فوائد من كتاب أحصاه الله ونسوه لعبد الملك القاسم 3
حكمــــــة
قال النبى صلى الله عليه وسلم: " تجدون من شر عباد الله يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بحديث وهؤلاء بحديث " أخرجه الشيخان نحوه وهو عند أبي الدنيا بهذا اللفظ. فإن قلت: بماذا يصير الرجل ذا لسانين وما حد ذلك؟ فأقول إذا دخل على متعاديين وجامل كل واحد منهما وكان صادقا فيه لم يكن منافقا ولا ذا لسانين، فإن الواحد قد يصادق متعاديين ولكن صداقة ضعيفة لا تنتهي إلى حد الأخوة، إذ لو تحققت الصداقة لاقتضت معاداة الأعداء، نعم لو نقل كلام كل واحد منهما إلى الآخر فهو ذو لسانين وهو شر من النميمة (الإحياء).
حكمــــــة
أخي الحبيب: إياك والكذب فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس، فإن الكاذب يصور المعدوم موجودًا، والموجود معدومًا، والحق باطلاً، والباطل حقًّا، والخير شرًّا، والشر خيرًا، فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له، ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم مؤثرة للباطل (الفوائد).
حكمــــــة
أصل أعمال القلوب كلها الصدق وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب، فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق، وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب، والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق، ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب (الفوائد).
حكمــــــة
كان أبو حنيفة قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله في عرض كلامه إلا تصدق بدرهم، فحلف فتصدق به ثم جعل أن يتصدق بدينار، فكان إذا حلف صادقا في عرض الكلام تصدق به، وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها، وكان إذا اكتسى ثوبا جديدا كسى بقدر ثمنه الشيوخ العلماء، وكان إذا وضع بين يديه الطعام أخذ منه فوضعه على الخبز حتى يأخذ منه بقدر ضعف ما كان يأكل، فيضعه على الخبز ثم يعطيه إنسانا فقيرا، فإن كان في الدار من عياله إنسان يحتاج إليه دفعه إليه، وإلا أعطاه مسكينًا (تاريخ بغداد).
حكمــــــة
عن أبي بردة بن عبد الله قال كان يقال: إن ربعي بن حراش رضي الله عنه لم يكذب كذبا قط، فأقبل ابناه من خرسان قد تأجلا فجاء العريف إلى الحجاج فقال: أيها الأمير: إن الناس يزعمون أن ربعي بن حراش لم يكذب قط، وقد قدم ابناه من خرسان وهما عاصيان، فقال الحجاج علي به فلما جاء قال: أيها الشيخ، قال: ما تشاء؟ قال: ما فعل ابناك؟ قال: الله المستعان خلفتهما في البيت؟ قال: لا جرم والله لا أسوءك فيهما هما لك (كتاب الصمت).
حكمــــــة
الاستهزاء: مما شاع بين الناس وفي بعض المجالس السخرية والاستهزاء وهو محرم قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ " [الحجرات: 11]. ومعنى السخرية الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء (الإحياء).
حكمــــــة
" وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ " [الآيتان: 65، 66] وقد ورد في سبب نزولها أن رجلا من المنافقين قال: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبنا عند اللقاء فرفع ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله: إنما كنا نخوض ونلعب فقال: " أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ " إلى قوله: " مُجْرِمِينَ " وإن رجليه لتنسفان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم (تفسير ابن كثير). وثابت من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرحم الناس بالناس، وأقبل الناس عذرا للناس، ومع ذلك كله لم يقبل عذرا لمستهزئ ولم يلتفت لحجة ساخر ضاحك(الاستهزاء بالدين وأهله).
حكمــــــة
قال الله تعالى: " قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ " [المؤمنون: 108-111]. وقال جل وعلا: " وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا " [الأحزاب: 58]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها من أبعد من الثريا " رواه أحمد.