3. حياة السلف بين القول والعمل
حكمــــــة
قصص ووقائع لبعض العلماء: عن وهب بن منبه رحمه الله قال: كان جبار في بني إسرائيل يقتل الناس على أكل لحوم الخنازير، فلم يزل الأمر... حتى بلغ إلى عابد من عبادهم، قال: فشق ذلك على الناس، فقال له صاحب الشرطة: إني أذبح لك جديًا، فإذا دعاك الجبار لتأكل فكل، فلما دعاه ليأكل أبى أن يأكل، قال: أخرجوه فاضربوا عنقه، فقال له صاحب الشرطة: ما منعك أن تأكل وقد أخبرتك إنه جديٌ! قال: أني رجلٌ منظور إليَّ، وإني كرهت أن يُتأسى بي في معاصي الله، قال: فقتله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1 / 230].
حكمــــــة
قصص ووقائع لبعض العلماء: عن ثابت أن صلة بن أشيم رحمه الله وأصحابه أبصروا رجلا قد أسبل إزاره، فأراد أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم فقال صلة: دعوني أكفيكموه، فقال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة، قال: فما ذاك يا عمُّ؟ قال ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمت عينٍ. فقال لأصحابه: هذا كان مثلُ لو أخذتموه بشدة، قال: لا أفعلُ، وفعل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2 / 206، 207].
حكمــــــة
قصص ووقائع لبعض العلماء: عن الحسين بن زياد قال: سمعت منيعًا يقول: مر تاجر بعشَّارين فحبسوا عليه سفينته، فجاء إلى مالك بن دينار رحمه الله، فذكر ذلك له، فقام مالك فمشى معه إلى العشارين، فلما رأوه، قالوا: يا أبا يحيى ألا بعثت إلينا؟ ما حاجتك؟ قال: حاجتي أن تخلوا سفينة هذا الرجل. قالوا: قد فعلنا، قال: وكان عندهم كوز يجعلون فيه ما يأخذون من الناس من الدراهم، فقالوا: ادع الله لنا يا أبا يحيى، قال: قولوا للكوز يدعو لكم! أدعو لكم وألف يدعو عليكم، أترى يستجاب لواحد ولا يستجاب لألف. [الحلية (تهذيبه) 1 / 426].
حكمــــــة
قصص ووقائع لبعض العلماء: عن أبي مسهر. قال: سأل المأمون مالك بن أنس رحمه الله: هل لك دار؟ فقال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وقال: اشتر لك بها دارًا، قال: ثم أراد المأمون الشخوص وقال لمالك: تعال معنا فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال له: مالكَ إلى ذلك سبيل، وذلك أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم افترقوا بعده في الأمصار، فحدثوا، فعند كل أهل مصر علم، ولا سبيل إلى الخروج معك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) وقال: (المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد) وهذه دنانيركم فإن شئتم فخذوه، وإن شئتم فدعوه. [الحلية (تهذيبه) 2 / 359].
حكمــــــة
قصص ووقائع لبعض العلماء: عن عبد الله بن عبد الحكيم قال: سمعت مالك بن أنس يقول: شاورني هارون الرشيد في ثلاث؛ في أن يعلق الموطأ في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه، وفي أن ينقض منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويجعله من جوهر وذهب وفضة، وفي أن يقدم نافع بن أبي نعيم إمامًا يصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا أمير المؤمنين؛ أما تعليق الموطأ في الكعبة فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع وتفرقوا في الآفاق، وكل عند نفسه مصيب، وأما نقض منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتخاذك إياه من جوهر وذهب وفضة، فلا أرى أن تحرم الناس أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأما تقدمتك نافعًا إمامًا يصلي بالناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن نافعًا إمام في القراءة، لا يؤمن أن تندر منه نادرة في المحراب فتحفظ عليه، قال: وفقك الله يا أبا عبد الله. [الحلية (تهذيبه) 2 / 360].
