3. فوائد من كتاب أطايب الجنى لعبد الملك القاسم
حكمــــــة
سورة الصمد مؤلفة من أربع آيات، وقد جاءت في غاية الإيجاز والإعجاز، وأوضحت صفات الجلال والكمال، ونزَّهت الله جلَّ وعلا عن صفات العجز والنقص، فقد أثبتت الآية الأولى، الوحدانية، ونفت التعَدُّد ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، وأثبتت الثانية، كماله تعالى ونفت النقص والعجز ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾، وأثبتت الثالثة، أزليته وبقاءه ونفت الذُّرية والتناسل ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾، وأثبتت الرابعة، عظمته وجلاله ونفت الأنداد والأضداد ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ فالسورة شاملة جامعة لإثبات صفات الجلال والكمال، وتنزيه للرَّب بأسمى صور التنزيه عن النقائص.
حكمــــــة
قال عُبيد بن عُمير: " كان لرجل ثلاثة أخلاء بعضهم أخصُّ له من بعض، فنزلت به نازلة، فلَقي أخصَّ الثلاثة به فقال: يا فلان إنه نزل بي كذا وكذا، وإني أحبُّ أن تُعينني، قال: ما أنا بالذي أفعل، فانطلق إلى الذي يليه في الخاصة، فقال: يا فلان، إنه قد نزل بي كذا وكذ ا، وأنا أحبُّ أن تُعينني، قال: فأنطلق معك حتى تبلغ المكان الذي تريد، فإذا بلغت رجعت وتركتك، قال: فانطلق إلى أبعد الثلاثة، فقال: يا فلان، قد نزل بي كذا وكذا فأنا أحبُّ أن تُعينني، قال: أنا أذهب معك حيث ذهبت، وأدخل معك حيث دخلت، قال: فالأول: ماله، خلفه في أهله ولم يتبعه منه شيء، والثاني: أهله وعشيرته ذهبوا معه إلى قبره، ثم رجعوا وتركوه، والثالث: هو عمله وهو معه حيثما ذهب، ويدخل معه حيثما دخل " [حلية الأولياء].
حكمــــــة
(إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا﴾ [الجن: 1] هذا أول استماع الجِنِّ حيث دهشتهم الآيات والسور.. فأقرُّوا وصدّقوا وآمنوا ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ فكانت الهداية نورًا يتلألأ في قلوبهم ﴿فَآَمَنَّا بِهِ﴾ فكانوا كذلك، وأول أمر قاموا به أن وحدوا الله عزَّ وجلَّ ﴿وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: 1-2] إيمان خالص صريح صحيح يخالط شغاف القلوب، ثم كان العمل لهذا الدين ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ﴾ [الأحقاف: 31]. واليوم أين العمل لهذا الدين من الإنس.
حكمــــــة
رحل الشافعي عندما كان عُمْره أربع عشْرة سَنَة للأخذ من الإمام مالك، فقال عن رحلته: " فختمت من مكة إلى المدينة ست عشْرة ختمة، ختمة بالليل وختمة بالنهار " وتأمل في عُمْره حينئذ، ولا تتأتى تلك الختمات إلا لحافظ كتاب الله عزَّ وجلَّ، يقرأ ماشيًا وراكبًا وعلى جنبه، وفي كل حين، فهنيئًا لمن وفقه الله لذلك.
حكمــــــة
قال ابن القيم: لم يأتِ (الحزن) في القرآن إلا منهيًا عنه ومنفيًا، فالنهي كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ والنفي: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ وسِرُّ ذلك أن " الحزن " موقف غير مُسيِّر ولا مصلحة فيه للقلب، وأحبُّ شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره ويوقفه عن سلوكه، فالحزن ليس بمطلوب ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن».
حكمــــــة
﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ صورة وضيئة راضية مُطَمِئنة، ربهم راضٍ عنهم، وهم راضون عن ربهم، آية من آيات الولاء والبراء! قال ابن كثير: " وفي الآية سِرٌّ بديع وهو أنههم لمَّا سخطوا على الأقارب والعشائر في الله تعالى، عوضهم اللهم بالرضا عنهم، وأرضاهم بما أعطاهم من النعيم المُقيم، والفوز العظيم ".
حكمــــــة
﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ [الشورى: 49-50] قيل: هذا في الأنبياء عليهم السلام فلوط لم يُولد له ولد وله ابنتان، وإبراهيم لم يولد له أنثى ورزق الذكور، ومحمد صلي الله عليه وسلم له بنون وبنات، ويحيى وعيسى لم يولد لهما.
حكمــــــة
قال بعض الشيوخ: " آفات النفوس مثل الحيَّات والعقارب التي في طريق المُسافر، فإن أقبل على تفتيش الطريق عنها والاشتغال بقتلها انقطع ولم يمكنه السير قط، ولكن لتَكُن همتك المسير والإعراض عنها وعدم الالتفات إليها، فإن عرض لك فيها ما يعوقك عن المسير فاقتله، ثم امض على سيرك ". [المستدرك على فتاوى ابن تيمية].
حكمــــــة
قال ابن القيم: إنما جُعِل طلب العلم من سبيل الله، لأن به قوام الإسلام، كما أن قوامه بالجهاد، فقوام الدين بالعلم والجهاد، ولهذا كان الجهاد نوعين: جهاد باليد والسنان، وهذا المُشارك فيه كثير، والثاني: الجهاد بالحجة والبيان وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرُّسل، وهو جهاد الأئمة، وهو أفضل الجهادين، لعظم منفعته وشدة مؤنته وكثرة أعدائه. [مفتاح دار السعادة].
حكمــــــة
جاءت الآية: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾ بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب، وفي هذا أسلوب رفيع في تعلم الأدب وحسن المُعاتبة، وهو تلطف في حق النبي صلى الله عليه وسلم وإجلالاً له، وفي الآيات بيان حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها واستغنائها عن كل أحد وعن كل سند! والعجب أن هذا في مكة، والدعوة مُطارَدة، والمسلمون قلة، ومع ذلك كانت المُعاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم.
حكمــــــة
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: عند قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة» وفي رواية: «إلا رفعه الله بها درجة أو حطَّ عنه خطيئة» قال: وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قلَّ أن ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها.
حكمــــــة
فتح الله أبوابًا من العبادات للمُؤمن الصابر كالدعاء والإخلاص والإنابة ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾ ومما يُروى في هذا: أن أحد السلف لمَّا برئ من مرضه فجاءوا إليه يهنئونه، فلما فرغ الناس من كلامهم، قال الفضل بن سهل: إن في العلل لنِعَمًا لا ينبغي للعاقل أن يجهلها: تمحيص للصبر، وتعرض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة، وإذكار بالنعمة في حال الصحة، واستدعاء للمثوبة وحضٌّ على الصدقة. وقد ذمَّ الله أقوامًا لم يتضرعوا لله في حال البلاء: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾.
حكمــــــة
نظر عمر بن عبد العزيز إلى رجل متغير اللون فقال له: ما الذي أرى بك؟ قال: أسقام وأمراض يا أمير المؤمنين إن شاء الله، فأعاد عليه عمر فأعاد الرجل مثل ذلك ثلاث مرات، فقال: إذا أبيت إلا أن أخبرك، فإني ذقت حلاوة الدنيا فصغر في عيني زهرتها وملاعبها، واستوى عندي حجارتها وذهبها، ورأيت كأن الناس يساقون إلى الجنة وأنا أُساق إلى النار، فأسهرت لذلك ليلي وأظمأت له نهاري، كل ذلك صغير حقير في جَنْب عَفْو الله وثواب الله عزَّ وجلَّ وجنب عقابه. [التخويف من النار].
حكمــــــة
قال تعالى لموسى عليه السلام: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ قال ابن عباس: المعنى اضمم يدك إلى صدرك ليذهب عنك الخوف. وقال مُجاهد: كل من فزع فضم جناحه- أي يده- إليه ذهب عنه الرَّوع. قال ابن كثير: وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يده على فؤاده، فإنه يزول عنه ما يجد أو يُخف إن شاء الله.
حكمــــــة
لأن الصراع بين الحق والباطل مُستمر إلى قيام الساعة، لا نزال نرى نفس الصفات تتوارثها الأجيال المُنافقة زمنا بعد زمن حتى وقتنا الحاضر، يقول الله عن صفة من صفاتهم: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ فما أكثر المُستمعين لحديثهم المُنصتين لهرائهم المُتابعين لإنتاجهم.. وهم يلبسون على الناس ويدَّعون الإصلاح والفلاح، كما كان فرعون الواعظ يقول عن موسى نبي الله عليه الصلاة والسلام: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾.