8. المنتقى النفيس
حكمــــــة
قال عون بن المعتمر رحمه الله: دخل عمر بن عبد العزيز على امرأته فقال: يا فاطمة عندك درهم أشتري به عنبا؟ قالت: لا، قال: فعندك نمية - يعني الفلوس- أشتري بها عنبا؟ قالت: لا، فأقبلت عليه فقالت: أنت أمير المؤمنين لا تقدر على درهم ولا نمية تشتري بها عنبا؟ قال: هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غدا في نار جهنم ".
حكمــــــة
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: لقد نغص هذا الموت على أهل الدنيا ما هم فيه من غضارة الدنيا وزهوتها، فبينا هم كذلك وعلى ذلك أتاهم جاد من الموت، فاخترمهم مما هم فيه، فالويل والحسرة هنالك لمن لم يحذر الموت ويذكره في الرخاء، فيقدم لنفسه خيرا يجده بعدما فارق الدنيا وأهلها، قال: ثم بكى عمر حتى غلبه البكاء فقام ".
حكمــــــة
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: " يا أيها الناس، إنما أنتم أغراض تنتضل فيها المنايا، إنكم لا تؤتون نعمة إلا بفراق أخرى، وأية أكلة ليس معها غصة، وأية جرعة ليس معها شرقة، وإن أمس شاهد مقبول قد فجعكم بنفسه، وخلف في أيديكم حكمته، وإن اليوم حبيب مودع، وهو وشيك الظعن، وإن غدا آت بما فيه، وأين يهرب من يتقلب في يدي طالبه، إنه لا أقوى من طالب، ولا أضعف من مطلوب، إنما أنتم سفر تحلون عقد رحالكم في غير هذه الدار، إنما أنتم فروع أصول قد مضت، فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله ".
حكمــــــة
قال عبد الله بن المفضل التميمي رحمه الله: كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز أن صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، " فإن ما في أيديكم أسلاب الهالكين، وسيتركها الباقون كما تركها الماضون، ألا ترون أنكم في كل يوم وليلة تشيعون غاديا أو رائحا إلى الله تعالى وتضعونه في صدع من الأرض ثم في بطن الصدع، غير ممهد ولا موسد، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب، وأسكن التراب، وواجه الحساب، فقير إلى ما قدم أمامه، غني عما ترك بعده؟، أما والله إني لأقول لكم هذا، وما أعرف من أحد من الناس مثل ما أعرف من نفسي، قال: ثم قال: بطرف ثوبه على عينه فبكى، ثم نزل فما خرج حتى أخرج إلى حفرته ".
حكمــــــة
كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى رجل: أما بعد «فإني أوصيك بتقوى الله، والانشمار لما استطعت من مالك، وما رزقك الله إلى دار قرارك، فكأنك والله ذقت الموت، وعاينت ما بعده بتصريف الليل والنهار، فإنهما سريعان في طي الأجل، ونقص العمر، لم يفتهما شيء إلا أفنياه، ولا زمن مرا به إلا أبلياه، مستعدان لمن بقي بمثل الذي أصاب من قد مضى، فنستغفر الله لسيئ أعمالنا، ونعوذ به من مقته إيانا على ما نعظ به مما نقصر عنه».
حكمــــــة
قال عبد السلام، مولى مسلمة بن عبد الملك رحمه الله: بكى عمر بن عبد العزيز فبكت فاطمة، فبكى أهل الدار لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم العبر، قالت له فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين، مم بكيت؟ قال: ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله عز وجل، فريق في الجنة، وفريق في السعير، قال: «ثم صرخ وغشي عليه».