فوائد من كتاب الذاكرون الله والذاكرات من كتاب«الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب» لابن القيم
فضل الذكر : قال النبى صلى الله عليه وسلم : «وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً، حتى إذا أتى إلى حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله». (صحيح الترغيب ) فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة، لكان حقيقاً بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجاً بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله تعالى وتصاغر، وانقمع ، حتى يكون كالوصع وكالذباب، ولهذا سمي "الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ"، أي : يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى خنس، أي: كف وانقبض .
فضل الذكر : قال ابن عباس : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنس .
فضل الذكر : في «مسند الإمام أحمد» عن معاذ ابن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل» .
فضل الذكر : قال معاذ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «ذكر الله عز وجل»(صحيح الجامع).
فضل الذكر : في «صحيح مسلم»، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له : جمدان، فقال : «سيروا، هذا جمدان، سبق المفردون». قيل : وما المفردون يارسول الله ؟ قال «الذاكرون الله كثيرا والذاكرات» .
فضل الذكر : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمارٍ، وكان عليهم حسرة» (رواه أبو داود) . وفي رواية الترمذي: «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم» .
فضل الذكر : في «صحيح مسلم» عن الأغر أبي مسلم قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد، أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» .
فضل الذكر : عن عبد الله بن بسر أن رجلاً قال : يا رسول الله، إن أبواب الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بكلها، فأخبرني بشيء أتشبث به، ولا تُكثر علىّ فأنسى. وفي روايه : إن شرائع الإسلام قد كثرت على، وأنا قد كبرت، فأخبرني بشيء أتشبث به. قال : «لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى» (رواه الترمذي) .
فضل الذكر : في (صحيح البخاري) عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه. مثل الحي والميت» .
فضل الذكر : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يقول الله تبارك وتعالى : أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليّ ذراعاً، تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة» (رواه البخاري ومسلم) .
فضل الذكر : عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قالوا : يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: «حلق الذكر» (رواه الترمذي) .
فضل الذكر : عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه يقول : «إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مُلاق قِرْنه» (رواه الترمذي) . وهذا الحديث هو فصل الخطاب في التفصيل بين الذاكر والمجاهد، فإن الذاكر المجاهد أفضل من الذاكر بلا جهاد والمجاهد الغافل، والذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل عن الله تعالى , فأفضل الذاكرين المجاهدون، وأفضل المجاهدين الذاكرون. قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"[الأنفال:45]. فأمرهم بالذكر الكثير والجهاد معاً، ليكونوا على رجاء من الفلاح، وقد قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا"[الأحزاب].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمرا بمعروف، أو نهيا عن منكر، أو ذكرا لله عز وجل» (رواه الترمذي وابن ماجة) .
عن معاذ بن جبل قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: «أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل»(رواه ابن حبان) .
قال تعالى: " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا "[الكهف:28]. فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر: هل هو من أهل الذكر، أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة، وأمره فرط، لم يُقتد به، ولم يتبعه فإنه يقوده إلى الهلاك.
من فوائد الذكر : أنه يُورثه المحبة التي هي روح الإسلام، وقطب رحي الدين، ومدار السعادة والنجاة، وقد جعل الله لكل شيء سبباً، وجعل سبب المحبة دوام الذكر، فمن أراد أن ينال محبة الله عز وجل، فليلهج بذكره فإنه الدرس والمذاكرة كما أنه باب العلم، فالذكر باب المحبة، وشارعها الأعظم، وصراطها الأقوم.
من فوائد الذكر : أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعدة إلى الوصول إلى البيت.
من فوائد الذكر : أنه يورثه الإنابة، وهي الرجوع إلى الله عز وجل، فمتى أكثر الرجوع إليه بذكره، أورثه ذلك رجوعه بقلبه إليه في كل أحواله، فيبقى الله عز وجل مفزعه وملجأه، وملاذه ومعاذه، وقبلة قلبه، ومهربة عند النوازل والبلايا.
من فوائد الذكر : أنه يورثه القرب منه، فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قربه منه، وعلى قدر غفلته يكون بعده منه.
من فوائد الذكر : أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة، وكلما أكثر من الذكر ازداد من المعرفة.
من فوائد الذكر : أنه يورثه ذكر الله تعالى له، كما قال تعالى: " فَاذْكُرُونِي َذْكُرْكُمْ" [البقرة :152] ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفي بها فضلا وشرفاً. وقال صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى : «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم». (صحيح البخاري) .
من فوائد الذكر : أنه يورث حياة القلب. وسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول : الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟ .
من فوائد الذكر : أنه قوت القلب والروح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته. يقول ابن القيم : وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إلى وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغد هذا الغداء سقطت قوتي، أو كلاما قريبا من هذا. وقال لي مرة : لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر، أو كلاماً هذا معناه.
من فوائد الذكر : أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، فإن الغافل بينه وبين الله عز وجل وحشة لا تزول إلا بالذكر.
من فوائد الذكر : : أن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده، يذكر بصاحبه عند الشدة، فقد روى الإمام أحمد في (المسند) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن ما تذكرون من جلال الله عز وجل من التهليل والتكبير والتحميد يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرون بصاحبهن، أفلا يحب أحدكم أن يكون له ما يذكر به»(رواه أحمد وابن ماجة) ؟ هذا الحديث أو معناه.
من فوائد الذكر : أنه منجاة من عذاب الله تعالى، كما قال معاذ رضي الله عنه. ويروي مرفوعاً : «ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله عز وجل من ذكر الله تعالى»(رواه أحمد).
من فوائد الذكر : أنه سبب نزول السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم .
من فوائد الذكر : أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل، فإن العبد لابد له من أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره، تكلم بهذه المحرمات أو بعضها، ولا سبيل إلى السلامة منها البتة إلا بذكر الله تعالى.
من فوائد الذكر : أن مجالس الذكر الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين، فليتخير العبد أعجبهما إليه، وأولاهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة.
من فوائد الذكر : أنه يسعد الذاكر بذكره، ويسعد به جليسه، وهذا هو المبارك أين ما كان، والغافل واللاغي يشقى بلغوه وغفلته، ويشقى به مجالسه.
من فوائد الذكر : : أنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة، فإن كان مجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة.
من فوائد الذكر : أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه، والناس في حر الشمس قد صهرتهم في الموقف، وهذا الذاكر مستظل بظل عرش الرحمن عز وجل.
من فوائد الذكر : : أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها، فإن حركة اللسان أخف الجوارح وأيسرها، ولو تحرك عضو من الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشق عليه غاية المشقة، بل لا يمكنه ذلك.
من فوائد الذكر : أنه غراس الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقيت ليلة أسرى بي إبراهيم الخليل عليه السلام فقال: يا محمد أقرئ أمتك [مني] السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» (رواه الترمذي). ومن حديث أبي الزبير، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من قال : سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة» (رواه الترمذي).
من فوائد الذكر : أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال. قال صلى الله عليه وسلم : « من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ، ومن قال : سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» (رواه البخارى ومسلم). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس»(رواه مسلم).
من فوائد الذكر : أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده، فإن نسيان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها، قال تعالى: " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "[الحشر:19]. وإذا نسي العبد نفسه، أعرض عن مصالحها ونسيها، واشتغل عنها، فهلكت وفسدت ولابد، كمن له زرع أو بستان أو ماشية أو غير ذلك مما صلاحه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه، فأهمله ونسيه، واشتغل عنه بغيره، وضيع مصالحه، فإنه يفسد ولابد.
من فوائد الذكر : أن الذكر يُسيّر العبد وهو قاعد على فراشه، وفي سوقه، وفي حال صحته وسقمه، وفي حال نعيمه ولذته، ومعاشه وقيامه وقعوده، واضطجاعه وسفره وإقامته، فليس في الأعمال شيء يعم الأوقات والأحوال مثله، حتى إنه يسير العبد وهو نائم على فراشه، فيسبق القائم مع الغفلة، فيصبح هذا النائم وقد قطع الركب وهو مستلق على فراشه، ويصبح ذلك القائم الغافل في ساقة الركب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
من فوائد الذكر : أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط، فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذلك الله تعالى: قال الله تعالى: " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا "[الأنعام:122]. فالأول هو المؤمن استنار بالإيمان بالله ومحبته ومعرفته وذكره والآخر هو الغافل عن الله تعالى، المعرض عن ذكره ومحبته، والشأن كل الشأن، والفلاح كل الفلاح، في النور، والشقاء كل الشقاء في فواته. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبالغ في سؤال ربه تبارك وتعالى حين يسأله أن يجعله في لحمه، وعظامه، وعصبه، وشعره، وبشره , وسمعه، وبصره، ومن فوقه، ومن تحته، وعن يمينه، وعن شماله، وخلفه , وأمامه، حتى يقول : «واجعلني نوراً» فسأل ربه تبارك وتعالى أن يجعل النور في ذراته الظاهرة والباطنة، وأن يجعله محيطا به من جميع جهاته، وأن يجعل ذاته وملته نوراً.
من فوائد الذكر : أن الذكر رأس الأمور، وطريق عامة الطائفة، ومنشور الولاية، فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل، فليتطهر وليدخل على ربه عز وجل يجد عنده كل ما يريد، فإن وجد ربه عز وجل وجد كل شيء، وإن فاته ربه عز وجل فاته كل شيء.
من فوائد الذكر : أن في القلب خلة وفاقة لا يسدهما شيء ألبتة إلا ذكر الله عز وجل، فإذا صار الذكر شعار القلب، بحيث يكون هو الذاكر بطريق الأصالة واللسان تبع له، فهذا هو الذكر الذي يسد الخلة، ويغني الفاقة، فيكون صاحبه غنيا بلا مال، عزيزاً بلا عشيرة، مهيباً بلا سلطان، فإذا كان غافلا عن ذكر الله عز وجل، فهو بضد ذلك , فقير مع كثرة جدته، ذليل مع سلطانه، حقير مع كثرة عشيرته.
من فوائد الذكر : أن الذكر يجمع المتفرق، ويفرق المجتمع، ويقرب البعيد، ويبعد القريب، فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته، وهمومه وعزومه، والعذاب كل العذاب في تفرقتها وتشتتها عليه، وانفراطها له. والحياة والنعيم في اجتماع قلبه وهمه، وعزمه وإرادته، ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم، والغموم، والأحزان، والحسرات على فوت حظوظه ومطالبه، ويفرق أيضاً ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره، حتى تتساقط عنه وتتلاشى وتضمحل، ويفرق أيضا ما اجتمع على حربه من جند الشيطان، فإن إبليس لا يزال يبعث له سرية بعد سرية، وكلما كان أقوى طلبا لله سبحانه وتعالى، وأشد تعلقا به وإرادة له، كانت السرية أكثف وأكثر وأعظم شوكة، بحسب ما عند العبد من مواد الخير والإرادة، ولا سبيل إلى تفريق هذا الجمع إلا بدوام الذكر. وأما تقريبه البعيد، فإنه يقرب إليه الآخرة التي يبعدها منه الشيطان والأمل ويبعد القريب إليه وهي الدنيا التي هي أدنى إليه من الآخرة، فإن الآخرة متى قربت من قلبه بعدت منه الدنيا .
من فوائد الذكر : أن الذكر ينبه القلب من نومه، ويوقظه من سنته، والقلب إذا كان نائما فاتته الأرباح والمتاجر، وكان الغالب عليه الخسران، فإذا استيقظ وعلم ما فاته في نومته شد المئزر، وأحيا بقية عمره، واستدرك ما فاته، ولا تحصل يقظته إلا بالذكر، فإن الغفلة نوم ثقيل.
من فوائد الذكر : أن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون، فلا سبيل إلى نيل ثمارها إلا من شجرة الذكر وكلما عظمت تلك الشجرة ورسخ أصلها، كان أعظم لثمرتها، فالذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التوحيد، وهو أصل كل مقام، وقاعدته التي ينبني ذلك المقام عليها، كما يقوم السقف على حائطه، وذلك أن العبد إن لم يستيقظ، لم يمكنه قطع منازل السير، ولا يستيقظ إلا بالذكر كما تقدم، فالغفلة نوم القلب أو موته.
