فوائـد من كتـاب الليالى والأيام
عن عبد الله بن عباس يقول : إنكم من الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة من زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثلما زرع لا يسبق بطيء بحظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له فمن أعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقي شرا فالله وقاه المتقون سادة والعلماء قادة ومجالستهم ريادة .
عن عبد الرحمن بن زبيد اليامي قال : ليس من يوم إلا وهو ينادي : انا يوم جديد وأنا عليكم شهيد ابن آدم إني لن أمر بك ابدا فاعمل في خيرا , فإذا هو أمسى قال : اللهم لا تردني إلى الدنيا أبدا .
عن شهر بن حوشب قال : ما مضى يوم من الدنيا إلا يقول عند مضيه : ايها الناس انا الذي قدمت عليكم جديدا وقد حان مني تصرم فلا يستطيع محسن أن يزداد في إحسانا ولا يستطيع مسيء أساء أن يستعتب في من اساء الحمد لله الذي لم يجعلني اليوم العقيم ثم يذهب . قال بدر : وبلغني أن الليل يقول مثل ذلك .
عن مجاهد قال : ما من يوم إلا يقول : ابن ىدم قد دخلت عليك اليوم ولن أرجع إليك بعد اليوم فانظر ماذا تعمل في فإذا انقضى طواه ثم يختم عليه فلا يفك حتى يكون الله هو الذي يفض ذلك الخاتم يوم القيامة ويقول اليوم حين ينقضي : الحمد لله الذي أراحني من الدنيا وأهلها ولا ليلة تدخل على الناس إلا قالت كذلك !
قال عيسى عليه السلام : الدهر ثلاثة أيام : أمس خلت عظته واليوم الذي أنت فيه لك وغدا لا تدري ما يكون .
قال الخليل بن أحمد : الأيام ثلاثة : معهود ومشهود وموعود فالمعهود أمس والمشهود اليوم والموعود غدا .
سأل الحجاج بن يوسف خالد بن يزيد عن الدنيا فقال : ميراث قال : فالأيام ؟ قال : دول قال : فالدهر ؟ قال : أطباق والموت بكل سبيل فليحذر العزيز الذل والغني الفقر فكم من عزيز قد ذل وكم من غني قد افتقر !
عن سفيان بن عيينة قال : قال بعض أهل الحلم : الأيام ثلاثة : - فأمس حكيم مؤدب أبقى فيك موعظة وترك فيك عبرة - ماليوم ضيف عندك طويل الغيبة وهو عنك سريع الظعن - وغد لا تدري من صاحبه !
عن عبيد الله بن شميط بن عجلان قال : سمعت أبي يقول : إن المؤمن يقول لنفسه : إنما هي ثلاثة أيام : - فقد مضى أمس بما فيه - وغدا أمل لعلك لا تدركه إنك إن كنت من أهل غد فإن غدا يجيء برزق غذ إن دون غد يوما وليلة تخترم فيها أنفس كثيرة لعلك المخترم فيها كفى كل يوم يوم همه .
قال أبو حازم : الأيام ثلاثة : - فأما أمس فقد انقضى عن الملوك نعمته وذهبت عني شدته - وإني وإياهم من غد لعلى وجل - وإنما هو اليوم : فما عسى أن يكون ؟ !
قال عبد الله بن مروان بن محمد بن الحكم : ليس من يوم يقدم إلا وهو عارية لليوم الذي بعده ! فاليوم الجديد يقتضي عاريته فإن كان حسنا ادى إليه حسنا وإن كان قبيحا أدى إليه قبيحا فإن استطعت أن تكون عواري إيامك حسانا فافعل .
قال حكيم من الحكماء : إن كان وخلف في بيتك عظته وإن اليوم كان وإن غدا لا تدري ما مهله فأين اجتماع شهادتهم عليك
عن مالك بن دينار قال : إن هذا الليل والنهار خزانتان فانظروا ما تضعون فيهما وكان يقول : اعملوا لليل لما خلق له واعملوا للنهار لما خلق له .
عن الحسن قال : ليس يوم يأتي من أيام الدنيا إلا يتكلم يقول : يا أيها الناس إني يوم جديد وإني على ما يعمل في شهيد فإني لو قد غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة .
قال أبو الدرداء : ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل تكون قبرك ! ابن آدم إنما أنت أيام فكلما ذهب يوم ذهب بعضك ! ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ ولدتك أمك !
قال أبو الدرداء : ما من أحد إلا وفي عقله نقص عن حلمه وعلمه وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادة في مال ظل فرحا مسرورا والليل والنهار دائبان في هدم عمره ثم لا يحزنه ذلك ضل ضلالة ما ينفع مال يزيد وعمر ينفد .
عن الحسن قال : ابن آدم إنك بين مطيتين يوضعانك ! يوضعك الليل إلى النهار والنهار إلى الليل حتى يسلماك إلى الآخرة فمن أعظم منك يا ابن آدم خطرا ؟ !
ذكروا عن بعض الحكماء أنه كان يقول : الأيام ثلاثة : فأمس حكيم مؤدب ترك فيك عظة حكمته وأبقى فيك عبرته وعظته ويومك صديق مودع كان عنك طويل الغيبة أتاك ولم تأته فهو عنك سريع المظعن وغد لا تدري : تكون من أهله أم لا ؟ !
كان مفضل بن يونس إذا جاء الليل قال : ذهب من عمري يوم كامل ! فإذا أصبح قال : ذهبت ليلة كاملة من عمري , فلما احتضر بكى وقال : قد كنت اعلم أن لي من كركما علي يوما شديدا كربه شديدا غصصه شديدا غمه شديدا علزه فلا إله إلا الذي قضى الموت على خلقه وجعله عدلا بين عباده ثم جعل يقرأ القرآن : " الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور " ثم تنفس فمات
عن مطير بن الربيع قال : قال لي مفضل بن يونس : رأيت أخا بني الحارث محمد بن النضر اليوم كئيبا حزينا فقلت : ما شأنك ؟ وما أمرك ؟ قال : مضيت الليلة من عمري ولم أكتسب فيها لنفسي شيئا ويمضي اليوم أيضا ولا أراني أكتسب فيه شيئا فإنا لله وإنا إليه راجعون !
كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل : أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والانشمار بما استطعت من مالك وما رزقك الله إلى دار قرارك فكأنك والله قد ذقت الموت وعانيت ما بعده بتصريف الليل والنهار فإنهما سريعان في طي الأجل ونقص العمر مستعدان لمن بقي بمثل الذي قد اصابا به من مضى فنستغفر الله لسيء أعمالنا ونعوذ بالله من مقته إيانا ما يعظ به مما نقصر عنه .
عن محمد بن إشكاب الصفار قال : حدثني رجل من أهله - : يعني أهل داود الطائي - قال : قلت له يوما : يا أبا سليمان قد عرفت الذي بيننا فأوصني قال : فدمعت عيناه ثم قال : يا أخي غنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم فإن استطعت ان يقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو والأمر أعجل من ذلك فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك فكأنك بالأمر قد بغتك إني أقول لك هذا وما أعلم أحدا أشد تضييعا مني لذلك ثم قام .
كتب الأوزاعي إلى اخ له : أما بعد فغنه قد أحيط بك من كل جانب واعلم أنه يسار بك في كل يوم وليلة فاحذر الله والمقام بين يديه وأن يكون آخر عهده بك والسلام
كان الحسن يقول : ابن آدم إنك بيومك ولست بغد فكس في يومك فإن يكن غد لك فكن كما كنت في هذا اليوم وإلا يك غد لك لم تكن تأسف على ما فرطت في جنب الله .
عن معاذ أبو عون الضرير قال : كنت أكون قريبا من الجبان فكان رياح القيسي يمر بي بعد المغرب إذا خلت الطرق وكنت أسمعه وهو ينشج بالبكاء ويقول : إلى كم يا ليل ويا نهار تحطان من أجلي وانا غافل عما يراد بي ! إنا لله فهو كذلك حتى يغيب عني وجهه !
عن أبي محرز الطفاوي : أنه كان يقول : أما والله لئن غفلتم إن لله عبادا لا يغفلون عن طاعته في هذا الليل والنهار .
عن محمد بن سنان الباهلي قال : كان منصور الطفاوي عابدا متقللا فحدثني عنه بعض جيرانه أنه شكا إليه شدة الزمان فقال : اجعل غدا كيومك واجعل يومك كما غبر من عمرك وسل الله الخيرة في جميع أمرك فهو المعطي وهو المانع .
عن بكر بن عبد الله المزني قال : ما مر يوم أخرجه الله إلى اهل الدنيا غلا ينادي : ابن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي ولا ليلة إلا تنادي : ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي .
عن أبي عبد الله اليماني : عن أبيه : أن الحسن كتب إلى مكحول - وكان له نعي - فكان في كتابه إليه : واعلم رحمنا الله وإياك أبا عبد الله أنك اليوم أقرب إلى الموت يوم نعيت له ولم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار وتقريب الآجال هيهات هيهات ! قد صحبا نوحا وعادا وثمودا " وقرونا بين ذلك كثيرا " فأصبحوا قد قدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم فأصبح الليل والنهار غضين جديدين لم يبلهما ما مرا به مستعدين لمن بقي بمثل ما أصابا به من مضى وأنت نظير إخوانك وأقرانك وأشباهك مثلك كمثل جسد نزعت قوته فلم تبق إلا حشاشة نفسه ينتظر الداعي فنعوذ بالله من مقته إيانا فيما يعظ به مما نقصر عنه
عن عمر بن ذر قال : اعملوا لأنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار والمحروم من حرم خيرهما إنما جعلا سبيلا للمؤمنين إلى طاعة ربهم ووبالا على الآخرين للغفلة عن أنفسهم فأحيوا لله أنفسهم بذكره فإنما تحيا القلوب بذكر الله كم من قائم لله في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته ؟ وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله للعابدين غدا ؟ فاغتنموا ممر الساعات والليالي والأيام رحمكم الله .
كتب رجل إلى أخ له : أما بعد فإني أحدثك عن نفسي بما لا أرضاه منها وعن قلبي بما أخاف سوء عاقبته إن لي نفسا تحب الدعة وقلبا يألف اللذات وهمة تستثقل الطاعة ! وقد رهبت نفسي الآفات وحذرت قلبي الموت وزجرت همتي عن التقصير فلم أرض ما رجع منهن فاهد لي بعض ما أستعين به على ما شكوت إليك فقد خفت الموت قبل الاستعداد له والسلام . فكتب إليه : أما بعد فقد كثر تعجبي من قلب يألف الدنيا ويطمع في البقاء ! الساعات تنقلنا والأيام تطوي أعمارنا فكيف نألف ما لا ثبات له ؟ وكيف تنعم عين لعلها لا تطرف بعد رقدتها إلا بين يدي الله ؟ والسلام .
كتب رجل إلى أخ له : أما بعد فأحسن ضيافة يومك الذي أنت فيه وزوده منك مشخوصة عنك وأشفق من طلوع عليك من بعض ساعاته والسلام .
عن الحسن قال : الدنيا ثلاثة أيام : - أما أمس فقد ذهب بما فيه - وأما غد فلعلك لا تدركه - واليوم لك فاعمل فيه .
عن الحسن قال : ابن آدم لا تحمل هم سنة على يوم كفى يومك بما فيه فإن تكن السنة من عمرك يأتك الله فيها برزقك وإلا تكن من عمرك فأراك تطلب ما ليس لك
عن أبي مسلم بن سعيد قال : كنا جلوسا في مجلس من مجالس بني حنيفة فمر بنا أعرابي كهيئة المهموم فسلم وانطلق ثم أقبل علينا فقال : معشر العرب ! قد سئمت لتكرار الليالي والأيام ودورها علي فهل من شيء يدفع عني سآمة ذلك أو يسلي عني بعض ما أجد من ذلك ؟ ثم ولى غير بعيد ثم أقبل علينا فقال : واها لقلوب نقية من الآثام ! واها لجوارح مسارعة إلى طاعة الرحمن ! أولئك الذين لم يملوا الدنيا لتوسلهم منها بالطاعة إلى ربهم ولما يكرهوا الموت إذا نزل بهم لما يرجون من البركة في لقاء سيدهم وكلا الحالتين لهم حال حسنة : إن قدموا على الآخرة قدموا على ما قدموا من القربة فإن تطاولت بهم المدة قدموا الزاد ليوم الرجعة قال : فما سمعت موعظة أشد استكنانا في القلوب منها ! فما ذكرتها إلا هانت علي الدنيا وما فيها !
عن مجاهد قال : ما من يوم يخرج من الدنيا إلا قال : الحمد لله الذي أخرجني منها ثم لا يردني إليها !