فوائـد من كتـاب العقل وفضله
عن مسروق قال : كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر الحسب فقال : حسب المرء دينه وأصله عقله ومروءته خلقه .
عن كريب مولى ابن عباس قال : لما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر قال : يقول وهو أعلم به وعزتي وجلالي لا أجعلك إلا فيمن أحب وما خلقت شيئا هو أحب إلي منك .
عن عروة قال : أفضل ما أعطي العباد في الدنيا العقل وأفضل ما أعطوا في الآخرة رضوان الله عز وجل .
أتى ملك آدم عليهما السلام فقال : قد جئتك بالعقل والدين والعلم فاختر أيهما شئت فاختار العقل وقال للدين والعلم ارتفاعا قالا : أمرنا ألا نفارق العقل .
عن وهب بن منبه قال : مكتوب في حكمة آل داود عليه السلام : حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين خبرونه بعيوبه ويصدق عن نفسه وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعة واجمادا للقلوب وحق على العاقل ألا يرى ظاعنا في غير ثلاث : زاد لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم وحق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه حافظا للسانه مقبلا على شأنه
قال أيوب القرية : الرجال ثلاثة : عاقل وأحمق وفاجر فالعاقل إن كلم أجاب وإن نطق أصاب وإن سمع وعى والأحمق إن تكلم عجل وإن تحدث وهل وإن حمل على القبيح فعل والفاجر إن أئتمنته خانك وإن حادثته شانك وزادني غيره وإن استكتمته سرا لم يكتمه عليك .
قال لقمان لابنه : يا بني اعلم أن غاية السؤدد والشرف في الدنيا والآخرة حسن العقل وأن العبد إذا حسن عقله غطى ذلك عيوبه وأصلح مساؤئه .
قال معاوية : العقل عقلان عقل تجارب وعقل نحيزة فإذا اجتمعا في رجل فذاك الذي لا يقام له وإذا تفردا كانت النحيزة أولاهما .
سئل ورد بن محمد نصرويه وكان قد بلغ عشرين ومائة سنة ما العقل ؟ فقال : أن يغلب حلمك جهلك وهواك .
عن سفيان بن عيينة قال : لا تنظروا إلى عقل الرجل في كلامه ولكن انظروا إلى عقله في مخارج أموره .
عن أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت وكيع بن الجراح يقول : العاقل من عقل الله عز و جل أمره وليس من عقل تدبير دنياه .
قال صالح بن عبد الكريم : جعل الله عز و جل رأس أمور العباد العقل ودليلهم العلم وسائقهم العمل ومقويهم على ذلك الصبر .
عن الحكم بن عبد الله الأزرق قال : كانت العرب تقول : العقل التجارب والحزم سوء الظن قال : فقال الأعمش : ألا ترى أن الرجل إذا ساء ظنه بالشيء حذره . قيل لبعض الحكماء من الأديب العاقل ؟ قال الفطن المتغافل .
قال الضحاك بن مزاحم : ما بلغني عن رجل صلاح فاعتدت بصلاحه حتى أسأل عن خلال ثلاث فإن تمت تم له صلاحه وإن نقصت منه خصلة كانت وصمة عليه في صلاحه أسأل عن عقله فإن الأحمق إنما هلك وأهلك فئاما من الناس يمر بالمجلس فلا يسلم فإذا قيل له قال من أهل دنيا ويترك عيادة الرجل من جيرانه فإذا قيل له قال من أهل دنيا ويدع الجنازة لا يتبعها لمثل ذلك ويدع طعام أبيه يبرد فإذا هو قد صار عاقا واسأل عن النعمة العظيمة التي لا نعمة أعظم منها ألا وهي الإسلام إن كان أحسن احتمال النعمة ولم يدخلها بدعة ولا زيغ وإلا لم أعتد به فيما سوى ذلك وأسال عن وجه معاشه فإن لم يكن له وجه معاش لم آمن عليه وأظل بخلافه أقرب ما يكون من أجله .
عن ميمون بن مهران قال : قلت لعمر بن عبد العزيز رحمه الله ليلة بعد ما نهض جلساؤه يا أمير المؤمنين ما بقاؤك على ما أرى : أما أول الليل فأنت في حاجات الناس وأما في وسط الليل فأنت مع جلسائك وأما آخر الليل فالله أعلم ما تصير إليه ؟ قال : فعدل عن جوابي وضرب على كتفي وقال : ويحك يا ميمون إني وجدت لقى الرجال تلقيحا لألبابهم .
كان العلماء يقولون لا ينبغي للعاقل أن يعتقد من رأيه مالم يقايس به أولى الألباب من إخوانه قال : وكان يقال لا يدرك استعمال معرفة الشيء بالعقل الواحد قال : وكان يقال اجتماع عقلين على شيء واحد أنجع فيه من الواحد .
قال بعض الحكماء : لا ينبغي لعاقل أن يعرض عقله للنظر في كل شيء كما لا ينبغي أن يضرب بسيفه كل شيء .
عن محمد بن يحيى قال : قلنا للضحاك بن مزاحم يا أبا القاسم ما أعبد فلانا وأورعه واقرأه ؟ قال كيف عقله ؟ قال قلنا : نذكر لك عبادته وورعه وقراءته وتقول عقله ؟ قال : ويحك إن الأحمق يصيب بحمقه مالا يصيب الفاجر بفجوره .
عن أن أكثم بن صيفي قال : دعامة العقل الحلم وجماع الأمر الصبر وخير الأمور مغبة العقل ويقال المودة التعاهد .
عن ليث قال : قال عبد الله : يأتى على الناس زمان ينتزع فيه عقول الناس حتى لا تكاد ترى عاقلا .
عن علي بن زيد قال : كان الرجل في زمن عبد الملك بن مروان يحدثهم بحديث حسن فإذا سمعوا له جاءهم بحديث مختلط فقيل له فقال : هذا زمان تحامق .
عن الشعبي قال : إنما كان يطلب هذا العلم ممن اجتمعت فيه خصلتان العقل والنسك فإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا وإن كان عاقلا ولم يكن ناسكا لم تطلبه فإن هذا الأمر لا يناله إلا النساك العقلاء قال الشعبي : فقد ذهبت إلى أن يكون يطلبه اليوم من ليس فيه واحدة منهما لا عقل ولا نسك .
قال سفيان بن عيينة : ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر ولكن العاقل الذي يعرف الخير فيتبعه ويعرف الشر فيتجنبه .
عن هشام بن عروة عن أبيه قال : ليس الرجل الذي إذا وقع في الأمر تخلص منه ولكن الرجل يتوقى الأمور حتى لا يقع فيها .
قال رجل من قريش كنا عند سليمان بن عبد الملك فتكلم رجل فأحسن فأراد سليمان أن يعرف عقله فإذا هو مضعوف فقال سليمان : زيادة منطق على عقل خدعة وزيادة عقل على منطق هجنة ولكن أحسن ذلك ما زين بعضه بعضا .
قال : بعض الخلفاء لجلسائه : من الغريب ؟ فقالوا : فأكثروا فقال : الغريب هو الجاهل أما سمعتم قول الشاعر : ( يعد عظيم القدر من كان عاقلا وإن لم يكن في فعله بحسيب وإن حل أرضا عاش فيها بعقله ومـا عـــاقـل في بلـدة بغريـب )
قال فرقد السبخي : قرأت في بعض الكتب قل للعاقل كيف يخلو عقله من نفعه ويرى المنايا للإخوان مستلبات .
كان يقال العقل سراج ما بطن وملاك ما علن وسائس الجسد وزينة كل أحد فلا تصلح الحياة إلا به ولا تدور الأمور إلا عليه .
عن مجاهد : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } قال : أولي العقل والفقه في دين الله عز و جل .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الرجال ثلاثة فرجل عاقل إذا أقبلت الأمور واشتبهت يأمر فيها أمره وينزل عند رأيه وآخر ينزل به الأمر فلا يعرفه فيأتي ذوي الرأي فينزل عند رأيهم وآخر حائر لا يأمر رشدا ولا يطيع مرشدا .
عن جعد بن عبد الله الهمداني أن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال له : يا جعيد إن الناس أربعة : فمنهم من له خلاق وليس له خلق ومنهم من له خلق وليس له خلاق ومنهم من له خلق وخلاق فذاك أفضل الناس .
عن الخليل بن أحمد قال : الناس أربعة فكلم ثلاثة وواحدا لا تلكمه قال : رجل يعلم وهو يعلم انه يعلم فكلمه ورجل لايعلم ولا يعلم أنه لا يعلم فكلمه ورجل لا يعلم وهو يعلم أنه لا يعلم فكلمه ورجل لا يعلم وهو يرى أنه يعلم فلا تكلمه .
عن أبي إسماعيل مؤذن البراجم قال : كنا نجالس منصور بن المعتمر فإذا أراد أن يقوم من مجلسه قال : اللهم اجمع على الهدى أمرنا واجعل التقوى زادنا واجعل الجنة مآبنا ورازقنا شكرا يرضيك عنا وورعا يحجزنا عن معاصيك وخلقا نعيش به في الناس وعقلا تنفعنا به فكان إذا العقل يأخذني من الضحك قال لي ذات يوم : يا بن إسماعيل لأي شيء تضحك ؟ إن الرجل يكون عنده كذا ويكون عنده كذا فلا يكون له عقل فلا يكون له شيء .
عن ابن جريج قال : قسم العقل على ثلاثة أجزاء فمن كن فيه كمل عقله : حسن المعرفة بالله وحسن الطاعة له وحسن الصبر على أمره .
بعض الحكماء لأخ له : يا أخي عقلك لا يتسع لكل شيء ففرغه لأول المهم من أمرك وكرامتك لا تسع الناس فخص بها أولى الناس بك وليلك ونهارك لا يستوعبان حوائجك فاسقط عنك مالك منه بد وليس من العقل أن تذر من الخير مالابد منه ولا تمدح من لم تخبر إحسانه .
قيل لبعض الحكماء : ما العقل ؟ قال أمران أحدهما صحة الفكر في الذكاء والفطنة والآخر حسن التمييز وكثرة الإصابة .
قيل لبعض الحكماء : ما الحمق ؟ قال : قلة الإصابة ووضع الكلام في غير موضعه وكلما مدح به العاقل كان مفقودا في الأحمق .
قيل لبعض الحكماء : أوصنا بأمر جامع قال : احفظوا وعوا أنه ليس من أحد إلا ومعه قاضيان باطنان أحدهما : ناصح والآخر : غاش فأما الناصح فالعقل وأما الغاش فالهوى وهما ضدان فأيهما ملت معه وهي الآخر .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فالتمسوا لها من الحكمة طرفا .
قال بعض الحكماء : لا ترى العاقل إلا خائفا كما أن الجاهل لا تراه إلا آمنا وفي ذلك يقول القائل : ( لا ترى العاقل إلا خائفا ... حذرا من يومه دون غده )
قال وهب من منبه : المؤمن مفكر مذكر فمن ذكر تفكر فعلته السكينة وقنع فلم يهتم ورفض الشهوات فصار حرا وألقى الحسد فظهرت له المحبة وزهد في كل فان فاستكمل العقل ورغب في كل شيء باق فعقل المعرفة .
عن وهب بن منبه قال : في حكمة لقمان مكتوب أنه قال لابنه يا بني إن اللسان هو باب الجسد فاحذر أن يخرج من لسانك ما يهلك جسدك ويسخط عليك ربك عز و جل .
عن سلام بن مسكين قال : كنت أمشي مع مالك بن دينار رضي الله عنه بين المقابر فقال : يا أهل القبور وهبتم أنفسكم الدنيا فويل لكم من رب الدنيا فأجابه مجيب يا مالك بن دينار قد رحمنا رب الدنيا .