فوائد كتاب مسلكيات
ما يعين النفس على تحمل تعب طلب المعالي
مسلكيات
الحقيقة أن من أعظم ما يعين النفس على تحمل هذا التعب الذي تتطلبه المعالي، أن يستحضر المرء الثمرة، وأن يستدعي في ذهنه حسن العاقبة، فإن الجدوى والمكتسب تهون على النفس تحمل المشاق والتعب، كما يقول ابن الجوزي في استعارة مكثفة: «تلمح فجر الأجر يهُن ظلام التكليف»
التعب والنصب الذي يتكلفه الإنسان
التعب والنصب الذي يتكلفه الإنسان ويستدعيه، وليس في مصلحة العبادة ومنفعتها، فيكون قدرًا زائدًا على ما تحتاجه العبادة، فهذا مذموم، وجاءت فيه نصوص، ومن ذلك أن النبي ﷺ (رأى شيخًا يُهادى بين ابنيه، فقال: «ما بال هذا؟» قالوا: نذر أن يمشي، قال: «إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني» وأمره أن يركب)
فهذه مشقة يتكلفها المرء، وليست تابعةً للعبادة، أو لازمة لها، فهي غير محمودة!
شعبتان من شعب العلم
مسلكيات
هاتان الشعبتان من شعب العلم، أعني شعبة (حفظ العلم) وشعبة (سعة الاطلاع)، كثر افتعال الصدام بينهما، وهو نظير الصدام المفتعل بين شعبة (حفظ العلم) وشعبة (فهم العلم)، وكل هذه الشعب تقع من العلم موقع الأبواب من القصر، فاجتهد في تكثير أبوابك، وما على أحدٍ يُدعى من جميع هذه الأبواب من ضرورة.
أمة وحي
مسلكيات
ن هذه الأمة لها خصوصية، فهي (أمة وحي) فمن لم يعرف كلام الله ورسوله، ومعاني كلامهما، والعلوم الموصلة لذلك؛ لم يستطع التأثير الصحيح في هذه الأمة، ومن لم يعرف الثقافة المعاصرة لم يعرف كيف تشكل عقل الجيل الجديد؟ وكيف تفكر النخب المعاصرة المأزومة مع الإسلام؟ فالثقافة المعاصرة «لغة» ومن لم يعرف لغة قوم كيف يدعوهم؟ ولذلك قال الله: ﴿وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا بِلِسانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم﴾ فتدبر كيف ربط البيان باللسان، ينفتح لك باب إدراك أثر معرفة اللسان الثقافي المعاصر في البيان الشرعي.
أعظم شعب الإيمان
مسلكيات
من أعظم شعب الإيمان نصرة المجاهدين في سبيل الله، الملتزمين بالضوابط الشرعية للجهاد، المجافين للغلو، والمتسمين بأخلاقيات المجاهد في سبيل الله، أولئك الذين ألقوا أرواحهم تحت أزيز الغطرسة الاستعمارية وذيولها، نُصْرَتُهم بالكلمة والريال وقنوت النازلة وأكف الضراعة إذا هبطت الأسحار، وتدبر قول ربنا: ﴿وَإِنِ استَنصَروكُم فِي الدّينِ فَعَلَيكُمُ النَّصرُ﴾
معراج لليقين
مسلكيات
فأي برهان أعظم من هذا البرهان يبين أن الفلك معراج لليقين، وأن الأجرام السماوية وأحوالها سلالم يصعد بها القلب إلى مدارات الجزم وخلع الارتيابات،﴿وَكَذلِكَ نُري إِبراهيمَ مَلَكوتَ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَلِيَكونَ مِنَ الموقِنينَ﴾، النظر في ملكوت السموات والأرض درب ينتهي بصاحبه إلى جنة اليقين.
استئصال عقل
مسلكيات
إذا كان المرء ينام حتى تُجهركَ أشعة الحمرة في عينيه، ويبسط خوان الطعام كلما اشتهى، ويخصص الأوقات الطويلة للقهوة والشاي والعصائر والفطائر، ولا يسمح لنفسه بأن تتنازل عن أي فرصة فسحة أو مسامرات مع أصحابه، ولا يستطيع كبح جماح تصفح الإنترنت أن يسرق ساعاته، إذا كان المرء كذلك.. ومازال يرجو أن تتحقق يومًا ما خططه العلمية والدعوية والإصلاحية، فمثل هذا الشخص قد استأصل عقله، وزرع بدلًا منه مصباح علاء الدين.
