تصنيف الناس بين الظن واليقين - 2
نصيحة زياد فيما ساقه ابن عبد البر - رحمه الله تعالى - بسنده أن زياداً خطب على منبر الكوفة فقال :
" أيها الناس إني بُتُ ليلتي هذه مُهتماً بخلال ثلاث رأيت أن أتقدم إليكم فيهن بالنصيحة :
رأيت إعظام ذوي الشرف ، وإجلال ذوي العلم ، وتوقير ذوي الأسنان .
والله لا أوتى برجل رد على ذي علم ليضع بذلك منــه إلا عاقبته ....... إلى أن قال :
إنما الناس بأعلامهم ، وعلمائهم ، وذوي أسنانهم "
قال أبو الحسن الصفار : سمعت أبا سهل الصعلوكي ، وسُئل عن تفسير أبي بكر القفال ، فقال : قدسه من وجه ودنسه من وجه ، أي : دنسه من جهة نصره للاعتزال .
هذا الإمام الحافظ ابن حبان المتوفى سنة 354 هـ رحمه الله تعالى فاه بقوله : النبوة العلم والعمل . فهُجر وحُكم عليه بالزندقة وكتب فيه إلى الخليفة فكتب بقتله .
لكن أنصفه المحققون من أهل العلم فوجهوا قوله واستفادوا من علمه وفضله.
كان الشيخ طاهر الجزائري المتوفى سنة 1338 هـ رحمه الله تعالى يقول وهو على فراش الموت :
( عدوا رجالكم ، واغفروا لهم بعض زلاتهم ، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم ، ولا تُنفروهم ، لئلا يزهدوا في خدمتكم ) .
قال الحافظ الذهبي - رحمه الله تعالى - ( ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له ، قمنا عليه ، وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ، ولا من هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخلق إلى الحق ، وهو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة )
الحافظ الذهبي - رحمه الله تعالى - يقول في ترجمة كبير المفسرين قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة 117 هـ رحمه الله تعالى بعد أن اعتذر عنه :
( ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق ، واتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللة ، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه ، نعم : لانقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك )
قال أبوهلال العسكري:
( ولا يضع من العالم الذي برع في علمه : زلة ٌ ، إن كانت على سبيل السهو والإغفال ، فإنه لم يعر من الخطأ إلا من عصم الله جل ذكره . وقد قالت الحكماء : الفاضل من عُدت سقطاته ، وليتنا أدركنا بعض صوابهم أو كنا ممن يميز خطأهم )
قال الصنعاني - رحمه الله تعالى - :
( وليس أحد من أفراد العلماء إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب )
التزم " الإنصاف الأدبي " بأن لا تجحد ما للإنسان من فضل ، وإذا أذنب فلا تفرح بذنبه ، ولا تتخذ الوقائع العارضة منهية لحال الشخص ، واتخاذها رصيداً يُنفق منه الجراح في الثلب ، والطعن . وأن تدعو له بالهداية ، أما التزيد عليه ، وأما البحث عن هفواته ، وتصيدها ، فذنوب مضافة أخرى .
يوجد أفراد شُغلهم الشاغل : " تطيير الأخبار كُل مطار " يتلقى لسان عن لسان بلا تثبت ولا روية ، ثم ينشره بفمه ولسانه بلا وعي ولا تعقل ، فتراه يقذف بالكلام ، ويطير به هنا وهناك ، فاحذر طريقتهم ، وادفع في وجهها ، واعمل على استصلاح حالهم .
قال تعالى :
( وإذا جآءهُم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمهُ الذين يستنبطونه منهم ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتهُ لأتبعتُمُ الشيطــان إلا
قليلاً )[ النساء: 83 ] .
قال السيوطي - رحمه الله تعالى - :
( نزلت الآية في جماعة من المنافقين ، أو في ضعفاء المؤمنين كانوا يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ، ويتأذى النبيُ )
كم من خبر صحيح لكن حصل عليه من الإضافات مالا يصح أصلاً ، أو حرف ، وغير ، وبدل . وبالجملة فلا تُقرر المؤاخذة إلا بعد أن تأذن لك الحُجة ، ويقوم عندك قائم البرهان كقائم الظهيرة .