فوائد من كتاب أيها المذنب بئس ما اخترت لأزهرى أحمد محمود
أيها المذنب! المعصية حظ الشيطان! قال تعالى : "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" [البقرة: 268] . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «اثنتان من الشيطان، واثنتان من الله تعالى، ثم قرأ هذه الآية: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ"، "وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا"، قال : يعني يأمركم بالطاعة والصدقة؛ لتنالوا مغفرته وفضله "وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "؛ يعني: واسع الفضل، عليم بثواب من يتصدق» .
أيها المذنب! هل استفدت من عقلك؟! أي فرق بينك وبين البهائم.. إن لم يدلك العقل إلى ما فيه صلاحك؟! قال ابن الجوزي: «وبهذا القدر فُضِّل الآدمي على البهائم؛ أعني ملكة الإرادة لأن البهائم واقفة على طباعها، لا نظر لها إلى عاقبة ولا فكر في مآل، فهي تتناول ما يدعوها إليه الطبع من الغذاء إذا حضر، وتفعل ما تحتاج إليه من الروث والبول أي وقت اتفق، والآدمي يمتنع من ذلك بقهر عقله لطبعه».
قال ابن الجوزي : «فالعاقل من حفظ دينه ومروءته بترك الحرام، وحفظ قوته في الحلال؛ فأنفقها في طلب الفضائل من علم أو عمل، ولم يسع في إفناء عمره وتشتيت قلبه في شيء لا تحسن عاقبته».
أيها المذنب! كيف تستبدل بشرف الطاعات ذل المعاصي؟! قال الله تعالى : "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" [المنافقون: 8] . فقرن الله تعالى عزة أوليائه بعزته تعالى وعزة رسوله صلى الله عليه وسلم.. وفي هذا دليل واضح على شرف وعلو هذه العزة! وأكْرِمْ بذلك من نسب! فإن أهل المعاصي إذا افتخروا بالأهواء والانتساب إلى مراضي الشيطان.. قال وهيب بن الورد: «من أحب شهوات الدنيا؛ فليتهيأ للذل» !
أيها المذنب! هل علمت أن أفضل العبادة ترك الحرام؟! قال عمر بن عبد العزيز: «إن أفضل العبادة؛ أداء الفرائض، واجتناب المحارم».
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أخبركم بالمؤمن؟ مَنْ أمِنَهُ النَّاسُ على أموالهم وأنفسهم، والمسلم مَنْ سَلِمَ النَّاسُ من لسَانه ويده، والمجاهد مَنْ جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر منْ هَجَرَ الخطايا والذنوب!» [رواه أحمد وغيره/ السلسلة الصحيحة: 549]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «فيؤمر بجهادها، كما يؤمر بجهاد من يأمر بالمعاصي ويدعو إليها، وهو إلى جهاد نفسه أحوج؛ فإن هذا فرض عين، وذاك فرض كفاية، والصبر في هذا من أفضل الأعمال؛ فإن هذا الجهاد حقيقة ذلك الجهاد؛ فمن صبر عليه صبر على ذلك الجهاد».
عن أبي سليمان الداراني في قوله تعالى : " وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا "، قال: صبروا عن الشهوات» وقال أبو سليمان الداراني أيضًا : «أفضل الأعمال خلاف الهوى».
قال ابن القيم : «ولا تظن أن قوله تعالى : " إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ " مختص بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة، وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من برِّ القلب، وسلامة الصدر، ومعرفة الرب تعالى، ومحبته، والعمل على موافقته؟! وهل العيش في الحقيقة إلاَّ عيش القلب السليم»؟!
عن أحمد بن أبي الحواري قال : «سمعت أبا سليمان الداراني يقول : لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره حتى يخرج من الدنيا إلا على ما فاته من لذة طاعة الله عز وجل فيما مضى من عمره، لكان ينبغي له أن يُبْكِيَهُ ذلك حتى يخرج من الدنيا! فقلت: يا أبا سليمان، إنما يبكي على لذة ما مضى من وجد الإيمان. فقال: صدقت».
قال ابو سليمان الداراني : أهل الطاعة بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، وربما استقبلني الفرح في جوف الليل، وربما رأيت القلب يضحك ضحكًا»!
قال بعض السلف : «إن للحسنة لنورًا في القلب، وقوة في البدن، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمة في القلب، وسوادًا في الوجه، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق»!
لما حضرت معاذاً بن جبل رضى الله عنه الوفاة قال : «اخنق خنقك، فوعزتك إني أحبك، اللهم إني كنت أخافك، وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني ما كنت أحب البقاء في الدنيا لكري الأنهار، ولا غراس الأشجار، وإنما بمكابدة الساعات، وظمأ الهواجر، ومزاحمة العلماء بالرُّكَب عند حِلَق الذِّكر»!
قال ابن الجوزي : «وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله؛ فظنَّ أن لا عقوبة، وغفلته عمَّا عوقب به عقوبة، وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة».
أيها المذنب! بئس العبد عبد همه هواه! قال النبي صلى الله عليه وسلم : «تَعِسَ عبدُ الدينار، وعبدُ الدرهم، وعبدُ الخَميصَة، إن أُعْطيَ رَضِيَ، وإنْ لم يُعْطَ سخط، تعسَ وانتكس، وإذا شيك فلا انتقَشَ!...» [رواه البخاري].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من جعل الهموم همًّا واحدًا؛ هم المعاد؛ كفاه الله همَّ دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك!». [رواه ابن ماجه/ صحيح الترغيب للألباني: 3171].
يقال : «للمخادع نفسه ثلاث علامات: أحدها: أن يبادر إلى الشهوات، ويأمن الزلل، والثاني: يسوف التوبة بطول الأمل، والثالث: يرجو الآخرة بغير عمل»!
قال بعض الحكماء : «علامة الذي استقام أن يكون مثله كمثل الجبل؛ لأن الجبل له أربع علامات: أحدها: أنه لا يذيبه الحر، والثاني: لا يجمده البرد، والثالث: لا تحركه الريح، والرابع: لا يذهبه السيل، فكذا المستقيم له أربع علامات: أحدها: إذا أحسن إليه إنسان لا يحمله إحسانه على أن يميل إليه بغير حق، والثاني: إذا أساء إليه إنسان لا يحمله ذلك على أن يقول بغير حق، والثالث: أن هوى نفسه لا يحوله عن أمر الله تعالى، والرابع: أن حطام الدنيا لا يشغله عن طاعة الله عزَّ وجلَّ».
أيها المذنب! عَمِّرْ أيامك بالطاعات.. فإن زهرة أيامك ما شغلتها بطاعة الله تعالى.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يُعمَّر في الإسلام لتكبيره، وتحميده، وتسبيحه، وتهليله» [رواه أحمد/ صحيح الجامع: 5371] .
أيها المذنب! عَمِّرْ أيامك بالطاعات ..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير الناس من طال عمره، وحسن عمله» [رواه الترمذي/ صحيح الترغيب: 3364].