هذه حقيقة دل عليها الشرع وصرخت بها تجارب الحياة
مسلكيات
ما زال في كثير من النفوس وهم مطمور أنه يمكن أن يبلغ المرء المجد وهو لم يكابد المشاق ويلعق الصبر!
لقد ركب الله في هذه الحياة أن (معالي الأمور) التي نص عليها القرآن، كالرسوخ في العلم، وإظهار الهدى ودين الحق على الدين كله، والتمكين في الأرض، وإصلاح الأمة، ونحوها من المطالب الكبرى لا تحصل للمرء وهو مستكملٌ راحته وطعامه وشرابه ونومه وأوقات استرخائه.. هذه حقيقة دل عليها الشرع وصرخت بها تجارب الحياة.
مفكرة المهام
مسلكيات
إذا أخذت تتصفح (مفكرة المهام) الصغيرة أمامك، أو استخرجت من درج مكتبك أوراقًا عتيقة كنت قد رسمت فيها لنفسك (خططًا) علمية ودعوية، أو حتى مهنية، سيثور مع غبار هذه الأوراق شيءٌ من الحزن وستشعر أنك ما زلت في أدنى الوادي، بينما طموحاتك وأمنياتك وأحلامك ما زالت هي الأخرى تعانق السحاب! وليس إلى وصلها سبيل بعد، فكيف إذا حرث المرء ذهنه وتذكر طموحًا أجمل من هذه الطموحات كلها.. كطموح المرء أن يرافق محمدًا ﷺ في قصور الفردوس، فيعيش مستقبله السرمدي مع تلك الكوكبة الراقية.
منطق الحياة يأبى ذلك
مسلكيات
في بيئةٍ يغلب عليها ضجيج اللهو وخفة المرح وقهقهات الفكاهة أتُراها يمكن أن تنتج مُسنَدًا أو مدونةً أو مَعْلَمةً أو معجمًا؟! منطق الحياة يأبى ذلك، والعلم جعله الله ثمينًا لا يُجلب في الأسواق المخفضة.
سل من شئت من أهل العلم المبدعين، ونقب في السيرة الذاتية لمن يأسرك تدفقه بالعلوم وستجد في كل هذه الشخصيات أن المتضرر الأكبر في حياتهم هو النوم والطعام والشراب والترفيه.
خططنا في شواهق الجبال وما زالت أقدامنا غضة طرية! بل ونتوهم أنه في يومٍ من الأيام ستهبط النتائج بلا مقدمات.
تضيع الوقت من غير فائدة
مسلكيات
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وإنَّ من الحكمةِ أنَّ من ابتدأ بعملٍ، وارتاح له، فليستمر عليه، فمن بُوركَ له في شيءٍ فليلزمه، وبعض الناس يبدأ الأعمال ولا يُتمِمها، فيمضي عليه الوقت سَبهللًا من غير فائدة، فمثلًا يقرأ في هذا الكتاب أو في هذا الفَن، ثم يدعه من غير أن يُكمله، وينتقل إلى غيره، ثم إلى آخر، من غير تكميل الأوّل، فيضيع عمله وينقضي عمره بلا فائدة، وكذلك في الأعمال الأُخرى، كلّ يوم له عمل، وكلّ يوم له رأي، فيضيع الوقت عليه من غير فائدة.
تدريس العلم
مسلكيات
يظنُّ بعض الناس أنَّ مرحلة (تدريس العلم) تأتي بعد الانتهاء من العلم، وهذا غير دقيقٍ، بل تدريسُ العلم وسيلة من وسائل التعلم، فإذا قَطعَ طالب العلم شَوطًا في العلم، فيبدأ بتدریس مَن دُونه، ويُلاحظ كيف تتفتح له أغوار المسائل، ويَتبيَّن له فيها من التفاصيل والفروق والتدقيق في الصور والاستدلالات ما لم يتنبَّه له سابقًا.
(حُفت الجنة بالمكاره)
مسلكيات
هذه العلاقة بين (التعب والنجاح)، هل جاءت الإشارة إليها في القرآن والسنة النبوية؟
نعم، جاءت إشارات كثيرة لهذه العلاقة، من أهمها ذلك التصوير النبوي الأخاذ إذ قال ﷺ في جملة مكثفة بيانية جميلة: (حُفت الجنة بالمكاره).
فالجنة لا يوصل إليها إلا بمكابدة ما تكرهه النفوس من ترك الهوى والشهوات.