فوائد من ذم الهوى 1
عن إسحاق بن عبد الله أن أنس بن مالك قال سمعت عمر بن الخطاب يوما وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار عمر بن الخطاب بخ بخ والله بني الخطاب والله لتتقين الله أو ليعذبنك
عن الحسن قال أيسر الناس حسابا يوم القيامة الذين يحاسبون أنفسهم لله عز و جل في الدنيا فوقفوا عند همومهم وأعمالهم فإن كان الذي هموا به لله عز و جل مضوا فيه وإن كان عليهم امسكوا قال وإنما يثقل الحساب يوم القيامة على الذين جازفوا الأمور في الدنيا اتخذوها على غير محاسبة فوجدوا الله عز و جل قد أحصى عليهم مثاقيل الذر ثم قرأ يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
عن الحسن قال إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز و جل وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حسابوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول والله إن لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما من صلة إليك هيهات هيهات حيل بيني وبينك ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول ما أردت إلى هذا ما لي ولهذا والله لا أعود إلى هذا ابدا إن شاء الله
قال لقمان لابنه يا بني إن الإيمان قائد والعمل سائق والنفس حرون فإن فتر سائقها ضلت عن الطريق وإن فتر قائدها حرنت فإذا اجتمعا استقامت إن النفس إذا اطمعت طمعت وإذا فوضت إليها أساءت وإذا حملتها على أمر الله صلحت وإذا تركت الأمر إليها فسدت فاحذر نفسك واتهمها على دينك وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها وإن الحكيم يذل نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق وإن الأحمق يخير نفسه في الأخلاق فما أحبت منها أحب وما كرهت منها كره
سمعت قتادة يقول يا ابن آدم إن كنت تريد أن لا يأتي الخير إلا عن نشاط فإن نفسك إلى السآمة والفتور والملل أقرب ولكن المؤمن هو العجاج والمؤمن هو المتوقى والمؤمن هو المتشدد وإن المؤمنين هم العجاجون إلى الله عز و جل بالليل والنهار والله ما زال المؤمنون يقولون ربنا ربنا في السر والعلانية حتى استجاب لهم
عن سلمة بن منصور عن مولى لهم كان يصحب الأحنف بن قيس قال كنت أصحبه فكان عامة صلاته بالليل الدعاء وكان يجيء إلى المصباح فيضع أصبعه ثم يقول حس ثم يقول يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا ما حملك على ما صنعت يوم كذا
قال وهب بن الورد بينما امرأة في الطواف ذات يوم وهي تقول يا رب ذهبت اللذات وبقيت التبعات يا رب سبحانك إنك لأرحم الراحمين يا رب مالك عقوبة إلا النار فقالت صاحبة لها يا أخية دخلت بيت ربك اليوم فقالت والله ما أرى هاتين القدمين وأشارت إلى قدميها أهلا للطواف حول بيت ربي عز و جل فكيف أراهما أهلا أطؤ بهما بيت ربي وقد علمت حيث مشتا وأين مشتا
مر حسان بن أبي سنان بغرفة فقال متى بنيت هذه ثم أقبل على نفسه فقال تسألين عما لا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة فصامها
عن منكدر بن محمد عن أبيه أن تميما الداري نام ليلة لم يقم يتهجد فيها فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع
قال معاوية بن هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان بم بلغ فيكم الأحنف بن قيس ما بلغ فذكر كلاما طويلا إلى أن قال كان أشد الناس على نفسه سلطانا
دخل رجل على عبد الملك بن مروان ممن كان يوصف بالعقل والأدب فقال له عبد الملك تكلم فقال بم أتكلم وقد علمت أن كل كلام يتكلم به المتكلم عليه وبال إلا ما كان لله فبكى عبد الملك ثم قال يرحمك الله لم يزل الناس يتواعظون ويتواصون قال يا امير المؤمنين إن للناس في القيامة جولة لا ينجو من غصص مرارتها إلا من أرضى الله بسخط نفسه
قال محمد بن المنكدر إني خلفت زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش وهو يخاصم نفسه في المسجد يقول اجلسي أين تريدين اين تذهبين أتخرجين إلى احسن من هذا المسجد انظري إلى ما فيه تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان قال وكان يقول لنفسه مالك من الطعام إلا هذا الخبز والزيت ومالك من الثياب إلا هذين الثوبين ومالك من النساء إلا هذه العجوز أفتحبين أن تموتي فقالت أنا اصبر على هذا العيش
سمعت عبد الله بن المبارك يقول إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها
استعن على سيرك إلى الله بترك من شغلك عن الله عز و جل وليس بشاغل يشغلك عن الله عز و جل كنفسك التي هي بين جنبيك
سمعت ابا على الروذباري يقول النفس مجبولة على سوء الأدب والعبد مأمور بملازمة الأدب فالنفس تجري بطبعها في ميدان المخالفة والعبد مجتهد في ردها فمتى اعانها فهو شريكها في فسادها
قال لي علي بن سعيد رأيت في النوم امرأة لا تشبه نساء الدنيا فقلت من أنت قالت حوراء قلت زوجيني نفسك فقالت اخطبني إلى سيدي قلت فما مهرك قالت حبس نفسك عن مألوفاتها
سمعت أبا عمران الحديثي يقول ما مددت يدي مذ عقلت عن الله عز و جل ولنفسي فيه نصيب ولولا أن الله عز و جل أودعنا هذه النفوس بحفظها له لجعلنا على ذروة كل جبل منها قطعة
سمعت السرى يقول اقوى الفتوة غلبتك نفسك ومن عجر عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز ومن علامة الاستدراج العمى عن عيوب النفس
قال محمد ابن الفضل أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها فإن من ملك نفسه عز ومن ملكته نفسه ذل
سمعت أبا محمد الجريري يقول من استولت عليه النفس صار أسيرا في حكم الشهوات محصورا في سجن الهوى وحرم الله على قلبه الفوائد فلا يستلذ كلامه ولا يتسحليه وإن كثر ترداده على لسانه
سمعت الجنيد يقول ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات
قال فراس العابد قلت لراهب اوصني فقال عليك بما تكره نفسك فألزمه قلبك فإنه يقدم بك على ما تحب وإياك وما تحبه فإنه يقفك على ما تكره
كان عبد الله بن عمر اعتق جاريته التي يقال لها رميثة وقال إني سمعت الله قال في كتابه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإني والله إن كنت لأحبك في الدينا اذهبي فأنت حرة لوجه الله
عن عبد الرحمن بن مهدي قال رأيت سفيان الثوري في المنام فقلت ما فعل الله بك قال لم يكن إلا أن وضعت في اللحد حتى وقفت بين يدي الله تعالى فحاسبني حسابا يسيرا ثم أمر بي إلى الجنة فبينا أنا أدور بين أشجارها وأنهارها ولا أسمع حسا ولا حركة إذ سمعت قائلا يقول سفيان بن سعيد فقلت سفيان بن سعيد قال تحفظ أنك آثرت الله على هواك يوما قال قلت إي والله فأخذتني صواني النثار من جميع الجنة
حكى أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء أنه قال إنما سمى الصبر صبرا لأن تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصبر في الفم واعلم وفقك الله أن الصبر مما يامر به العقل وإنما الهوى ينهى عنه فإذا فوضلت فوائد الصبر وما تجلب من الخير عاجلا وآجلا بانت حينئذ فضائل العقل وخساسة الهوى واعلم أن الصبر ينقسم قسمين صبر عن المحبوب وصبر على المكروه فالطاعة مفتقرة إلى الصبر عليها والمعصية مفتقرة إلى الصبر عنها
عن ميمون بن مهران قال الصبر صبران الصبر على المصيبة حسن وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي وما نال أحد شيئا من جميع الخير نبي فمن دونه إلا بالصبر
سمعت سليمان بن القاسم يقول كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر قال الله عز و جل إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب
قال الحواريون لعيسى بن مريم يا روح الله كيف لنا بأن ندرك جماع الصبر قال اجعلوا عزمكم في الأمور كلها بين يدي هواكم ثم اتخذوا كتاب الله عز و جل إماما لكم في دينكم
قال عمر بن عثمان المكي لقد وبخ الله التاركين للصبر على دينهم بما أخبرنا عن الكفار أنهم قالوا امشوا واصبروا على آلهتكم فهذا توبيخ لمن ترك الصبر من المؤمنين على دينه
قال السلمي وسمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت محمد بن داود الدينوري يقول سئل عبد الخزاز عن علامة الصبر فقال ترك الشكوى وإخفاء الصبر والبلوى
قال أكثم بن صيفي حيلة من لا حيلة له الصبر وأنشد ابن مسروق إذا طالعك الكره كن بالصبر لواذا وإلا ذهب الأجر فلا هذا ولا هذا
أنبأنا وهيب أن ابن عمر باع جمل فقيل له لو أمسكته فقال لقد كان موافقا ولكنه أذهب شعبة من قلبي فكرهت أن أشغل قلبي بشيء
عن امرأة كانت تسكن البادية قال سمعتها تقول لو تطالعت قلوب المؤمنين بفكرها إلى ما ادخر لها في حجب الغيوب من خير الأجر لم يصف لهم في الدنيا عيش ولم تقر لهم في الدنيا عين
قال أحمد بن خضرويه القلوب أوعية فإذا امتلأت من الحق أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح وإذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمها على الجوارح
سئل إبراهيم بن الحسن عن سلامة القلب فقال العزلة والصمت وترك استماع خوض الناس ولا يعقد القلب على ذنب ولا على حقد ويهب لمن ظلمه حقه
قال ابن جريج أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول الرين أيسر من الطبع والطبع أيسر من الأقفال والأقفال أشد من ذلك
قال يحيى بن معاذ سقم الجسد بالأوجاع وسقم القلوب بالذنوب فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه فكذلك القلب لا يجد حلاوة العبادة مع الذنوب
كان بعض الحكماء يقول إذا لم يستعمل القلب فيما خلق له من الفكر في اجتلاب المصالح في الدين والدنيا واجتناب المفاسد تعطل فاستترت جوهريته فإذا أضيف إلى ذلك فعل ما يزيده ظلمة كشرب الخمر وطول النوم وكثرة الغفلة صار كالحديد يغشاه الصدأ فيفسده
عن الأعمش قال كنا عند مجاهد فقال القلب هكذا وبسط كفه فإذا أذنب الرجل ذنبا قال هكذا فعقد واحدا ثم إذا أذنب قال هكذا وعقد اثنين ثم ثلاثا ثم أربعا ثم رد الإبهام على الأصابع في الذنب الخامس يطبع على قلبه قال مجاهد فأيكم يرى أنه لم يطبع على قلبه
روى أن رجلا سأل عائشة ما دواء قسوة القلب فأمرته بعيادة المرضى وتشييع الجنائز وتوقع الموت وشكا ذلك رجل إلى مالك بن دينار فقال أدمن الصيام فإن وجدت قسوة فأطل القيام فإن وجدت قسوة فأقل الطعام وسئل ابن المبارك ما دواء القلب فقال قلة الملاقاة
خلق الله القلوب مساكن للذكر فصارت مساكن للشهوات ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق
سمعت إبراهيم الخواص يقول دواء القلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين
عن امرأة كانت تسكن البادية قال سمعتها تقول لو تطالعت قلوب المؤمنين بفكرها إلى ما ادخر لها في حجب الغيوب من خير الأجر لم يصف لهم في الدنيا عيش ولم تقر لهم في الدنيا عين
قال أحمد بن خضرويه القلوب أوعية فإذا امتلأت من الحق أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح وإذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمها على الجوارح
سئل إبراهيم بن الحسن عن سلامة القلب فقال العزلة والصمت وترك استماع خوض الناس ولا يعقد القلب على ذنب ولا على حقد ويهب لمن ظلمه حقه
قال ابن جريج أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول الرين أيسر من الطبع والطبع أيسر من الأقفال والأقفال أشد من ذلك
قال يحيى بن معاذ سقم الجسد بالأوجاع وسقم القلوب بالذنوب فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه فكذلك القلب لا يجد حلاوة العبادة مع الذنوب
كان بعض الحكماء يقول إذا لم يستعمل القلب فيما خلق له من الفكر في اجتلاب المصالح في الدين والدنيا واجتناب المفاسد تعطل فاستترت جوهريته فإذا أضيف إلى ذلك فعل ما يزيده ظلمة كشرب الخمر وطول النوم وكثرة الغفلة صار كالحديد يغشاه الصدأ فيفسده
عن الأعمش قال كنا عند مجاهد فقال القلب هكذا وبسط كفه فإذا أذنب الرجل ذنبا قال هكذا فعقد واحدا ثم إذا أذنب قال هكذا وعقد اثنين ثم ثلاثا ثم أربعا ثم رد الإبهام على الأصابع في الذنب الخامس يطبع على قلبه قال مجاهد فأيكم يرى أنه لم يطبع على قلبه
روى أن رجلا سأل عائشة ما دواء قسوة القلب فأمرته بعيادة المرضى وتشييع الجنائز وتوقع الموت وشكا ذلك رجل إلى مالك بن دينار فقال أدمن الصيام فإن وجدت قسوة فأطل القيام فإن وجدت قسوة فأقل الطعام وسئل ابن المبارك ما دواء القلب فقال قلة الملاقاة