فوائد من كتاب لا تستوحش لهم الغبراء
قال تعالى : " وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ " (المدثر:4) قال قتادة ومجاهد: نفسك فطهَّر من الذنب. فكنى عن النفس بالثوب , وقال ابن عباس: لا تلبسها على معصية ولا غدر(مدارج السالكين).
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الحلال بيَّن والحرام بيَّنٌ وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه.."(متفق عليه) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في توجيه لمن أراد النجاة وبحث عن المخرج : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (رواه الترمذي) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع" (رواه البزار والحاكم وصححه الألباني) .
عن عطية بن عروة السعدي الصحابي رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به، حذاراً لما به بأس"(رواه الترمذي).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عَرَضَ عليَّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً، قلت: لا يا ربي ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً"، أو قال: ثلاثاً، أو نحو هذا "فإذا جعت تضرَّعت إليك وذكرت، فإذا شبعت شكرتك وحمدتك"(رواه الترمذي وأحمد) .
عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرةً في الطريق، فقال : "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها"(متفق عليه) .
قال الفقيه السمرقندي في تعريف الورع بشكل بيَّن واضح لمن أراد أن يسلك طريق النجاة وينجو بنفسه : الورع الخالص أن يكف بصره عن الحرام، ويكف لسانه عن الكذب والغيبة، ويكف جميع أعضائه وجميع جوارحه عن الحرام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الواجبات والمستحبات لا يصلح فيها زهد ولا ورع، وأما المحرمات والمكروهات فيصلح فيها الزهد دون الورع (مجموع الفتاوى).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما الورع فإنه الإمساك عما قد يضر فتدخل فيه المحرمات والشبهات لأنها قد تضر (مجمع الفتاوى ) .
قال وهيب بن الورد : إذا أردت البناء فأسَّسه على ثلاث: على الزهد والورع والنية، فإنك إن أسسته على غير هؤلاء انهدم البناء (الزهد الكبير للبيهقي) .
قال يحيى بن معاذ: الورع اجتناب كل ريبة، وترك كل شبهةٍ، والوقوف مع الله على حد العلم من غير تأويل (الزهد للبيهقي) .
قال مطرف بن عبدالله: إنك لتلقى الرجلين أحدهما أكثر صلاة وصوماً وصدقة والآخر أفضل منه بوناً بعيداً، قيل له: كيف ذاك؟ قلب: يكون أحدهما أشد ورعاً لله عز وجل عن محارمه (الزهد للإمام أحمد) .
جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة فقال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" فهذا يَعُمّ الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة. فهذه الكلمة كافية شافية في الورع (مدارج السالكين) .
قال إسحاق بن خلف: الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة، والزهد في الرياسة أشد منه في الذهب والفضة لأنهما يُبذلان في طلب الرياسة.
قال بعض الصحابة: كنا نَدَع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام (مدارج السالكين) .
قال عيسى عليه الصلاة والسلام: لو صليتم حتى تصيروا مثل الحنايا، وصُمتم حتى تكونوا أمثال الأوتاد، وجرى من أعينكم الدموع أمثال الأنهار، ما أدركتم ما عند الله إلا بورع صادق (رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني) .
روي عن ابن المبارك رحمه الله أنه قال: تَركُ فِلسٍ من حرام أفضل من مائة ألف فلس أتصدق بها.
عن سفيان قال: قال لقمان لابنه: يا بني، إن الدنيا بحر عميق غرق فيه ناس كثير، فلتكن سفينتك فيه تقوى الله، وزيادتها الإيمان بالله، ومشرعها التوكل على الله، لعلك تنجو، وما أراك ناجياً (الزهد للبيهقي).
عن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أنه قال : لكل شيء حدّ. وحدود الإسلام: الورع، والتواضع، والشكر، والصبر. فالورع ملاك الأمور، والتواضع براءة من الكبر، والصبر النجاة من النار، والشكر الفوز بالجنة ( تنبيه الغافلين).
قال حسان بن أبي سنان: ما شيء أهون عندي من الورع إذا رابني شيء (جامع العلوم والحكم) ولكن لا يظُن أن هذا الترك سهل ميسور لكل أحد بل إنه منحة ربانية لمن وفقه الله وأعانه وإلا فهو لغيرهم كما قال الحسن البصري: طلب الحلال أشد من لقاء الزحف (الورع لابن أبي الدنيا).
قال سهل رحمه الله: من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى، علم أو لم يعلم، ومن كانت طُعمته حلالاً أطاعته جوارحه، ووفقت للخيرات.
قال الحسن: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام (جامع العلوم والحكم).
قال سليمان بن داود: أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يُؤتوا، وعلمنا مما عَلِمَ الناس ومما لم يَعلموا، فلم نجد شيئاً أفضل من تقوى الله في السرَّ والعلانية، والعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى (الفوائد).
قال ابن عمر رضي الله عنهما : إني لأحب أن أَدَعَ بيني وبين الحرام سُترةً من الحلال لا أخرقها (جامع العلوم والحكم).
قال أبو الدرداء رضى الله عنه : إن من تمام التقوى أن يتقي العبد في مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً حتى يكون حجاباً بينه وبين النار (الإحياء).
عن ميمون بن مهران: لا يكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه؟ (السير).
قال غالب القطان: ذُكر الحلال عند بكر بن عبدالله المزني فقال بكر: إن الحلال لو وضُع على جرح لبرئ (الورع لابن أبي الدنيا).
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : لا تنظروا إلى صلاة امرئ ولا صيامه، ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذا حدث، وإلى ورعه إذا أشفى، وإلى أمانته إذا اؤتمن (الورع لابن أبي الدنيا).
جاء رجل إلى عبدالله بن عبدالعزيز فقال: عِظْني، فأخذ حصاة من الأرض فقال: زِنة هذه من الورع يدخل قلبك خير لك من صلاة أهل الأرض. قال: زدني، قال: كما تحب أن يكون الله عز وجل لك غداً فكن له اليوم (صفة الصفوة).
عن أنس رضى الله عنه قال : "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشَّعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات" (رواه البخاري).
قال محمد بن كعب القرظي: ثلاث خصال إن استطعت أن لا تترك شيئاً منها أبداً فافعل: لا تبغينَّ على أحد فإن الله تعالى يقول: " إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ " ( يونس الآية: 23)، ولا تمكرنَّ على أحد مكراً فإن الله تعالى يقول: " وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ " (فاطر الآية: 43) ولا تنكثنَّ عهداً أبداً فإن الله تعالى يقول: " فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ " (الفتح الآية: 10 ).
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: الزهد ثلاثة أصناف: زهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة؛ فالزهد الفرض هو الزهد في الحرام، والزهد الفضل هو الزهد في الحلال، وزهد السلامة هو الزهد في الشبهات.
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى:الورع ورعان: ورع فرض، وورع حذر؛ فالورع الفرض الورع عن معاصي الله تعالى، والورع الحذر الورع عن الشبهات.
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى:والحزن حزنان: حزن لك وحزن عليك؛ فالحزن الذي هو لك حزنك على الآخرة، والحزن الذي هو عليك حزنك على الدنيا وزينتها ( تنبيه الغافلين).
قال العلاء بن زياد: إنكم في زمانٍ أقلُكم الذي ذهب عشر دينه وسيأتي عليكم زمان أقلكم الذي يبقى عليه عشر دينه (السير).
قال بعض الحكماء: أمرُ الدنيا كلها عجب ولكني أتعجَّب من ابن آدم المغرور في خمسة أشياء: أولها: أتعجب من صاحب فضول الدنيا كيف لا يقدم فضوله ليوم فقره وحاجته إليه؟والثاني: من لسان ناطق كيف يطاوع نفسه؟ ويعرض عن ذكر الله تعالى وعن تلاوة القرآن؟والثالث: أتعجب من صحيح فارغ رأيته مفطراً أبداً كيف لا يصوم من كل شهر ثلاثة أيام أو نحوه، وكيف لا يتفكر في عاقبة الصوم إذا استقبله؟والرابع: أتعجب من الذي يمهَّد فراشه وينام إلى الصبح كيف لا يتفكر في فضل صلاة ركعتين في الليل فيقوم ساعة من الليل؟والخامس: أتعجب من الذي يجترئ على الله ويرتكب ما نهاه عنه وهو يعلم أنه يُعرض عليه يوم القيامة فكيف لا يتفكر فى عاقبة أمره لينـزجر عنه ( تنبيه الغافلين).
قال ابن الجوزي: رأيت كثيراً من الناس يتحرزون من رشاش نجاسة، ولا يتحاشون من غيبة، ويكثرون من الصدقة، ولا يبالون بمعاملات الربا، ويتهجدون بالليل، ويؤخرون الفريضة عن الوقت، وفي أشياء يطول عددها من حفظ فروع وتضييع أصول. فبحثت عن سبب ذلك، فوجدته من شيئين: أحدهما: العادة، والثاني: الهوى في تحصيل المطلوب، فإنه قد يغلب، فلا يترك سمعاً ولا بصراً.
قال الحسن بن عرفة قال لي ابن المبارك: استعرت قلماً بأرض الشام فذهب عليَّ أن أرده إلى صاحبه, فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي, فرجعت يا أبا علي إلى أرض الشام حتى رددته على صاحبه (صفة الصفوة ).
قال الحسن: إن أيسر الناس حساباً يوم القيامة، الذين حاسبوا أنفسهم لله في الدنيا فوقفوا عند همومهم وأعمالهم، فإن كان الذي هَمُّوا به لله، مضوا فيه، وإن كان عليهم أمسكوا، وإنما يثقل الحساب يوم القيامة على الذين جازفوا الأمور في الدنيا، أخذوها على غير محاسبة، فوجدوا الله قد أحصى عليهم مثاقيل الذر، ثم قرأ " يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " (الكهف الآية: 49 ).
قال قاسم الجرعي: أصل الدين الورع، وأفضل العبادة مكابدة الليل، وأفضل طرق الجنة سلامة الحذر.
قال الثوري لابن أبي ذئب: إن اتقيت الله كفاك الناس, وإن اتقيت الناس لن يُغنوا عنك من الله شيئاً (الفوائد).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: فالورع والاحتياط ألا تطلب شيئاً من ترقية أو انتداب أو غير ذلك, إن أُعطيت فَخُذْ, وإن لم تُعْطَ فالأحسن والأورع والأتقى ألا تطالب, فكل الدنيا ليست بشيء, وإذا رزقك الله رزقاً كفافاً لا فتنة فيه, فهو خير من مال كثير تفتتن فيه. نسأل الله السلامة (شرح رياض الصالحين).
قال الحسن: إن الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول: بيني وبينك الله, فيقول والله ما أعرفك, فيقول: أنت أخذت طينة من حائطي, وآخر يقول: أنت أخذت خيطاً من ثوبي. فهذا وأمثاله قطع قلوب الخائفين (الزهر الفائح).
كان الحسن يقول: رحم الله عبداً جعل العيش عيشاً واحداً, فأكل كسرة, ولبس خَلَقاً, ولزق بالأرض, واجتهد في العبادة, وبكى على الخطيئة, وهرب من العقوبة ابتغاء الرحمة حتى يأتيه أجله وهو على ذلك (الزهد الكبير للبيهقي).
قال العباس بن سهم: إن امرأة من الصالحات أتاها نعي زوجها وهي تعجن, فرفعت يديها من العجين وقالت: هذا الطعام قد صار لنا فيه شريك (الورع لابن أبي الدنيا). تعني أنها ذهبت في ذلك إلى أمر الورثة ومن له حق في هذا المال!!
قال أبو العباس بن عطاء: تولَّد ورع المتورعين من ذكر الذّرَّ والخردلة, وإن ربًّا يحاسب على اللحظة والهمزة واللمزة لمستقص في المحاسبة, وأشد منه أن يحاسبه على مقادير الذرة وأوزان الخردلة, ومن يكن هكذا حسابه لحريٌ أن يُتقى (الزهد الكبير للبيهقي) .
قال وهيب بن الورد: من لم يكن فيه ثلاث فلا يعتد بعمله شيئاً: ورع يحجزه عما حرم الله, وحلم يكف به السفيه, وخلق يداري به الناس (الزهد الكبير للبيهقي).
قال قتادة: كان معيقيب على بيت مال عمر رضى الله عنه فكنس بيت المال يوماً فوجد فيه درهماً , فدفعه إلى ابن لعمر, قال معيقيب: ثم انصرفت إلى بيتي, فإذا رسول عمر قد جاءني يدعوني, فجئت فإذا الدرهم في يده فقال لي: ويحك يا معيقيب! أَوَجَدت عليَّ في نفسك شيئاً؟! قال: قلت: ماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: أردت أن تخاصمني أمةُ محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الدرهم (الورع لابن أبي الدنيا).
قال الحسن: أبَى قومٌ المداومة, والله ما المؤمن بالذي يعمل شهراً أو شهرين أو عاماً أو عامين, لا والله ما جُعل لعمل المؤمن أجلٌ دون الموت (الزهد للإمام أحمد) .