من فوائد الذكر : أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والإحاطة العامة، فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصر والتوفيق، كقوله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا "[النحل:128] " إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ "[البقرة:249] " وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ "[العنكبوت:69] " لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا "[التوبة:40] وللذاكر من هذه المعية نصيب وافر، كما في الحديث الإلهي : «أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه» (البخاري تعليقا واحمد).
من فوائد الذكر : أن الذكر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل، ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل، وقد تقدم أن «من قال في يوم مائة مرة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي...»الحديث (صحيح مسلم). وقيل لأبي الدرداء: إن رجلا أعتق مائة نسمة قال: إن مائة نسمة من مال رجل كثير، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار، وأن لا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر الله عز وجل. وقال ابن مسعود: لأن أسبح الله تعالى تسبيحات أحب إلى من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله عز وجل .
من فوائد الذكر : أن الذكر رأس الشكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره. قلت: قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه (رواه مسلم).
من فوائد الذكر : أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره، فإنه اتقاه في أمره ونهيه، وجعل ذكره شعاره، فالتقوى أوجبت له دخول الجنة والنجاة من النار، وهذا هو الثواب والأجر. والذكر يوجب له القرب من الله عز وجل والزلفي لديه، وهذه هي المنزلة.
من فوائد الذكر : أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى: قال رجل للحسن: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي، قال : أذبه بالذكر. وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة، اشتدت به القسوة، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل.
من فوائد الذكر : أن الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه، فالقلوب مريضة، وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى.
من فوائد الذكر : أن الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها، والغفلة أصل معاداته ورأسها، فإن العبد لا يزال يذكر ربه عز وجل حتى يحبه فيواليه، ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه فيعاديه. فهذه المعاداة سببها الغفلة، ولا تزال بالعبد حتى يكره ذكر الله ويكره من يذكره، فحينئذ يتخذه عدوا كما اتخذ الذاكر وليا.
من فوائد الذكر : أنه ما استجلبت نعم الله عز وجل، واستدفعت نقمه بمثل ذكر الله تعالى، فالذكر جلاب للنعم، دافع للنقم، قال سبحانه وتعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا "، وفي القراءة الأخرى: " إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ " [الحج:38] فدفعه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم وكماله، ومادة الإيمان وقوته بذكر الله تعالى، فمن كان أكمل إيمانا، وأكثر ذكرا، كان دفع الله تعالى عنه ودفاعه أعظم، ومن نقص نقص ذكرا بذكر، ونسيانا بنسيان، وقال سبحانه وتعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ"[إبراهيم:7].
من فوائد الذكر : أن الذكر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر، ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح، وفاز كل الفوز، قال سبحانه وتعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا"[الأحزاب:41-43].
من فوائد الذكر : أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر، فإنها رياض الجنة.
من فوائد الذكر : أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يذكر الله تعالى فيه، كما أخرجا في (الصحيحين) من حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة (رواه مسلم). فمجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس الغفلة مجالس الشياطين وكل مضاف إلى شكله وأشباهه، وكل امرئ يصير إلى ما يناسبه.
من فوائد الذكر : أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته، كما روى مسلم في (صحيحه) عن أبي سعيد الخدري، قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال : ما أجلسكم؟ قالوا جلسنا نذكر الله تعالى. قال : الله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: «ما أجلسكم؟» قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا. قال : «الله ما أجلسكم إلا ذاك» قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال : «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة» فهذه المباهاة من الرب تبارك وتعالى دليل على شرف الذكر عنده، ومحبته به، وأن له مزية على غيره من الأعمال.
من فوائد الذكر : أن مدمن الذكر يدخل الجنة وهو يضحك، عن أبي الدرداء قال : «الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله عز وجل يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك».