2. فوائد من كتاب روض الأخيار
قال ابن سيرين : ما غشيت امرأة قطّ في يقظة ولا في نوم غير أمّ عبد الله، وإني لأرى المرأة في منامي فأعلم أنها لا تحلّ لي فأصرف بصري . بعضهم : ليت عقلي في اليقظة كعقل ابن سيرين في المنام .
قال فضيل : بلغني أنّ أكرم الخلائق على الله تعالى يوم القيامة وأحبّهم إليه وأقربهم الحمّادون على كل حال .
قال طاوس : إني لفي الحجر ليلة إذ دخل عليّ عليّ بن الحسين رضي الله عنهما، فقلت : هذا رجل صالح من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لأسمعنّ دعاءه ، فسمعته يقول : (عبيدك ببابك ، ومسكينك بفنائك ، وفقيرك بفنائك) فما دعوت بهنّ في كربة إلا فرّج الله عنّي .
قال ابن المسيّب : سمعت من يدعو بين القبر والمنبر : اللهمّ إني أسألك عملا بارّا ورزقا دارّا وعيشا قارّا ، فدعوت به فلم أر إلّا خيرا .
سأل الثوريّ جعفر بن محمد عن الدّعاء عند البيت الحرام فقال : إذا بلغت البيت ضع يدك على الحائط ثم قل : يا سابق الفوت، ويا سامع الصوت، ويا كاسي العظام لحما بعد الموت ، ثم ادع بما شئت، ثم قال : إذا جاءك ما تحبّ فأكثر من «الحمد لله» وفيما تكره أكثر من «لا حول ولا قوة إلا بالله» وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار .
قال ميمون بن مهران : أتي أبو بكر الصديق بغراب وافر الجناحين فقلبه ثم قال : ما صيد من صيد ولا عضدت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح .
قال رجل لسلمان رضي الله عنه : يا أبا عبد الله فلان يقرئك السّلام، فقال : أما إنك لو لم تفعل لكان أمانة في عنقك .
أوصى المسترشد ابنه عند وفاته فقال : يا بنيّ إن أردت المهابة فلا تكذب فإن الكاذب لا يهاب ولو حفّ به مائة ألف سيف .
قال العباس لابنه عبد الله : إني أرى عمر يقدّمك على الشيوخ فاحفظ عني ثلاثا : لا تفشينّ سرّا، ولا تغتابنّ أحدا عنده، ولا تجرينّ عليه كذبة .
قال ابن مسلم : لا تطلبوا الحوائج من كذوب فإنه يقرّبها وإن كانت بعيدة ويبعدها وإن كانت قريبة، ولا من رجل قد جعل المسألة مأكلة فإنه يقدّم حاجته، ولا من أحمق فإنه يريد نفعك ويضرّك .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : يكون الرجل مرائيا في حياته وبعد موته، فقيل : كيف ذلك ؟ قال : يحبّ أن تكثر الناس على جنازته .
قال رجل لعمرو بن عبيد : إنّ الأسواريّ لم يزل يذكرك ويقول : الضالّ، فقال عمرو : يا هذا والله ما رعيت حق مجالسته حتى نقلت إلينا حديثه، ولا رعيت حقي حتى نقلت عن أخي ما أكرهه، اعلم أنّ الموت يعمّنا والبعث يحشرنا والقيامة تجمعنا والله يحكم بيننا .
وصف عيسى عليه السلام أولياء الله فقال : سقوا زروعهم بأعينهم حتى أنبتوا وأدركوا الحصاد يوم فقرهم .
قال كعب : لأن أبكي من خشية الله حتى تسيل دموعي على وجنتي أحبّ إليّ من أن أتصدّق بجبل من ذهب .
بكى ثابت البنانيّ حتى كاد بصره يذهب فقال له الطبيب: أعالجك على أن لا تبكي فقال: ما خيرهما إذا لم تبكيا؟.
قال فضيل : البكاء بكاءان : بكاء بالقلب، وبكاء بالعين، فبكاء القلب البكاء على الذنوب وهو البكاء النافع، وأمّا بكاء العين فإنك ترى الرجل تبكي عيناه وإنّ قلبه لقاس .
قال ذرّ لابنه عمر : ما بالهم يتكلّمون فلا يبكي أحد وإذا تكلّمت أنت كثر البكاء ؟ قال : يا أبت ليست النائحة المستأجرة كالنائحة الثكلى .
قال أويس القرني رحمة الله عليه : كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلّهم، يعني خائفا مغموما .
سمع حكيم رجلا يقول لآخر : لا أراك الله مكروها، فقال : كأنك دعوت عليّ بالموت، فإنّ من كان في الحياة فلا بدّ وأن يرى مكروها .
قيل للشبليّ : في الدنيا أشغال وفي الآخرة أهوال، فمتى النجاة ؟ فقال : دع أشغالها تأمن أهوالها .
قال فرقد السبخي : قرأت في التوراة التي لم تتبدّل : من ملك استأثر، ومن لم يستشر ندم، والحاجة الموت الأكبر، والهمّ نصف الهرم .
