فوائد من روضة المحبين ونزهة المشتاقين
وصف النبي صل الله عليه وسلم
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
" لقي بعض الصحابة راهبا فقال: صف لي محمدا كأني أنظر إليه فإني رأيت صفته في التوراة والإنجيل فقال: لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير فوق الربعة أبيض اللون مشربا بالحمرة جعدا ليس بالقطط جمته إلى شحمة أذنه صلت الجبين واضح الخد أدعج العينين أقنى الأنف مفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة ووجهه كدارة القمر فأسلم الراهب " (٢٧٧).
أشد العقوبات
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
وأشد العقوبات العقوبة بسلب الإيمان ودونها العقوبة بموت القلب ومحو لذة الذكر والقراءة والدعاء والمناجاة منه، وربما دبت عقوبة القلب فيه دبيب الظلمة إلى أن يمتلئ القلب بهما فتعمى البصيرة، وأهون العقوبة ما كان واقعا بالبدن في الدنيا، وأهون منها ما وقع بالمال، وربما كانت عقوبة النظر في البصيرة أو في البصر أو فيهما " (٤٩٢).
من أفضل ما سئل الله عز وجل
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
ومن أفضل ما سئل الله عز وجل حبه وحب من يحبه وحب عمل يقرب إلى حبه ومن أجمع ذلك أن يقول:اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ومالي ومن الماء البارد على الظمأ
الرغبة في الله
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
" وملاك الأمر كله الرغبة في الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه بأنواع الوسائل والشوق إلى الوصول إليه وإلى لقائه، فإن لم يكن للعبد همة إلى ذلك، فالرغبة في الجنة ونعيمها وما أعد الله فيها لأوليائه، فإن لم تكن له همة عالية تطالبه بذلك، فخشية النار وما أعد الله فيها لمن عصاه، فإن لم تطاوعه نفسه بشيء من ذلك فليعلم أنه خلق للجحيم لا للنعيم، ولا يقدر على ذلك بعد قدر الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه.
فهذه فصول أربعة هن ربيع المؤمن، وصيفه، وخريفه، وشتاؤه، وهن منازله في سيره إلى الله عز وجل وليس له منزلة غيرها، فأما مخالفة الهوى فلم يجعل الله للجنة طريقا غير مخالفته، ولم يجعل للنار طريقا غير متابعته، قال الله تعالى: {فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} وقال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} قيل: هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه في الدنيا ومقامه بين يديه في الآخرة فيتركها لله " (٤٥٤-٤٥٥).
حد اللوطي
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
" فالصحابة اتفقوا على قتل اللوطي وإنما اختلفوا في كيفية قتله، فظن بعض الناس أنهم متنازعون في قتله ولا نزاع بينهم فيه إلا في إلحاقه بالزاني أو قتله مطلقا.
وقد اختلف الناس في عقوبته على ثلاثة أقوال أحدها: أنها أعظم من عقوبة الزنى كما أن عقوبته في الآخرة أشد.
الثاني: أنها مثلها
الثالث: أنها دونها. وذهب بعض الشافعية إلى أن عقوبة الفاعل كعقوبة الزاني وعقوبة المفعول به الجلد مطلقا بكرا كان أو ثيبا قال لأنه لا يلتذ بالفعل به بخلاف الفاعل "
الزنى يجمع خلال الشر كلها
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
" والزنى يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة فلا تجد زانيا معه ورع ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق ولا غيرة تامة على أهله فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته
ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين ومنها ظلمة القلب وطمس نوره وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له ومنها الفقر اللازم وفي أثر يقول الله تعالى أنا الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده ومنها أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر والعدالة ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن " (٤١٣).
الله سبحانه وتعالى يغار على قلب عبده
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
والله سبحانه وتعالى يغار على قلب عبده أن يكون معطلا من حبه وخوفه ورجائه وأن يكون فيه غيره، فالله سبحانه وتعالى خلقه لنفسه واختاره من بين خلقه كما في الأثر الإلهي " ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له " وفي أثر آخر: خلقتك لنفسي فلا تلعب وتكفلت لك برزقك فلا تتعب يا ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا خير لك من كل شيء ".
ويغار على لسانه أن يتعطل من ذكره ويشتغل بذكر غيره.
ويغار على جوارحه أن تتعطل من طاعته وتشتغل بمعصيته فيقبح بالعبد أن يغار مولاه الحق على قلبه ولسانه وجوارحه وهو لا يغار عليها.
النفوس ثلاثة
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
" النفوس ثلاثة: نفس سماوية علوية فمحبتها منصرفة إلى المعارف واكتساب الفضائل والكمالات الممكنة للإنسان واجتناب الرذائل وهي مشغوفة بما يقربها من الرفيق الأعلى وذلك قوتها وغذاؤها ودواؤها فاشتغالها بغيره هو داؤها.
ونفس سبعية غضبية فمحبتها منصرفة إلى القهر والبغي والعلو في الأرض والتكبر والرئاسة على الناس بالباطل فلذتها في ذلك وشغفها به.
ونفس حيوانية شهوانية فمحبتها منصرفة إلى المأكل والمشرب والمنكح وربما جمعت الأمرين فانصرفت محبتها إلى العلو في الأرض والفساد كما قال الله تعالى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} " (٣٠٥).
الزهد خمسة أقسام
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
- " الزهد خمسة أقسام: زهد في الدنيا، وزهد في النفس، وزهد في الجاه والرئاسة، وزهد فيما سوى المحبوب، وزهد في كل إرادة تخالف مراد المحبوب، وهذا إنما يحصل بكمال المتابعة لرسول الحبيب
قال الله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فجعل سبحانه متابعة رسوله سببا لمحبتهم له وكون العبد محبوبا لله أعلى من كونه محبا لله فليس الشأن أن تحب الله ولكن الشأن أن يحبك الله، فالطاعة للمحبوب عنوان محبته كما
التلذذ بالمباح
" ولهذا يثاب المؤمن على كل ما يلتذ به من المباحات إذا قصد به الإعانة والتوصل إلى لذة الآخرة ونعيمها فلا نسبة بين لذة صاحب الزوجة أو الأمة الجميلة التي يحبها وعينه قد قرت بها فإنه إذا باشرها والتذ قلبه وبدنه ونفسه بوصالها أثيب على تلك اللذة في مقابلة عقوبة صاحب اللذة المحرمة على لذته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " وفي بضع أحدكم أجر " قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: " أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر " قالوا: نعم قال: " فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له أجر "
العزوبة
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
" ثم نقلهم عنه عند العجز إلى البدل وهو الصوم فإنه يكسر شهوة النفس ويضيق عليها مجاري الشهوة فإن هذه الشهوة تقوى بكثرة الغذاء وكيفيته فكمية الغذاء وكيفيته يزيدان في توليدها والصوم يضيق عليها ذلك فيصير بمنزلة وجاء الفحل وقل من أدمن الصوم إلا وماتت شهوته أو ضعفت جدا والصوم المشروع يعدلها واعتدالها حسنة بين سيئتين ووسط بين طرفين مذمومين وهما العنة والغلمة الشديدة المفرطة وكلاهما خارج عن الاعتدال وكلا طرفي قصد الأمور ذميم وخير الأمور أوساطها والأخلاق الفاضلة كلها وسط بين طرفي إفراط وتفريط وكذلك الدين المستقيم وسط بين انحرافين وكذلك السنة وسط بين بدعتين وكذلك الصواب في مسائل النزاع إذا شئت أن تحظى به فهو القول الوسط بين الطرفين المتباعدين وليس هذا موضع تفصيل هذه الجملة فإنا لم نقصد له وبالله التوفيق " (٢٦٢)
علامات المعرفة
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
من علامات المعرفة: الهيبة، فكلما ازدادت معرفة العبد بربه، ازدادت هيبته له، وخشيته إياه، كما قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء } [فاطر:28] أي: العلماء به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: («أنا أعرفكم بالله، وأشدكم له خشية ») ومن عرف الله، صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كلُّ شيءٍ، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأنِسَ بالله، واستوحش من الناس، وأورثته المعرفة الحياء من الله، والتعظيم له، والإجلال، والمراقبة، والمحبة، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والرضا به، والتسليم لأمره.
مر النساء بستر وجوههن عن الرجال الأجانب درأً للفتنة بهن
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
أمر النساء بستر وجوههن عن الرجال؛ فإن ظهور الوجه يسفر عن كمال المحاسن، فيقع الافتتان؛ ولهذا شُرع للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة؛ فإنه إذا شاهد حسنها وجمالها، كان ذلك أدعى إلى حصول المحبة والألفة بينهما؛ كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إذا أراد أحدكم خِطبة امرأة، فلينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها؛ فإنه أحرى أن يُؤدم بينهما).
الموت والحياة
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
فأخبرَ سبحانه عن خلق العالم والموت والحياة وتزيين الأرض بما عليها أنه للابتلاء والامتحان، ليختبرَ خلقه أيهم أحسن عملًا (١)، فيكون عَمَلُهُ موافقًا لمحابِّ الربِّ تعالى، فيُوافق الغايَةَ التي خُلِقَ هو لها، وخُلِق لأجلها العالم، وهي عبوديته المتضمنة لمحبَّته وَطاعتِه، وهي العملُ الأحسنُ، وهو توابعُ محبته ورضاه، وقدَّر [٢٤ أ] سبحانه مقاديرَ تخالفها بحكمته في تقديرها، وامتحنَ خلقَه بين أمره وقَدَره؛ ليبلوَهم أيُّهم أحسنُ عملًا
كمالُ المحبَّة هي العبودية
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
وكمالُ المحبَّة هي العبودية، والذلُّ، والخضوعُ، والطَّاعة للمحبوب، وهو الحقُّ الذي به وله خُلِقَت السموات والأرض، والدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الحجر/٨٥]، وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص/٢٧]، وقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون/١١٥].
غضُّ البصر
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} الآية [النور/٣٠ ــ ٣١]، فلمَّا كان غضُّ البصر أصلًا لحفظ الفرج؛ بدأ بذكره، ولمَّا كان تحريمُه تحريمَ الوسائل، فيُباح للمصلحة الرَّاجحة، ويَحْرُمُ إذا خِيفَ منه الفسادُ، ولم يُعارضْه مصلحةٌ أرجحُ من تلك المفسدة؛ لم يأمر سبحانه بغَضِّه مطلقًا، بل أمر بالغضِّ منه، وأمَّا حفظ الفرج فواجبٌ بكلِّ حالٍ، لا يُباح إلا بحقِّه، فلذلك عمَّ الأمر بحفظه.
ليسَ شيءٌ أضَرَّ على الإنسان من العين واللسان
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
أَوَ ما علمتِ أنَّه ليسَ شيءٌ أضَرَّ على الإنسان من العين واللسان؟ فما عَطِبَ أكثرُ من عطِبَ إلا بهما، وما هَلَكَ أكثرُ من هلكَ إلا بسببهما، فَلِلّهِ كم من موْرِد هلكةٍ أوردَاه، ومصدَر ردًى عنه أصدراه، فمن أحبَّ أن يحيا سعيدًا، ويعيش حميدًا؛ فليَغُضَّ من عِنان طَرْفه ولسانه؛ ليسلمَ من الضَّرر، فإنَّه كامنٌ في فضول الكلام، وفضول النظر
الكُسالى أكثر الناس همًّا
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
ولهذا تجد الكُسالى أكثر الناس همًّا، وغمًّا، وحزنًا، ليس لهم فرحٌ، ولا سرورٌ، بخلاف أرباب النَّشاط، والجدِّ في العمل أيِّ عمل كان، فإن كان النشاطُ في عملٍ هم عالمون بحسن عواقبه، وحلاوة غايته؛ كان التذاذُهم بحبِّه، ونشاطُهم فيه أقوى. وبالله التوفيق.