حكمــــــة
قصص ووقائع لبعض العلماء: عن الربيع أنه قال: كان الشافعي رحمه الله عند مالك وعنده سفيان بن عيينة والزنجي فأقبل رجلان، فقال أحدهما: أنا الربيع القماري وقد بعت هذا قمريًا، وحلفت له بالطلاق أنه لا يهدأ من الصياح، فلما كان بعد ساعة أتاني فقال: قد سكت فردّ علي دراهمي، وقد حنثت، فقال مالك: بانت منك امرأتك. فمرّ الشافعي، فقال للبائع: أردت أنه لا يهدأ أبدًا أو أن كلامه أكثر من سكوته؟ فقال: قد علمت أنه ينام ويأكل ويشرب، وإنما أردت كلامه أكثر من سكوته، فقال: ردّ عليك امرأتك، فأخبر مالكًا، فقال للشافعي: من أين قلت؟ فقال: حديث فاطمة بنت قيس قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن معاوية وأبا جهم خطباني فقال: إن معاوية صعلوك، وإن أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتقه. وقد كان ينام ويستريح، وإنما خرج كلامه على الأغلب، فعجب مالك فقال الزنجي: أفت فقد آن لك أن تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة. [المنتظم 10 / 136].
حكمــــــة
قصص ووقائع لبعض العلماء: قال عبدُ الله بن محمد بن أسد، سمعتُ حمزةَ الكنانيَّ رحمه الله يقول: خرَّجت حديثًا واحدًا عن النبي صلى الله عليه وسلم من نحو مائتي طريق، فداخلني لذلك من الفرح غيرُ قليل، وأعجبت بذلك، فرأيتُ يَحيى بن معين رحمه الله في المنام، فقلت: يا أبا زكريا، خرَّجتُ حديثًا من مائتي طريق، فسكتَ عنِّي ساعة، ثم قال: أخشى أن تدخلَ هذه تحت " أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ " [التكاثر:1]. [السير (تهذيبه) 3 / 1280].
حكمــــــة
قصص ووقائع لبعض العلماء: عن جعفر بن يحيى بن خالد أنه قال: ما رأينا مثل عيسى بن يونس رحمه الله، أرسلنا إليه فأتانا بالرّقة، فاعتل قبل أن يرجع، فقلنا له: يا أبا عمر، قد أُمر لك بعشرة آلاف. فقال: هيه. فقلت: هي خمسون ألفًا. فقال لي: لا حاجة لي فيها. فقلت: ولم؟ أما والله لا هنيتكها، هي والله مائة ألف. قال: لا والله لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنّة ثمنًا، ألا كان هذا قبل أن ترسلوا إليّ؟ فأما على الحديث فوالله لا شربة ماء ولا أهليلجة! [المنتظم 9 / 196].
حكمــــــة
قصص ووقائع لبعض العلماء: عن محمد بن سهل أنه قال: كنت بالمصيصة وبها المأمون أمير المؤمنين، فأذن يومًا للناس فقام إليه شاب وبيده محبرة، فقال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع به، فقال له المأمون: أي شيء تحفظ من باب كذا؟ فلم يذكر الفتى شيئًا، فما زال المأمون يقول: حدّثنا هشيم، وحدثنا أبو الأحوص، وحدثنا وكيع، حتى ذكر الباب، ثم قال: وإيش تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر الفتى شيئًا، فما زال المأمون يقول: حدثنا حجاج بن محمد، وحدثنا فلان وفلان، حتى ذكر الباب، ثم التفت إلى الفضل، فقال: أحدهم يطلب الحديث ثلاثة أيام ثم يقول أنا من أصحاب الحديث، أعطوه ثلاثة آلاف درهم. [المنتظم 10 / 53، 54].
حكمــــــة
قصص ووقائع لبعض العلماء: عن أبي القاسم علي بن الحسن بن أبي عثمان أنه قال: أن عضد الدولة كان قد بعث القاضي أبا بكر الباقلاني رحمه الله في رسالة إلى ملك الروم، فلما ورد مدينته عرف الملك خبره وبين له محله في العلم، فأفكر الملك في أمره وعلم أنه لا يفكر له إذا دخل عليه كما جرى رسم الرعية أن يقبل الأرض بين يدي الملوك، ثم نتجت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف لا يُمَكِّن أحدًا أن يدخل منه إلا راكعًا ليدخل القاضي منه على تلك الحال عوضًا من تكفيره بين يديه، فلما وضع سريره في ذلك الموضع أمر بإدخال القاضي من الباب، فسار حتى وصل إلى المكان فلما رآه تفكر فيه ثم فطن بالقصة، فأدار ظهره وحنى رأسه ودخل من الباب، وهو يمشي إلى خلفه وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه، ثم رفع رأسه ونصب ظهره وأدار وجهه حينئذ إلى الملك، فعجب من فطنته ووقعت له الهيبة في نفسه. [المنتظم 15 / 96].
حكمــــــة
ما قيل في كتم بعض العلم للمصلحة، وعدم بثه لكل أحد: عن مكحُول قال: كان أبو هريرة يقول: رُبَّ كيسٍ عند أبي هريرة لم يَفتحه. يعني من العلم. قال الذهبي رحمه الله: هذا دالّ على جواز كتمان بعضِ الأحاديث التي تحرك فتنةً في الأصول، أو الفروع، أو المدح والذم. أما حديثٌ يتعلق بحل أو حرام، فلا يحلُ كتمانهُ بوجه، فإنه من البينات والهدى. وفي صحيح البخاري: قول الإمام عليٍّ رضي الله عنه: حدِّثُوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما يُنكرون، أتُحبُّون أن يُكذب الله ورسوله! وكذا لو بثَّ أبو هريرة ذلك الوعاء، لأوذي، بل لقُتل، ولكن العالم قد يؤديه اجتهادُه إلى أن ينشُر الحديث الفلاني إحياءً للسنة، فله ما نوى وله أجر- وإن غلط- في اجتهاده. [السير (تهذيبه) 1 / 309].
حكمــــــة
ما قيل في كتم بعض العلم للمصلحة، وعدم بثه لكل أحد: قال الشيخُ علمُ الدِّينِ: وفي يومِ الخميسِ منتصف ربيعٍ الأوَّلِ اجتَمع قاضي القُضاةِ شمس الدِّين ابنُ مُسَلمٍ بالشيخِ الإمام العَّلامَةِ تَقيِّ الدِّين ابنِ تَيْميَّة رحمه الله، وأشار عليه بتَرْكِ الإفتاءِ في مسألةِ الحَلفِ بالطَّلاقِ، فقبِل الشيخُ نصيحتَه، وأجابَ إلى ما أشار به؛ رعايةً لخاطرِه وخواطرِ الجماعَةِ المُفتين، ثم ورَد البريدُ في مُستَهلِّ جُمادى الأُولَى بكتابٍ مِن السلطان فيه مَنْعُ الشيخِ تقيِّ الدَّينِ مِن الإفتاءِ في مسألةِ الحلفِ بالطلاقِ، وعُقِدَ في ذلك مجلسٌ، وانفَصَل الحالُ على ما رسَم به السلطانُ، ونودِيَ به في البلدِ، وكان قبلَ قُدُومِ المرسُوم قد اجتَمع بالقاضي ابنِ مُسَلَّمٍ الحَنْبَلِيِّ جماعةٌ مِن المفتِينَ الكبارِ، وقالوا له أن يَنصَح الشيخَ في تركِ الإفتاءِ في مسألةِ الطَّلاقِ، فعَلِمَ الشيخ نصيِحتَه، وأنَّه إنَّما قصَد بذلك ترْكَ ثَورَانِ فتْنَةٍ وشرٍّ. [البداية والنهاية 14 / 163].
حكمــــــة
عن حماد بن زيد قال: كان رجل قد لزم أيوب رحمه الله وسمع منه. ففقده أيوب. فقالوا: يا أبا بكر إنه قد لزم عمرو بن عبيد. قال حماد: فبينا أنا يوماً مع أيوب وقد بكرنا إلى السوق. فاستقبله الرجل. فسلم عليه أيوب وسأله. ثم قال له أيوب: بلغني أنك لزمت ذاك الرجل. قال حماد: سماه، يعني عمراً. قال: نعم. يا أبا بكر إنه يجيئنا بأشياء غرائب. قال: يقول له أيوب: إنما نفر أو نفرق من تلك الغرائب. [رواه مسلم في مقدمته].
حكمــــــة
العمل بالعلم وتبليغه: عن عبد الله بن عكيم قال: سمعت ابن مسعود رضى الله عنه – في هذا المسجد – يبدأ باليمين قبل الكلام. فقال: ما منكم من أحد إلا أن ربه تعالى سيخلو به، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول يا ابن آدم ما غرَّك بي؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين، ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟. [الحلية (تهذيبه) 1 / 120].
حكمــــــة
العمل بالعلم وتبليغه: قال أبو الدرداء رضى الله عنه: أخوف ما أخاف أن يقال لي يوم القيامة: أعلمت أم جهلت؟ فإن قلتُ علمت. لا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا أُخذتُ بفريضتها، الآمرة هل ائتمرت، والزاجرة هل ازدجرت، فأعوذ بالله من علم لا ينفع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يُسمع (رواه الإمام أحمد). [صفة الصفوة 1/300]
حكمــــــة
العمل بالعلم وتبليغه: عن ميمون بن مهران قال: تكلم عمر بن عبد العزيز رحمه الله ذات يوم، وعنده رهطٌ من إخوانه، فصح له منطقٌ وعظة حسنة، فنظر إلى رجل من جلسائه، وهو يَخذِفُ دمعته، فقطع دمعته، فقلت له: يا أمير المؤمنين، امض في منطقك فإني أرجو أن يمن الله على من سمعه أو بلغه. قال: إليك عني، فإن في القول فتنة، والفعال أولى بالمؤمن من القول. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/181].
حكمــــــة
العمل بالعلم وتبليغه: عن الأوزاعي قال: قدم عطاء الخراساني على هشام فنزل على مكحول، فقال لمكحول: ها هنا أحد يحركنا؟ قال: نعم! يزيد بن ميسرة رحمه الله، فأتوه فقال عطاء: حركنا رحمك الله، قال: نعم! كانت العلماء إذا علموا عملوا، فإذا عملوا شُغلوا، فإذا شغلوا فُقدوا، فإذا فقدوا طُلبوا، فإذا طلبوا هَربوا. قال: أعد عليّ، فأعاد عليه فرجع عطاء ولم يلق هشامًا!! [الحلية (تهذيبه) 2 / 193].
حكمــــــة
العمل بالعلم وتبليغه: عن هشام الدستوائي رحمه الله قال: كان عيسى ابن مريم - عليه السلام - يقول: يا معشر العلماء، مثلكم مثل الدفلي(شجر مُرٌّ أَخضر حَسَن المَنْظَر يكون في الأَودية) يعجب ورده من نظر إليه، ويقتل طعمه من أكله، كلامكم دواء ولم يبرئ الداء، وأعمالكم داء لا تقبل الدواء، الحكمة تخرج من أفواهكم، وليس بينها وبين آذانكم إلا أربع أصابع، ثم لا تعيها قلوبكم!! معشر العلماء إن الله إنما يبسط لكم الدنيا لتعملوا، ولم يبسط لكم لتطغوا!! معشر العلماء كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به ولا يطلب ليعمل به؟ العلم فوق رؤوسكم، والعمل تحت أقدامكم، فلا أحرار كرام، ولا عبيد أتقياء؟! [الحلية (تهذيبه) 2 / 340].