فوائد من كتاب مفتاح دار السعادة 4
حكمــــــة
تأمل حال من عدم البصر وما يناله من الخلل في أموره فإنه لا يعرف موضع قدمه ولا يبصر ما بين يديه ولا يفرق بين الالوان والمناظر الحسنة من القبيحة ولا يتمكن من استفادة علم من كتاب يقرأه ولايتهيأ له الاعتبار والنظر في عجائب ملك الله هذا مع انه لا يشعر بكثير من مصالحه ومضاره فلا يشعر بحفرة يهوى فيها ولا بحيوان يقصده كالسبع فيتحرز له ولا بعدو يهوى نحوه ليقتله ولا يتمكن من هرب ان طلب بل هو ملق السلم لمن رامه باذى ولولا حفظ خاص من الله له قريب من حفظ الوليد وكلاءته لكان عطبه اقرب من سلامته.
حكمــــــة
من اين للطبيعة هذا الاختلاف والفرق الحاصل في النوع الانسان بين صوره؟ فقل ان يرى اثنان متشابهان من كل وجه وذلك من اندر ما في العالم بخلاف اصناف الحيوان كالنعم والوحوش والطير وسائر الدواب فإنك ترى السرب من الظباء والثلة من الغنم والذود من الابل والصوار من البقر تتشابه حتى لا يفرق بين واحد منهما وبين الاخر إلا بعد طول تأمل او بعلامة ظاهرة والناس مختلفة صورهم وخلقتهم فلا يكاد اثنان منهم يجتمعان في صفة واحدة وخلقة واحدة بل ولا صوت واحد وحنجرة واحدة والحكمة البالغة في ذلك ان الناس يحتاجون الى ان يتعارفوا بأعينهم وحلاهم لما يجرى بينهم من المعاملات.
حكمــــــة
تأمل هذا الصوت الخارج من الحلق وتهيئة آلاته والكلام وانتظامه والحروف ومخارجها وأدواتها ومقاطعها واجراسها تجد الحكمة الباهرة في هواء ساذج يخرج من الجوف فيسلك في أنبوبة الحنجرة حتى ينتهي الى الحلق واللسان والشفتين والاسنان فيحدث له هناك مقاطع ونهايات وأجراس يسمع له عند كل مقطع ونهاية جرس مبين منفصل عن الاخر يحدث بسببه الحرف فهو صوت واحد ساذج يجرى في قصبة واحدة حتى ينتهي الى مقاطع وحدود تسمع له منها تسعة وعشرين حرفا يدور عليها الكلام كله امره ونهيه وخبره واستخباره ونظمه ونثرة وخطبه ومواعظه وفضوله فمنه المضحك ومنه المبكي، هذا الى ما في ذلك من اختلاف الالسنة واللغات التي لا يحصيها الا الله فيجتمع الجمع من الناس من بلاد شتى فيتكلم كل منهم بلغته.
حكمــــــة
جعل الله سبحانه في الحلق منفذين احدهما للصوت والنفس الواصل الى الرئة والاخر للطعام والشراب وهو المريء الواصل الى المعدة وجعل بينهما حاجزا يمنع عبور احدهما في طريق الاخر فلو وصل الطعام من منفذ النفس الى الرئة لاهلك الحيوان ومن جعل الرئة مروحة للقلب تروح عليه لا تنى ولا تفتر لكيلا تنحصر الحرارة فيه فيهلك
حكمــــــة
جعل الله سبحانه المنافذ لفضلات الغذاء وجعل لها اشراجا تقبضها لكيلا تجرى جريا دائما فتفسد على الانسان عيشه ويمنع الناس من مجالسه بعضهم بعضا ومن جعل المعدة كأشد ما يكون من العصب لانها هيئت لطبخ الاطعمة وانضاجها فلو كانت لحما غضا لانطبخت هي ونضجت فجعلت كالعصب الشديد لتقوى على الطبخ والانضاج ولا تنهكها النار التي تحتها.
حكمــــــة
جعل الله سبحانه الاظفار على اطراف الاصابع وقاية لها وصيانة من الاعمال والصناعات ومن جعل داخل الاذن مستويا كهيئة الكوكب ليطرد فيه الصوت حتى ينتهي الى السمع الداخل وقد انكسرت حدة الهواء فلا ينكؤه وليتعذر على الهواء النفوذ اليه قبل ان يمسك وليمسك ما عساه ان يغشاها من القذى والوسخ ولغير ذلك من الحكم.
حكمــــــة
تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الاطفال وما لهم فيه من المنفعة فإن الاطباء والطبائعيين شهدوا منفعة ذلك وحكمته وقالوا في أدمغة الاطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لاحدثت احداثا عظيمة فالبكاء يسيل ذلك ويحدره من ادمغتهم فتقوى ادمغتهم وتصح وايضا فإن البكاء والعياط يوسع عليه مجاري النفس ويفتح العروق ويصابها ويقوى الاعصاب وكم للطفل من منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الالم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك فهكذا ايلام الاطفال فيه وفي اسبابه وعواقبه الحميدة من الحكم ما قد خفي على اكثر الناس.
حكمــــــة
تأمل نعمة الله على الانسان بالبيانين البيان النطقي والبيان الخطي وقد اعتد بهما سبحانه في جملة من اعتد به من نعمه علىالعبد فقال في أول سورة انزلت على رسول الله ^ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق إقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم ^ فتأمل كيف جمع في هذه الكلمات مراتب الخلق كلها وكيف تضمنت مراتب الوجودات الاربعة بأوجز لفظ واوضحه واحسنه فذكر أولا عموم الخلق وهو إعطاءالوجود الخارجي ثم ذكر ثانيا خصوص خلق الانسان لانه موضع العبرة والاية فيه عظيمة.
حكمــــــة
تأمل نعمة الله على الخلق إذ اعطاهم من العلوم المتعلقة بصلاح معاشهم ودنياهم بقدر حاجاتهم كعلم الطب والحساب وعلم الزراعة والغراس وضروب الصنائع واستنباط المياه وعقد الابنية وصنعة السفن واستخراج المعادن وتهيئتها لما يراد منها وتركيب الادوية وصنعة الاطعمة ومعرفة ضروب الحيل في صيد الوحش والطير ودواب الماء والتصرف في وجوه التجارات ومعرفة وجوه المكاسب وغير ذلك مما فيه قيام معايشهم ثم منعهم سبحانه علم ما سوى ذلك مما ليس في شأنهم ولا فيه مصلحة لهم ولا نشأتهم قابلة له كعلم الغيب وعلم ما كان وكل ما يكون والعلم بعدد القطر وامواج البحر وذرات الرمال ومساقط الاوراق.....
حكمــــــة
إن من حكمته سبحانه ما منعهم من العلم علم الساعة ومعرفة آجالهم وفي ذلك من الحكمة البالغة مالا يحتاج الى نظر فلو عرف الانسان مقدار عمره فإن كان قصير العمر لميتهنأ بالعيش وكيف يتهنأ به وهو يترقب الموت في ذلك الوقت فلولا طول الامل لخربت الدنيا وأنما عمارتها بالامال وإن كان طويل العمر وقد تحقق ذلك فهو واثق بالبقاء فلا يبالي بالانهماك في الشهوات والمعاصي وأنواع الفساد ويقول إذا قرب الوقت احدثت توبة وهذا مذهب لا يرتضيه الله تعالى عز وجل من عباده ولا يقبله منهم ولا تصلح عليه احوال العالم ولا يصلح العالم إلا على هذا الذي اقتضته حكمته وسبق في علمه.
حكمــــــة
لو لم تكن التوبة احب الاشياء اليه سبحانه لما ابتلى بالذنب اكرم المخلوقات عليه فالتوبة هي غاية كمال كل آدمي وإنما كان كمال ابيهم بها فكم بين حالة وقد قيل له إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى وبين قوله ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فالحال الاولى حال أكل وشرب وتمتع والحال الاخرى حال اجتباء واصطفاء وهداية فيما بعد ما بينهما ولما كان كماله بالتوبة كان كمال بنيه ايضا بها كما قال تعالى " ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات " فكمال الادمي في هذه الدار بالتوبة النصوح وفي الاخرة بالنجاة من النار ودخول الجنة.
حكمــــــة
إن الله سبحانه يستخرج من عبده تمام عبوديته فإن تمام العبودية هو بتكميل مقام الذل والانقياد واكمل الخلق عبودية اكملهم ذلا لله وانقيادا وطاعة والعبد ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل فهو ذليل لعزه وذليل لقهره وذليل لربوبيته فيه وتصرفه وذليل لاحسانه اليه وانعامه عليه فإن من احسن اليك فقد استعبدك وصار قبلك معبدا له وذليلا تعبد له لحاجته اليه على مدى الانفاس في جلب كل ما ينفعه ودفع كل ما يضره.
حكمــــــة
هناك نوعان من انواع التذلل والتعبد لهما اثر عجيب يقتضيان من صاحبهما من الطاعة والفوز مالا يقتضيه غيرهما احدهما ذل المحبة وهذا نوع آخر غير ما تقدم وهو خاصة المحبة ولبها بل روحها وقوامها وحقيقتها وهو المراد على الحقيقة من العبد لو فطن وهذا يستخرج من قلب المحب من انواع التقرب والتودد والتملق والايثار والرضا والحمد والشكر والصبر والتندم وتحمل العظائم مالا يستخرجه الخوف وحده ولا الرجاء وحده كما قال بعض الصحابة إنه ليستخرج محبته من قلبي من طاعته مالا يستخرجه خوفه او كما قال فهذا ذل المحبين الثاني ذل المعصية.
حكمــــــة
ان العبد يعرف حقيقة نفسه وأنها الظالمة وان ما صدر منها من شر فقد صدر من اهله ومعدنه إذ الجهل والظلم منبع الشر كله وان كل ما فيها من خير وعلم وهدى وإنابة وتقوى فهو من ربها تعالى هو الذي زكاها به وأعطاها إياه لا منها فإذا لم يشأ تزكية العبد تركه مع دواعي ظلمه وجهله فهو تعالى الذي يزكى من يشاء من النفوس فتزكو وتأتي بأنواع الخير والبر ويترك تزكية من يشاء منها فتأتي بأنواع الشر والخبث وكان من دعاء النبي اللهم آت نفسي تقوها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها.
حكمــــــة
إن الله سبحانه يعرف عبده سعة حلمه وكرمه في ستره عليه وأنه لو شاء لعاجله على الذنب ولهتكه بين عباده فلم يطب له معهم عيش ابدا ولكن جلله بستره غشاه بحلمه وقيض له من يحفظه وهو في حالته تلك بل كان شاهدا وهو يبارزه بالمعاصي والاثام وهو مع ذلك يحرسه بعينه التي لاتنام فأي حلم اعظم من هذا الحلم وأي كرم اوسع من هذا الكرم فلولا حلمه وكرمه ومغفرته لما استقرت السموات والارض في أماكنها.
حكمــــــة
إن الله سبحانه يعرف عبده كرمه سبحانه في قبول توبته ومغفرته له على ظلمه واساءته فهو الذي جاد عليه بان وفقه للتوبة والهمه إياها ثم قبلها منه فتاب عليه اولا وآخرا فتوبة العبد محفوفة بتوبة قبلها عليه من الله إذنا وتوفيقا وتوبة ثانية منه عليه قبولا ورضا فله الفضل في التوبة والكرم اولا وآخرا لا إله إلا هو.
حكمــــــة
إقامة حجة عدله سبحانه على عبده ليعلم العبد ان لله عليه الحجة البالغة فإذا اصابه ما اصابه من المكروه فلا يقال من اين هذا ولا من اين اتيت ولا باي ذنب اصبت فما أصاب العبد من مصيبة قط دقيقة ولا جليلة الا بما كسبت يداه وما يعفو الله عنه اكثر ومانزل بلاء قط الا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة ولهذا وضع الله المصائب والبلايا والمحن رحمة بين عباده يكفر بها من خطاياهم فهي من اعظم نعمه عليهم وان كرهتها انفسهم ولا يدري العبد أي النعمتين عليه اعظم نعمته عليه فيما يكره او نعمته عليه فيما يحب.
حكمــــــة
إن الجزاء من جنس العمل فمن عفا عفى الله عنه ومن سامح اخاه في إساءته اليه سامحه الله في سيئاته ومن أغضي وتجاوز تجاوز الله عنه ومن استقصى استقصى عليه ولا تنس حال الذي قبضت الملائكة روحه فقيل له هل عملت خيرا هل عملت حسنة قال ما اعلمه قيل تذكر قال كنت ابايع الناس فكنت انظر الموسر واتجاوز عن المعسر او قال كنت امر فتياني ان يتجاوزوا في السكة فقال الله نحن احق بذلك منك وتجاوز الله عنه فالله عز وجل يعامل العبد في ذنوبه بمثل ما يعامل به العبد الناس في ذنوبهم فإذا عرف العبد ذلك كان في ابتلائه بالذنوب من الحكم والفوائد ما هو انفع الاشياء له.
حكمــــــة
يجب أن يخلع صولة الطاعة من قلبه وينزع عنه رداء الكبر والعظمة الذي ليس له ويلبس ردءا الذل والانكسار والفقر والفاقة فلو دامت تلك الصولة والعزة في قلبه لخيف عليه ما هو من اعظم الافات فكم بين آثار العجب والكبر وصولة الطاعة وبين آثار الذل والانكسار فما لبس العبد ثوبا اكمل عليه ولا احسن ولا ابهى من ثوب العبودية وهو ثوب المذلة الذي لا عزله بغيره.
حكمــــــة
ان لله عز وجل على القلوب انواعا من العبودية من الخشية والخوف والاشفاق وتوابعها من المحبة والانابة وابتغاء الوسيلة اليه وتوابعها وهذه العبوديات لها اسباب تهيجها وتبعث عليها فكلما قيضه الرب تعالى لعبده من الاسباب الباعثة على ذلك المهيجة له فهو من اسباب رحمته له ورب ذنب قد هاج لصاحبه من الخوف والاشفاق والوجل ولانابة والمحبة والايثار والفرار الى الله مالا يهيجه له كثير من الطاعات.
حكمــــــة
كم من ذنب كان سببا لاستقامة العبد وفراره الى الله وبعده عن طرق الغي وهو بمنزلة من خلط فأحس بسوء مزاجه وكان عنده اخلاط مزمنة قاتلة وهو لا يشعر بها فشرب دواء ازال تلك الاخلاط العفنة التي لو دامت لترامت به الى الفساد والعطب وان من تبلغ رحمته ولطفه وبره بعبده هذا المبلغ وما هو اعجب والطف منه لحقيق بان يكون الحب كله له والطاعات كلها له وان يذكر فلا ينسى ويطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر.
حكمــــــة
يجب أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وفضله في توفيقه له وحفظه إياه فإنه من تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى ولا يعرف مقدار النعمة فلو عرف اهل طاعة الله انهم هم المنعم عليهم في الحقيقة وان الله عليهم من الشكر اضعاف ما على غيرهم وان تسودوا التراب ومضغوا الحصى فهم اهل النعمة المطلقة وان من خلى الله بينه وبين معاصيه فقد سقط من عينه وهان عليه وان ذلك ليس من كرامته على ربه وان وسع الله عليه في الدنيا ومد له من اسبابها فإنهم اهل الابتلاء على الحقيقة.
