9. فوائد من كتاب بهجة المجالس
حكمــــــة
دخل عمرو بن حريث على أبي العريان الهيثم بن الاسود النخعي يعوده ويزوره، فقال: كيف تجدك يا أبا العريان؟ قال أجدني قد ابيض مني ما كنت أحب أن يسود، واسود مني ما كنت أحب أن يبيض، ولأن مني ما كنت أحب أن يشتد، واشتد مني ما كنت أحب أن يلين. وزاد غيره في هذا الخبر: وأجدني يسبقني من بين يدي، ويدركني من خلفي، وأنسي الحديث، وأذكر القديم، وأنعس في الملاء، وأسهر في الخلاء، وإذا قمت قربت الأرض مني، وإذا قعدت بعدت عني.
حكمــــــة
كان جندب بن عبد الله الأنصاري صديقاً لعبد الله بن عباس، فقال له حين ودعه: أوصني يا ابن عباس، فإني لا أدري أنجتمع بعدها أم لا. فقال: أوصيك يا جندب ونفسي بتوحيد الله، وإخلاص العمل لله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ فإن كل خير أتيت بعد هذه الخصال مقبول، وإلى الله مرفوع، ومن لم يكمل هذه الأعمال رد عليه ما سواها. وكن في الدنيا كالغريب المسافر، واذكر الموت، ولتهن الدنيا عليك، فكأنك قد فارقتها وصرت إلى غيرها، واحتجت إلى ما قدمت، ولم تنتفع بشيء مما خلقت. فم افترقا.
حكمــــــة
أوصى أعرابي انبه فقال: يا بني اغتنم مسالمة من لا يدان لك بمحاربته، وليكن هربك من السلطان إلى الوحش في الفيافي وأطراف البلدان، حيث تأمن سعاية الساعي، وطمع الطامع منك، ولا تغرنك بشاشة امرئٍ حتى تعلم ما وراءها؛ فإن دفائن الناس في صدورهم، وخدعهم في وجوههم، ولتكن شكاتك الدهر، إلى رب الدهر، واعلم أن الله إذا أراد بك خيراً أو شراً أمضاه فيك على ما أحب العباد أو كرهوا، وأرح نفسك من التعب بقبول القيل والقال، فإن كلمة السوء حبة القلب، كما أن الحنطة حبة الأرض، إذا أصابها الماء نبتت، وكذلك الكلمة السوء إذا زرعت في صدرك نبتت منها الضغائن والبغضاء والعداوة.
حكمــــــة
لما التقى هرم بن حيان بأويس القرني، كان فيما أوصاه ووعظه به أن قال: يا هرم! توسد الموت إذا بت، واجعله أمامك إذا قمت، ولا تنظر إلى صغر ذنبك، ولكن انظر من عصيت، ومن عظم أمر الله فقد عظم الله. يا هرم! ادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك، فإنك لم تعالج شيئاً هو أشد عليك منهما، بينما قلبك مقبل إذ أدبر، فاغتنم إقباله قبل إداره.
حكمــــــة
قال وبرة: أوصاني عبد الله بن عباس بكلماتٍ لهي أحب إلى من الدهم الموقفة في سبيل الله. قال: إياك والكلام فيما لا يعنيك، فإنه إثم ولا آمن عليك فيه الوزر، وإياك والكلام فيما يعنيك في غير موضعه، فرب مسلم تقي تكلم بما يعنيه في غير موضعه فعنت. فلا تمار سفيهاً ولا فقيهاً. فأما السفيه فيوذيك، وأما الفقيه فيغلبك، واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن تذكر به، واعمل عمل رجلٍ يعلم أنه مكافأ بالإحسان، مجازيً بالإجرام.
حكمــــــة
قال عبد الملك بن مروان لمؤدب بنيه: إنه -والله- ما يخفى علي ما تعلمهم وتلقيه إليهم، فاحفظ عني ما أوصيك به: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، واحملهم على الأخلاق الجميلة، وعلمهم الشعر يسمحوا ويمجدوا وينجدوا، وجنبهم شعر عروة بن الورد، فإنه يحمل على البخل، وأطعمهم اللحم يقووا ويشجعوا، وجز شعورهم تغلظ رقابهم، وجالس بهم أشراف الناس وأهل العلم منهم، فإنهم أحسن الناس أدباً وهدياً، ومرهم فليستا كوا، وليمصوا الماء مصاً، ولا يعبوه عباً، ووقرهم في العلانية، وأدبهم في السر، واضربهم على الكذب كما تضربهم على القرآن، فإن الكذب يدعو إلى الفجور، والفجور يدعو إلى النار، وجنبهم شتم أعراض الرجال، فإن الحر لا يجد من شتم عرضه عوضاً، وإذا ولوا أمراً فامنعهم من ضرب الأبشار؛ فإنه على صاحبه عار باق ووتر مطلوب، واحثثهم على صلة الرحم. واعلم أن الأدب أولى بالغلام من النسب.