قطوف من مواعظ الصحابة رضى الله عنهم 2
حكمــــــة
قال معاذ بن جبل رضى الله عنه: «إنَّ من ورائكم فتنًا يكثر فيها المال، ويفتتح القرآن؛ حتى يقرأه المؤمن والمنافق، والصغير والكبير، والأحمر والأسود، فيوشك قائلٌ يقول: ما لي أقرأ على الناس القرآن فلا يتَّبعوني عليه؟ فما أظنُّهم يتبعوني عليه حتى أبتدع لهم غيره، فإيَّاكم إيَّاكم ما ابتدع؛ فإنَّ ما ابتدع ضلالةٌ» ثم قال فى تتمة كلامه «وأحذِّركم زيغة الحكيم! فإنَّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقِّ»، قال: قلت لمعاذٍ: ما يدريني -رحمك الله - أنَّ الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأنَّ المنافق قد يقول كلمة الحقِّ؟! ولا يثنينَّك ذلك عنه؛ فإنَّه لعلَّه أن يراجع وتلقَّ الحقَّ إذا سمعته فإنَّ على الحقِّ نورًا» (سنن أبي داود).
حكمــــــة
لما حضرت الوفاة معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: «انظروا أصبحنا؟»، فأُتي فقيل: لم تُصبح، فقال: «انظروا أصبحنا؟»، فأُتي فقيل له: لم تُصبح، حتى أُتي في بعض ذلك فقيل: قد أصبحت، قال: «أعوذ بالله من ليلةٍ صباحها إلى النار، مرحبًا بالموت مرحبًا! زائرٌ مُغبٌّ، وحبيبٌ جاء على فاقةٍ، اللَّهمَّ إنِّي قد كنت أخافك، فأنا اليوم أرجوك، اللَّهمَّ إنَّك تعلم أنِّي لم أكن أحبُّ الدُّنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالرُّكب عند حلق الذِّكر» (ينظر: الزهد؛ لأحمد بن حنبل).
حكمــــــة
وعظ أبو الدرداء رضى الله عنه أهل دمشق فقال: «يا أهل دمشق، اسمعوا قول أخٍ لكم ناصحٍ، ما لي أراكم تجمعون فلا تأكلون؟ وتبنون فلا تسكنون؟ وتأملون فلا تدركون؟ إنَّ من كان من قبلكم جمعوا كثيرًا، وبنوا شديدًا، وأمَّلوا بعيدًا، فأصبح ما جمعوا بورًا، وما أملوا غرورًا، وأصبحت مساكنهم قبورًا » (تاريخ دمشق).
حكمــــــة
قال جبير بن نفيرٍ: لما فتحت قبرس، فرِّق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعضٍ، ورأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يومٍ أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟! قال:
«ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره! بينا هي أمَّةٌ قاهرةٌ ظاهرةٌ، لهم الملك، تركوا أمر الله؛ فصاروا إلى ما ترى» (حلية الأولياء).
حكمــــــة
قال أبو الزِّناد: «اجتمع في الحجر مصعب بن الزُّبير، وعروة بن الزُّبير، وعبد الله بن الزُّبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنَّوا! فقال عبد الله بن الزبير: أمَّا أنا، فأتمنَّى الخلافة، وقال عروة: أمَّا أنا، فأتمنَّى أن يؤخذ عنِّي العلم، وقال مصعبٌ: أمَّا أنا، فأتمنَّى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين، وقال عبد الله بن عمر: «أمَّا أنا، فأتمنَّى المغفرة» قال: فنالوا كلُّهم ما تمنَّوا، ولعلَّ ابن عمر قد غفر له» (حلية الأولياء).
حكمــــــة
قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما: «لقد عشنا برهةً من دهرنا وإنَّ أحدنا يُؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلَّم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يُوقف عنده فيها كما تعلَّمون أنتم القرآن»، ثمَّ قال: «لقد رأيت رجالًا يُؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدَّقل!» (الحاكم في المستدرك، والبيهقي في «الكبرى» قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، و لا أعرف له علة، ولم يخرجاه).
حكمــــــة
سُئل سلمان الفارسى رضى الله عنه: ما حسبك؟ فقال: «كرمي ديني، وحسبي التراب، ومن التراب خُلقت، وإلى التراب أصير، ثم أبعث وأصير إلى الموازين؛ فإن ثقلت موازيني، فما أكرم حسبي، وما أكرمني على ربِّي! يُدخلني الجنة، وإن خفَّت موازيني، فما ألأم حسبي، وما أهونني على ربِّي! ويعذِّبني، إلا أن يعود بالمغفرة والرحمة على ذنوبي» (الزهد الكبير؛ للبيهقي).
حكمــــــة
قال سلمان الفارسى رضى الله عنه: «أضحكني ثلاثٌ، وأبكاني ثلاثٌ: ضحكت من مؤمِّل الدُّنيا والموت يطلبه، وغافلٍ لا يُغفل عنه، وضاحكٍ ملء فيه لا يدري أمُسخطٌ ربَّه أم مُرْضيه! وأبكاني ثلاثٌ: فِراقُ الأحبَّة؛ محمدٍ وحِزبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي ربِّ العالمين حين لا أدري إلى النار انصرافي أم إلى الجنة؟» (حلية الأولياء).
حكمــــــة
قال سلمان الفارسى رضى الله عنه: «إنَّما مثل المؤمن في الدُّنيا كمثل رجلٍ مريضٍ معه طبيبه الذي يعلم داءه ودواءه، فإذا اشتهى شيئًا يضرُّه منعه، وقال: لا تقربه؛ فإنَّك إن أصبته أهلكك، فلا يزال يمنعه ما اشتهى ممَّا يضرُّه حتى يبرأ من وجعه بإذن الله، وكذلك المؤمن يشتهي أشياء كثيرةً ممَّا فضِّل به غيره من العيش، فيمنعه الله إيَّاه ويحجزه عنه حتى يتوفَّاه فيدخله الجنة» (الكنى والأسماء؛ للدولابي).
حكمــــــة
قال رجل لسلمان الفارسى رضى الله عنه: أوصني! قال: «لا تكلَّم»! قال: ما يستطيع مَن عاش في الناس ألَّا يتكلَّم. قال: «فإن تكلَّمت، فتكلَّم بحقٍّ أو أسكت»! قال: زدني، قال: «لا تغضب»، قال: أمرتني ألَّا أغضب، وإنَّه ليغشاني ما لا أملك! قال: «فإن غضبت، فاملك لسانك ويدك».
قال: زدني، قال: «لا تلابس الناس»- أي: لا تخالطهم خلطةً كثيرةً – قال: ما يستطيع من عاش في الناس ألَّا يلابسهم، قال: «فإن لابستهم، فاصدق الحديث، وأدِّ الأمانة» (الصمت؛ لابن أبي الدنيا).
حكمــــــة
كان أبو هريرة رضى الله عنه يقول في آخر عمره: «اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك أن أزني، أو أعمل بكبيرةٍ في الإسلام»، يقول بعض أصحابه: يا أبا هريرة، ومثلك يقول هذا ويخافه وقد بلغت من السِّنِّ ما بلغت، وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وبايعته، وأخذت عنه؟! قال: «ويحك! وما يؤمِّنني وإبليس حيٌّ؟!» (أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان).
حكمــــــة
دخل عبد الله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما على عمرو بن العاص رضى الله عنه، فقال: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: «أصبحت وقد ضيَّعت من يديني كثيرًا، وأصلحت من دنياي قليلًا، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدتُّ، والذي أفسدتُّ هو الذي أصلحت، لقد فزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمجنون بين السماء والأرض، لا أرتقي بيدين، ولا أهبط برجلين، فعظني بعظةٍ أنتفع بها يا بن عباسٍ!» قال ابن عباسٍ: هيهات! صار ابن أخيك أخاك، ولا يشاء أن يبكي إلا بكيت (حلية الأولياء).
حكمــــــة
شتم رجلٌ عبد الله بن عباس، فقال عبد الله بن عباسٍ رضى الله عنهما: «إنَّك لتشتُمُني وفيَّ ثلاث خصالٍ: إنِّي لأتي على الآية من كتاب الله عزوجل، فلوددتُّ أنَّ جميع النَّاس يعلمون منها ما أعلم منها. وإنِّي لأسمع بالحاكم من حُكَّام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به، ولعلِّي لا أقاضي إليه أبدًا. وإنِّي لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح، وما لي به من سائمةٍ» (المعجم الكبير؛ للطبراني).
حكمــــــة
قال محمد بن عبد الله الثَّقفيُّ: «شهدتُّ خُطبة ابن الزبير بالموسم، خرج علينا قبل التَّروية بيومٍ، وهو مُحرمٌ، فلبَّى بأحسن تلبيةٍ سمعتُها قطُّ، ثمَّ حمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: «أمَّا بعد، فإنَّكم جئتم من آفاقٍ شتَّى، وفودًا إلى الله عز وجل، فحقٌّ على الله أن يكرم وفده، فمن كان جاء يطلب ما عند الله، فإنَّ طالب الله لا يخيب، فصدِّقوا قولكم بفعلٍ؛ فإنَّ ملاك القول الفعل، والنية النية، القلوب القلوب، الله الله في أيامكم هذه! فإنَّها أياٌم تغفر فيها الذُّنوب، جئتم من آفاقٍ شتَّى في غير تجارةٍ ولا طلب مالٍ ولا دنيا، ترجون ما هنا» قال الثقفيُّ: «ثمَّ لبَّى ولبَّى الناس، فما رأيت يومًا قطُّ كان أكثر باكيًا من يومئذٍ» (حلية الأولياء).