حكمــــــة
ان التوبة توجب للتائب آثارا عجيبة من المقامات التي لا تحصل بدونها فتوجب له من المحبة والرقة واللطف وشكر الله وحمده والرضا عنه عبوديات أخر فإنه إذا تاب الى الله تقبل الله توبته فرتب له على ذلك القبول انواعا من النعم لا يهتدي العبد لتفاصيلها بل يزال يتقلب في بركتها وآثارها مالم ينقضها ويفسدها.
حكمــــــة
ان الله سبحانه يحبه ويفرح بتوبته اعظم فرح وقد تقرر ان الجزاء من جنس العمل فلا ينسى الفرحة التي يظفر بها عند التوبة النصوح وتامل كيف تجدالقلب يرقص فرحا وأنت لا تدري بسبب ذلك الفرح ما هو وهذا امر لا يحس به الا حيي القلب وأما ميت القلب فإنما يجد الفرح عند ظفره بالذنب ولا يعرف فرحا غيره فوازن إذا بين هذين الفرحين وانظر ما يعقبه فرح الظفر بالذنب من انواع الاحزان والهموم والغموم والمصائب فمن يشتري فرحة ساعة بغم الابدو انظر ما يعقبه فرح الظفر بالطاعة والتوبة النصوح من الانشراح الدائم والنعيم وطيب العيش ووازن بين هذا وهذا ثم اختر ما يليق بك ويبسابك وكل يعمل على شاكلته وكل امرئ يصبو الى ما يناسبه.
حكمــــــة
إذا شهد العبد ذنوبه ومعاصيه وتفريطه في حق ربه استكثر القليل من نعم ربه عليه ولا قليل منه لعلمه ان الواصل اليه فيها كثير على مسيء مثله واستقل الكثير من عمله لعلمه بان الذي ينبغي ان يغسل به نجاسته واوضاره واوساخه اضعاف ما اتي به فهو دائما مستقل لعلمه كائنا ما كان مستكثر لنعمة الله عليه وإن دقت.
حكمــــــة
ان القلب يكون ذاهلا عن عدوه معرضا عنه مشتغلا ببعض مهماته فإذا اصابه سهم من عدوه استجمعت له قوته وحاسته وحميته وطلب بثاره إن كان قلبه حرا كريما كالرجل الشجاع إذا جرح فإنه لا يقوم له شيء بل تراه بعدها هائجا طالبا مقداما والقلب الجبان المهين إذا جرح كالرجل الضعيف المهين إذا جرح ولى هاربا والجراحات في اكتافه وكذلك الاسد إذا جرح فإنه لا يطاق فلا خير فيمن لا مروءة له يطلب اخذ ثاره من اعدى عدوه فما شيء اشفى للقلب من اخذه بثاره من عدوه ولاعدو اعدى له من الشيطان.
حكمــــــة
قال عمر بن الخطاب إنما تنقض عرى الاسلام عروة عروة إذا نشأ فيالاسلام من لا يعرف الجاهلية ولهذا كان الصحابة اعرف الامة بالاسلام وتفاصيله وابوابه وطرقه وأشد الناس رغبة فيه ومحبة له وجهادا لاعدائه وتكلما بأعلامهبالامة وتحذيرا من خلافه لكمال علمهم بضده فجاءهم الإسلام وكل خصلة منه مضادة لكل خصلة مما كانوا عليه فازدادوا له معرفة وحبا وفيه جهادا بمعرفتهم بضده وذلك بمنزلة من كان في حصر شديد وضيق ومرض وفقر وخوف ووحشة فقيض الله له من نقله منه الى فضاء وسعة وأمن وعافية وغنى وبهجة وسرور فإنه يزداد سروره وغبطته ومحبته بما نقل اليه بحسب معرفته بما كان فيه.
حكمــــــة
ان الله سبحانه يذيق عبده الم الحجاب عنه والعبد وزوال ذلك الانس والقرب ليمتحن عبده فإن اقام على الرضا بهذه الحال ولم يجد نفسه تطالبه حالها الاول مع الله بل اطمأنت وسكنت الى غيره علم انه لا يصلح فوضعه في مرتبته التي تليق به وإن استغاث استغاثة الملهوف وتقلق تقلق المركوب ودعا دعاء المضطر وعلم انه قد فاتته حياته حقا فهو يهتف بربه ان يردعليه حياته ويعيد عليه مالا حياة له بدونه علم انه موضع لما اهل له فرد عليه احوج ما هو اليه فعظمت به فرحته وكملت به لذته وتمت به نعمته واتصل به سروره وعلم حينئذ مقداره فعض عليه بالنواجذ.
حكمــــــة
ان الحكمة الالهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الانسان وهاتان القوتان فيه بمنزلة صفاته الذاتية لا ينفك عنهما وبهما وقعت المحنة والابتلاء وعرض لنيل الدرجات العلى واللحاق بالرفيق الاعلى والهبوط الى اسفل سافلين فهاتان القوتان لا يدعان العبد حتى ينيلانه منازل الابرار او يضعانه تحت اقدام الأشرار ولن يجعل الله من شهوته مصروفة الى ما اعد له في دار النعيم وغضبه حمية لله ولكتابه ولرسوله ولدينه كمن جعل شهوته مصروفة في هواه وامانيه العاجلة وغضبه مقصور على حظه ولو انتهكت محارم الله وحدوده وعطلت شرائعه وسننه بعد ان يكون هو ملحوظا بعين الاحترام والتعظيم والتوقير ونفوذ الكلمة وهذه حال اكثر الرؤساء اعاذنا الله منها.
حكمــــــة
قال بعض السلف ان العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة ويعمل الحسنة فيدخل بها النارقالوا وكيف ذلك قال يعمل الخطيئة فلاتزال نصب عينيه كلما ذكرها بكى وندم وتاب واستغفر وتضرع وأناب الى الله وذل له وانكسر وعمل لها اعمالا فتكون سبب الرحمة في حقه ويعمل الحسنة فلاتزال نصب عينيه يمن بها ويراها ويعتد بها على ربه وعلى الخلق ويتكبر بها ويتعجب من الناس كيف لا يعظمونه ويكرمونه ويجلونه عليها فلا تزال هذه الامور به حتى تقوى عليه آثارها فتدخله النار.
حكمــــــة
ان شهود العبد ذنوبه وخطاياه موجب له ان لا يرى لنفسه على احد فضلا ولا له على احد حقا فإنه يشهد عيوب نفسه وذنوبه فلا يظن انه خير من مسلم يؤمن بالله ورسوله ويحرم ما حرم الله ورسوله وإذا شهد ذلك من نفسه لم يرلها على الناس حقوقا من الاكرم يتقاضاهم اياها ويذمهم على ترك القيام بها فإنها عنده اخس قدرا واقل قيمة من ان يكون له بها على عباد الله حقوق يجب عليهم مراعاتها او له عليهم فضل يستحق ان يكرم ويعظم ويقدم لاجلها.
حكمــــــة
يوجب للعبد الامساك عن عيوب الناس والفكر فيها فإنه في شغل بعيب نفسه فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس هذا من علامة الشقاوة كما ان الاول من امارات السعادة ومنها انه إذا وقع في الذنب شهد نفسه مثل اخوانه الخطائين وشهد ان المصيبة واحدة والجميع مشتركون في الحاجة بل في الضورروة الى مغفرة الله وعفوه ورحمته فكما يحب ان يستغفر له اخوه المسلم كذلك هو ايضا ينبغي ان يستغفر لاخيه المسلم.
حكمــــــة
كان بعض السلف يستحب لكل احد ان يداوم على هذا الدعاء كل يوم سبعين مرة فيجعل له منه وردا لا يخل به وسمعت شيخنا يذكره وذكر فيه فضلا عظيما لا احفظه وربما كان من جملة اوراده التي لا يخل بها وسمعته يقول ان جعله بين السجدتين جائز فإذا شهدالعبد ان اخوانه مصابون بمثل ما اصيب به محتاجون الى ما هو محتاج اليه لم يمتنع من مساعدتهم الا لفرط جهل بمغفرة الله وفضله وحقيق بهذا ان لا يساعد فإن الجزاء من جنس العمل وقد قال بعض السلف إن الله لما عتب علىالملائكة بسبب قولهم " اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " وامتحن هاروت وماروت بما امتحنهما به جعلت الملائكة بعد ذلك تستغفر لبني آدم وتدعوالله لهم.
حكمــــــة
ان العبد إذا شهد نفسه مع ربه مسيئا خاطئا مفرطا مع فرط إحسان الله اليه في كل طرفة عين وبره به ودفعه عنه وشدة حاجته الى ربه وعدم استغنائه عنه نفسا واحدا وهذه حاله معه فكيف يطمع ان يكون الناس معه كما يحب وان يعاملوه بمحض الاحسان وهو لم يعامل ربه بتلك المعاملة وكيف يطمع ان يطيعه مملوكه وولده وزوجته في كل ما يريد ولا يعصونه لا يخلون بحقوقه وهو مع ربه ليس كذلك وهذا يوجب له ان يستغفر لمسيئهم ويعفو عنه ويسامحه ويغضي عن الاستقصاء في طلب حقه فهذه الاثمار ونحوها متى اجتناها العبد من الذنب فهي علامة كونه رحمة في حقه ومن اجتنى منه اضدادها واوجبت له خلاف ما ذكرناه فهي والله علامة الشقاوة وأنه من هوانه على الله وسقوطه من عينه خلى بينه وبين معاصيه ليقيم عليه حجة عدله فيعاقبه باستحقاقه.
حكمــــــة
إذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به الى اجل الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوايعبرون اليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل الى عبورهم الى الجنة إلا عليه وكان ذلك الابتلاء ولامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة فصورته صورة ابتلاء وامتحان وباطنه فيه الرحمة والنعمة.
حكمــــــة
تأمل حال ابينا الثاني نوح وما آلت اليه محنته وصبره على قومه تلك القرون كلها حتى اقر الله عينه واغرق اهل الارض بدعوته وجعل العالم بعده من ذريته وجعله خامس خمسة وهم اولو العزم الذين هم افضل الرسل وأمر رسوله ونبيه محمدا ان يصبر كصبره واثنى عليه بالشكر فقال " إنه كان عبدا شكورا " فوصفه بكمال الصبر والشكر.
حكمــــــة
تأمل حال ابينا الثالث إبراهيم إمام الحنفاء وشيخ الانبياء وعمود العالم وخليل رب العالمين من بني آدم وتأمل ما آلت اليه محنته وصبره وبذله نفسه لله وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه ونصره دينه الىان اتخذه الله خليلا لنفسه وامر رسوله وخليله محمدا ان يتبع ملته وأنبهك على خصلة واحدة مما اكرمه الله به في محنته بذبح ولده فإن الله تبارك وتعالى جازاه على تسليمه ولده لأمر الله بان بارك في نسله وكثرة حتى ملأ السهل والجبل.
حكمــــــة
إن الله تبارك وتعالى لا يتكرم عليه احد وهو اكرم الاكرمين فمن ترك لوجهه امرا او فعله لوجهه بذل الله له اضعاف ما تركه من ذلك الامر اضعافا مضاعفة وجازاه باضعاف ما فعله لاجله اضعافا مضاعفة فلما أمر إبراهيم بذبح ولده فبادر لامر الله ووافق عليه الولد أباه رضاء منهما وتسليما وعلم الله منهما الصدق والوفاء فداه بذبح عظيم واعطاهما ما اعطاهما من فضله وكان من بعض عطاياه ان بارك في ذريتهما حتى ملؤا الارض فإن المقصود بالولد إنما هو التناسل وتكثير الذرية.
حكمــــــة
إذا جئت الى النبي صلى الله عليه وسلم وتأملت سيرته مع قومه وصبره في الله واحتماله مالم يحتمله نبي قبله وتلون الاحوال عليه من سلم وخوف وغني وفقر وأمن وإقامة في وطنه وظعن عنه وتركه لله وقتل احبابه واوليائه بين يديه واذى الكفار له بسائر انواع الاذى من القول والفعل والسحر والكذب والافتراء عليه والبهتان وهو مع ذلك كله صابر على امر الله يدعو الى الله فلم يؤذ نبي ما أوذي ولم يحتمل في الله ما احتمله ولم يعط نبي ما اعطيه فرفع الله له ذكره وقرن اسمعه باسمه وجعله سيدالناس كلهم وجعله اقرب الخلق اليه وسيلة واعظمهم عنده جاها واسمعهم عنده شفاعة وكانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته.
حكمــــــة
تأمل الحكمة الباهرة في هذا الدين القويم والملة الحنيفية والشريعة المحمدية التي لا تنال العبارة كمالها ولا يدرك الوصف حسنها ولا تقترح عقول العقلاء ولو اجتمعت وكانت على اكمل عقل رجل منهم فوقها وحسب العقول الكاملة الفاضلة ان ادركت حسنها وشهدت بفضلها وانه ما طرق العالم شريعة اكمل ولا اجل ولا اعظم منها فهي نفسها الشاهد والمشهود له والحجة والمحتج له والدعوى والبرهان ولو لم يأت الرسول ببرهان عليها لكفى بها برهانا وآية وشاهدا على انها من عند الله وكلها شاهدة له بكمال العلم وكمال الحكمة وسعة الرحمةوالبر والاحسان والاحاطة بالغيب والشهادة والعلم بالمباديء والعواقب.
حكمــــــة
قال تعالى " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين " وقال معرفا لعباده ومذكرا لهم عظيم نعمته عليهم مستدعيا منهم شكره على ان جعلهم من اهلها " اليوم اكملت لكم دينكم " الاية وتأمل كيف وصف الدين الذي اختاره لهم بالكمال والنعمة التي اسبغها عليهم بالتمام إيذانا في الدين بأنه لا نقص فيه ولا عيب ولا خلل ولا شيء خارجا عن الحكمة بوجه بل هو الكامل في حسنه وجلالته ووصف النعمة بالتمام إيذانا بدوامها واتصالها وأنه لا يسلبهم إياها بعد إذ أعطاهموها بل يتمها لهم بالدوام في هذه الدار وفي دار القرار.
حكمــــــة
قال تعالى " اليوم اكملت لكم دينكم " الاية تأمل حسن اقتران التمام بالنعمة وحسن اقتران الكمال بالدين وإضافة الدين اليهم إذ هم القائمون به المقيمون له وأضاف النعمة اليه إذ هو وليها ومسديها والمنعم بها عليهم فهي نعمته حقا وهم قابلوها واتى في الكمال باللام المؤذنة بالاختصاص وأنه شيء خصوا به دون الامم وفي إتمام النعمة بعلى المؤذنة بالاستعلاء والاشتمال والاحاطة فجاء اتممت في مقابلة أكملت وعليكم في مقابلة لكم ونعمتي في مقابلة دينكم واكد ذلك وزاده تقريرا وكمالا وإتماما للنعمة بقوله " ورضيت لكم الاسلام دينا ".
حكمــــــة
قد شهدت الفطر والعقول بأن للعالم ربا قادرا حليما عليما رحيما كاملا في ذاته وصفاته لا يكون إلا مريدا للخير لعباده مجريا لهم على الشريعة والسنة الفاضلة العائدة باستصلاحهم الموافقة لما ركب في عقولهم من استحسان الحسن واستقباح القبيح وما جبل طباعهم عليه من إيثار النافع لهم المصلح لشأنهم وترك الضار المفسد لهم وشهدت هذه الشريعة له بأنه احكم الحاكمين وأرحم الراحمين وانه المحيط بكل شيء علما.
حكمــــــة
إن حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية فوق حاجتهم إلى كل شيء ولا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها إلا ترى أن أكثر العالم يعيشون بغير طبيب ولا يكون الطبيب إلا في بعض المدن الجامعة وأما أهل البدو كلهم وأهل الكفور كلهم وعامة بني آدم فلا يحتاجون إلى طبيب وهم أصح أبدانا وأقوى طبيعة ممن هو متقيد بالطبيب ولعل أعمارهم متقاربة وقد فطر الله بني آدم على تناول ما ينفعهم واجتناب ما يضرهم وجعل لكل قوم عادة وعرفا في استخراج ما يهجم عليهم من الأدواء حتى أن كثيرا من أصول الطب إنما أخذت عن عوائد الناس وعرفهم وتجاربهم.
حكمــــــة
إن الشريعة مبناها على تعريف مواقع رضى الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية فمبناها على الوحي المحض والحاجة إلى التنفس فضلا عن الطعام والشراب لأن غاية ما يقدر في عدم التنفس والطعام والشراب موت البدن وتعطل الروح عنه وأما ما يقدر عند عدم الشريعة ففساد الروح والقلب جملة وهلاك الأبدان وشتان بين هذا وهلاك البدن بالموت فليس الناس قط إلى شيء أحوج منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول والقيام به والدعوة إليه والصبر عليه وجهاد من خرج عنه حتى يرجع إليه وليس للعالم صلاح بدون ذلك البتة ولا سبيل إلى الوصول إلى السعادة والفوز الأكبر إلا بالعبور على هذا الجسم.
حكمــــــة
إن الصلاة قد وضعت على أكمل الوجوه وأحسنها التي تعبد بها الخالق تبارك وتعالى عباده من تضمنها للتعظيم له بأنواع الجوارح من نطق اللسان وعمل اليدين والرجلين والرأس وحواسه وسائر أجزاء البدن كل يأخذ لحظه من الحكمة في هذه العبادة العظيمة المقدار مع أخذ الحواس الباطنة بحظها منها وقيام القلب بواجب عبوديته فيها فهي مشتملة على الثناء والحمد والتمجيد والتسبيح والتكبير وشهادة الحق والقيام بين يدي الرب مقام العبد الذليل الخاضع.
حكمــــــة
إن الصوم ناهيك به من عبادة تكف النفس عن شهواتها وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين فإن النفس إذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم فإذا كفت شهواتها لله ضيقت مجاري الشيطان وصارت قريبة من الله بترك عادتها وشهواتها محبة له وإيثارا لمرضاته وتقربا إليه فيدع الصائم أحب الأشياء إليه وأعظمها لصوقا بنفسه من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه فهو عبادة ولا تتصور حقيقتها إلا بترك الشهوة لله فالصائم يندع طعامه وشرابه وشهواته من أجل ربه وهذا معنى كون الصوم له تبارك وتعالى.
حكمــــــة
إن الحج فشأن آخر لا يدركه إلا الحنفاء الذين ضربوا في المحبة بسهم وشأنه أجل من أن تحيط به العبارة وهو خاصة هذا الدين الحنيف حتى قيل في قوله تعالى " حنفاء لله غير مشركين " أي حجاجا وجعل الله بيته الحرام قياما للناس فهو عمود العالم الذي عليه بناؤه فلو ترك الناس كلهم الحج سنة لخرت السماء على الأرض هكذا قال ترجمان القرآن ابن عباس.
حكمــــــة
إن البيت الحرام قيام العالم فلا يزال قياما ما زال هذا البيت محجوجا فالحج هو خاصة الحنيفة ومعونة الصلاة وسر قول العبد لا إله إلا الله فإنه مؤسس على التوحيد المحض والمحبة الخالصة وهو استزارة المحبوب لأحبابه ودعوتهم إلى بيته ومحل كرامته ولهذا إذا دخلوا في هذه العبادة فشعارهم لبيك اللهم لبيك إجابة محب لدعوة حبيبه ولهذا كان للتلبية موقع عند الله وكلما أكثر العبد منها كان أحب إلى ربه وأحظى.
حكمــــــة
إن عبادة الجهاد هي سنام العبادات وذروتها وهو المحك والدليل المفرق بين المحب والمدعى فالمحب قد بذل مهجته وماله لربه وإلهه متقربا إليه ببذل أعز ما بحضرته يود لو أن له بكل شعرة نفسا يبذلها في حبه ومرضاته ويود أن لو قتل فيه ثم أحي ثم قتل ثم أحي فهو يفدي ثم قتل بنفسه حبيبه وعبده ورسوله فهو قد سلم نفسه وماله لمشتريها وعلم أنه لا سبيل إلى أخذ السلعة إلا ببذل ثمنها " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ".
حكمــــــة
قال بعض الأعراب وقد سئل بم عرفت أنه رسول الله فقال ما أمر بشيء فقال العقل ليته ينهى عنه ولا نهى عن شيء فقال ليته أمر به فهذا الأعرابي أعرف بالله ودينه ورسوله من هؤلاء وقد اقر عقله وفطرته بحسن ما أمر به وقبح ما نهى عنه حتى كان في حقه من أعلام نبوته وشواهد رسالته ولو كان جهة كونه معروفا ومنكرا هو الأمر المجرد لم يكن فيه دليل بل كان يطلب له الدليل من غيره ومن سلك ذلك المسلك الباطل لم يمكنه أن يستدل على صحة نبوته بنفس دعوته ودينه.
حكمــــــة
قال تعالى حاكيا عن صاحب ياسين أنه قال لقومه محتجا عليهم بما تقر به فطرهم وعقولهم " ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون " فتأمل هذا الخطاب كيف تجد تحته أشرف معنى وأجله وهو أن كونه سبحانه فاطرا لعباده يقتضي عبادتهم له وأن من كان مفطورا مخلوقا فحقيق به أن يعبد فاطره وخالقه ولا سيما إذا كان مرده إليه فمبدأه منه ومصيره إليه وهذا يوجب عليه التفرغ لعبادته.
حكمــــــة
قال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " فذكر توحيده وذكر المناهي التي نهاهم عنها والأوامر التي أمرهم بها ثم ختم الآية بقوله " كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها " أي مخالفة هذه الأوامر وارتكاب هذه المناهي سيئة مكروهة لله فتأمل قوله سيئة عند ربك مكروها أي أنه سيء في نفس الأمر عند الله حتى لو لم يرد به تكليف لكان سيئه في نفسه عند الله مكروها له.
حكمــــــة
قال تعالى " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش " أي لو كان في السموات والأرض آلهة تعبد غير الله لفسدتا وبطلتا ولم يقل أرباب بل قال آلهة والإله هو المعبود المألوه وهذا يدل على أنه من الممتنع المستحيل عقلا أن يشرع الله عبادة غيره أبدا وإنه لو كان معه معبود سواه لفسدت السماوات والأرض فقبح عبادة غيره قد استقر في الفطر والعقول.
حكمــــــة
إن الله تعالى أنكر على من نسب إلى حكمته التسوية بين المختلفين كالتسوية بين الأبرار والفجار فقال تعالى " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " وقال تعالى " أم حسب الذين اجتر حوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " فدل على أن هذا حكم سيء قبيح ينزه الله عنه ولم ينكره سبحانه من جهة أنه أخبر بأنه لا يكون وإنما أنكره من جهة قبحه في نفسه وإنه حكم سيء يتعالى ويتنزه عنه لمنافاته لحكمته وغناه وكماله ووقوع أفعاله كلها على السداد والصواب والحكمة.
حكمــــــة
قال تعالى " أيحسب الإنسان أن يترك سدى " قال الشافعي رحمه الله أي مهملا لا يؤمر ولا ينهى وقال غيره لا يثاب ولا يعاقب والقولان واحد لأن الثواب والعقاب غاية الأمر والنهى فهو سبحانه خلقهم للأمر والنهى في الدنيا والثواب والعقاب في الآخرة فأنكر سبحانه على من زعم أنه يترك سدى إنكار من جعل في العقل استقباح ذلك واستهجانه وأنه لا يليق أن ينسب ذلك إلى احكم الحاكمين.
حكمــــــة
قال تعالى في الخمر والميسر " قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " فالربا والظلم والفواحش والسحر وشرب الخمر وإن كانت شرورا ومفاسد ففيها منفعة ولذة لفاعلها ولذلك يؤثرها ويختارها وإلا فلو تجردت مفسدتها من كل وجه لما أثرها العاقل ولا فعلها أصلا ولما كانت خاصة العقل النظر إلى العواقب والغايات كان أعقل الناس أتركهم لما ترجحت مفسدته في العاقبة وإن كانت فيه لذة ما ومنفعة يسيرة بالنسبة إلى مضرته.
حكمــــــة
قال تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شرا لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " فبين أن الجهاد الذي أمروا به وإن كان مكروها للنفوس شاقا عليها فمصلحته راجحة وهو خير لهم وأحمد عاقبة وأعظم فائدة من التقاعد عنه وإيثار البقاء والراحة فالشر الذي فيه مغمور بالنسبة إلى ما تضمنه من الخير وهكذا كل منهي عنه فهو راجح المفسدة وإن كان محبوبا للنفوس موافقا للهوى فمضرته ومفسدته أعظم مما فيه من المنفعة.
حكمــــــة
عن ابن مسعود: فالطيرة إنما تصيب المتطير لشركه والخوف دائما مع الشرك وإلا من دائما مع التوحيد قال تعالى حكاية عن خليله إبراهيم أنه قال في محاجته لقومه " وكيف أخاف ما أشركتم به ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون فحكم الله عز وجل بين الفريقين بحكم فقال الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ".
حكمــــــة
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فر من المجذوم فرارك من الأسد وأرسل إلى ذلك المجذوم أنا قد بايعناك فارجع وأخذ بيد مجذوم فوضعها في القصعة وقال كل ثقة بالله وتوكلا عليه.وأن غاية ذلك أن مخالطة المجذوم من أسباب العدوى وهذا السبب يعارضه أسباب آخر تمنع اقتضاءه فمن أقواها التوكل على الله والثقة به فأنه يمنع تأثير ذلك السبب المكروه.