فوائد من كتاب القبور
حكمــــــة
قال مالك بن دينار: خرجت أنا وزين القراء حسان بن أبي حسان نزور المقابر فلما أشرف عليها سبقته عبرة ثم أقبل علي فقال يا مالك هذه عساكر الموتى ينتظر بها من يقي من الأحياء ثم يصاح بهم فإذ هم قيام ينظرون قال فوضع مالك يده على رأسه وجعل يبكي ويقول واي ازان روز واي ازان روز يعني ويل من ذلك اليوم ويل من ذلك اليوم.
حكمــــــة
قال حجاج الأسود وكان في جنازة في الجبان: رأيت في المنام كأني دخلت المقابر وإذا أنا بأهل القبور نيام في قبورهم وقد تشققت عنهم الأرض فمنهم النائم على التراب ومنهم النائم على القباطي ومنهم النائم على السندس والإستبرق ومنهم النائم على الديباج ومنهم النائم على الريحان ومنهم النائم كهيئة المتبسم في نومه ومنهم من أشرق لونه ومنهم حائل اللون قال فبكيت عندما رأيت منهم ثم قلت في منامي رب لو شئت سويت بينهم في الكرامة فنادى مناد من بين تلك القبور يا حجاج هذه منازل الأعمال قال فاستقظت من كلمته فزعا.
حكمــــــة
عن رجل من العباد قال رأيت كأن أهل القبور قد تشققت عنهم القبور فوثبوا من قبورهم فمنهم الشاحب ومنهم النضر ومنهم كهيئة المريض ومنهم من قربت إليه مطيته ليركبها ومنهم الراكب على الخيل ومنهم الماشي على رجليه فقلت ما بال هؤلاء يمشون وهؤلاء ركبان فقال لي قائل تحمل كل امرئ منهم عمله فقلت أول ليس هؤلاء موتى قال بلى ولكنهم يبشرون.
حكمــــــة
عن سلام بن أبي مطيع قال:كنا مع محمد بن واسع في جنازة فأسرعوا بها المشي فانتهينا إلى الجبان ولم تتلاحق الناس فانتظروا بها حتى تلاحقوا قال فصلينا عليها ثم انتهينا بها إلى القبر فوضعت وجئت إلى محمد بن واسع فسمعته يقول لرجل إلى جنبه كل يوم ينقل منا إلى المقابر نقلة وكأنك بهذا الأمر قد تمم كاد آخرنا حتى يلحق بأولنا.
حكمــــــة
عن رجل من البصريين قال شهدت الحسن في جنازة واجتمع إليه الناس فقال اعملوا لمثل هذا اليوم رحمكم الله فإنهم إخوانكم تقدموكم وأنتم بالأثر أيها المتخلف بعد أخيه أنت الميت غدا قبل الباقي بعدك والباقي بعدك هو الميت في إثرك أولا فأولا حتى يوافوا جميعا قد عمكم الموت فاستويتم جميعا في غصصه وكربه حتى حللتم جميعا القبور ثم تنشرون جميعا ثم تعرضون على الله وجلا ثم تنفس فخر مغشيا عليه.
حكمــــــة
أعرس رجل من الحي على ابنة قال فاتخذ لذلك لهوا قال وكانت منازلهم إلى جانب المقابر قال فوالله إنهم لفي لهوهم ذلك ليلا إذ سمعوا صوتا منكرا أفزعهم قال فأصغوا مطرقين فإذا هاتف من بين القبور ياأهل لذة لهو لا تدوم لهم إن المنايا تبيد اللهو واللعبا كم قد رأيناه مسرورا بلذته أمسى فريدا من الأهلين مغتربا قال فوالله إن لبث بعد ذلك إلا ثلاثا حتى مات الفتى المتزوج.
حكمــــــة
قال صالح المري: دخلت المقابر يوما في شدة الحر فنظرت إلى القبور خامدة كأنهم قوم صموت فقلت سبحان الله من يجمع بين أرواحكم وأجسامكم بعد افتراقها ثم يحييكم ثم ينشركم من بعد طول البلى قال فنادى منادي من بين تلك الحفر يا صالح ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون قال فسقطت والله لوجهي فزعا من ذلك الصوت.
