فوائـد من كتـاب الليالى والأيام
حكمــــــة
عن عبد الله بن عباس يقول: إنكم من الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة من زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثلما زرع لا يسبق بطيء بحظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له فمن أعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقي شرا فالله وقاه المتقون سادة والعلماء قادة ومجالستهم ريادة.
حكمــــــة
عن مجاهد قال: ما من يوم إلا يقول: ابن ىدم قد دخلت عليك اليوم ولن أرجع إليك بعد اليوم فانظر ماذا تعمل في فإذا انقضى طواه ثم يختم عليه فلا يفك حتى يكون الله هو الذي يفض ذلك الخاتم يوم القيامة ويقول اليوم حين ينقضي: الحمد لله الذي أراحني من الدنيا وأهلها ولا ليلة تدخل على الناس إلا قالت كذلك !
حكمــــــة
كان مفضل بن يونس إذا جاء الليل قال: ذهب من عمري يوم كامل ! فإذا أصبح قال: ذهبت ليلة كاملة من عمري، فلما احتضر بكى وقال: قد كنت اعلم أن لي من كركما علي يوما شديدا كربه شديدا غصصه شديدا غمه شديدا علزه فلا إله إلا الذي قضى الموت على خلقه وجعله عدلا بين عباده ثم جعل يقرأ القرآن: " الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور " ثم تنفس فمات
حكمــــــة
كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والانشمار بما استطعت من مالك وما رزقك الله إلى دار قرارك فكأنك والله قد ذقت الموت وعانيت ما بعده بتصريف الليل والنهار فإنهما سريعان في طي الأجل ونقص العمر مستعدان لمن بقي بمثل الذي قد اصابا به من مضى فنستغفر الله لسيء أعمالنا ونعوذ بالله من مقته إيانا ما يعظ به مما نقصر عنه.
حكمــــــة
عن محمد بن إشكاب الصفار قال: حدثني رجل من أهله -: يعني أهل داود الطائي - قال: قلت له يوما: يا أبا سليمان قد عرفت الذي بيننا فأوصني قال: فدمعت عيناه ثم قال: يا أخي غنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم فإن استطعت ان يقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو والأمر أعجل من ذلك فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك فكأنك بالأمر قد بغتك إني أقول لك هذا وما أعلم أحدا أشد تضييعا مني لذلك ثم قام.
حكمــــــة
عن أبي عبد الله اليماني: عن أبيه: أن الحسن كتب إلى مكحول - وكان له نعي - فكان في كتابه إليه: واعلم رحمنا الله وإياك أبا عبد الله أنك اليوم أقرب إلى الموت يوم نعيت له ولم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار وتقريب الآجال هيهات هيهات ! قد صحبا نوحا وعادا وثمودا " وقرونا بين ذلك كثيرا " فأصبحوا قد قدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم فأصبح الليل والنهار غضين جديدين لم يبلهما ما مرا به مستعدين لمن بقي بمثل ما أصابا به من مضى وأنت نظير إخوانك وأقرانك وأشباهك مثلك كمثل جسد نزعت قوته فلم تبق إلا حشاشة نفسه ينتظر الداعي فنعوذ بالله من مقته إيانا فيما يعظ به مما نقصر عنه
حكمــــــة
عن عمر بن ذر قال: اعملوا لأنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار والمحروم من حرم خيرهما إنما جعلا سبيلا للمؤمنين إلى طاعة ربهم ووبالا على الآخرين للغفلة عن أنفسهم فأحيوا لله أنفسهم بذكره فإنما تحيا القلوب بذكر الله كم من قائم لله في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته؟ وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله للعابدين غدا؟ فاغتنموا ممر الساعات والليالي والأيام رحمكم الله.
حكمــــــة
كتب رجل إلى أخ له: أما بعد فإني أحدثك عن نفسي بما لا أرضاه منها وعن قلبي بما أخاف سوء عاقبته إن لي نفسا تحب الدعة وقلبا يألف اللذات وهمة تستثقل الطاعة ! وقد رهبت نفسي الآفات وحذرت قلبي الموت وزجرت همتي عن التقصير فلم أرض ما رجع منهن فاهد لي بعض ما أستعين به على ما شكوت إليك فقد خفت الموت قبل الاستعداد له والسلام. فكتب إليه: أما بعد فقد كثر تعجبي من قلب يألف الدنيا ويطمع في البقاء ! الساعات تنقلنا والأيام تطوي أعمارنا فكيف نألف ما لا ثبات له؟ وكيف تنعم عين لعلها لا تطرف بعد رقدتها إلا بين يدي الله؟ والسلام.
حكمــــــة
عن أبي مسلم بن سعيد قال: كنا جلوسا في مجلس من مجالس بني حنيفة فمر بنا أعرابي كهيئة المهموم فسلم وانطلق ثم أقبل علينا فقال: معشر العرب ! قد سئمت لتكرار الليالي والأيام ودورها علي فهل من شيء يدفع عني سآمة ذلك أو يسلي عني بعض ما أجد من ذلك؟ ثم ولى غير بعيد ثم أقبل علينا فقال: واها لقلوب نقية من الآثام ! واها لجوارح مسارعة إلى طاعة الرحمن ! أولئك الذين لم يملوا الدنيا لتوسلهم منها بالطاعة إلى ربهم ولما يكرهوا الموت إذا نزل بهم لما يرجون من البركة في لقاء سيدهم وكلا الحالتين لهم حال حسنة: إن قدموا على الآخرة قدموا على ما قدموا من القربة فإن تطاولت بهم المدة قدموا الزاد ليوم الرجعة قال: فما سمعت موعظة أشد استكنانا في القلوب منها ! فما ذكرتها إلا هانت علي الدنيا وما فيها !