعين سنة خطوة لغير الله عز و جل وأربعين سنة ما نظرت في شيء أستحسنه حياء من الله عز و جل
عن حكيم بن جعفر قال قال ضيغم لكلاب إن حبه تعالى شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره فليس لهم في الدنيا مع حبه لذة تداني محبته ولا يأملون في الآخرة من كرامة الثواب أكبر عندهم من النظر إلى وجه محبوبهم قال فسقط كلاب مغشيا عليه
سمعت سهل بن عبد الله يقول حرام على قلب أن يشتم رائحة اليقين وفيه سكون إلى غير الله وحرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز و جل
سئل أحمد بن خضرويه أي الأعمال أفضل قال رعاية السر عن الالتفات إلى شيء سوى الله قال السلمي وسمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا محمد المرتعش يقول سكون القلب إلى غير المولى تعجيل عقوبة من الله في الدنيا
سئل الشبيل عن قوله عز و جل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم فقال أبصار الرؤوس عما حرم الله وأبصار القلوب عما سوى الله عز و جل
قال ابن جهضم وسمعت ابن سمعون يقول في مجلسه ما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة أو تمثال فإذا كان الملك لا يدخل بيتا فيه صورة أو تمثال فكيف تدخل شواهد الحق قلبا فيه أوصاف غيره من البشر
سمعت محمد بن حسان أو ابن أبي حسان يقول كنت مارا في البادية فإذا أنا براهب قد أحرقته السموم والرياح فقلت له عظني فقال لي احذر فإنه غيور لا يحب أن يرى في قلب عبده أحدا سواه
اعلم وفقك الله أن البصر صاحب خبر القلب ينقل إليه اخبار المبصرات وينقش فيه صورها فيجول فيها الفكر فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه من أمر الآخرة ولما كان إطلاق البصر سببا لوقوع الهوى في القلب أمرك الشرع بغض البصر عما يخاف عواقبه فإذا تعرضت بالتخليط وقد أمرت بالحمية فوقعت إذا في أذى فلم تضج من أليم الألم
سمعت فتح بن شخرف يقول قال لي عبد الله ابن خبيق يا خراساني إنما هي أربع لا غير عينك ولسانك وقلبك وهواك فانظر عينك لا تنظر بها إلى ما لا يحل وانظر لسانك لا تقل به شيئا يعلم الله خلافه من قلبك وانظر قلبك لا يكون فيه غل ولا حقد على أحد من المسلمين وانظر هواك لا تهو شيئا من الشر فإذا لم يكن فيك هذه الأربع خصال فاجعل الرماد على رأسك فقد شقيت
حدثنا مالك بن دينار قال قال داود نبي الله عليه السلام معاشر الأتقياء تعالوا أعلمكم خشية الله عز و جل أيما عبد منكم أحب أن يحيا ويرى الأعمال الصالحة فليحفظ عينيه أن تنظر إلى السوء ولسانه أن ينطق بالإفك عين الله إلى الصديقين وهو سميع لهم
دخل عبد الله بن مسعود على مريض يعوده ومعه قوم وفي البيت امرأة فجعل رجل من القوم ينظر إلى المرأة فقال عبد الله لو أنفقأت عينك كان خيرا لك
عن سفيان الثوري في قوله تعالى وخلق الإنسان ضعيفا قال المرأة تمر بالرجل فلا يملك نفسه عن النظر إليها ولا ينتفع بها فأي شيء أضعف من هذا
عن سفيان قال قال عيسى بن مريم إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة
كان الربيع بن خثيم يغض بصره فمر به نسوة فأطرق حتى ظن النسوة أنه أعمى فتعوذن بالله من العمى
قال ابن عباس في قوله تعالى يعلم خائنة الأعين قال الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها فإن رأى منهم غفلة نظر إليها فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره وقد اطلع الله عز و جل من قلبه أنه يود أنه نظر إلى عورتها
عن إسحاق بن سويد عن العلاء بن زياد قال لاتتبع بصرك رداء امرأة فإن النظرة تجعل في القلب شهوة
فاحذر يا أخي وفقك الله من شر النظر فكم قد أهلك من عابد وفسخ عزم زاهد وسترى في غضون هذا الكتاب ما تعتبر به من قصص من فتنة النظر فاتعظ بذلك وتلمح معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم النظر سهم مسموم لأن السهم يسري إلى القلب فيعمل في الباطن قبل أن يرى عمله في الظاهر فاحذر من النظر فإنه سبب الآفات إلا ان علاجه في بدايته قريب فإذا كرر تمكن الشر فصعب علاجه
سمعت أبا عمرو بن علوان يقول خرجت يوما إلى سوق الرحبة في حاجة فرأيت جنازة فتبعتها لأصلي عليها ووقفت في جملة الناس حتى يدفن الميت فوقعت عيني على امرأة مسفرة من غير تعمد فلححت بالنظر واسترجعت واستغفرت الله وعدت إلى منزلي فقالت لي عجوز يا سيدي مالي أرى وجهك أسود فأخذت المرآة فنظرت فإذا وجهي أسود فرجعت إلى سري أنظر من أين دهيت فتذكرت النظرة فانفردت في موضع أستغفر الله وأسأله الإقالة أربعين يوما فخطر في قلبي أن زر شيخك الجنيد فانحدرت إلى بغداد فلما جئت الحجرة التي هو فيها طرقت الباب فقال لي ادخل يا أبا عمرو تذنب بالرحبة وتستغفر ربك ببغداد
سمعت أبا الحسين الوراق يقول من غض بصره عن محرم أورثه الله بذلك حكمة على لسانه يهدى بها سامعوه ومن غض بصره عن شبهة نور الله قلبه بنور يهتدي به إلى طريق مرضاته
إعلم وفقك الله أنك إذا امتثلت المأمور به من غض البصر عند أول نظرة سلمت من آفات لا تحصى فإذا كررت النظر لم تأمن أن يزرع في قلبك زرعا يصعب قلعه فإن كان قد حصل ذلك فعلاجه الحمية بالغض فيما بعد وقطع مراد الفكر بسد باب النظر فحينئذ يسهل علاج الحاصل في القلب
سمعت أبا تراب النخشبي يقول احفظ همك فإنه مقدمة الأشياء فمن صح له همه صح له ما بعد ذلك من أفعاله وأحواله
قيل لبعض الحكماء ما سبب الذنب قال الخطرة فإن تداركت الخطرة بالرجوع إلى الله ذهبت وإن لم تفعل تولدت عنها الفكرة فإن تداركتها بالرجوع إلى الله بطلت وإلا فعند ذلك تخالط الوسوسة الفكرة فتولد عنها الشهوة وكل ذلك بعد باطن في القلب لم يظهر على الجوارح فإن استدركت الشهوة وإلا تولد منها الطلب فإن تداركت الطلب وإلا تولد منه الفعل
عن فرات عن ميمون ابن مهران قال ثلاثة لا تبلون نفسك بهن لا تدخلن على سلطان وإن قلت آمره بطاعة الله ولا تدخلن على امرأة وإن قلت أعلمها كتاب الله عز و جل ولا تصغين سمعك لذي هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه
عن معاذ بن جبل قال ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم وستبتلون بفتنة السراء وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغنى وكلفن الفقير مالا يجد
سمعت يونس بن جبير يقول شيعنا جندب بن عبد الله فلما بلغ خص المكاتب قلنا له أوصنا قال أوصيكم بتقوى الله عز و جل والقرآن فإنه نور الليل المظلم وهدى النهار فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقه فإن عرض بلاء فعرض مالك قبل نفسك فإن تجاوزه البلاء فقدم مالك ونفسك دون دينك فإن المحزوب من حرب دينه والمسلوب من سلب دينه إنه لا غنى بعد النار ولا فاقة بعد الجنة وإن النار لا يفك أسيرها ولا يستغني فقيرها
قال مطرف نظرت فإذا ابن آدم ملقى بين يدي الله عز و جل وبين إبليس فإن شاء أن يعصمه عصمه وإن تركه ذهب به إبليس
عن ابن عباس أنه قال يا صاحب الذنب لا تأمنن سوء عاقبته ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا علمته قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب إذا ظفرت به وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا عملته
عن علي ابن زيد قال شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب فسمعته يقول إن أفضل العبادة أداء الفرائض واجتناب المحارم
اعلم وفقك الله أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى وهي وإن سر عاجلها ضر آجلها ولربما تعجل ضرها فمن أراد طيب عيشه فليلزم التقوى
حدثنا الأصمعي عن أبيه قال كان شيخ يدور على المجالس ويقول من سره أن تدوم له العافية فليتق الله عز و جل
فمتى رأيت وفقك الله تكديرا في حال فتذكر ذنبا قد وقع فقد قال الفضيل بن عياض إني لأعصى الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي وقال أبو سليمان الداراني من صفى صفي له ومن كدر كدر عليه ومن أحسن في ليله كوفىء في نهاره ومن أحسن في نهاره كوفيء في ليله
كان سفيان الثوري كثيرا ما يتمثل تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإثم والعار تبقى عواقب سوء في مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار
تفكر وفقك الله فيما أكسبك الذنب من الخجل فقد قيل للأسود ابن يزيد عند موته أبشر بالمغفرة فقال وأين الخجل مما المغفرة منه
كان بعض الحكماء يقول إن استطعت أن لا تسيء إلى من تحب فافعل قيل له كيف يسيء الإنسان إلى من يحب فقال إذا عصيت الله أسأت إلى نفسك وهي أكبر محبوباتك
قيل لبعض الحكماء من أشد الناس اغترارا فقال أشدهم تهاونا بالذنب فقيل له علام تبكي فقال على ساعات الذنوب قيل علام تأسف قال على ساعات الغفلة