6. المنتقى النفيس
قال رجل لأبي حازم : إنك متشدد، فقال أبو حازم رحمه الله : " وما لي لا أتشدد وقد ترصدني أربعة عشر عدوا، أما أربعة: فشيطان يفتنني، ومؤمن يحسدني، وكافر يقتلني، ومنافق يبغضني، وأما العشرة فمنها: الجوع، والعطش، والحر، والبرد، والعري، والهرم، والمرض، والفقر، والموت، والنار، ولا أطيقهن إلا بسلاح تام، ولا أجد لهن سلاحا أفضل من التقوى " .
قيل لأبي حازم رحمه الله : يا أبا حازم ما مالك ؟ قال : ثقتي بالله تعالى، وإياسي مما في أيدي الناس " .
قال سلمة بن دينار رحمه الله : «نحن لا نريد أن نموت، حتى نتوب، ونحن لا نتوب حتى نموت، واعلم أنك إذا مت لم ترفع الأسواق بموتك، إن شأنك صغير فاعرف نفسك» .
قال سلمة بن دينار رحمه الله : «نعمة الله فيما زوى عني من الدنيا أعظم من نعمته علي فيما أعطاني منها، إني رأيته أعطاها قوما فهلكوا» .
قال سلمة بن دينار رحمه الله : «أفضل خصلة ترجى للمؤمن أن يكون أشد الناس خوفا على نفسه وأرجاه لكل مسلم».
قال أبو حازم الأعرج رحمه الله : «إن كان يغنيك ما يكفيك، فأدنى عيشك يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيء يغنيك» .
قال أبو حازم الأعرج رحمه الله : اشتدت مؤنة الدنيا والدين، قالوا : يا أبا حازم هذا الدين، فكيف الدنيا ؟ قال : لأنك لا تمد يديك إلى شيء إلا وجدت واحدا قد سبقك إليه .
قال أبو حازم الأعرج رحمه الله : «لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله تعالى إلا أحسن الله فيما بينه وبين العباد، ولا يعور فيما بينه وبين الله تعالى إلا عور الله فيما بينه وبين العباد ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها، إنك إذا صانعت الله مالت الوجوه كلها إليك، وإذا أفسدت ما بينك وبينه شنأتك الوجوه كلها» .
قال محمد بن يزيد رحمه الله : بلغني عن أبي حازم، أنهم أتوه، فقالوا له : " يا أبا حازم أما ترى قد غلا السعر، فقال : وما يغمكم من ذلك؟ إن الذي يرزقنا في الرخص هو الذي يرزقنا في الغلاء " .
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : " دخل أبو حازم على أمير المدينة فقال له : تكلم، فقال له : انظر الناس ببابك إن أدنيت أهل الخير ذهب أهل الشر، وإن أدنيت أهل الشر ذهب أهل الخير " .
قال أبو حازم الأعرج رحمه الله : «إني لأعظ وما أرى للموعظة موضعا، وما أريد بذلك إلا نفسي» .
قال أبو حازم الأعرج رحمه الله : «إن قوما تجنبوا الكثير من الحلال لكثرة شغله، فما ظنكم بهؤلاء الذين تركوا الحلال ليركبوا الحرام» .
قال أبو حازم الأعرج رحمه الله : «إن بضاعة الآخرة كاسدة، فاستكثروا منها في أوان كسادها، فإنه لو قد جاء يوم نفاقها لم تصل منها لا إلى قليل ولا إلى كثير» .
قال أبو حازم الأعرج رحمه الله : «إن العبد ليعمل الحسنة تسره حين يعملها، وما خلق الله من سيئة أضر له منها، وإن العبد ليعمل السيئة حتى تسوءه حين يعملها، وما خلق الله من حسنة أنفع له منها، وذلك أن العبد ليعمل الحسنة تسره حين يعملها، فيتجبر فيها ويرى أن له بها فضلا على غيره، ولعل الله تعالى أن يحبطها ويحبط معها عملا كثيرا، وإن العبد حين يعمل السيئة تسوءه حين يعملها، ولعل الله تعالى يحدث له بها وجلا يلقى الله تعالى وإن خوفها لفي جوفه باق» .
قال أبو حازم الأعرج رحمه الله : «إني لأستحيي من ربي عز وجل أن أسأله شيئا فأكون كالأجير السوء إذا عمل طلب الأجرة، ولكني أعمل تعظيما له» .
قال أبو حازم الأعرج رحمه الله : " لا تكون عالما حتى يكون فيك ثلاث خصال: لا تبغي على من فوقك، ولا تحتقر من دونك، ولا تأخذ على علمك دنيا " .
قال سفيان الثوري رحمه الله : كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يوما جالسا فغطى رأسه، ثم اضطجع فبكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: رياء ظاهر، وشهوة خفية، والناس عند علمائهم كالصبيان في حجور أمهاتهم، ما أمروهم به ائتمروا، وما نهوهم عنه انتهوا " .
قال عمارة بن غزية رحمه الله : " سمعت رجلا سأل ربيعة، فقال : يا أبا عثمان ما رأس الزهادة ؟ قال : جمع الأشياء من حلها ووضعها في حقها " .
قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله : قال لي ابن خلدة الزرقي : «إني أرى الناس قد ملكوك أمر أنفسهم، فإذا سئلت عن المسألة، فاطلب الخلاص منها لنفسك، ثم للذي سألك» .
قال يونس بن زيد رحمه الله : سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن ما منتهى الصبر ؟ قال : أن يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه " .
قال عبيد بن عمير رحمه الله : «إن الدنيا هينة على الله تعالى أن يعطيها من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب» .
قال عبيد بن عمير رحمه الله : «إن المسلم لو لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه» .
قال مجاهد رحمه الله : {ولا تنس نصيبك من الدنيا} [القصص: 77] قال : «خذ من دنياك لآخرتك، أن تعمل فيها بطاعته» .
قال مجاهد رحمه الله : " {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته} [البقرة: 81] قال: الذنوب تحيط بالقلوب، كلما عمل ذنبا ارتفعت حتى تغشى القلب، وحتى يكون هكذا، ثم قبض يده، ثم قال: هو الران " .
قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} [لقمان: 6] قال : الغناء " .
قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى {يؤتي الحكمة من يشاء} [البقرة: 269] قال : العلم والفقه " .
قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى {وأولي الأمر منكم} [النساء: 59] قال : الفقهاء والعلماء " .
قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153] قال : البدع والشبهات .
قال مجاهد رحمه الله : «ما أدري أي النعمتين أفضل، أن هداني للإسلام، أو عافاني من الأهواء» .
قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} [لقمان: 20] قال : أما الظاهرة فالإسلام والرزق، وأما الباطنة فما ستر من العيوب والذنوب " .
قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى {توبة نصوحا} [التحريم: 8] قال : النصوح أن تتوب من الذنب، ثم لا تعود " .
قال مجاهد رحمه الله : " ما من يوم إلا يقول: ابن آدم قد دخلت عليك اليوم ولم أرجع بعد اليوم، فانظر ما تعمل في، ولا ليلة إلا قالت كذلك " .
قال مجاهد رحمه الله : " {لتسألن يومئذ عن النعيم،} [التكاثر: 8] قال : عن كل لذة في الدنيا " .
قال معاذ بن سعد الأعور رحمه الله : " كنت جالسا عند عطاء بن أبي رباح، فحدث بحديث، فعرض رجل من القوم في حديثه، فغضب وقال : ما هذه الأخلاق وما هذه الطبائع ؟ إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم منه به فأريه أني لا أحسن شيئا منه " .
قال عطاء بن أبي رباح رحمه الله : في قوله تعالى {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} [النور: 37] قال : لا يلهيهم بيع ولا شراء عن مواضع حقوق الله التي فرضها الله تعالى عليهم أن يؤدوها في أوقاتها " .
قال محمد بن سوقة رحمه الله : قال لنا عطاء بن أبي رباح : " يا ابن أخي إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله تعالى أن يقرأ، أو أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، أو تنطق في حاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها أتنكرون {وإن عليكم لحافظين، كراما كاتبين} [الانفطار: 11] {عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 17] أما يستحي أحدكم لو نشرت عليه صحيفته التي أملاها صدر نهاره أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه " .
قال عبد الله بن عبيد رحمه الله : «لا تقنعن لنفسك باليسير من الأمر في طاعة الله عز وجل كعمل المهين الدنيء، ولكن اجهد واجتهد فعل الحريص الحفي، وتواضع لله عز وجل دون الضعف فعل الغريب السبي» .
قال عبد الله بن عبيد رحمه الله : «الهوى قائد، والعمل سائق، والنفس حرون، فإن دنا قائدها لم تستقم لسائقها، وإن دنا سائقها لم تستقم لقائدها، ولا يصلح هذا إلا مع هذا، حتى يَرِدَا معا» .
قال عبد الله بن عبيد رحمه الله : «لا ينبغي لمن أخذ بالتقوى، ورزق بالورع، أن يَذِلَّ لصاحب الدنيا» .
قال ابن شهاب الزهري رحمه الله : «العلم واد؛ فإن هبطت واديا فعليك بالتؤدة حتى تخرج منه، فإنك لا تقطع حتى يقطع بك» .
قال ابن شهاب الزهري رحمه الله : «إن للعلم غوائل، فمن غوائله أن يُتْرَك العالم حتى يذهب بعلمه، ومن غوائله النسيان، ومن غوائله الكذب فيه، وهو أشد غوائله» .
قال ابن شهاب الزهري رحمه الله : «إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة غلبك ولم تظفر منه بشيء، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا تظفر به» .
قال ابن شهاب الزهري رحمه الله : «لَا يَوْثُقُ النَّاسُ بِعِلْمِ عَالِمٍ لَا يَعْمَلُ، وَلَا يُرْضَى بِقَوْلِ عَالِمٍ لَا يَرْضَى» .
قال ابن شهاب الزهري رحمه الله : " كان من مضى من علمائنا يقولون: إن الاعتصام بالسنة نجاة، والعلم يقبض قبضا سريعا، فنشر العلم ثبات الدين والدنيا، وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله " .
قال ابن شهاب الزهري رحمه الله : " استكثروا من شيء لا تمسه النار ، قيل : وما هو ؟ قال : المعروف " .
قال طاوس بن كيسان رحمه الله : «ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه حتى أنينه في مرضه» .
عن أبي نجيح رحمه الله : أن طاوسا قال له : «أي أبا نجيح، من قال واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله» .
قال طاوس بن كيسان رحمه الله : «البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه، والشح أن يحب الإنسان أن يكون له ما في أيدي الناس بالحرام لا يقنع» .
قال عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ الْمَكِّيِّ رحمه الله : دَخَلَ عَلَيَّ طَاوُسٌ يَعُودُنِي، فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ادْعُ اللهَ لِي. فَقَالَ: «ادْعُ لِنَفْسِكَ؛ فَإِنَّهُ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ» .
قال ابْنِ جُرَيْجٍ رحمه الله : قَالَ لِي عَطَاءٌ : جَاءَنِي طَاوُسٌ فَقَالَ لِي : «يَا عَطَاءُ، إِيَّاكَ أَنْ تَرْفَعَ حَوَائِجَكَ إِلَى مَنْ أَغْلَقَ دُونَكَ بَابَهُ، وَجَعَلَ دُونَكَ حِجَابًا، وَعَلَيْكَ بِطَلَبِ حَوَائِجَكَ إِلَى مَنْ بَابُهُ مَفْتُوحٌ لَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، طَلَبَ مِنْكَ أَنْ تَدْعُوَهُ، وَوَعَدَكَ الْإِجَابَةَ» .
قال طاوس بن كيسان رحمه الله : «حُلْوُ الدُّنْيَا مُرُّ الْآخِرَةِ، وَمُرُّ الدُّنْيَا حُلْوُ الْآخِرَةِ» .
قال طاوس بن كيسان رحمه الله : «لَمْ يَجْهَدِ الْبَلَاءَ مَنْ لَمْ يَتَوَلَّ الْيَتَامَى، أَوْ يَكُونُ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ، أَوْ أَمِيرًا عَلَى رِقَابِهِمْ» .
قال عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ رحمه الله : قَالَ لِي أَبِي : «يَا بُنَيَّ، صَاحِبِ الْعُقَلَاءَ تُنْسَبْ إِلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ، وَلَا تُصَاحِبِ الْجُهَّالَ فَتُنْسَبْ إِلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلَّ شَيْءٍ غَايَةً، وَغَايَةُ الْمَرْءِ حُسْنُ خُلُقِهِ» .
قال عيسى بن سنان رحمه الله : سمعت وهب قال لعطاء الخراساني : " كان العلماء قبلنا قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم , فكانوا لا يلتفتون إلى دنيا غيرهم، وكان أهل الدنيا يبذلون لهم دنياهم رغبة في علمهم، فأصبح أهل العلم اليوم فينا يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في دنياهم، وأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعهم عندهم، فإياك وأبواب السلاطين، فإن عند أبوابهم فتنا كمبارك الإبل، لا تصيب من دنياهم شيئا إلا وأصابك من دينك مثله، ثم قال: يا عطاء، إن كان يغنيك ما يكفيك فكل عيشك يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء يكفيك، إنما بطنك بحر من البحور، وواد من الأودية، لا يسعه إلا التراب .
قال وهب بن منبه رحمه الله : «الإيمان قائد، والعمل سائق، والنفس حَرُونٌ ، إن فتر قائدها صدت عن الطريق ولم تستقم لسائقها، وإن فتر سائقها حَرَنَتْ ولم تتبع قائدها فإذا اجتمعا استقامت طوعا أو كرها ولا تستطيع الدين إلا بالطوع والكره إن كان كلما كره الإنسان شيئا من دينه تركه، أوشك أن لا يبقى معين من دينه شيء» .
قال وهب بن منبه رحمه الله لرجل من جلسائه : ألا أعلمك طبا لا يتعايا فيه الأطباء، وفقها لا يتعايا فيه الفقهاء، وحلما لا يتعايا فيه الحلماء؟ قال: بلى يا أبا عبد الله. قال: " أما الطب الذي لا يتعايا فيه الأطباء، فلا تأكل طعاما إلا ما سميت الله على أوله، وحمدته على آخره، وأما الفقه الذي لا يتعايا فيه الفقهاء، فإن سئلت عن شيء عندك فيه علم فأخبر بعلمك، وإلا فقل: لا أدري، وأما الحلم الذي لا يتعايا فيه الحلماء، فأكثر الصمت، إلا أن تسأل عن شيء " .
سئل وهب بن منبه رحمه الله : يا أبا عبد الله، رجلان يصليان، أحدهما أطول قنوتا وصمتا، والآخر أطول سجودا، أيهما أفضل؟ قال: «أنصحهما لله عز وجل» .