فوائد من كتاب أحصاه الله ونسوه لعبد الملك القاسم 2
ذكر عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله أنه أضاف أناسا فلما قعدوا على الطعام ، جعلوا يتناولون رجلا، قال إبراهيم: إن الذين كانوا قبلنا ، كانوا يأكلون الخبز قبل اللحم، وأنتم بدأتم باللحم قبل الخبز (تنبيه الغافلين) .
قال سفيان بن الحصين : كنت جالسا عند إياس بن معاوية فمر رجل، فنلت منه، فقال : اسكت، ثم قال لي سفيان: هل غزوت الروم؟ قلت: لا، قال: غزوت الترك؟ قلت: لا، قال: سلم منك الروم وسلم منك الترك، ولم يسلم منك أخوك المسلم، قال: فما عدت إلى ذلك بعد (تنبيه الغافلين) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إن بعض الناس لا تراه إلا منتقدا داء ينسى حسنات الطوائف والأجناس ويذكر مثالبهم، فهو مثل الذباب يترك موضع البرء والسلامة ويقع على الجرح والأذى، وهذا من رداءة النفوس وفساد المزاج.
قال الإمام الشافعي : قبول السعاية أضر من السعاية ، لأن السعاية دلالة ، والقبول إجازة ، وليس من دل على شيء كمن قبل وأجاز ، والساعي ممقوت إذا كان صادقًا لهتكه العورة وإضاعته الحرمة ، ومعاتب إن كان كاذبًا لمبارزته الله بقول البهتان وشهادة الزور (حلية الأولياء) .
روي عن حاتم الزاهد رحمه الله تعالى أنه قال : ثلاثة إذا كن في مجلس فالرحمة عنهم مصروفة: ذكر الدنيا، والضحك، والوقيعة في الناس (تنبيه الغافلين) .
قال بكر بن عبد الله : إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس ، ناسيًا لعيبه ، فأعلموا أنه قد مكر به (صفة الصفوة) .
قال عون بن عبد الله : ما أحسب أحدا تفرغ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه (صفة الصفوة) .
قال أبو بكر بن عبد الرحمن : لا يلهينك الناس عن ذات النفس ، فإن الأمر يخلص إليك دونهم ولا تقطع نهارك بكيت وكيت ، فإنه محفوظ عليك ما قلت (البداية والنهاية) .
مر الحسن بشاب وهو مستغرق في ضحكه وهو جالس مع قوم في مجلس، فقال له الحسن : يا فتى هل مررت بالصراط ؟ قال : لا، قال فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ قال: لا، قال: فما هذا الضحك؟ فما رؤي ذلك الفتى بعدها ضاحكًا (الإحياء) .
كان الربيع بن خثيم إذا قيل له كيف أصبحتم؟ قال: ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا (السير) .
قال ابن وهب: نذرت إني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما، فأجهدني فكنت أصوم وأغتاب، فنويت إني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم، تركت الغيبة (السير) .
أخي المسلم : لو هللت الله وذكرته وسبحته لكان خيرا لك فكم من كلمة يبني بها قصرًا في الجنة، ومن قدر أن يأخذ كنزًا من الكنوز فأخذ مكانه مدرة لا ينتفع بها كان خاسرًا خسرانًا مبينًا، وهذا مثال من ترك ذكر الله تعالى واشتغل بمباح لا يعنيه، فإنه وإن لم يأثم فقد خسر حيث فاته الربح العظيم بذكر الله تعالى، فإن المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا ونظره إلا عبرة ونطقه إلا ذكرا (الإحياء) .
كتب أشهب بن عبد العزيز: إلى رجل كان يقع فيه: أما بعد: فإنه لم يمنعني أن أكتب إليك أن تتزايد مما أنت فيه إلا كراهية أن أعينك على معصية الله، وأعلم أني أرتع في حسناتك كما ترعى الشاة الخضر والسلام ( ترتيب المدارك ) .
قال عبد الرحمن بن مهدي : لو لا أني أكره أن يعصى الله تمنيت أن لا يبقى في هذا العصر أحد وإلا وقع في واغتابني فأي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته يوم القيامة لم يعملها ولم يعلم بها (صفة الصفوة).
قال سفيان : لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان، أكنتم تتكلمون بشيء؟ قلنا: لا، قال: فإن معكم من يرفع الحديث.. يعني الملكان الموكلان: " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ".
قال الحسن : يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بها ملكان كريمان يكتبان أعمالك فاعمل ما شئت وأكثر أو أقل (الإحياء) .
دخل على أبي دجانة : وهو مريض وكان وجهه يتهلل، فقيل: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: أما أحدهما فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا.
قال إبراهيم التيمي : إذا أراد المؤمن أن يتكلم نظر فإن كان له تكلم وإلا أمسك، والفاجر إنما لسانه رسلا رسلا (الإحياء) .
عن حاتم الأصم قال : لو أن صاحب خير جلس إليك لكنت تتحرز منه، وكلامك يعرض على الله فلا تتحرز منه (السير) .
قال جبير بن عبد الله : شهدت وهب بن منبه وجاءه رجل فقال: إن فلانا يقع منك فقال وهبك أما وجد الشيطان أحدا يستخف به غيرك؟ فما كان بأسرع من أن جاء الرجل فرفع مجلسه وأكرمه(الورع لعبد الله بن حنبل).
قال رجل للفضل بن بزوان : إن فلانًا يقع فيك، قال: لأغيظن من أمره، غفر الله له، قيل له: من أمره؟ قال الشيطان (صفة الصفوة).
روى الربيع بن صبيح أن رجلاً قال للحسن: يا أبا سعيد إني أرى أمرًا أكرهه، قال: وما ذاك يا ابن أخي، قال: أرى أقواما يحضرون مجلسك يحفظون عليك سقط كلامك ثم يحكونك ويعيبونك فقال: يا ابن أخي، لا يكبرن هذا عليك، أخبرك بما هو أعجب، قال: وما ذاك يا عم؟ قال: أطعت نفسي في جوار الرحمن وملوك الجنان والنجاة من النيران، ومرافقة الأنبياء ولم أطع نفسي في السمعة من الناس، أنه لو سلم من الناس أحد لسلم منهم خالقهم الذي خلقهم فإذا لم يسلم خلقهم فالمخلوق أجدر أن لا يسلم (أمراض النفوس).
كان السلف يحاسب أحدهم نفسه في قوله: يوم حار، ويوم بارد، ولقد رؤي بعض الأكابر من أهل العلم في النوم فسئل عن حاله، فقال أنا موقوف على كلمة قلتها، قلت: ما أحوج الناس إلى غيث، فقيل لي: وما يدريك؟ أنا أعلم بمصلحة عبادي (الجواب الكافي).
قال محمد بن سيرين: يحدث رجلاً : ما رأيت الرجل الأسود ثم قال: استغفر الله، ما أراني إلا اغتبت الرجل (صفة الصفوة).
قال الإمام البخاري صاحب الكتاب المعروف الذي جاب الآفاق يجمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبن باغتياب أحد. وعقب على هذا الأمر أبو عبد الله الحافظ بقوله: يشهد لهذه المقالة كلامه في الجرح والتعديل فإن أبلغ ما يقول في الرجل المتروك أو الساقط: فيه نظر، سكتوا عنه ولا يكاد يقول فلان كذاب، وفلان يضع الحديث وهذا من شدة ورعه (طبقات الشافعية) .
رأى عمر بن عتبة مولاه مع رجل وهو يقع في آخر: فقال له: ويلك نزه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزه نفسك عن القول به، فالمستمع شريك القائل، وإنما نظر إلى شر ما في وعائه فافرغه في وعائك، ولو رددت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها(البداية والنهاية) .
قال عبد الله بن محمد بن زياد: كنت عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله قد اغتبتك، فاجعلني في حل، قال: أنت في حل إن لم تعد، فقلت له: أتجعله في حل يا أبا عبد الله وقد اغتابك؟ قال: ألم ترني اشترطت عليه (حلية الأولياء) .
روي أن رجلا أتى ابن سيرين فقال: إني اغتبتك فاجعلني في حل فقال: وكيف أحل ما حرم الله؟ فكأنه أشار إليه بالاستغفار، والتوبة إلى الله تعالى مع استحلال منه (تنبيه الغافلين) .
قال طوق بن منبه : دخلت على محمد بن سيرين فقال: كأني أراك شاكيًا؟ قلت: أجل، قال: أذهب إلى فلان الطبيب فاستوصفه ثم قال: اذهب إلى فلان فإنه أطب منه، ثم قال: استغفر الله أراني قد اغتبته (صفة الصفوة) .
قال بعضهم : أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس (الإحياء) .
قال الفاروق عمر بن الخطاب : عليكم بذكر الله تعالى فإنه شفاء ، وإياكم وذكر الناس فإنه داء (الإحياء) .
بيان العلاج الذي يمنع اللسان عن الغيبة : -أن يعلم أنه بغيبته تعرض لسخط الله تعالى مقته وشديد عقابه. - لا بد أن يدرك أن عمله هذا محبط لحسناته يوم القيامة. - أن يتدبر في نفسه ويصلح عيوبه ويتدارك نفسه. - إن كان ما اغتاب في المسلم من عيب غير موجود فيه فليحمد الله وليشكره على نعمته.
بيان العلاج الذي يمنع اللسان عن الغيبة : من اغتابه على سبيل التنقيص والاحتقار، فاز بحسنات يوم القيامة فهو يأخذ الحسنات والمغتاب يكسب السيئات والأوزار. - أن يتصور حين يغتاب أخاه المسلم أنه كمن يأكل لحمه وهو ميت. - أن يتذكر وهو يغتاب أنه يأكل وينهش في لحم أخيه المسلم. - أن يتذكر موقفه يوم القيامة عند الحساب ذليلا كبلته الذنوب وأحاطت به الأوزار.
ما يباح من الغيبة : التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول ظلمني فلان بكذا.
ما يباح من الغيبة : الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر، فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا.
ما يباح من الغيبة : الاستفتاء فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي ودفع الظلم؟ ونحو ذلك فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، قال أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ومع ذلك فالتعيين جائز.
ما يباح من الغيبة : تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، مثل جرح المجروحين من الرواة والشهود، ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو غير ذلك، فله أن يبين حاله بنية النصيحة.
ما يباح من الغيبة : أن يكون مجاهرًا بفسقه، أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكر.
ما يباح من الغيبة : التعريف فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب، كالأعمش والأعرج، والأصم ، والأعمى، والأحول، جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.
أخي الحبيب: إن ضعفت عن ثلاث، فعليك بثلاث، إن ضعفت عن الخير فأمسك عن الشر، وإن كنت لا تستطيع أن تنفع الناس، فأمسك عنهم ضرك، وإن كنت لا تستطيع أن تصوم فلا تأكل لحوم الناس (تنبيه الغافلين) .
روي عن الحسن أن رجلاً قال: إن فلانًا قد اغتابك ، فبعث إليه طبقًا من الرطب، وقال: بلغني أنك أهديت إليَّ حسناتك، فأردت أن أكافئك عليها، فأعذرني فإني لا أقدر أن أكافئك بها على التمام (تنبيه الغافلين) .
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن العبد ليعطى كتابه يوم القيامة فيرى فيه حسنات لم يكن عملها فيقول يا رب، من أين لي هذا؟ فيقول: هذا بما اغتابك الناس وأنت لا تشعر (تنبيه الغافلين) .
روى خالد الربعي قال: كنت في المسجد الجامع، فتناولوا رجلاً، فنهيتهم عن ذلك، فكفوا وأخذوا في غيره، ثم عادوا إليه، فدخلت معهم في شيء من أمره، فرأيت تلك الليلة في المنام كأني أتاني رجل أسود طويل، ومعه طبق عليه قطعة من لحم خنزير، فقال لي: كل، فقلت: آكل لحم خنزير؟ والله لا آكله فانتهرني انتهارًا شديدًا، وقال: قد أكلت ما هو شر منه، فجعل يدسه في فمي، حتى استيقظت من منامي، فوالله لقد مكثت ثلاثين يومًا أو أربعين يومًا، ما أكلت طعامًا، إلا وجدت طعم ذلك اللحم ونتنه في فمي (تنبيه الغافلين) .
ذكر عن إبراهيم بن أدهم، أنه قال: يا مكذب، بخلت بدنياك على أصدقائك وسخوت بآخرتك على أعدائك، فلا أنت فيما بخلت به معذور، ولا أنت فيما سخوت به محمود (تنبيه الغافلين) .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلت علينا امرأة فلما ولت، أومأت بيدي أنها قصيرة، فقال عليه السلام "اغتبتيها" ومن ذلك المحاكاة يمشي متعارجا أو كما يمشي فهو غيبة، بل هو أشد من الغيبة، لأنه أعظم في التصوير والتفهيم، وكذلك الغيبة بالكتابة فإن القلم أحد اللسانين (الإحياء) .
قيل لبعض الحكماء: ما الحكمة في أن ريح الغيبة ونتنها كانت تتبين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتبين في يومنا هذا؟ قال: لأن الغيبة قد كثرت في يومنا، فامتلأت الأنوف منها، فلم تتبين الرائحة ، وهي النتن، ويكون مثال هذا، مثال رجل دخل الدباغين، لا يقدر على القرار فيها من شدة الرائحة، وأهل تلك الدار، يأكلون فيها الطعام، ويشربون الشراب ولا تتبين لهم الرائحة لأنه قد امتلأت أنوفهم منها، كذلك أمر الغيبة في يومنا هذا (تنبيه الغافلين) .
ذكر عن وهب المكي أنه قال: لأن أدع الغيبة أحب إلي من أن تكون لي الدنيا وما فيها، منذ خلقت إلى أن تفنى، فأجعلها في سبيل الله تعالى ولإن أغض بصري عما حرم الله تعالى أحب إلي من أن تكون لي الدنيا وما فيها فاجعلها في سبيل الله ثم تلا قوله تعالى: " وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا" وتلا قوله تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ َبْصَارِهِمْ " (تنبيه الغافلين) .
عن يحيى بن معاذ قال: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين : إحداها: إنك لم تنفعه فلا تضره. والثانية: إن لم تسره فلا تغمه. والثالثة: إن لم تمدحه فلا تذمه (تنبيه الغافلين) .
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم" رواه أبو داود.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" متفق عليه. وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرا وهو الذي ظهرت مصلحته ، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم (رياض الصالحين).
عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" رواه الترمذي وقال حديث حسن.
قال عبد الله بن المبارك : قلت لسفيان الثوري: يا أبا عبد الله ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة، ما سمعته يغتاب عدوا له قط، فقال: هو أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهبها.
قال العلماء : إن التوبة واجبة من كل ذنب. وشروط توبة المغتاب أربعة: أولاً: أن يقلع عن الغيبة. ثانيًا: أن يندم على فعلها. ثالثًا: أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا. رابعًا: استحلال من وقع في غيبته، فإن لم تبلغ إلى صاحبه تلك الغيبة أو خشي أن يصيبه ضرر من إخباره، فتوبته أن يستغفر الله تعالى.
النميمة : حرم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء كما قال تعالى : " إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ" ." وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " وقال: " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ " (جامع العلوم والحكم).
حقيقة النميمة : إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه، بل كل ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره، فينبغي أن يسكت عنه إلا في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية، كما إذا رأى من يتناول مال غيره، فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود له، فأما إذا رآه يخفي مالا لنفسه فذكره فهو نميمة وإفشاء للسر. فإن كان ما ينم به نقصا وعيبا في المحكي عنه، كان قد جمع بين الغيبة والنميمة (الإحياء) .
النميمة خصلة ذميمة قال الله تعالى : " هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ " ثم قال : " عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ " . قال عبد الله بن المبارك: الزنيم ولد الزنا الذي لا يكتم الحديث وأشار به إلى كل من لم يكتم الحديث ومشي بالنميمة دل على أنه ولد زنا استنباطا من الآية الكريمة (مكاشفة القلوب).
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين جديدين فقال : "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنـزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وغرز في كل قبر واحدة" فقالوا يا رسول الله لم صنعت هذا؟ فقال: "لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا" رواه البخاري. ومعنى قوله: "وما يعذبان في كبير" يعني ليس بكبيرة عندكم ولكنه كبيرة عند الله (تنبيه الغافلين) .
قال الله تعالى: " حَمَّالَةَ الْحَطَبِ " قال أكثر المفسرين: إن الحطب أراد به النميمة وإنما سميت النميمة حطبا، لأنها سبب للعداوة والقتال فصار بمنـزلة إيقاد النار (تنبيه الغافلين) .
كان بكر بن عبد الله يقول: عليكم بأمر إن أصبتم أجرتم، وإن أخطأتم لم تأثموا، وإياكم وكل أمر إن أصبتم لم تؤجروا وإن أخطأتم أثمتم قيل: وما هو؟ قال: سوء الظن بالناس، فإنكم لو أصبتم لم تؤجروا، وإن أخطأتم أثمتم (حلية الأولياء) .
كان سليمان بن عبد الملك جالسا وعنده الزهري، فجاءه رجل فقال له سليمان: بلغني أنك وقعت في وقلت كذا وكذا فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق، فقال له الزهري: لا يكون النمام صادقا، فقال سليمان: صدقت ثم قال للرجل: اذهب بسلام (الإحياء) .
روى عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية " إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا " وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية: " هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ " وإن شئت عفونا عنك؟ فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدا (الإحياء) .
كان يقال : عذاب القبر ثلاثة أثلاث : ثلث من الغيبة وثلث من البول وثلث من النميمة (تنبيه الغافلين) .
قال رجل لعمرو بن عبيد: إن الأسواري ما يزال يذكرك في قصصه بشر، فقال له عمرو: يا هذا، ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أديت حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ، ولكن أعلمه أن الموت يعمنا والقبر بضمنا والقيامة تجمعنا والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين.
رفع بعض السعاة إلى الصاحب بن عباد رقعة نبه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته فوقع على ظهرها: السعاية قبيحة، وإن كانت صحيحة، فإن كنت أجريتها مجرى النصح فخسرانك فيها أفضل من الربح، ومعاذ الله أن نقبل مهتوكا في مستور، ولولا أنك في خفارة شيتك لقابلناك بما يقتضيه فعلك في مثلك فتوق العيب، فإن الله أعلم بالغيب الميت رحمه الله واليتيم جبره الله والمال ثمرة الله والساعي لعنه الله (الإحياء) .
قال يحيى بن أكثم: النمام شر من الساحر، ويعمل النمام في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر (تنبيه الغافلين) .
روي عن علي رضي الله عنه أن رجلا سعى إليه برجل فقال له: يا هذا نحن نسأل عما قلت، فإن كنت صادقا مقتناك، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك، فقال: أقلني يا أمير المؤمنين (الإحياء) .
يقال: عمل النمام أضر من عمل الشيطان لأن عمل الشيطان بالخيال والوسوسة، وعمل النمام بالمواجهة والمعاينة (تنبيه الغافلين) .
قال رجل لعبد الله بن عمر وكان أميرا بلغني أن فلانا أعلم الأمير أني ذكرته بسوء قال: قد كان ذلك، قال: فأخبرني بما قال لك حتى أظهر كذبه عندك؟ قال: ما أحب أن أشتم نفسي بلساني، وحسبي أني لم أصدقه فيما قال، ولا أقطع عنك الوصال (الإحياء) .
قال مصعب بن الزبير: نحن نرى أن قبول السعاية شر من السعاية، لأن السعاية دلالة والقبول إجازة، وليس من دل على شيء فأخبر به كمن قبله وأجازه، فاتقوا الساعي، فلو كان صادقا في قوله لكان لئيما في صدقه حيث لم يحفظ الحرمة ولم يستر العورة. والسعاية هي النميمة إلا أنها إذا كانت إلى من يخاف جانبه سميت سعاية (الإحياء) .
قال بعضهم: لو صح ما نقله النمام إليك لكان هو المجترئ بالشتم عليك والمنقول عنه أولى بحلمك لأنه لم يقابلك بشتمك (الإحياء) .
ذكر أن حكيما من الحكماء زاره بعض إخوانه فأخبره بخبر عن بعض أصدقائه فقال له الحكيم: قد أبطأت في الزيارة وأتيت بثلاث جنايات : بغضت أخي إلي، وشغلت قلبي الفارغ، واتهمت نفسك الأمينة (الإحياء) .
روي عن حماد بن سلمة أنه قال: باع رجلا غلاما فقال للمشتري ليس فيه عيب إلا أنه نمام، فأستخفه المشتري فاشتراه على ذلك العيب، فمكث الغلام عنده أياما، ثم قال لزوجة مولاه: إن زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليك، أفتريدين أن يعطف عليك؟ قالت: نعم، قال لها: خذي الموسى وأحلقي شعرات من باطن لحيته إذا نام، ثم جاء إلى الزوج وقال: إن امرأتك تخادنت (يعني اتخذت خليلاً) وهي قائلتك: أتريد أن يتبين لك ذلك؟ قال: نعم، قال فتناوم لها، فتناوم الرجل، فجاءت امرأته بموسى لتحلق الشعرات فظن الزوج أنها تريد قتله، فأخذ منها الموسى فقتلها، فجاء أولياؤها فقتلوه، فجاء أولياء الرجل ووقع القتال بين الطرفين (تنبيه الغافلين) .