8. المنتقى النفيس
قال أبو داود الحفري رحمه الله : دخلت على كرز بن وبرة بيته فإذا هو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: إن بابي مغلق، وإن ستري لمسبل، ومنعت حزبي أن أقرأه البارحة، وما هو إلا من ذنب أحدثته " .
قال عبد الأعلى التيمي رحمه الله : «إن من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن لا يكون أوتي منه علما ينفعه» .
قال عبد الأعلى التيمي رحمه الله : " شيئان قطعا عني لذاذة الدنيا: ذكر الموت، والوقوف بين يدي الله عز وجل " .
قال عمرو بن مرة رحمه الله : «نظرت إلى امرأة فأعجبتني، فكف بصري، فأرجو أن يكون ذلك كفارة» .
قال عمرو بن مرة رحمه الله : «من طلب الآخرة أضر بالدنيا ومن طلب الدنيا أضر بالآخرة فأضروا بالفاني للباقي» .
قال عمرو بن قيس رحمه الله : " ثلاث من رءوس التواضع: أن تبدأ بالسلام على من لقيت، وأن ترضى بالمجلس الدون من الشرف، وأن لا تحب الرياء والسمعة والمدحة في عمل الله " .
قال أبو مسلم الخولاني رحمه الله : مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، إذا ظهرت لهم شاهدوا، وإذا غابت عنهم تاهوا .
قال أبو مسلم الخولاني رحمه الله : العلماء ثلاثة: رجل عاش بعلمه وعاش الناس معه، ورجل عاش بعلمه ولم يعش الناس معه، ورجل عاش الناس بعلمه وأهلك نفسه .
قال أبو إدريس الخولاني رحمه الله : «لأن أرى في جانب المسجد نارا لا أستطيع إطفاءها أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها» .
قال أبو عبد الله الصنابحي رحمه الله : «الدنيا تدعو إلى فتنة، والشيطان يدعو إلى خطيئة، ولقاء الله خير من الإقامة معهما» .
قال ابن محيريز رحمه الله : " من مشى بين يدي أبيه فقد عقه، إلا أن يمشي، فيميط له الأذى عن طريقه، ومن دعا أباه باسمه أو كنيته فقد عقه، إلا أن يقول: يا أبت " .
قال عبد الله بن أبي زكريا رحمه الله : " من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل ورعه، ومن قل ورعه أمات الله قلبه .
قال مريج بن مسروق رحمه الله : المخافة قبل الرجاء، فإن الله عز وجل خلق جنة ونارا، فلن تخوضوا إلى الجنة حتى تمروا على النار .
قال سعيد بن عبد العزيز رحمه الله : قلت لعمير بن هانئ: إن لسانك لا يفتر عن ذكر الله، فكم تسبح كل يوم وليلة؟ قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع .
قال شفي بن ماتع رحمه الله : " إن الرجلين ليكونان في الصلاة مناكبهما جميعا، ولما بينهما كما بين السماء والأرض، وإنهما ليكونان في بيت صيامهما واحد ولما بين صيامهما كما بين السماء والأرض .
قال رجاء بن حيوة رحمه الله : «ما أحسن الإسلام يزينه الإيمان، وما أحسن الإيمان يزينه التقى، وما أحسن التقى يزينه العلم، وما أحسن العلم يزينه الحلم، وما أحسن الحلم يزينه الرفق» .
قال مكحول رحمه الله : «المؤمنون هينون لينون، مثل الجمل الأنف، إن قدته انقاد، وإن أنخته على صخرة استناخ» .
قال مكحول رحمه الله : «رأيت رجلا يصلي، وكلما ركع وسجد بكى، فاتهمته أنه يرائي ببكائه، فحرمت البكاء سنة» .
قال عطاء الخراساني رحمه الله : " تعاهدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، وإن كانوا نسوا فذكروهم، وكان يقال: امش ميلا وعد مريضا، وامش ميلين وأصلح بين اثنين، وامش ثلاثا وزر أخا في الله " .
قال خالد بن معدان رحمه الله : «إذا فتح لأحدكم باب خير فليسرع إليه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه» .
قال بلال بن سعد رحمه الله : «رب مسرور مغبون، ورب مغبون لا يشعر، فويل لمن له الويل ولا يشعر، يأكل ويشرب، ويضحك ويلعب، وقد حق عليه في قضاء الله أنه من أهل النار - زاد عباس في حديثه - فيا ويلا لك روحا، ويا ويلا لك جسدا، فلتبك، وليبك عليك البواكي بطول الأبد» .
قال بلال بن سعد رحمه الله : «إن لكم ربا ليس إلى عقاب أحدكم بسريع، يقيل العثرة، ويقبل التوبة، ويقبل على المقبل، ويعطف على المدبر» .
قال بلال بن سعد رحمه الله : " الذكر ذكران: ذكر باللسان حسن جميل، وذكر الله عندما أحل وحرم أفضل " .
قال بلال بن سعد رحمه الله : «أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله خير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك دينارا» .
قال بلال بن سعد رحمه الله : «إن أحدكم إذا لم تنهه صلاته عن ظلمه لم تزده صلاته عند الله إلا مقتا» وكان يتأول هذه الآية: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45] .
قال بلال بن سعد رحمه الله : " ثلاث لا يقبل معهن عمل: الشرك، والكفر، والرأي. قيل: وما الرأي؟ قال: يترك كتاب الله، وسنة رسوله، ويعمل برأيه " .
قال بلال بن سعد رحمه الله : " عباد الرحمن يقال لأحدنا: " أتحب أن تموت؟ فيقول: لا، فيقال: ولم؟ فيقول: حتى أعمل، ويقول: سوف أعمل فلا يحب أن يموت، ولا يحب أن يعمل، وأحب شيء إليه أن يؤخر عمل الله، ولا يحب أن يؤخر عنه عرض الدنيا " .
قال يزيد بن ميسرة رحمه الله : «لا تبذل علمك لمن لا يسأله، ولا تنثر اللؤلؤ عند من لا يلتقطه، ولا تنشر بضاعتك عند من يكسدها عليك» .
قال يزيد بن ميسرة رحمه الله : " إذا زكاك رجل في وجهك فأنكر عليه واغضب، ولا تقر بذلك، وقل: اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون " .
قال يزيد بن ميسرة رحمه الله : " قالت الحكمة: يا ابن آدم تلتمسني وأنت تجدني في حرفين: تعمل بخير ما تعلم، وتدع شر ما تعلم " .
قال مالك بن دينار رحمه الله : لما استعمل عمر بن عبد العزيز على الناس قال رعاء الشاء: من هذا العبد الصالح الذي قام على الناس؟ قيل لهم: وما علمكم بذلك؟ قالوا: «إنه إذا قام على الناس خليفة عدل كفت الذئاب عن شائنا» .
قال عون بن المعتمر رحمه الله : دخل عمر بن عبد العزيز على امرأته فقال: يا فاطمة عندك درهم أشتري به عنبا؟ قالت: لا، قال: فعندك نمية - يعني الفلوس- أشتري بها عنبا؟ قالت: لا، فأقبلت عليه فقالت: أنت أمير المؤمنين لا تقدر على درهم ولا نمية تشتري بها عنبا؟ قال: هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غدا في نار جهنم " .
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : لقد نغص هذا الموت على أهل الدنيا ما هم فيه من غضارة الدنيا وزهوتها، فبينا هم كذلك وعلى ذلك أتاهم جاد من الموت، فاخترمهم مما هم فيه، فالويل والحسرة هنالك لمن لم يحذر الموت ويذكره في الرخاء، فيقدم لنفسه خيرا يجده بعدما فارق الدنيا وأهلها، قال: ثم بكى عمر حتى غلبه البكاء فقام " .
قال جابر بن نوح رحمه الله : كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أهل بيته : أما بعد «فإنك إن استشعرت ذكر الموت في ليلك أو نهارك، بغض إليك كل فان، وحبب إليك كل باق. والسلام» .
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : " يا أيها الناس، إنما أنتم أغراض تنتضل فيها المنايا، إنكم لا تؤتون نعمة إلا بفراق أخرى، وأية أكلة ليس معها غصة، وأية جرعة ليس معها شرقة، وإن أمس شاهد مقبول قد فجعكم بنفسه، وخلف في أيديكم حكمته، وإن اليوم حبيب مودع، وهو وشيك الظعن، وإن غدا آت بما فيه، وأين يهرب من يتقلب في يدي طالبه، إنه لا أقوى من طالب، ولا أضعف من مطلوب، إنما أنتم سفر تحلون عقد رحالكم في غير هذه الدار، إنما أنتم فروع أصول قد مضت، فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله " .
قال أبو الحسن المدائني رحمه الله : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يعزيه على ابنه : أما بعد «فإنا قوم من أهل الآخرة أسكنا الدنيا، أموات أبناء أموات، والعجب لميت يكتب إلى ميت يعزيه عن ميت، والسلام» .
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : أيها الناس، إن الله تعالى خلق خلقه ثم أرقدهم، ثم يبعثهم من رقدتهم، فإما إلى جنة وإما إلى نار، والله إن كنا مصدقين بهذا إنا لحمقى، وإن كنا مكذبين بهذا إنا لهلكى ثم نزل " .
قال عبد الله بن المفضل التميمي رحمه الله : كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز أن صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، " فإن ما في أيديكم أسلاب الهالكين، وسيتركها الباقون كما تركها الماضون، ألا ترون أنكم في كل يوم وليلة تشيعون غاديا أو رائحا إلى الله تعالى وتضعونه في صدع من الأرض ثم في بطن الصدع، غير ممهد ولا موسد، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب، وأسكن التراب، وواجه الحساب، فقير إلى ما قدم أمامه، غني عما ترك بعده؟، أما والله إني لأقول لكم هذا، وما أعرف من أحد من الناس مثل ما أعرف من نفسي، قال: ثم قال: بطرف ثوبه على عينه فبكى، ثم نزل فما خرج حتى أخرج إلى حفرته " .
كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى رجل : أما بعد «فإني أوصيك بتقوى الله، والانشمار لما استطعت من مالك، وما رزقك الله إلى دار قرارك، فكأنك والله ذقت الموت، وعاينت ما بعده بتصريف الليل والنهار، فإنهما سريعان في طي الأجل، ونقص العمر، لم يفتهما شيء إلا أفنياه، ولا زمن مرا به إلا أبلياه، مستعدان لمن بقي بمثل الذي أصاب من قد مضى، فنستغفر الله لسيئ أعمالنا، ونعوذ به من مقته إيانا على ما نعظ به مما نقصر عنه» .
قال رجل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله : أوصني قال: «أوصيك بتقوى الله وإيثاره تخف عليك المؤنة، وتحسن لك من الله المعونة» .
كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى رجل : «أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل» .
قال عبد السلام، مولى مسلمة بن عبد الملك رحمه الله : بكى عمر بن عبد العزيز فبكت فاطمة، فبكى أهل الدار لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم العبر، قالت له فاطمة : بأبي أنت يا أمير المؤمنين، مم بكيت؟ قال : ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله عز وجل، فريق في الجنة، وفريق في السعير، قال: «ثم صرخ وغشي عليه» .
قال رباح بن عبيدة رحمه الله : كنت قاعدا عند عمر بن عبد العزيز، فذكر الحجاج فشتمته، ووقعت فيه، فقال عمر: مهلا يا رباح، إنه بلغني أن الرجل ليظلم بالمظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه حتى يستوفي حقه، فيكون للظالم عليه الفضل " .
قال عبد العزيز بن عمر قال : قال لي أبي رحمه الله : «يا بني إذا سمعت كلمة، من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملا من الخير» .
قال رجل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله : يا أمير المؤمنين، كيف أصبحت؟ قال: «أصبحت بطيئا بطينا متلوثا في الخطايا، أتمنى على الله الأماني» .
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : " يا معشر المستترين اعلموا أن عند الله مسألة فاضحة، قال الله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} [الحجر: 93] .
قال عبد الله بن شوذب رحمه الله : حج سليمان ومعه عمر بن عبد العزيز، فخرج سليمان إلى الطائف، فأصابه رعد وبرق، ففزع سليمان، فقال لعمر: ألا ترى، ما هذا يا أبا حفص؟ قال: «هذا عند نزول رحمته، فكيف لو كان عند نزول نقمته» .
قال عمر بن ذر رحمه الله : قال مولى لعمر بن عبد العزيز لعمر حين رجع من جنازة سليمان: ما لي أراك مغتما؟ قال: «لمثل ما أنا فيه يغتم له، ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحد في شرق الأرض وغربها إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقه غير كاتب إلي فيه، ولا طالبه مني» .
قال جعونة رحمه الله : استعمل عمر عاملا، فبلغه أنه عمل للحجاج فعزله، فأتاه يعتذر إليه، فقال: لم أعمل له إلا قليلا، فقال: «حسبك من صحبة شر يوم أو بعض يوم» .
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : فإن كنتم مؤمنين بالآخرة فأنتم حمقى، وإن كنتم مكذبين بها فأنتم هلكى» .
قال أرطأة بن المنذر رحمه الله : قيل لعمر بن عبد العزيز: لو اتخذت حرسا، واحترزت في طعامك وشرابك، فإن من كان قبلك يفعله فقال: «اللهم إن كنت تعلم أني أخاف شيئا دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي» .
عن عاصم بن رجاء بن حيوة قال : كان عمر بن عبد العزيز يخطب فيقول : «أيها الناس من ألم بذنب فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال، وإن الهلاك كل الهلاك الإصرار عليها» .
كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يخطب : «ما أنعم الله على عبد نعمة ثم انتزعها منه فعاضه مما انتزع منه الصبر إلا كان ما عاضه خيرا مما انتزع منه» ثم قرأ هذه الآية: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] .
قال جابر بن حنظلة الضبي رحمه الله : كتب عدي بن أرطأة إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن الناس قد كثروا في الإسلام، وخفت أن يقل الخراج، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: «فهمت كتابك، ووالله لوددت أن الناس كلهم أسلموا حتى نكون أنا وأنت حراثين نأكل من كسب أيدينا» .
بلغ عمر بن عبد العزيز رحمه الله : أن ابنا له اشترى فصا بألف درهم، فتختم به، فكتب إليه عمر: " عزيمة مني إليك، لما بعت الفص الذي اشتريت بألف درهم، وتصدقت بثمنه، واشتريت فصا بدرهم واحد، ونقشت عليه: رحم الله امرأ عرف قدره والسلام " .
قال نوفل بن أبي الفرات رحمه الله : كتبت الحجبة إلى عمر بن عبد العزيز يأمر للبيت بكسوة كما يفعل من كان قبله، فكتب إليهم: «إني رأيت أن أجعل ذلك في أكباد جائعة فإنهم أولى بذلك من البيت» .
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : «ادرءوا الحدود ما استطعتم في كل شبهة، فإن الوالي إن أخطأ في العفو خير من أن يتعدى في الظلم والعقوبة» .