9. حياة السلف بين القول والعمل
حكمــــــة
عناية السلف بالقلب: قال ابن جهضم: سمعت ابن سَمعون رحمه الله يقول في مجلسه: ما سمعتَ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة أو تمثال " ؟ فإذا كان الملكُ لا يدخل بيتًا فيه صورة أو تمثال، فكيف تدخل شواهدُ الحقِّ قلبًا فيه أو صافُ غيرِه منَ البشر؟!. قال ابن القيم رحمه الله: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) إذا كانت الملائكة المخلوقون يمنعها الكلب والصورة عن دخول البيت، فكيف تلج معرفة الله عز وجل، ومحبته، وحلاوة ذكره، والأنس بقربه، في قلب ممتلئ بكلاب الشهوات وصورها. ومن هذا: أن طهارة الثوب الطاهر والبدن إذا كانت شرطًا في صحة الصلاة، والاعتداد بها، فإذا أخَلَّ بها كانت فاسدة، فكيف إذا كان القلب نجسًا ولم يُطَهِّره صاحبه؟ فكيف يُعْتَدُّ له بصلاته، وإن أسقطت القضاء؟ وهل طهارة الظاهر إلا تكميلا لطهارة الباطن؟. ومن هذا: أن استقبال القبلة في الصلاة شرط لصحتها، وهي بيت الرب، فتوجُّه المصلي إليها ببدنه وقالَبِه: شرط، فكيف تصح صلاة من لم يتوجه بقلبه إلى رب القبلة والبدن؟ بل وجَّه بدنه إلى البيت ووجْهُ قلبه إلى غير رب البيت. ا.هـ بتصرف. مدارج السالكين 3/250-251 [ذم الهوى / 78].
حكمــــــة
عن خالد بن معدان رحمه الله قال: ما من عبد إلا وله أربع أعين؛ عينان في وجهه يبصر بهما أمور الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمور الآخرة، فإذا أراد الله بعبد خيرًا، فتح عينيه اللتين في قلبه، فيبصر بهما ما وعد بالغيب، وهما غيب فآمن الغيب بالغيب، وإذا أراد بعبد غير ذلك، تركه على ما هو عليه، ثم قرأ: " أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " [محمد: 24]. [الحلية (تهذيبه) 2 / 188].
حكمــــــة
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: حج إبراهيم ابني، فلقي محمد بن يوسف رحمه الله بمكة، فقال له: أقرئ أباك السلام وقل له: هُنْ، قال: فرجع إبراهيم فأخبرني بقوله، قال: فصرت كذا شهرًا أشبه رجل مريض، من مقالة محمد، فقلت: رجل مثله عسى أن يكون بلغه عني شيء، أو رأى علي رؤيا، حتى قدم علينا، قال: فأخذ بيدي وجعل يمشي حتى ظننت أنا لا ندرك صلاة المغرب، فجلسنا فقلت له: يا أبا عبد الله أخبرني إبراهيم ابني عنك بكذا، فقال محمد: بلغني أنك جلست تحدث الناس، فقلت له: إن أحببت حلفت أن لا أحدث بحديث أبدًا، فقال: حدث الناس وعلمهم، ولكن انظر إذا اجتمع الناس حولك، كيف يكون قلبك. [الحلية (تهذيبه) 3 / 55].
حكمــــــة
قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان الداراني رحمه الله: إني قد غبطت بني إسرائيل، قال: بأي شيء ويحك؟ قلت: بثمان مائة سنة وبأربعمائة سنة حتى يصيروا كالشنان البالية، والحنايا، وكالأوتار. قال: ما ظننت إلا أنك قد جئت بشيء!! لا والله ما يريد الله منا أن تيبس جلودنا على عظامنا، ولا يريد منا إلا صدق النية فيما عنده، هذا إذا صدق في عشرة أيام نال ما نال ذاك في عمره. [الحلية (تهذيبه) 3 / 186].
حكمــــــة
الإخلاص وذم النفاق والرياء: قال الوليد بن مسلم رحمه الله: سألتُ الأوزاعيَّ، وسعيدَ بن عبد العزيز وابن جريج رحمهم الله: لم طلبتم العلم؟ كلهم يقول: نفسي، غير أن ابن جريج فإنه قال: طلبتُه للناس. قال الذهبي رحمه الله: ما أحسنَ الصدق! واليوم تسأل الفقيه الغبي: لم طلبت العلم؟ فيبادر ويقول: طلبته لله، ويكذب إنما طلبه للدنيا، ويا قِلَّةَ ما عرف منه. [السير (تهذيبه)]
حكمــــــة
الإخلاص وذم النفاق والرياء: قال معمر رحمه الله: لقد طلبنا هذا الشأن وما لنا فيه نيَّة ثم رَزَقنَا الله النيَّة من بعدُ. وقال مَعْمَرُ رحمه الله: كان يُقال: إن الرَّجل يطلبُ العلمَ لغير الله فيأبي عليه العِلمُ حتى يكون لله. قال الذهبي رحمه الله: نعم يطلبه أولاً والحاملُ له حبُّ العلم، وحبُّ إزالة الجهل عنه، وحب الوظائف، ونحوُ ذلك. ولم يكن عَلِمَ وجوب الإخلاص فيه ولا صِدْقَ النية فإذا عَلِمَ حاسبَ نفسَه وخاف من وَبَالِ قصدِه فتجيئُه النِّية الصَّالحة كلُّها أو بعضها وقد يتوبُ من نيته الفاسدة ويندمُ. وعلامة ذلك أنه يُقْصِر من الدعاوى وحبِّ المناظرة ومِن قصد التَّكثُّر بعلمه ويُزري على نفسه فإن تكثَّر بعلمه أو قال: أنا أعلمُ مِن فلان فبعدًا له. [السير (تهذيبه) 2/672].
حكمــــــة
الإخلاص وذم النفاق والرياء: قال أبو عمران الجوني رحمه الله: تصعد الملائكة بالأعمال، فينادي الملك: ألقِ تلك الصحيفة ألقِ تلك الصحيفة. قال: فتقول الملائكة: ربّنا قالوا خيرًا وحفظناه عليهم، فيقول تبارك وتعالى: لم يُرِدْ به وجهي، قال: وينادي الملكَ: اكتب لفلان كذا وكذا مرتين، فيقول: يا رب إنه لم يعمله، فيقول جل وعزّ: إنّه نَواه نَواه. [صفة الصفوة 3/190].
حكمــــــة
الإخلاص وذم النفاق والرياء: عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: إن الرجل ليعمل العمل الحسن في أعين الناس، أو العمل لا يريد به وجه الله: فيقع له المقت والعيب عند الناس حتى يكون عيبًا. وإنه ليعمل العمل أو الأمر يكرهه الناس يريد به وجه الله: فيقع له الإلفة والحسن عند الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/175].
حكمــــــة
الإخلاص وذم النفاق والرياء: عن عبد الرحمن بن شريح رحمه الله قال: من قام إلى شيء من الخير لا يريد به إلا الله ثم عرض له من يريد أن يرائيه بذلك أعطاه الله بالأصل، ووضع عنه الفرع، ومن قام إلى شيء من الخير لا يريد به إلا المراءاة، ثم فكر أو بدا له فجعل آخر ذلك لله: أعطاه الله الفرع ووضع عنه الأصل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/302].
حكمــــــة
الإخلاص وذم النفاق والرياء: قال الفضيل بن عياض رحمه الله: لو قيل لك: يا مُرائي، غَضِبْتَ، وشقَّ عليك، وعسى ما قيل لك حق، تَزَّينتَ للدنيا وتصنَّعتَ، وقصّرتَ ثيابك، وحسنتَ سمتك، وكففتَ أذاك حتى يُقال: أبو فلان عابدٌ، ما أحسنَ سمْتَه فيكرمونك وينظرونك، ويقصدونك ويهدون إليك، مثل الدرهم السُّتُّوق(هو الرديء الزيف الذي لا خير فيه) لا يعرفه كلُّ أحد فإذا قُشر، قُشر عن نحاس. [السير (تهذيبه) 2/778].
حكمــــــة
الإخلاص وذم النفاق والرياء: قال الفضيل بن عياض رحمه الله: اتق لا تكن مرائيًا وأنت لا تشعر، تصنعت وتهيأت حتى عرفك الناس فقالوا: هو رجل صالح فأكرموك، وقضوا لك الحوايج، ووسعوا لك في المجلس، وإنما عرفوك بالله لولا ذلك لهنت عليهم كما هان عليهم الفاسق لم يكرموه ولم يقضوه ولم يوسعوا له المجلس. [الحلية (تهذيبه) 3 / 13].
حكمــــــة
الإخلاص وذم النفاق والرياء: عن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: كان يقال لا يزال العبد بخير ما إذا قال: قال لله، وإذا عمل عمل لله، سمعته يقول في قوله: " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً " [الملك: 2] قال: أخلصه وأصوبه، فإنه إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا، والخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنة. [الحلية (تهذيبه) 3 / 14].
حكمــــــة
الإخلاص وذم النفاق والرياء: عن أحمد بن عاصم قال: التقى سفيان الثوري وفضيل بن عياض رحمهما الله فتذاكرا فبكيا، فقال سفيان: إني لأرجو أن يكون مجلسنا هذا أعظم مجلس جلسناه بركة. قال له فضيل: ترجو لكني أخاف أن يكون أعظم مجلس جلسناه علينا شؤما، أليس نظرت إلى أحسن ما عندك فتزينت به لي وتزينت لك به؟ فبكى سفيان حتى علا نحيبه ثم قال: أحييتني أحياك الله. [الحلية (تهذيبه) 2 / 404].
حكمــــــة
الإخلاص وذم النفاق والرياء: عن أحمد بن أبي الحواري قال: سأل رجل أبا سليمان الداراني رحمه الله: عن أقرب ما يتقرب به العبد إلى الله - عزَّ وجلَّ - فبكى، وقال: مثلك يسأل عن هذا؟ أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله، أن يطلع على قلبك، وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة غيره. [الحلية (تهذيبه) 3 / 182].
حكمــــــة
الاحتساب: عن الطفيل بن أبي كعب، أنه كان يأتي عبد الله بن عمر رضى الله عنه فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمرر عبد الله بن عمر على سقاط، ولا صاحب بيعة، ولا مسكين، ولا أحد إلا وسلم عليه. فقلت: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس؟ قال: وأقول اجلس بنا ها هنا نتحدث، فقال لي عبد الله: يا أبا بطن – وكان الطفيل ذا بطن – إنما نغدو من أجل السلام، فسلم على من لقيت. [الحلية (تهذيبه) 1 / 221].