تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - 2
المقتنيات والجواهر النفيسة
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
حكى عن بعض الملوك أنه أهدى إليه قبة بلور صافية عجيبة النقاء والصفاء محكمة الخرط قد استخرج منها أساطين وصور خاطر بها صانعها مرة بعد مرة في تلخيص النقوش والخروق والتجاويف التي بين الصور والأوراق فلما حصلت بين يديه كثر عجبه منها وإعجابه بها وأمر فرفعت في خاص خزائنه فلم يأت عليها كثير زمان حتى أصابها ما يصيب أمثالها من المتالف وبلغ الملك ذلك فظهر عليه من الأسف والجزع ما منعه من التصرف في أموره والنظر في مهماته والجلوس لجنده وحاشيته واجتهد الناس في وجود شيء شبيه بها فتعذر عليهم فظهر أيضا من عجزه وامتناع مطلوبه عليه ما تضاف به جزعه وحزنه.
الحسد
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
من أحب أن يحرم صديقه الخير فقد أحب له الشر ويجب له من هذه الرداآت الحزن على ما يتناوله الناس من الخيرات من قنياتنا وما ملكناه أو مما لم نقتنه ولم نملكه لأن الجميع مشترك للناس وهي ودائع الله عند خلقه. وله أن يرتجع العارية متى شاء على يد من شاء. ولا سيئة علينا ولا عار إذا رددنا الودائع وإنما العار والسيئة أن نحزن إذا ارتجعت منا.
المقتنيات والجواهر النفيسة
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
طلب الأمور التي فيها عزة وتتنافس فيها الناس فهو خطأ من الملوك والعظماء فضلا عن أوساط الناس. وذلك أن الملك إذا حصل في خزانته علق كريم أو جوهر نفيس فهو متعرض به للجزع عند فقده ولا بد من حلول الآفات به لما عليه طبيعة عالم الكون والفساد من تغيير الأمور وإحالتها وإدخال الفساد على كل ما يدخر ويقتني. فإذا فقد الملك ذخيرة عزيزة الوجود ظهر عليه ما يظهر على المفجوع المصاب بما يعز عليه وتبين فقره إلى نظيره الذي لا يجده فيطلع الصديق والعدو على حزنه وكآبته.
علاج الحزن
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
العاقل إذا نظر إلى أحوال الناس في الحزن وأسبابه. علم أن ليس يختص من بينهم بمصيبة غريبة ولا يتميز عنهم بمحنة بديعة وأن غايته من مصيبته السلوة. وأن الحزن هو مرض عارض يجري مجرى سائر الرداآت فلم يضع لنفسه عارضا رديئا ولم يكتسب مرضا وضيعا أعني مجتلبا غير طبيعي.
الغدر والضيم
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
الغدر فوجوهه كثيرة اعني أنه يستعمل في المال وفي الجاه وفي الحرم وفي المودة وهو على كثرة وجوهه مذموم بكل لسان ومعيب عند كل أحد ينفر السماع من ذكره ولا يعترف به إنسان وإن قل حظه من الإنسانية وليس يوجد إلا في جنس من أجناس العبيد فيتوقاهم الناس ويأنف منهم سائر أجناس العبيد.
علاج الحزن
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
قال الكندي في كتاب دفع الأحزان. مما يدلك دلالة واضحة أن الحزن شيء يجلبه الإنسان ويضعه وضعا وليس هو من الأشياء الطبيعية أن من فقد ملكا أو طلب أمرا فلم يجده فلحقه حزن ثم نظر في حزنه ذلك نظرا حكيما وعرف أن أسباب حزنه هي أسباب غير ضرورية وان كثيرا من الناس ليس لهم ذلك الملك وهم غير محزونين بل فرحون مغبوطون علم علما لا ريب فيه أن الحزن ليس بضروري ولا طبيعي.
المزاح والتيه والإستهزاء
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
الإستهزاء فإنه يستعمله المجّان من الناس والمساخر ومن لا يبالي بما يقابل به لأنه قد وضع في نفسه إحتمال مثل ذلك وإضعافه فهو ضاحك قرير العين بضروب الإستخفافات التي تلحقه وإنما يتعيش بالدخول تحت المذلة والصغار بل إنما يتعرض بقليل ما يبتدىء به لكثير ما يعامل به ليضحك غيره وينال اليسير من بره. والحر الفاضل بعيد من هذا المقام جدا لأنه يكرم نفسه وعرضه عن تعريضهما للسفهاء وبيعهما بجميع خزائن الملوك فضلا عن الحقير التافه.
علاج الحزن
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
الحزن ألم نفساني يعرض لفقد محبوب أو فوت مطلوب. وسببه الحرص على القنيات الجسمانية والشره إلى الشهوات البدنية والحسرة على ما يفقده أو يفوته منها. وإنما يحزن ويجزع على فقد محبوباته وفوت مطلوباته من يظن أن ما يحصل له من محبوبات الدنيا يجوز أن يبقى ويثبت عنده أو أن جميع ما يطلبه من مفقوداتها لا بد أن يحصل له ويصير في ملكه فإذا انصف نفسه وعلم أن جميع ما في عالم الكون والفساد غير ثابت ولا باق.
المزاح والتيه والإستهزاء
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
التيه فهو قريب من العجب والفرق بينهما أن المعجب يكذب نفسه فيما يظن لها والتياه يتيه على غيره ولا يكذب نفسه إلا أن علاجه علاج المعجب بنفسه. وذلك بأن يعرف أن ما يتيه به لا مقدار له عند العقلاء وأنهم لا يعتدون به لخساسة قدره ونزارة حظه من السعادة ولأنه متغير زائل غير موثوق ببقاءه ولأن المال والأثاث وسائر الأعراض قد توجد عند كل صنف من الناس الأراذل والأشراف والجهال.
المزاح والتيه والإستهزاء
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
المزاح فإن المعتدل منه محمود وكان رسول الله صلى الله عليه يمزح ولا يقول إلا حقا. وكان أمير المؤمنين كثير المزاح حتى عابه بعض الناس فقال لولا دعاية فيه. ولكن الوقوف على المقدار المعتدل منه صعب وأكثر الناس يبتدىء ولا يدري أين يقف منه فيخرج عن حده ويروم الزيادة فيه على صاحبه حتى يصير سببا للوحشة فيثير غضبا كامنا ويزرع حقدا باقيا فلذلك عددناه في الأسباب فينبغي أن يحذره من لا يعرف حده.
علاج الخوف من الموت
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
الخوف من الموت ليس يعرض إلا لمن لا يدري ما الموت على الحقيقة أولا يعلم إلى أين تصير نفسه. أو لأنه يظن أن للموت ألما عظيما غير ألم لأمراض التي ربما تقدمته وأدت إليه وكانت سبب حلوله أو لأنه يعتقد عقوبة تحل به بعد الموت. أو لأنه متحير لا يدري على أي شيء يقدم بعد الموت. أو لأنه يأسف على ما يخلفه من المال والمقتنيات وهذه كلها ظنون باطلة لا حقيقة لها.
العجب والإفتخار
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
حكي عن بعض الفلاسفة أنه دخل على بعض أهل اليسار والثروة وكان يحتشد في الزينة ويفتخر بكثرة آلاته وقد حضرت الفيلسوف بصقة فتنخع لها والتفت في البيت يمينا وشمالا ثم بصق في وجه صاحب البيت فلما عوتب على ذلك قال: (إني نظرت إلى البيت وجميع ما فيه فلم أجد هناك أقبح منه فبصقت عليه) وهكذا يستحق من كان خاليا من فصائل نفسه وافتخر بالخارجات عنه.
الخوف وأسبابه وعلاجه
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
الخوف يعرض من توقع مكروه وانتظار محذور والتوقع والإنتظار إنما يكونان للحوادث في الزمان المستقبل وهذه الحوادث ربما كانت عظيمة وربما كانت يسيرة وربما كانت ضرورية وربماكانت ممكنة، والأمور الممكنة ربما كنا نحن أسبابها وربما كان غيرنا سببها وجميع هذه الأقسام لا ينبغي للعاقل أن يخاف منها.
الجبن والخور
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
حكي عن بعض المتفلسفين أنه كان يتعمد مواطن الخوف فيقف فيها ويحمل نفسه على المخاطرات العظيمة بالتعرض لها ويركب البحر عند اضطرابه وهيجانه ليعود نفسه الثبات في المخاوف ويحرك منها القوة التي تسكن عند الحاجة إلى حركتها ويخرجها عن رذيلة الكسل ولواحقه ولا يكره لمثل صاحب هذا المرض بعض المراء والتعرض للملاحاة وخصومة من يأمن غائلته حتى يقرب من الفضيلة التي هي وسط بين الرذيلتين أعني الشجاعة التي هي صحة النفس المطلوبة فإذا وجدها وأحس بها من نفسه كف ووقف ولم يتجاوزها حذرا من الوقوع في الجانب الآخر.
العجب والإفتخار
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
العجب فحقيقته إذا حددناه أنه ظن كاذب بالنفس في استحقاق مرتبة هي غير مستحقة لها. وحقيق على من عرف نفسه أن يعرف كثرة العيوب والنقائص التي تعتريها فإن الفضل مقسوم بين البشر وليس يكمل الواحد منهم إلا بفضائل غيره. وكل من كانت فضيلته عند غيره فواجب عليه أن لا يعجب بنفسه. وكذلك الإفتخار فإن الفخر هو المباهات بالأشياء الخارجة عنا ومن باهي بما هوخارج عنه فقد باهى بمالا يملكه.
الجبن والخور
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
وتتبعهما إهانة النفس وسوء العيش وطمع طبقات الأنذال وغيرهم من الأهل والأولاد والمعاملين وقلة الثبات والصبر في المواطن التي يجب فيها الثبات وهما أيضا سبب الكسل ومحبة الراحة اللذين هما سببا كل رذيلة ومن لواحقهما الإستحذاء لكل أحد والرضى بكل رذيلة وضيم. والدخول تحت كل فضيحة في النفس والأهل والمال وسماع كل قبيحة فاحشة من الشتم والقذف وإحتمال كل ظلم من كل معامل وقلة الأنفة مما يأنف منه الناس.
التهور والجبن
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
إن سببهما ومبدأهما النفس الغضبية، الغضب في الحقيقة هو حركة للنفس يحدث بها غليان دم القلب شهوة للإنتقام. فإذا كانت هذه الحركة عنيفة أججت نار الغضب وأضرمتها فاحتد غليان دم القلب وامتلأت الشرايين والدماغ دخانا مظلما مضطربا يسوء منه حال العقل ويضعف فعله ويصير مثل الإنسان عند ذلك على ما حكته الحكماء مثل كهف ملىء حريقا وأضرم نارا فاختنق فيه اللهيب والدخان.
معرفة المرء عيوب نفسه
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
ينبغي أن نعمل في الحسنات لنفرغ إليها ولا يفوتنا منها شيء. قال: وينبغي أن لا نقطع بأن نصير أشباه الدفاتر والكتب التي تفيد غيرها معاني الحكمة وهي عادمة اقتنائها أو كالمسن يشحذ ولا يقطع بل نكون كالشمس التي تفيد القمر كلنا أشرقت عليه إنارة من ذلتها فتفعل له تماما حتى يكون له شبهها وإن قصر عن نورها. فهكذا ينبغي أن يكون حالنا إذا أفدنا غيرنا الفضائل.
القناعة
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
من لم يرزق الكفاية واحتاج إلى السعي والإضطراب في تحصيلها فيجب أن لا يتجاوز القصد وقدر حاجته منها إلى ما يصطر معه إلى السعي الحثيث والحرص الشديد والتعرض لقبيح المكاسب أو ضروب المهالك والمعاطب. بل يجمل في طلبها إجمال العارف بخساستها وأنه يضطر إليها لنقصانه فيطلب منها كسائر الحيوانات في ضروراتها.
الشرير
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
من كانت ذاته رديئة هرب من ذاته لأجل أن الرداءة مهروب منها واضطر إلى صحبة قوم يناسبونه ليفنى عمره معهم ويشتغل بهم عن ذاته وما يجده فيها من الإضطراب والقلق. ذلك أن هؤلاء الأشرار إذا خلوا بأنفسهم تذكروا أفعالهم الرديئة وهاجت بهم القوى المتضادة التي تدعوهم إلى إرتكاب الشرور المتضادة فيألمون من ذواتهم وتتشاغب نفوسهم كل الشغب وتجذبهم القوى التي فيهم وهي التي لم يروضوها بالأدب الحقيقي إلى جهات مختلفة من اللذات الرديئة وطلب الكرامات التي لا يستحقونها والشهوات الرديئة التي تهلكهم سريعا.
الخير الفاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
احذر في صديقك إن كنت متحققا بعلم أو متحليا بأدب أن تبخل عليه بذلك الفن أو يرى فيك أنك تحب الإستبداد دونه والإستئثار عليه فإن أهل العلم لا يرى بعضهم في بعض ما يراه أهل الدنيا بينهم. ذلك أن متاع الدنيا قليل فإذا تزاحم عليه قوم ثلم بعضهم حال بعض ونقص حظ كل واحد من حظ الآخر. وأما العلم فإنه بالضد وليس أحد ينقص منه ما يأخذه غيره بل يزكو على النفقة ويربو مع الصداقة ويزيد على الإنفاق وكثرة الخرج فإذا بخل صاحب علم بعلمه فإنما ذلك لأحوال فيه كلها قبيحة.
الخير الفاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
إن بلغت مرتبة من السلطان والغنى فاغمس إخوانك فيها من غير امتنان ولا تطاول. وإن رأيت من بعضهم نبوا عنك أو نقصانا مما عهدته فداخله زيادة مداخلة واختلط به واجتذبه إليك. فإنك إن أنفت من ذلك أو تداخلك شيء من الكبر والصلف عليهم انتقض حبل المودة وانتكثت قوته.
الخير الفاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
يجب عليك متى حصل لك صديق أن تكثر مراعاته وتبالغ في تفقده ولا تستهين باليسير من حقه عند مهم يعرض له أو حادث يحدث به، فأما في أوقات الرخاء فينبغي أن تلقاه بالوجه الطلق والخلق الرحب وأن تظهر له في عينك وحركاتك وفي هشاشتك وارتياحك عند مشاهدته إياك ما يزداد به في كل يوم وكل حال ثقة بمودتك وسكونا إليك ويرى السرور في جميع أعضائك التي يظهر السرور فيها إذا لقيك.
الخير الفاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
لا ينبغي أن يحملك طلب الفضائل ممن تصادقه على تتبع صغار عيوبه فتصير بذلك إلى أن لا يسلم لك أحد فتبقى خلوا من الصديق، بل يجب أن تغض عن المعايب اليسيرة التي لا يسلم من مثلها البشر وتنظر ما تجده في نفسك من عيب فتحتمل مثله من غيرك، واحذر عداوة من صادقته أو خاللته أو خالطته مخالطة الصديق.
محبة الأخيار
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
يحب الوالد لولده جميع ما يحبه لنفسه ويسعى في تأديبه وتكميله بكل ما فاته في نفسه طول عمره. ولا يشق عليه أن يقال له ولدك أفضل منك لأنه يرى أنه هو هو. وكما أن الإنسان إذا تزايد في نفسه حالا فحالا وترقى في الفضيلة درجة فدرجة لا يشق عليه أن يقال له إنك الآن أفضل مما كنت بل يسره ذلك كذلك تكون حاله إذا قيل له في ولده مثل ذلك. ثم تفضل أيضا محبة الوالد على محبة الولد بأنه الفاعل له وبأنه يعرفه منذ أول تكوينه ويستبشر به وهو جنين ثم تزداد محبته له مع التربية والنشأة ويتأكد سروره به وتأميله له.
الخير الفاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
من كثرت أصدقاؤه لم يف بحقوقهم واضطر إلى الأغضاء عن بعض ما يجب عليه والتقصير في بعضه وربما ترادفت عليه أحوال متضادة أعني أن تدعوه مساعدة صديق إلى أن يسر بسروره ومساعدة آخر أن يغتم بغمه وأن يسعى بسعي واحد ويقعد بقعود آخر مع أحوال تشبه هذه كثيرة مختلفة.
محبة الأخيار
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
محبة الأخيار بعضهم بعضا فإنها تكون لا للذة خارجة ولا لمنفعة بل للمناسبة الجوهرية بينهما وهي قصد الخير والتماس الفضيلة. فإذا أحب أحدهم للمناسبة الجوهرية بينهما وهي قصد الخير والتماس الفضيلة. فإذا أحب أحدهم الآخر لهذه المناسبة لم تكن بينهم مخالفة ولا منازعة ونصح بعضهم بعضا وتلاقوا بالعدالة والتساوي في إرادة الخير وهذا التساوي في النصيحة وإرادة الخير هو الذي يوحد كثرتهم.
الخير الفاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
إذا أردنا أن نستفيد صديقا أن نسأل عنه كيف كان في صباه مع والديه ومع إخواته وعشيرته فإن كان صالحا معهم فارج الصلاح منه وإلا فابعد منه وإياك وإياه. قال: (ثم إعرف بعد ذلك سيرته مع أصدقائه قبلك فأضفها إلى سيرته مع إخوته وآبائه. ثم تتبع أمره في شكر من يجب عليه شكره أو كفره النعمة.
أجناس المحبات وأسبابها
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
المحبات المختلفة التي أسبابها مختلفة فهي أولى بسرعة التحلل. ومثال ذلك أن تكون محبة أحد المتحابين لأجل المنفعة ومحبة الآخر لأجل اللذة كما يعرض ذلك للمعاشرين على أن أحدهما مغن والآخر مستمع فإن المغنى منهما يحب المستمع لأجل المنفعة والمستمع منهما يحب المغنى لأجل اللذة. وكما يعرض أيضا بين العاشق والمعشوق اللذين أحدهما يلتذ بالنظر والآخر ينتظر المنفعة وهذا الصنف من المحبة يعرض فيه أبدا التشكي والتظلم. وذلك أن طالب اللذة يتعجل مطلوبه وطالب المنفعة يتأخر عنه ولا يكاد يعتدل الأمر بينهما.
أجناس المحبات وأسبابها
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
بين الرجل وبين زوجته خيرات مشتركة ومنافع مختلفة وهما يتعاونان عليها أعني الخيرات الخارجة عنها وهي الأسباب التي تعمر بها المنازل، فالمرأة تنتظر من زوجها تلك الخيرات لأنه هو الذي يكتسبها ويحضرها. وأما الرجل فإنه ينتظر من زوجته ضبط تلك الخيرات لأنها هي التي تحفظها وتدبرها لتثمر ولا تضيع فمتى قصر أحدهما اختلفت المحبة وحدثت الشكايات ولا تزال كذلك إلى أن تتقطع أو تبقى مع الشكايات والملامة.
الخير الفاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
من عرف سيرة الخير وعلو مرتبته فهو لا محالة يختار لنفسه أفضل السير وأكرم الخيرات فلا يؤثر اللذات البهيمية ولا اللذات الخارجة عن نفسه فإنها عرضية كلها ومستحيلة ومنحلة لكنه يختار لها أتم الخيرات وأعلاها واعظمها وهو الخير الذي لها بالذات أعني الذي ليس بخارج عنها وهو الذي ينسب إلى جزئه الإلهي ومن سار بهذه السيرة وأختارها لنفسه فقد أحسن إليها وأنزلها في الشرف الأعلى وأهلّها لقبول الفيض الإلهي واللذة الحقيقية التي لا تفارقه أبدا.
الخليفة يحرس الدين
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
قال حكيم الفرس وملكهم ازدشير: " إن الدين والملك إخوان توأمان لايتم أحدهما إلا بالآخر " فالدين أس والملك حارس. وكل مالا أس له فمهدوم. وكل مالا حارس له فضائع. ولذلك حكمنا على الحارس الذي نصب للدين أن يتيقظ في موضعه ويحكم صناعته ولا يشتغل بلذة تخصه ولا يطلب الكرامة والغلبة إلا من وجهها. فإنه متى أغفل شيئا من حدوده دخل عليه من هنالك الخلل والوهن.
الخليفة يحرس الدين
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
القائم بحفظ هذه السنة وغيرها من وظائف الشرع حتى لا تزول عن أوضاعها هوالإمام وصناعته هي صناعة الملك. والأوائل لا يسمون بالملك إلا من حرس الدين وقام بحفظ مراتبه وأوامره وزواجره. وأما من أعرض عن ذلك فيسمونه متغلبا ولا يؤهلونه لإسم الملك وذلك أن الدين هو وضع إليه يسوق الناس باختيارهم إلى السعادة القصوى.
الشريعة تدعو إلى الأنس والمحبة
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
وضع للناس بالشريعة وبالعادة الجميلة إتخاذ الدعوات والإجتماع في المآدب ليحصل لهم هذا الأنس. والشريعة إنما أوجبت على الناس أن يجتمعوا في مساجدهم كل يوم خمس مرات وفضلت صلاة الجماعة على صلاة الآحاد ليحصل لهم هذا الأنس الطبيعي الذي هو فيهم بالقوة حتى يخرج إلى الفعل ثم يتأكد بالإعتقادات الصحيحة التي تجمعهم.
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - ابن مسكويه
الصداقة من المشائخ ومن كان في مثل طباعهم إنما نقع لمكان المنفعة فهم يتصادقون بسببها فإذا كانت المنافع مشتركة بينهم وهي في الأكثر طويلة المدة كانت الصداقة باقية، فحين تنقطع علاقة المنفعة بينهم وينقطع رجاؤهم من المنفعة المشتركة تنقطع موداتهم، والصداقة بين الأخيار تكون لأجل الخير وسببها هو الخير.
التعاون والإتحاد
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
تظهر حاجة بعض الناس إلى بعض وتبين أن كل واحد منهم يجد تمامه عند صاحبه وأن الضرورة داعية إلى استعانة بعضهم ببعض لأن الناس مطبوعون على النقصانات ومضطرون إلى تماماتها ولا سبيل فالحاجة صادقة والضرورة داعية إلى حال تجمع وتؤلف بين أشتات الأشخاص ليصيروا بالاتفاق والإئتلاف كالشخص الواحد الذي تجتمع أعضاؤه كلها على الفعل الواحد النافع له.
أسباب الإنقطاع عن الله
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
أولها السقوط الذي يستحق به الأعراض وتتبعه الإستهانة.
والثاني السقوط الذي يستحق به الحجاب ويتبعه الإستخفاف، والثالث السقوط الذي يستحق بالطرد ويتبعه المقت. والرابع السقوط الذي يستحق به الخسأة ويتبعه البغض. وإنما يشقى العبد إذا حصل على أربع خلال.
أولها الكسل والبطالة ويتبعهما ضياع الزمان وفناء العمر بغير فائدة إنسانية. والثاني الغباوة والجهل المتولدان عن ترك النظر ورياضة النفس بالتعاليم.
والثالث الوقاحة التي ينتجها إهمال النفس إذا تتبعت الشهوات وترك زمامها لركوب الخطايا والسيئات، والرابع الإنهماك الذي يحدث من الإستمرار في القبائح وترك الإنابة.
ما يجب على الإنسان لخالقه
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
يسعد الإنسان بهذه المنازل إذا حصلت له أربع خلال. أولها الحرص والنشاط والثاني العلوم الحقيقة والمعارف اليقينية. والثالث الحياء من الجهل ونقصان القريحة اللذين يحدثان بالإهمال. والرابع لزوم هذه الفضائل والترقي فيها دائما بحسب الإستطاعة فهذه أسباب الإتصال.
ما يجب على الإنسان لخالقه
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
للإنسان مقامات ومنازل عند الله عز وجل: فالمقام الأول للموقنين وهو رتبة الحكماء وأجلة العلماء. والمقام الثاني مقام المحسنين. وهو رتبة الذين يعملون بما يعلمون. والمقام الثالث مقام الأبرار وهو رتبة المصلحين وهؤلاء هم خلفاء الله بالحقيقة في إصلاح العباد والبلاد. والمقام الرابع مقام الفائزين وهو رتبة المخلصين في المحبة.
ما يجب على الإنسان لخالقه
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
الفلاسفة قالوا إن عبادة الله عزوجل على ثلاثة أنواع: أحدها فيما يجب له على الأبدان كالصلاة والصيام والسعي إلى المواقف الشريفة لمناجاة الله عزوجل. والثاني فيما يجب له على النفوس كالإعتقادات الصحيحة وكالعلم بتوحيد الله عز إسمه وما يستحقه من الثناء والتمجيد. والثالث فيما يجب له عند مشاركات الناس في المدن وهي في المعاملات والمزارعات والمناكح وفي تأدية الأمانات مع نصيحة البعض للبعض بضروب المعاونات وعند جهاد الأعداء والذب عن الحريم قالوا فهذه هي العبادات وهي الطرق المؤدية إلى الله عز وجل.
ما يجب على الإنسان لخالقه
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
اختلفت لناس فيما ينبغي أن يقوم به المخلوقون لخالقهم فبعضهم رأى أنه صلوات وصيام. وبعضهم رأى أن يقتصر على الإقرار بربوبيته والإعتراف بإحسانه وتمجيده بحسب استطاعته وبعضهم رأى أن يتقرب إليه بأن يحسن إلى نفسه بتزكيتها وحسن سياستها. والإحسان إلى المستحقين من أهل نوعه بالمواساة ثم بالحكمة وبعضهم رأى اللهج بالفكر في الإلهيات والتصرف نحو المحاولات التي يتزايد بها الإنسان من معرفة ربه عز وجل حتى تتكامل معرفته به وبحقيقة وحدانيته وبعضهم رأى أن الواجب للرب جل ذكره على الناس ليس سبيلا واحدا ولا هو شيء بعينه يلتزمه الجميع التزاما واحدا وعلى مثال واحد لكنه يختلف بحسب اختلاف طبقات الناس ومراتبهم من العلم.
تقسيم العدالة
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
مقابلة الملك الفاضل من رعيته إنما تكون بإخلاص الدعاء ونشر المحاسن وجميل الشكر وبذل الطاعة وترك المخالفة في السر والعلانية والمحبة الصادقة والإئتمام بسيرته نحو الإستطاعة والإقتداء به في تدبير منزله وأهله وولده وعشيرته فإن: نسبة الملك إلى مدينته ورعيته كنسبة صاحب المنزل إلى منزله وأهله. فمن لم يقابل ذلك الإحسان بهذه الطاعة والمحبة فقد جار وظلم وهذا الظلم وإن كان في نفسه قبيحا فإن مراتبه كثيرة.
تقسيم العدالة
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
من أعطى خيرا ما وإن كان قليلا ثم لم ير أن يقابله بضرب من المقابلة فهو جائر. فكيف به إذا أعطى جما كثيرا وأخد أخذا دائما ثم لم يعط في مقابلته شيء البتة. ثم على قدر النعمة التي تصل إلى الإنسان يجب أن يكون إجتهاده في المقابلة عليها. مثال ذلك أن الملك الفاضل إذا أمن السرب وبسط العدل وأوسع العمارة وحمى الحريم وذب عن الحوزة ومنع من التظالم ووفر الناس على ما يختارونه من مصالحهم ومعايشهم. فقد أحسن إلى كل واحد من رعيته إحسانا يخصه في نفسه وإن كان قد عمهم بالخير واستحق من كل واحد منهم أن يقابله بضرب من المقابلة متى قعد عنه كان جائرا إذ كان يأخذ نعمته ولا يعطيه شيئا.
تقسيم العدالة
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
تنقسم العدالة إلى أقسام ثلاثة: أحدها ما يقوم به الناس لرب العالمين. وهو أن يجري الإنسان فيما بينه وبين الخالق عزوجل على ما ينبغي وبحسب ما يجب عليه من حقه وبقدر طاقته. والثاني ما يقوم به بعض الناس لبعض من أداء الحقوق وتعظيم الرؤساء وتأدية الآمانات والنصفة في المعاملات. والثالث ما يقومون به من حقوق أسلافهم مثل أداء الديون عنهم وإنفاذ وصاياهم.
أسباب المضرات
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
الشقاء فصاحبه لا يكون هذا مبدأ فعله ولا له فيه صنع بالقصد. بل يوقعه فيه سبب آخر من خارج، وذلك كمن تصدم به دابته صديقا له فتقتله. فهذا يسمى شقيا وهو مرحوم معذور لا يجب عليه عتب ولا عقوبة. وأما السكران والغضبان والغيران إذا فعلوا فعلا قبيحا فإنهم يستحقون العتب والتفويه لأن مبتدأ أفعالهم منهم. وذلك أن السكران باختياره أزال عقله والغضبان والغيران اختارا الإنقياد بهاتين القوتين إذا هاجتا بهما.
لزوم الشريعة في المعاملات
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
المستمسك بالشريعة يعمل بطبيعة المساواة فيكتسب الخير والسعادة من وجوه العدالة لأن الشريعة تأمر بالأشياء المحمودة لأنها من عند الله عزوجل فلا تأمر إلا بالخير وإلا بالأشياء التي تفعل السعادة. وهي أيضا تنهى عن الرداآت البدنية وتأمر بالشجاعة وحفظ الترتيب والثبات في مصاف الجهاد. وتأمر بالعفة وتنهى عن الفسوق وعن الإفتراء والشتم والهجر وبالجملة تأمر بجميع الفضائل وتنهى عن جميع الرذائل.
لزوم الشريعة في المعاملات
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
ليس يمنع مانع من أن يكون عمل يسير يساوي عملا كثيرا مثال ذلك ان المهندس ينظر نظرا قليلا ويعمل عملا يسيرا ويساوي نظره هذا عملا كثيرا من أقوام يكدون بين يديه ويعملون بما يرسمه. وكذلك صاحب الجيش يكون تدبيره ونظره يسيرا ولكنه يساوي أعمالا كثيرة مما يحارب بين يديه ويعمل الأعمال الثقيلة العظيمة.
لزوم الشريعة في المعاملات
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
الدينار هو عدل إلا انه ساكت والإنسان الناطق هو الذي يستعمله ويقوم به جميع الأمور التي تكون بالمعاملات حتى تجري على إستقامة ونظام ومناسبة صحيحة عادلة. ولذلك يستعان بالحاكم الذي هو عدل ناطق إذا لم يستقم الأمر بين الخصمين بالدينار الذي هو عدل ساكت.
لزوم الشريعة في المعاملات
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
الشريعة هي التي ترسم في كل واحد من هذه الأشياء التوسط والإعتدال لأن الناس هم مدنيون بالطيع ولا يتم لهم عيش إلا بالتعاون فيجب أن بعضهم يخدم بعضا ويأخذ بعضهم من بعض ويعطي بعضهم بعضا فهم يطلبون المكافأة المناسبة، فإذا أخذ الإسكاف من النجار عمله وأعطاه عمله فهي المعاوضة إذا كان العملان متساويين ولكن ليس يمنع مانع أن يكون عمل الواحد خيرا من عمل الآخر فيكون الدينار هو المقوم والمسوي بينهما.
العادل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
الزيادة والنقصان والكثرة والقلة هي التي تفسد الأشياء إذا لم يكن بينها مناسبة تحفظ عليها الإعتدال بوجه ما. فالإعتدال هو الذي يرد إليها ظل الوحدة ومعناها. وهو الذي يلبسها شرف الوحدة ويزيل عنها رذيلة الكثرة والتفاوت والإضطراب الذي لا يحد ولا يضبط بالمساواة التي هي خليفة الوحدة في جميع الكثرات واشتقاق هذا الإسم يدلك على معناه.
العادل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
العادل في الحقيقة هو الذي يوازن بين قواه وأفعاله وأحواله كلها حتى لا يزيد بعضها على بعض ثم يروم ذلك فيما هوخارج عنه من المعاملات والكرامات ويقصد في جميع ذلك فضيلة العدالة نفسها لا غرضا آخر سواها وإنما يتم له ذلك إذا كانت له هيئة نفسانية أدبية تصدر عنها أفعاله كلها بحسبها.
الحاجة إلى المال واكتسابه بالطرق الشريفة العادلة
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
العاقل إذا رأى نفسه وهو برىء من المذمات نقي العرض من السوآت لم يتدنس بالقبيح من المكاسب ولم يتطرق إليه بخيانة ولا سرقة ولا ظلم لمن هو دونه أو مثله وتجنب فيه وجوه العار والفضائح كالقيادة والخداع وترويج السلع القبيحة علىالملوك واستنزالهم عن أموالهم بالخدع والمكر ومساعتهم على الفواحش وتحسين القبائح فيما يوافق هواهم، وما يجري مجرى ذلك من السعاية والنميمة والغيبة وضروب الفساد التي يرتكبها طلاب المال من غير وجهه بضروب المغابنات ووجوه الظلم يسر بنفسه ويعتاض من المال الراحة والمحمدة فلا يلوم البخت ولا يبغض الدول ولا يحسد أصحاب الأموال المكتسبة من غير وجوهها الجميلة.
الحاجة إلى المال واكتسابه بالطرق الشريفة العادلة
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
الحاجة إلى المال ضرورية في العيش وهو نافع في إظهار الحكمة والفضيلة ومن اكتسبه من وجهه صعب عليه. وذلك أن المكاسب الجميلة قليلة ووجوهها يسيرة عند الرجل العادل الحر وأما غير العادل الحر فليس يبالي كيف اكتسبه ومن أين وصل إليه ولأجل ذلك يوجد كثير من الأحرار والفضلاء ناقصي الحظ منه.
ظهور الفضائل ممن ليس بسعيد ولا فاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
من بذل أمواله في شهواته طلبا للسمعة والرياء أو تقربا إلى السلطان أو لدفع مضرة عن نفسه وحرمه وأولاده أو بذلها لمن لا يستحق من أهل الشر أوالملهين أو المساخرين أو بذلها لطمع في أكثر منها على سبيل التجارة والمرابحة فكل هؤلاء يعمل عمل الإسخياء وليس بسخي.
ظهور الفضائل ممن ليس بسعيد ولا فاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
يجب أن يعظم الشجاع ويشح بنفسه وحقيق على السلطان خاصة والقيم بأمر الدين والملك أن ينافس فيه ويجل قدره ويعلي خطره ويميزه عن سائر من يتشبه به ممن ذكرناه. فقد تبين من جميع ما قلناه أن الشجاع هو الذي يستهين بالشدائد في الأمور الجميلة ويصبر على الأمور الهائلة ويستخف بما يستعظمه عوام الناس حتى بالموت لإختيار الأمر الأفضل.
ظهور الفضائل ممن ليس بسعيد ولا فاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
من خنق نفسه خوفا من الفقر أو الذل أو أهلكها بالسم وما أشبهه من باب الضيم فهو بأن يوصف بالجبن أولى منه بأن يوصف بالشجاعة. وذلك أن الإقدام وقع منه بطبيعة الجبن لا بطبيعة الشجاعة فإن الشجاع يصير على مايرد عليه من الشدائد صبرا جميلا ويعمل أعمالا تليق بتلك الحال.
ظهور الفضائل ممن ليس بسعيد ولا فاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
من خاطر بنفسه في وقت الأمن والطمأنينة بأن يثب من سطح عال أو يصعد مرتقى صعبا أو يحمل نفسه على خوض ماء غزير وهو لا يحسن السباحة أو يساور جملا هائجا أو ثورا صعبا او فرسا لم يرض من غير ضرورة تدعوه إلى ذلك بل مرآة بالشجاعة وإظهار مرتبة الشجعان فهو بأن يسمى مطرمذا مائقا أولى منه بأن يسمى شجاعا.
ظهور الفضائل ممن ليس بسعيد ولا فاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
قد رأينا أهل الشقاوة يعملون عمل الإعفاء وعمل الشجعان وهم أبعد الناس عن كل فضيلة. وذلك أنهم يصبرون عن الشهوات كلها ويصبرون على عقوبات السلطان وضرب السياط وتقطيع الأعضاء والجراحات التي لا يؤمن منها وينتهون فيها لأقصى الصبر على الصلب وثمل العيون وقطع الأيدي والأرجل وضروب التمثيل طلبا لإسم وذكر بين قوم في مثل حالهم من سوء الإختيار ونقصان الفضائل.
ظهور الفضائل ممن ليس بسعيد ولا فاضل
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق - لابن مسكويه
من باشر الحروب وأقدم على ركوب الأهوال لبعض مايوصل إليه المال أو لبعض الرغبات التي لا تحد كثرة فإن الأهوال لبعض ما يوصل إليه المال أو لبعض الرغبات التي لا تحد كثرة فإن مثل هذا يعمل عمل الشجعان ولكن يعمله بطبيعة الشره لا بطبيعة الفضيلة التي تدعي شجاعة.