حكمــــــة
عن سوار بن مصعب الهمداني عن أبيه عن أخوين جارين له وكان كل واحد منها يجد بصاحبه وجدا لا يرى مثله فخرج الأكبر إلى أصبهان فقدم وقد مات الأصغر فاختلف إلى قبره تسعة أشهر لما حضره أجله إذا هاتف يهتف من خلفه يقول: يا أيها الباكي على غيره نفسك أصلحها ولا تبكه إن الذي تبكي على إثره يوشك يوشك يوشك أن تسلك في سلكه قال فالتفت فلم يرى خلفه أحدا فاقشعر وحم فرجع إلى أهله فلم يلبث إلا ثلاثا حتى مات فدفن إلى جنبه فكانت كل واحدة من قوله يوشك يوما.
حكمــــــة
كان صفوان بن أمية في بعض المقابر فإذا شعل نيران قد أقبلت ومعها جنازة فلما دنوا من المقبرة قالوا انظر قبر كذا وكذا قال فسمع رجل صوتا من القبر حزينا موجعا يقول أنعم الله بالظعينة عينا وبمسراك ياأمين إلينا جزعا ما جزعت من ظلمة القبر ومن مسك التراب أمينا قال فأخبر القوم بما سمع فبكوا حتى أخضبوا لحاهم ثم قال هل تدري من أمينة قلت لا قالوا صاحبة السرير وهذه أختها ماتت عام أول فقال صفوان قد علمنا إن الميت لا يتكلم فمن أين هذا الصوت.
حكمــــــة
عن الليث بن سعد قال كان رجل نائم في مقبرة فسمع هاتف يهتف أنعم الله بالخليلين عينا وبمسراك يا أميم إلينا فأجابها مجيب قال وما ينفعها وأبي عليها ساخط فلما أصبح الرجل إذا بقبر يحفر ورجل هناك فسأله عن القبر وأخبره بما سمع فقال هذان قبرا بنتي وهذه أميمة أمهما وقد كنت ساخطا عليها أما إني لأقرن اليوم أعينهما بالرضا عنها قال فرضي عنها وولي أمرها حتى واراها.
حكمــــــة
مات رجل من اليهود وعنده وديعة لمسلم وكان لليهودي ابن مسلم فلم يعرف موضع الوديعة فأخبر شعيبا الجبائي فقال إإت برهوت فإن دونه عين تسبت فإذا جفت في يوم السبت فامش عليها حتى تأتي عينا هناك فادع أباك فإنه سيجيبك فاسأله عما تريد ففعل ذلك الرجل ومضى حتى أتى العين فدعا أباه مرتين أو ثلاثا فأجابه فقال أين وديعة فلان قال تحت أسكفة الباب فادفعها إليه والزم ما أنت عليه.
حكمــــــة
عن سلام بن أبي مطيع قال شهدت قتادة في جنازة فلم يتكلم حتى انصرف وشهدت الحريري في جنازة فلم يزل يبكي حتى تفرق القوم وشهدت محمد بن واسع في جنازة فلم يزل واضعا إصبعه السبابة على بابه مقنع الرأس مطرقا ما يلتفت يمينا ولا شمالا حتى انصرف الناس وما يشعر بهم قال ثم أتيته فنظر يمينا وشمالا فلم يرى أحدا فتقدم إلى القبر فتكلم بكلمات ثم انصرف.
حكمــــــة
عن عبد الواحد الخطاب قال شهدت الحسن في جنازة أبي رجاء العطاردي فلما نفضوا أيديهم عنه من التراب وقف الحسن مليا ثم قال أما أنت يا أبا رجاء فقد استرحت من غموم الدنيا ومكابدتها فجعل الله لك في الموت راحة طويلة ثم أقبل على الفرزدق فقال يا أبا فراس كن مثل هذا على حذر وإنما نحن وأنت بالإثر قال فبكى الفرزدق ثم أنشأ يقول ولسنا بأنجا منهم غير أننا بقينا قليلا بعدهم وترحلوا
حكمــــــة
عن أبي العالية قال يبعث الميت في أكفانه قال داود سمعت صالح المري يقول في إثر هذا الحديث بلغني أنهم يخرجون من قبورهم في أكفان دسمة وأبدان بالية متغيرة وجوههم شعثة رؤوسهم نهكة أجسامهم طائرة قلوبهم بين صدورهم وحناجرهم لا يدري القوم ما يوثلهم إلا عند انصرافهم من الموقف فمنصرف به إلى الجنة ومنصرف به إلى النار ثم نادى صالح بأعلى صوته يا سوء منصرفاه إن أنت لم تغمرنا منك برحمة واسعة لما قد ضاقت به صدورنا من الذنوب العظام والجرائم التي لا غافر لها غيرك.
حكمــــــة
قال الفضل بن مهلهل أخو المفضل وكان من العابدين كان جليس لنا حسن التخشع والعبادة يقال له مجيب وكان من أجمل الرجال قال فصلى حتى انقطع عن القيام وصام حتى اسود قال ثم مرض فمات وكان محمد بن النضر الحارثي له صديقا قال ومات محمد قبله قال فرأيت محمدا في منامي بعد موت مجيب فقلت ما فعل أخوك مجيب قال لحق بعمله قال قلت وكيف وجهه ذاك الحسن قال أبلاه الله بالتراب قال قلت وكيف وأنت تقول قد لحق بعمله قال يا أخي أما علمت إن الأجساد في القبور تبلى وإن الأعمال في الآخرة تحيى قال قلت يبلون حتى لا يبقى منهم شيء ثم يحيون يوم القيامة قال أي والله يا أخي يبلون والله حتى يصيرون رفاتا ثم يحيون عند الصيحة كأسرع من اللمح.
حكمــــــة
عن ميمون بن مهران إنه قال دخلت على عمر بن عبد العزيز وعنده سابق البربري الشاعر وهو ينشده شعرا فانتهى في شعره إلى هذه الأبيات فكم من صحيح بات للموت آمنا أتته المنايا بغتة بعد ما هجع فلم يستطيع إذا جاءه الموت بغتة فرارا ولا منه بقوته امتنع فأصبح يبكيه النساء مقنعا ولا يسمع الداعي وإن صوته رفع وقرب من لحد فصار مقيله وفارق ما قد كان بالأمس قد جمع فلا يترك الموت الغني لماله ولا معدما في المال ذا حاجة يدع فلم يزل عمر يضطرب ويبكي حتى غشي عليه قال فقمنا وانصرفنا عنه.
حكمــــــة
قالت امرأة هشام الدستوائي كان إذا طفئ السراج غشيه من ذلك أمر عظيم فقلت له إنه ليغشاك عند هذا المصباح إذا طفئ قال إني أذكر ظلمة القبر ثم قال لو كان سبقني إلى هذا أحد من السلف لأوصيت إذا مت أن أجعل في ناحية من داري قال فما مكث إلا يسيراً حتى مات قال فمر بعض إخوانه بقبره فقال يا أبا بكر صرت والله إلى المحذور.
حكمــــــة
عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال بينما أنا أسير بين مكة والمدينة على راحلة وأنا محقب إداوة إذ مررت بمقبرة فإذا رجل خرج من قبره يلتهب نارا في عنقه سلسلة يجرها فقال يا عبد الله انضح يا عبد الله انضح فوالله ما أدري عرفني باسمي أو كما يدعو الناس قال وخرج آخر فقال يا عبد الله لا تنضح يا عبد الله لا تنضح ثم اجتذب السلسة فأعاده إلى قبره.
حكمــــــة
كان لبشر بن منصور غرفة إذا صلى العصر دخلها وفتح بابها إلى الجبان ينظر إلى القبور. عن أبي قزعة رجل من أهل البصرة عنه أو عن رجل قال مررنا في بعض المياه التي بيننا وبين البصرة إذ سمعنا نهيق حمار فقلنا ما هذا النهيق قال هذا رجل كان عندنا فكانت أمه تكلمه بالشيء فيقول لها انهقي نهيقك فلما مات سمع هذا النهيق عند قبره كل ليلة.
حكمــــــة
عن عمرو بن دينار قال كان رجل من أهل المدينة وكانت له أخت في ناحية المدينة فاشتكت وكان يأتيها يعودها ثم ماتت فجهزها وحملها إلى قبرها فلما دفنت ورجع إلى أهله وذكر أنه نسي كيسا كان معه في القبر فاستعان برجل من أصحابه فأتيا القبر فنبشاه فوجدا الكيس فقال الرجل تنح حتى أنظر على أي حال أختي فرفع بعض ما على اللحد من اللبن فإذا القبر يشتعل نارا فرده وسوى القبر ورجع إلى أمه فقال أخبريني ما كان حال أختي فقالت ما تسأل عن أختك وقد هلكت قال لتخبريني قالت كانت تؤخر الصلاة ولا تصلي فيما أظن بوضوء وتأتي أبواب الجيران إذا ناموا فتلقم أذنها أبوابهم فتخرج حديثهم.
حكمــــــة
عن الحسن بن فرات شيخ من أهل الثغر ذكر من فضله أنه شهد الفزاري يعني أبا إسحاق ذات يوم وأتاه رجل فسأله عن توبة النباش هل له من توبة قال نعم إن صحت نيته وعلم الله الصدق منه فقال الرجل كنت أنبش القبور وكنت أجد قوما وجوههم لغير القبلة فلم يكن عند الفزاري في ذلك شيء فكتب إلى الأوزاعي يخبره بأمر النباش فكتب الأوزاعي تقبل توبته إذا صحت نيته وعلم الله الصدق من قوله وأما قوله إنه كان يجد قوما وجوههم لغير القبلة فأولئك قوم ماتوا على غير السنة.
حكمــــــة
عن عبيد الله بن العيزار قال لابن آدم بيتان بيت على ظهر الأرض وبيت في بطن الأرض فعمد إلى الذي على ظهر الأرض فزخرفه وزينه وجعل فيه أبوابا للشمال وأبوابا للجنوب ووضع فيه ما يصلح لشتائه وصيفه ثم عمد إلى الذي في بطن الأرض فأخربه فأتى عليه آت فقال هذا الذي أراك قد أصلحته كم تقيم فيه قال لا أدري قال الذي أخربته كم تقيم فيه قال فيه مقامي قال تقر بهذا على نفسك وأنت رجل تعقل.
حكمــــــة
عن عثمان بن أبي العاص كان في جنازة فجلس إلى قبر خاسف فمر رجل من أهله فيه بعض الإعراض فقال يقال يا فلان فلما جاء قال اطلع إلى بيتك قال أراه بيتا ضيقا يابسا مظلما ليس فيه طعام ولا شراب ولا زوجة وقد تركت بيتا فيه طعام وشراب وزوجة قال فإن هذا والله بيتك قال صدقت أما والله لو قد رجعت نقلت من هذا إلى هذا.
حكمــــــة
ماتت النوار بنت أعين بن ضبيعة النجاشي امرأة الفرزدق فخرج الحسن في جنازتها فلما سوي عليها التراب قام الفرزدق فأنشأ يقول أخاف وراء القبر إن لم تعافني أشد من القبر التهابا وأضيقا إذا جاءني يوم القيامة قائد عنيف وسواق يسوق الفرزدقا لقد خاب من أولاد آدم من مشى إلى النار مغلول القيادة أزرقا قال وكان والله يبكي الناس يومئذ قال فقال الحسن ما يقول الناس قال يقولون أنت خير الناس وأنا شر الناس قال لست بخير الناس ولا أنت بشر الناس قال ما اعتددت لذلك اليوم قال شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة قال الحسن خذها من غير فقيه.
حكمــــــة
عن الحويرث بن الدباب قال بينا أنا بالإنابة إذ خرج علينا إنسان من قبر يلتهب وجهه ورأسه نارا في جامعة من حديد فقال اسقني اسقني وخرج إنسان آخر في إثره يقول لا تسقي الكافر فأدركه فأخذ بطرفي سلسلة فكبه ثم خرج حتى دخلا القبر جميعا فقال الحويرث فنفرت الناقة لا أقدر منها على شيء حتى التوت بعرق الظبية فبركت فنزلت فصليت المغرب والعشاء الآخرة ثم ركبت حتى أصبحت بالمدينة فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته فقال يا حويرث والله ما أتهمك ولقد أخبرتني خبرا شديدا فأرسل عمر إلى مشيخة من كنفي الصفرا قد أدركوا الجاهلية ثم دعى الحويرث فقال إن هذا أخبرني حديثا ولست أتهمه حدثهم يا حويرث بما حدثتني فحدثهم فقالوا قد عرفنا هذا يا أمير المؤمنين هذا رجل من بني غفار مات في الجاهلية فسألهم عمر عنه فقالوا يا أمير المؤمنين كان رجلا من رجال الجاهلية ولم يكن يرى للضيف حقا.
حكمــــــة
عن محمد بن كعب القرضي قال أتيت عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فلما دخلت عليه أدمت النظر إليه فقال يا بن أم كعب إنك لتنظر إلي نظرا ما كنت تنظر إلي بالمدينة قلت أجل يا أمير المؤمنين أعجبني ما كل من جسمك وتغير من لونك ورث من شعرك فقال كيف لو رأيتني بعد ثلاث في القبر وقد سقطت حدقتي على وجنتي وخرج الصديد والدود من منخري وفمي كنت أشد لي نكرة.