قال الجاحظ : جهد البلاء أن تظهر الخلّة وتطول المدّة وتعجز الحيلة ثم لا تعرف إلّا أخا صارما وابن عمّ شامتا وجارا كاشرا ووليّا قد تحوّل عدوّا وزوجة مختلقة وجارية متعبة وعبدا يحقرك وولدا ينهرك .
قال فضيل : إذا قيل لك : أتخاف الله تعالى ؟ فاسكت، فإنك إن قلت لا فقد أجبت بأمر عظيم، وإن قلت نعم فالخائف لا يكون على ما أنت عليه .
قال الأحنف : شكوت إلى عمّي صعصعة بن معاوية وجعا في بطني فنهرني ثم قال : يابن أخي إذا نزل بك شيء فلا تشكه إلى أحد، فإنما الناس رجلان : صديق تسوءه وعدوّ تسرّه، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك، فإنه لا يقدر على دفع مثله عن نفسه، ولكن إلى من ابتلاك به وهو قادر على أن يفرّج عنك، يا بن أخي إحدى عينيّ هاتين ما أبصر بها سهلا ولا جبلا منذ أربعين سنة وما أطلعت على ذلك امرأتي ولا أحدا من أهلي .
قال الأصمعيّ : قلت لابن المقفّع : من أدّبك ؟ قال : نفسي : كنت إذا رأيت من غيري حسنا أتيته ، وإذا رأيت قبيحا أبيته .
قال لقمان : ثلاث من كنّ فيه فقد استكمل الإيمان : من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له .
قال بزرجمهر : كن شديدا بعد رفق لا رفيقا بعد شدّة، لأنّ الشدّة بعد الرفق عزّ، والرفق بعد الشدّة ذلّ .
قيل لبزرجمهر : هل تعرف نعمة لا يحسد عليها صاحبها ؟ قال : نعم، التواضع ،قيل : فهل تعرف بلاء لا يرحم صاحبه ؟ فقال : نعم، العجب .
قال رجل لعائشة رضي الله عنها : متى أكون محسنا ؟ قالت : إذا علمت أنك مسيء، قال : فمتى أكون مسيئا ؟ قالت : إذا ظننت أنك محسن .
قال مالك بن دينار : مبدأ المرء نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة، وهو فيما بينهما يحمل العذرة فكيف يتكبّر ؟! .
قيل للحسن : كيف حالك ؟ قال : ما ظنّك بأناس ركبوا في سفينة حتى إذا توسّطوا البحر انكسرت وتعلّق كلّ إنسان بخشبة فعلى أيّ حال هم؟ قيل : شديدة ، قال : حالي أشدّ من حالهم .
لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه طاوس : إذا أردت أن يكون عملك خيرا كلّه فاستعمل أهل الخير، فقال : كفى موعظة .
قيل : العمل سعي الأركان إلى الله، والنية سعي القلوب إلى الله، والقلب ملك والأركان جنوده، ولا يحارب الملك إلا بالجنود ولا الجنود إلا بالملك .
قال مطرّف : قال لإخوانه : من كانت له حاجة إليّ فليكتبها في رقعة فإني أكره أن أرى ذلّ السؤال في وجه أحد .
قيل لحكيم : من أحبّ الناس إليك ؟ قال : من أحسن إليّ، فقيل : ثم من ؟ قال : من أحسنت إليه .
قيل لأعرابيّ : ما السقم الذي لا يبرأ والجرح الذي لا يندمل ؟ فقال : حاجة الكريم إلى اللئيم .
اجتمع الفضيل وسفيان وابن كريمة اليربوعيّ فتواصوا فافترقوا وهم مجمعون على أنّ أفضل الأعمال : الحلم عند الغضب، والصبر عند الطمع .
صلّى محمد بن أبي توبة بمعروف الكرخي ثم قال : لا أصلي بكم أخرى، فقال معروف : أو أنت تحدّث نفسك بصلاة أخرى ؟ نعوذ بالله من طول الأمل، فإنه يمنع خير العمل .
قال فضيل : الخوف أفضل من الرجاء ما كان العبد صحيحا، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل من الخوف.
قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم : ما لنا نكره الموت ؟ فقال : لأنّكم عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة، فأنتم كارهون الانتقال من العمران إلى الخراب .
بكى الخولاني عند موته فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لطول السفر وقلّة الزاد، وقد سلكت عقبة لا أدري إلى أين تهبط بي وإلى أيّ المكانين أسقط .
قال إبراهيم النخعيّ : لما احتضر جزع جزعا شديدا فسئل عن السبب فقال : أنا أتوقّع رسولا من ربي إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار، والله لوددت أن تتلملم روحي في حلقي إلى يوم القيامة .
قال المزنيّ : دخلت على الشافعي في مرض موته، فقلت : كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت من الدنيا راحلا، وللإخوان مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، ولكأس المنية شاربا، وعلى الله واردا، فلا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنّيها أم إلى النار فأعزّيها، ثم أنشأ يقول : ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي نحو عفوك سلّما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
قال محمد بن الحسن الشيبانيّ صاحب أبي حنيفة : استسلم لأمر الله فيما ذهب واشكره على ما وهب .
قال حاتم الأصمّ : ما من صباح ومساء إلا ويقول الشيطان لي : ما تأكل وما تلبس ؟ وأين تسكن ؟ فأقول له : آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر .