فوائد من كتاب تسهيل الوصول لفوائد سير أعلام النبلاء لفرحان العطار 3
قال الأحنف : ما نازعني أحد إلا أخذت أمري بأمور : إن كان فوقي عرفت له ، وإن كان دوني رفعت قدري عنه ، وإن كان مثلي تفضلت عليه .
قيل : إن رجلا خاصم الأحنف وقال : لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا ، فقال : لكنك إن قلت عشرا لم تسمع واحدة .
قيل : إن رجلا قال للأحنف : بم سدت ؟ - وأراد أن يعيبه - ، قال الأحنف : بتركي ما لا يعنيني ، كما عناك من أمري ما لا يعنيك .
اجتمع في الحجر عبد الله ومصعب وعروة بنو الزبير وابن عمر فقال : تمنوا ؟ فقال ابن الزبير : أتمنى الخلافة ، وقال : عروة : أتمنى أن يؤخذ عني العلم ، وقال : مصعب أتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكنية بنت الحسين ، فقال ابن عمر : أما أنا فأتمنى المغفرة ، فنالوا ما تمنوا ، ولعل ابن عمر قد غفر له .
عن مطرف أنه قال لبعض إخوانه : يا أبا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني ، واكتبها في رقعة ، فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال .
عن سعيد بن مسروق : عن منذر الثوري قال : كان الربيع إذا أتاه الرجل يسأله قال : اتق الله فيما علمت ، وما استؤثر به عليك فكله إلى عالمه ، لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ ، وما خيّركم اليوم بخيّر ، ولكنه خير من آخر شر منه ، وما تتبعون الخير حق أتباعه ، وما تفرون من الشر حق فراره ، ولا كل ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم أدركتم ، ولا كل ما تقرؤون تدرون ما هو ، ثم يقول : السرائر السرائر ، اللاتي يخفين من الناس وهن والله بواد ، التمسوا دهاءهن ، وما دهاؤهن إلا أن يتوب ثم لا يعود .
روى منصور عن إبراهيم قال : قال فلان : ما أرى الربيع بن خثيم تكلم بكلام منذ عشرين سنة ، إلا بكلمة تصعد وعن بعضهم قال : صحبت الربيع عشرين عاما ما سمعت منه كلمة تعاب .
عن ابن عون قال : كانوا إذا ذكروا عند محمد - ابن سيرين - رجلاً بسيئة ، ذكره هو بأحسن ما يعلم ، وجاءه ناس فقالوا : إنا نلنا منك ، فاجعلنا في حل ، قال : لا أحل لكم شيئا حرمه الله .
كتب عمر بن عبد العزيز رسالة ، أما بعد : فإنه من أكثر ذكر الموت ، رضي من الدنيا باليسير ، ومن عد كلامه من عمله ، قل كلامه إلا فيما ينفعه ، والسلام .
عن جعفر بن محمد قال : إذا بلغك عن أخيك ما يسوؤك فلا تغتم ، فإنه إن كان كما يقول ، كانت عقوبة عجلت ، وإن كان على غير ما يقول ، كانت حسنة لم تعملها .
قال الأوزاعي : إن المؤمن يقول قليلا ، ويعمل كثيرا ، وإن المنافق يتكلم كثيرا ، ويعمل قليلا .
قيل لابن المبارك : إذا أنت صليت لم لا تجلس معنا ؟ قال : أجلس مع الصحابة والتابعين ، أنظر في كتبهم وآثارهم ، فما أصنع معكم ؟ أنتم تغتابون الناس .
عن أبي بكر بن عياش قال : أدنى السكوت السلامة ، وكفى به عافية ، وأدنى ضرر المنطق الشهرة ، وكفى بها بلية .
قال ابن وهب : نذرت أني كلما اغتبت إنسانا ، أن أصوم يوما ، فأجهدني ، فكنت اغتاب وأصوم ، فنويت أني كلما أغتبت إنسانا ، أن أتصدق بدرهم ، فمن حب الدراهم تركت الغيبة . قلت : هكذا والله كان العلماء ، وهذا هو ثمرة العلم النافع .
قيل : اغتاب رجل عند معروف فقال : اذكر القطن إذا وضع على عينيك ! وقال : كلام العبد فيما لا يعنيه ، خذلان من الله .
قال إبراهيم الحربي : ما أخرجت بغداد أتم عقلا من بشر ، ولا أحفظ للسانه ، كان في كل شعرة منه عقل ، وطيء الناس عقبه خمسين سنة ، ما عرف له غيبة لمسلم ، ما رأيت أفضل منه عن بشر .
قال يحيى بن معين : ما رأيت على رجل خطأً إلا سترته ، وأحببت أن أزين أمره ، وما استقبلت رجلاً في وجهه بأمر يكرهه ، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه ، فإن قبل ذلك ، وإلا تركته .
قال سهل بن عبد الله التستري : من أخلاق الصديقين : أن لا يحلفوا بالله ، وأن لا يغتابوا ، ولا يُغتاب عندهم ، وأن لا يشبعوا ، وإذا وعدوا لم يخلفوا ، ولا يمزحون أصلاً .
قال الجنيد : كنت بين يدي السري ألعب ، وأنا ابن سبع سنين ، فتكلموا في الشكر ، فقال يا غلام : ما الشكر ؟ قلت أن لا يُعصى الله بنعمه ، فقال : أخشى أن يكون حظك من الله لسانك ، قال الجنيد : فلا أزال أبكي - و لذلك كان يقول - سألت الله أن لا يعذبني بكلامي .
عن مسالم بن عبد الله بن عروة عن أبيه : أن عمير بن جرموز أتى حتى وضع يده في يد مصعب فسجنه ، وكتب إلى أخيه في أمره ، فكتب إليه : أن بئس ما صنعت ، أظننت أني قاتل أعرابياً بالزبير ! خل سبيله ، فخلاه ، فلحق بقصر بالسواد عليه أزج ، ثم أمر إنساناً أن يطرحه عليه ، فطرحه عليه فقتله ، وكان قد كره الحياة لِما كان يهول عليه ويرى في منامه65
ادعت أروى بنت أويس أن سعيد بن زيد أخذ شيئا من أرضها ، فخاصمته إلى مروان ، فقال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله ! سمعته يقول : " من أخذ شيئا من الارض طوقه إلى سبع أرضين " قال مروان : لا أسألك بيّنة بعد هذا ، فقال سعيد : اللهم إن كانت كاذبة ، فأعم بصرها ، و اقتلها في أرضها ، فما ماتت حتى عميت ، وبينا هي تمشي في أرضها ، إذ وقعت في حفرة فماتت . أخرجه مسلم ، وقال ابن أبي حازم - في حديثه - : سألت أروى سعيداً أن يدعو لها وقالت : قد ظلمتك ، فقال : لا أرد على الله شيئا أعطانيه الله .
قال خباب – رضي الله عنه - : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نبتغي وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مضى لسبيله ، لم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، ولم يترك إلا نمرة ، كنا إذا غطينا رأسه ، بدت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غطوا رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر " ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها .
أتي عبد الرحمن بن عوف بطعام ، فجعل يبكي فقال : قتل حمزة فلم يوجد ما يكفن فيه ، إلا ثوباً واحداً ، وقتل مصعب بن عمير فلم يوجد ما يكفن فيه ، إلا ثوبا واحداً ، لقد خشيت أن يكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا ، وجعل يبكي .
زيد بن الخطاب ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح ، السيد الشهيد المجاهد التقي ولقد قال له عمر يوم بدر : البس درعي ، قال : إني أريد من الشهادة ما تريد ، قال : فتركاها جميعا ، وكانت راية المسلمين معه يوم اليمامة ، فلم يزل يقدم بها في نحر العدو ثم قاتل حتى قتل ، فوقعت الراية فأخذها سالم مولى أبي حذيفة ، وحزن عليه عمر وكان يقول : أسلم قبلي واستشهد قبلي ، وكان يقول : ما هبت الصبا إلا وأنا أجد ريح زيد .
قال قيس بن أبي حازم سمعت خالد بن الوليد يقول : منعني الجهاد كثيرا من القراءة ، ورأيته أتي بسُم فقال : ما هذا ؟ قالوا : سم ، قال : باسم الله وشربه . قلت : هذه والله الكرامة ، وهذه الشجاعة .
عن ثابت البناني قال لما مرض سلمان : خرج سعد من الكوفة يعوده فقدم فوافقه وهو في الموت يبكي ، فسلم وجلس وقال : ما يبكيك يا أخي ؟ ألا تذكر صحبة رسول الله ألا تذكر المشاهد الصالحة ؟ قال : والله ما يبكيني واحدة من ثنتين : ما أبكي حبا بالدنيا ، ولا كراهية للقاء الله ، قال سعد : فما يبكيك بعد ثمانين ؟ قال يبكيني أن خليلي عهد إلي عهدا قال : " ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب " وإنا قد خشينا أنا قد تعدينا .
كتب الحجاج إلى ابن عمر : بلغني أنك طلبت الخلافة ، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور ، فكتب إليه : أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي ، وأما ما ذكرت من العي ، فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ، ومن أدى زكاته فليس ببخيل ، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري .
عن قزعة قال : رأيت على ابن عمر ثيابا خشنة أو جشبة فقلت له : إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان وتقر عيناي أن أراه عليك ؟ قال : أرنيه ؟ فلمسه وقال : أحرير هذا ؟ قلت : لا إنه من قطن ، قال : إني أخاف أن ألبسه ، أخاف أكون مختالا فخورا ، والله لا يحب كل مختال فخور .
قال ابن عباس قال لي أبي : يا بني إن عمر يدنيك ، فاحفظ عني ثلاثا : لا تفشين له سرا ، ولا تغتابن عنده أحدا ، ولا يجربن عليك كذبا .
عن الأحنف قال : احتبسني عمر عنده حولاً وقال : قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانتيك حسنة ، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك ، وإنا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم
قال الأصمعي : أتى رجل الحجاج فقال : إن ربعي بن حراش زعموا لا يكذب ، وقد قدم ولداه عاصيين ، قال : فبعث إليه الحجاج فقال : ما فعل ابناك ؟ قال : هما في البيت ، والله المستعان ، فقال له الحجاج بن يوسف : هما لك وأعجبه صدقه .
قال ابن عيينة : دخل هشام الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله فقال : سلني حاجة ؟ قال : إني استحيي من الله أن أسأل في بيته غيره ، فلما خرجا قال : الآن فسلني حاجة ؟ فقال له سالم : من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟ فقال : من حوائج الدنيا ، قال : والله ما سألت الدنيا من يملكها ، فكيف أسألها من لا يملكها .
القرظي محمد بن كعب ، قيل كان له أملاك بالمدينة ، وحصل مالا مرة فقيل له : ادخر لولدك ؟ قال : لا ، ولكن أدخره لنفسي عند ربي ، وأدخر ربي لولدي ، وقيل : إنه كان مجاب الدعوة كبير القدر .
قال جعفر بن سليمان : سمعت مالك بن دينار يقول : وددت أن رزقي في حصاة أمتصها ، لا ألتمس غيرها حتى أموت .
قال مالك بن دينار : مذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم ، ولم أكره ذمهم ، لأن حامدهم مفرط ، وذامهم مفرط ، إذا تعلم العالم العلم للعمل كسره ، وإذا تعلمه لغير العمل زاده فخرا .
مر المهلب على مالك بن دينار متبخترا فقال :أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين ؟ فقال المهلب : أما تعرفني ؟ قال بلى ! أولك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة ، فانكسر وقال : الآن عرفتني حق المعرفة .
دخل على مالك بن دينار لص فما وجد ما يأخذ ، فناداه مالك لم تجد شيئا من الدنيا ، فترغب في شيء من الآخرة ؟ قال : نعم ، قال : توضأ وصل ركعتين ، ففعل ثم جلس وخرج إلى المسجد ، فسئل من ذا ؟ قال : جاء ليسرق فسرقناه .
قال مالك بن دينار : خرج أهل الدنيا من الدنيا ، ولم يذوقوا أطيب شيء فيها ، قيل : وما هو ؟ قال معرفة الله تعالى .
عن محمد بن صالح التمار : قال كان صفوان ابن سليم يأتي البقيع في الأيام ، فيمر بي فاتبعته ذات يوم وقلت : لأنظرن ما يصنع ؟ فقنع رأسه وجلس إلى قبر منها ، فلم يزل يبكي حتى رحمته ، وظننت أنه قبر بعض أهله ، ومر بي مرة أخرى فاتبعته فقعد إلى جنب قبر غيره ففعل مثل ذلك ، فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر وقلت : إنما ظننت أنه قبر بعض أهله ، فقال محمد : كلهم أهله وإخوته ، إنما هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات ، كلما عرضت له قسوة ، قال : ثم جعل محمد يمر بي فيأتي البقيع ، فسلمت عليه ذات يوم فقال : أما نفعك موعظة صفوان ؟ فظننت أنه انتفع بما ألقيت إليه منها .
قال بكار بن محمد السيريني : كان ابن عون إذا حدث بالحديث يخشع عنده حتى نرحمه ، مخافة أن يزيد أو ينقص ، وكان لا يدع أحدا من أصحاب الحديث ولا غيرهم يتبعه ، وما رأيته يماري أحدا ولا يمازحه ، ما رأيت أملك للسانه منه .
عن زيد بن كميت : سمع رجلا يقول لأبي حنيفة : اتق الله ! فانتفض واصفر وأطرق وقال : جزاك الله خيرا ، ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا
كان هشام الدستوائي إذا فقد السراج من بيته يتململ على فراشه ، فكانت امرأته تأتيه بالسراج فقالت له في ذلك ؟ فقال : إني إذا فقدت السراج ذكرت ظلمة القبر .
عن الليث بن سعد قال : قال لي الرشيد : ما صلاح بلدكم ؟ قلت : بإجراء النيل ، وبصلاح أميرها ، ومن رأس العين يأتي الكدر ، فإن صفت العين صفت السواقي ، قال : صدقت .
قال عبدة بن سليمان المروزي : كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم ، فصادفنا العدو ، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو ، فدعا الى البراز ، فخرج إليه رجل فقتله ، ثم آخر فقتله ، ثم آخر فقتله ، ثم دعا إلى البراز ، فخرج إليه رجل فطارده ساعة ، فطعنه فقتله ، فازدحم إليه الناس ، فنظرت فإذا هو عبدالله بن المبارك ، وإذا هو يكتم وجهه بكمه ، فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو هو ، فقال : وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا !
قال الحسن بن الربيع البوراني : قرئ كتاب الخليفة إلى ابن إدريس وأنا حاضر : من عبد الله هارون أمير المؤمنين ، إلى عبد الله بن إدريس ، قال فشهق ابن إدريس شهقة ، وسقط بعد الظهر ، فقمنا إلى العصر وهو على حاله ، وانتبه قبيل المغرب ، وقد صببنا عليه الماء فلا شيء قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، صار يعرفني حتى يكتب إلي ! أي ذنب بلغ بي هذا ! .
عن علي بن موسى الرضى عن أبيه قال : إذا أقبلت الدنيا على إنسان ، أعطته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عنه ، سلبته محاسن نفسه .
قال المأمون لمحمد بن عباد : أردت أن أوليك فمنعني إسرافك ، قال : منع الجود ، سوء ظن بالمعبود ، فقال : لو شئت أبقيت على نفسك ، فإن ما تنفقه ما أبعد رجوعه إليك ، قال : من له مولى عنني لم يفتقر ، فقال المأمون : من أراد أن يكرمني فليكرم ضيفي محمدا ، فجاءته الأموال ، فما ذخر منها درهما .
حكى ابن عقيل عن نفسه قال : حججت فالتقطت عقد لؤلؤ في خيط أحمر ، فإذا شيخ أعمى ينشده ويبذل لملتقطه مئة دينار ، فرددته عليه فقال : خذ الدنانير ، فامتنعت ، وخرجت إلى الشام ، وزرت القدس ، وقصدت بغداد ، فأويت بحلب إلى مسجد وأنا بردان جائع ، فقدموني فصليت بهم فأطعموني ، وكان أول رمضان فقالوا : إمامنا توفي فصل بنا هذا الشهر ؟ ففعلت ، فقالوا : لإمامنا بنت فزوجت بها ، فأقمت معها سنة ، و أولدتها ولدا ذكرا ، فمرضت في نفاسها ، فتأملتها يوما فإذا في عنقها العقد بعينه بخيطه الأحمر ، فقلت لها : لهذا قصة ، وحكيت لها ، فبكت وقالت : أنت هو والله ! لقد كان أبي يبكي ويقول : اللهم ارزق بنتي مثل الذي رد العقد علي ، وقد استجاب الله منه ، ثم ماتت ، فأخذت العقد والميراث ، وعدت إلى بغداد .
الرفاعي الإمام القدوة العابد الزاهد ، شيخ العارفين أبو العباس قيل : إنه أقسم على أصحابه إن كان فيه عيب ينبهونه عليه ، فقال الشيخ عمر الفاروثي : يا سيدي أنا أعلم فيك عيبا ! قال : ما هو ؟ قال : يا سيدي عيبك أننا من أصحابك ، فبكى الشيخ والفقراء وقال : أي عمر ، إن سلم المركب حمل من فيه ، وعنه قال : أقرب الطريق الانكسار والذل والافتقار ، تعظم أمر الله ، وتشفق على خلق الله ، وتقتدي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لما كانت فتنة ابن الأشعث قال طلق بن حبيب : اتقوها بالتقوى ، فقيل له : صف لنا التقوى ؟ فقال : العمل بطاعة الله ، على نور من الله ، رجاء ثواب الله ، وترك معاصي الله ، على نور من الله ، مخافة عذاب الله .
قال السجان لابن سيرين : إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك ، فإذا أصبحت فتعال ، قال : لا والله ، لا أكون لك عونا على خيانة السلطان .
دخل أبو حازم على أمير المدينة فقال له : تكلم ؟ قال له : انظر الناس ببابك ، إن أدنيت أهل الخير ، ذهب أهل الشر ، وإن أدنيت أهل الشر ، ذهب أهل الخير .
قال أبو عبيد الله الوزير : سمع المنصور يقول : الخليفة لا يصلحه إلا التقوى ، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة ، والرعية لا يصلحها إلا العدل ، وأولى الناس بالعفو ، أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس عقلا ، من ظلم من هو دونه .
قال أبو الزاهرية سمعت أبا ثعلبة - رضي الله عنه - يقول : إني لأرجو لا يخنقني الله كما أراكم تخنقون ، فبينا هو يصلي في جوف الليل قبض وهو ساجد ، فرأت بنته أن أباها قد مات ، فاستيقظت فزعة فنادت أمها : أين أبي ؟ قالت في مصلاه ، فنادته فلم يجبها ، فأنبهته فوجدته ميتا .
لما احتضر ابن أبي سرح وهو بالرملة ، فجعل يقول من الليل : آصبحتم ؟ فيقولون : لا ، فلما كان عند الصبح قال : يا هشام إني لأجد برد الصبح فانظر ، ثم قال : اللهم اجعل خاتمة عملي الصبح ، فتوضأ ثم صلى ، فقرأ في الأولى بأم القرآن والعاديات ، وفي الأخرى بأم القرآن وسورة ، وسلم عن يمينه ، وذهب يسلم عن يساره فقبض رضي الله عنه .