10. المنتقى النفيس
حكمــــــة
قال حوشب بن مسلم رحمه الله: سألت الحسن قلت يا أبا سعيد رجل آتاه الله مالا فهو يحج منه ويصل منه ويتصدق منه أله أن يتنعم فيه فقال الحسن: لا لو كانت الدنيا له ما كان له إلا الكفاف ويقدم فضل ذلك ليوم فقره وفاقته إنما كان المتمسك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أخذ عنهم من التابعين كانوا يكرهون أن يتخذوا العقد والأموال في الدنيا ليركنوا إليها ولتشتد ظهورهم فكانوا ما آتاهم الله من رزق أخذوا منه الكفاف وقدموا فضل ذلك ليوم فقرهم وفاقتهم ثم حوائجهم بعد في أمر دينهم ودنياهم وفيما بينهم وبين الله عز وجل.
حكمــــــة
قال عتبة الغلام رحمه الله: لولا ما قد نهينا عنه من تمني الموت لتمنيته، قلت: ولم تتمنى الموت؟ قال: لي فيه خلتان حسنتان قلت: وما هما؟ قال: الراحة من معاشرة الفجار ورجاء لمجاورة الأبرار، قال: ثم بكى، وقال: أستغفر الله وما يؤمنني أن يقرن بيني وبين الشيطان في سلسلة من حديد ثم يقذف بي في النار، ثم غشي عليه.
حكمــــــة
قال عبد الله بن غالب الحداني رحمه الله لما برز إلى العدو: على ما آسى من الدنيا فوالله ما فيها للبيت جذل، ووالله لولا محبتي لمباشرة السهر بصفحة وجهي وافتراش الجبهة لك يا سيدي، والمراوحة بين الأعضاء والكراديس في ظلم الليل رجاء ثوابك وحلول رضوانك لقد كنت متمنيا لفراق الدنيا وأهلها - قال: ثم كسر جفن سيفه ثم تقدم فقاتل حتى قتل فحمل من المعركة وإن له لرمقا فمات دون العسكر.
حكمــــــة
قال الربيع بن برة رحمه الله: عجبت للخلائق كيف ذهلوا، عن أمر حق تراه عيونهم وشهد عليه معاقد قلوبهم إيمانا وتصديقا مما جاء به المرسلون، ثم ها هم في غفلة عنه سكارى يلعبون، ثم يقول: وايم الله ما تلك الغفلة إلا رحمة من الله لهم، ونعمة من الله عليهم، ولولا ذلك لألفي المؤمنون طائشة عقولهم طائرة أفئدتهم محلقة قلوبهم، لا ينتفعون مع ذكر الموت بعيش أبدا حتى يأتيهم الموت وهم على ذلك أكياس مجتهدون قد تعجلوا إلى مليكهم بالاشتياق إليه بما يرضيه عنهم قبل قدومهم عليه، فكأني والله أنظر إلى القوم قد قدموا على ما قدموا من القربة إلى الله تعالى مسرورين والملائكة من حولهم يقدمونهم على الله مستبشرين يقولون: سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون.
حكمــــــة
قال الربيع بن برة رحمه الله: قطعتنا غفلة الآمال عن مبادرة الآجال، فنحن في الدنيا حيارى لا ننتبه من رقدة إلا أعقبتنا في أثرها غفلة، فيا إخوتاه نشدتكم بالله هل تعلمون مؤمنا بالله أغر ولنقمه أقل حذرا من قوم هجمت بهم الغير على مصارع النادمين فطاشت عقولهم وضلت حلومهم عندما رأوا من العبر والأمثال ثم رجعوا من ذلك إلى غير عقله ولا نقله، فبالله يا إخوتاه هل رأيتم عاقلا رضي من حاله لنفسه بمثل هذه حالا والله عباد الله لتبلغن من طاعة الله تعالى رضاه أو لتنكرن ما تعرفون من حسن بلائه وتواتر نعمائه، إن تحسن أيها المرء يحسن إليك وإن تسئ فعلى نفسك بالعتب فارجع فقد بين وحذر وأنذر فما للناس على الله حجة بعد الرسل: {وكان الله عزيزا حكيما} [النساء: 158].
حكمــــــة
قال الربيع بن برة رحمه الله: كم عاملته تبارك اسمه بما يكره فعاملك بما تحب؟ قلت: ما أحصي ذلك كثرة، قال: فهل قصدت إليه في أمر كربك فخذلك؟ قلت: لا والله ولكنه أحسن إلي وأعانني، قال: فهل سألته شيئا قط فما أعطاك؟ قلت: وهل منعني شيئا سألته؟ ما سألته شيئا قط إلا أعطاني ولا استعنت به إلا أعانني قال: أرأيت لو أن بعض بني آدم فعل بك بعض هذه الخلال ما كان جزاؤه عندك؟ قلت: ما كنت أقدر له على مكافأة ولا جزاء قال: فربك تعالى أحق وأحرى أن تدأب نفسك في أداء شكر نعمه عليك وهو قديما وحديثا يحسن إليك والله لشكره أيسر من مكافأة عباده إنه تبارك وتعالى رضي بالحمد من العباد شكرا.
حكمــــــة
قال أبو عبد الله البراني رحمه الله: سمعت رجلا من العباد يبكي ويقول في بكائه: بكت قلوبنا إلى الذنوب ارتياحا إلى مواقعتها ثم بكت عيوننا حزنا على الذي أتينا منها، فليت شعري أيها المصيب برحمته من يشاء أحد البكائين مستولى علينا غدا في عرصة القيامة عندك، لئن كنت لم تقبل التوبة يا كريم لقد حانت لنا إليك الأوبة يا رحيم، ولئن أعرضت بوجهك الكريم عنا فبحق أعرضت عن المعرضين عنك، ولئن تطولت بمنك ومننت بطولك علينا فلقديما ما كان ذلك منك على المذنبين، قال: وسمعته يقول: أوثقتنا عقد الآثام فنحن في الدنيا حيارى قد ضلت عقولنا عن الله عز وجل.
حكمــــــة
قال الربيع بن عبد الرحمن رحمه الله: إن لله عبادا أخمصوا له البطون عن مطاعم الحرام، وغضوا له الجفون عن مناظر الآثام وأهملوا له العيون لما اختلط عليهم الظلام رجاء أن ينير ذلك لهم قلوبهم إذا تضمنتهم الأرض بين أطباقها، فهم في الدنيا مكتئبون وإلى الآخرة متطلعون نفذت أبصار قلوبهم بالغيب إلى الملكوت فرأت فيه ما رجت من عظم ثواب الله فازدادوا والله بذلك جدا واجتهادا عند معاينة أبصار قلوبهم ما انطوت عليه آمالهم فهم الذين لا راحة لهم في الدنيا وهم الذين تقر أعينهم غدا بطلعة ملك الموت عليهم، قال: ثم بكى حتى بل لحيته بالدموع.
حكمــــــة
قال الربيع بن صبيح رحمه الله: قلنا للحسن: يا أبا سعيد عظنا، فقال: إنما يتوقع الصحيح منكم داء يصيبه، والشاب منكم هرما يفنيه، والشيخ منكم موتا يرديه، أليس العواقب ما تسمعون؟ أليس غدا تفارق الروح الجسد؟ المسلوب غدا أهله وماله، الملفوف غدا في كفنه، المتروك غدا في حفرته، المنسي غدا من قلوب أحبته الذين كان سعيه وحزنه لهم، ابن آدم نزل بك الموت فلا ترى قادما ولا تجيء زائرا ولا تكلم قريبا ولا تعرف حبيبا، تنادى فلا تجيب، وتسمع فلا تعقل، قد خربت الديار وعطلت العشار وأيتمت الأولاد، قد شخص بصرك وعلا نفسك واصطكت أسنانك وضعفت ركبتاك وصار أولادك غرباء عند غيرك.
حكمــــــة
قال الربيع بن صبيح رحمه الله: قلت للحسن: إن ههنا قوما يتبعون االسقط من كلامك ليجدوا إلى الوقيعة فيك سبيلا فقال: لا يكبر ذلك عليك فلقد أطمعت نفسي في خلود الجنان فطمعت وأطمعتها في مجاورة الرحمن فطمعت، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلا لأني رأيت الناس لا يرضون عن خالقهم فعلمت أنهم لا يرضون عن مخلوق مثلهم.
حكمــــــة
قال جعفر بن عبد الله رحمه الله: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى، فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج.