فوائد من كتاب التوكل على الله
عن سعيد بن جبير قال : « التوكل على الله جماع الإيمان ». سئل الحسن عن التوكل فقال : « الرضا عن الله ».
قال علي : يا أيها الناس توكلوا على الله ، وثقوا به ؛ فإنه يكفي ممن سواه. عن الحسن قال : « العز والغنى يجولان في طلب التوكل ، فإذا ظفرا أوطنا ».
قال لقمان لابنه : « يا بني ، الدنيا بحر غرق فيه أناس كثير ، فإن استطعت أن تكون سفينتك فيها الإيمان بالله ، وحشوها العمل بطاعة الله عز وجل ، وشراعها التوكل على الله ؛ لعلك تنجو ».
عن معاوية بن قرة أن عمر بن الخطاب لقي ناسا من أهل اليمن فقال : من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون . قال : بل أنتم المتكلون إنما « المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله ».
عن سعيد بن المسيب قال : التقى عبد الله بن سلام وسلمان ، فقال أحدهما لصاحبه : إن مت قبلي فالقني ، فأخبرني ما لقيت من ربك ، وإن مت قبلك لقيتك ، فأخبرتك . فقال أحدهما للآخر : أو تلقى الأموات الأحياء ؟ قال : نعم أرواحهم تذهب في الجنة حيث شاءت . قال : فمات فلان فلقيه في المنام فقال : « توكل وأبشر ، فلم أر مثل التوكل قط توكل وأبشر فلم أر مثل التوكل قط »
عن خليد قال: « ما من عبد ألجأته حاجة فأخذ بأمانته توكلا على ربه ثم أنفقه على أهله في غير إسراف فأدركه الموت ولم يقضه إلا قال الله تبارك وتعالى لملائكته : عبدي هذا ألجأته حاجة فأخذ بأمانته توكلا علي ، وثقة بي ، فأنفقه على أهله في غير سرف أشهدكم أني قد قضيت عنه دينه وأرضيت هذا من حقه ».
عن الفيض بن إسحاق قال : قلت للفضيل : « تحد لي التوكل ؟ قال : آه ، كيف تتوكل عليه وأنت يختار لك ، فتسخط قضاءه أرأيت لو دخلت بيتك ، فوجدت امرأتك قد عميت ، وابنتك قد أقعدت وأنت قد أصابك الفالج ، كيف كان رضاك بقضائه ؟ قلت : كنت أخاف ألا أصبر . قال : فكيف لا ، حتى يكون عندك واحدا ترضى بكل ما صنع في العافية والبلاء ، لا تسخط على ما زوى عنك ، وتثق بما آتاك . قال : ثم ذكر رجلا قد سماه قال : إني لأكره أن أقول في سجودي : اللهم عليك توكلت ».
عن عون بن عبد الله قال : بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزبير مكتئبا ، معه شيء ينكت به في الأرض ، إذ رفع رأسه ، فسنح له صاحب مسحاة ، فقال له : يا هذا ، ما لي أراك مكتئبا حزينا ؟ قال : فكأنه ازدراه . فقال : لا شيء . فقال صاحب المسحاة : أللدنيا ؟ فإن « الدنيا عرض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر والآخرة أجل صادق ، يحكم فيها ملك قادر ، يفصل بين الحق والباطل ، حتى ذكر أن لها مفاصل كمفاصل اللحم ، من أخطأ شيئا أخطأ الحق . فلما سمع ذلك منه كأنه أعجبه . قال : فقال لما فيه المسلمون . قال : فإن الله سينجيك بشفقتك على المسلمين ، وسل ، فمن ذا الذي سأل الله فلم يعطه ، ودعاه فلم يجبه ، وتوكل عليه فلم يكفه أو وثق به فلم ينجه . قال : فعلقت الدعاء : اللهم سلمني وسلم مني فتجلت ولم تصب منه أحدا ».
قال الحسن : إن « من توكل العبد أن يكون الله هو ثقته ». عن المغيرة بن عباد قال : قيل لبعض الرهبان : « من المتوكل ؟ قال : من لم يسخط حكم الله عز وجل على كره أو محبة ».
عن سفيان الثوري فى قوله تعالى( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) قال : أن يحملهم على ذنب لا يغفر.
عن صالح بن شعيب ، قال : أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم عليه السلام : « أنزلني من نفسك كهمك ، واجعلني ذخرا لك في معادك ، وتقرب إلي بالنوافل أدنك ، وتوكل علي أكفك ، ولا تول غيري فأخذلك ».
كتب عامل إفريقية إلى عمر بن عبد العزيز يشكو إليه الهوام والعقارب ، فكتب إليه : « وما على أحدكم إذا أمسى وأصبح أن يقول : ( وما لنا ألا نتوكل على الله ) » قال زرعة : « وهي تنفع من البراغيث ».
عن ابن شوذب قال : « لما ألقي يوسف في الجب قال : حسبي الله ونعم الوكيل . وكان الماء آجنا فصفا ، وكان مالحا فعذب ». قال عبد الله بن داود عن التوكل : « أرى التوكل حسن الظن ».
عن ابن عباس قال : « لما ألقي إبراهيم في النار قال : حسبنا الله ونعم الوكيل . وقال محمد صلى الله عليه وسلم مثلها ».
عن وهيب بن الورد أن رجلين كسرت بهما سفينة في البحر ، فوقعا إلى الأرض ، فأتيا بيتا مبنيا من شجر فكانا فيه ، فبينما هما ذات ليلة ، أحدهما نائم والآخر يقظان ، إذ جاءت امرأتان ، فوقفتا على الباب بهما من قبح الهيئة شيء لا يعلمه إلا الله فقالت إحداهما للأخرى : ادخلي . فقالت : ويحك إني لا أستطيع . قالت : ويحك ، لمه ؟ قالت : أوما ترين ما في البيت ؟ فإذا لوح في البيت فيه كتاب : « حسبي الله وكفى ، سمع الله لمن دعا ، ليس وراء الله منتهى ».
كان طلق بن حبيب يقول : « أسألك خوف العالمين بك ، وعلم الخائفين لك ، وتوكل المؤمنين بك ويقين المتوكلين عليك ، وإنابة المخبتين إليك وإخبات المنيبين إليك وصبر الشاكرين لك وشكر الصابرين لك ، وإلحاقا بالأحياء المرزوقين عندك ».
قال أبو قدامة الرملي : قرأ رجل هذه الآية : ( وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا ) فأقبل على سليمان الخواص فقال : يا أبا قدامة ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله في أمره . ثم قال :انظر كيف قال الله تبارك وتعالى : ( وتوكل على الحي الذي لا يموت ) ، فأعلمك أنه لا يموت ، وأن جميع خلقه يموتون ، ثم أمرك بعبادته فقال : ( وسبح بحمده ) ثم أخبرك بأنه خبير بصير . ثم قال : والله يا أبا قدامة « لو عامل عبد الله بحسن التوكل ، وصدق النية له بطاعته ؛ لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم فكيف يكون هذا محتاجا ، وموئله وملجؤه إلى الغني الحميد ؟ »
قال رجل لمعروف : أوصني قال : « توكل على الله حتى يكون جليسك وأنيسك وموضع شكواك وأكثر ذكر الموت حتى لا يكون لك جليس غيره ، واعلم أن الشفاء لما نزل بك كتمانه ، وأن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك ، ولا يعطونك ولا يمنعونك ».
عن أبي العالية ، قال : اجتمع إلي أصحاب محمد ، فقالوا : يا أبا العالية ، « لا تعمل عملا تريد به غير الله فيجعل الله ثوابك على ما أردت . قال : واجتمع إلي أصحاب محمد فقالوا : يا أبا العالية ، لا تتكلن على غير الله ؛ فيكلك الله إلى من اتكلت عليه ».
قال محمد بن صالح التميمي :كان بعض العلماء إذا تلا ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) قال : « اللهم إني سمعتك في كتابك تندب عبادك إلى كفايتك ، وتشترط عليهم التوكل عليك اللهم وأجد سبيل تلك الندبة سبيلا قد انمحت دلالتها ، ودرست ذكراها ، وتلاوة الحجة بها وأجد بيني وبينك مشبهات تقطعني عنك ، وعوقات تقعدني عن إجابتك ، اللهم وقد علمت أن عبدا لا يرحل إليك إلا نالك ، فإنك لا تحتجب عن خلقك ، إلا أن تحجبهم الآمال دونك ، وعلمت أن أفضل زاد الراحل إليك صبر على ما يؤدي إليك ، اللهم وقد ناجاك بعزم الإرادة قلبي ، وأفهمتني حجتك بما تبين لي من آياتك اللهم فلا أتخيرن دونك وأنا أؤملك ، ولا أختلجن عنك وأنا أتحراك اللهم فأيدني منك بما تستخرج به فاقة الدنيا من قلبي ، وتنعشني من مصارع أهوائها ، وتسقيني بكأس للسلوة عنها ، حتى تستخلصني لأشرف عبادتك ، وتورثني ميراث أوليائك الذين ضربت لهم المنار على قصدك ، وحثثتهم حتى وصلوا إليك ، آمين رب العالمين ».
عن عقبة بن أبي زينب قال : مكتوب في التوراة : « لا توكل على ابن آدم ؛ فإن ابن آدم ليس له قوام ، ولكن توكل على الله الحي الذي لا يموت ».
جاء رجل من العباد إلى عالم ، فقال : « إني أريد أن أخرج إلى مكة ، أفأخرج وأتوكل ؟ قال : لو أردت أن تتوكل لخرجت ولم تسألني ».
جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال : علمني شيئا ينفعني الله به قال : « أكثر من ذكر الموت وأقصر أملك ، وخصلة ثالثة ، إن أنت أصبتها بلغت الغاية القصوى ، وظفرت بالعبادة . قال : ما هي ؟ قال : التوكل ».
جاء رجل إلى الربيع بن عبد الرحمن ، فسأله أن يكلم الأمير في حاجة له ، فبكى الربيع ثم قال : أي أخي ، « اقصد إلى الله في أمرك تجده سريعا قريبا ، فإني ما ظاهرت أحدا في أمر أريده إلا الله عز وجل ، فأجده كريما قريبا لمن قصده وأراده وتوكل عليه ».
عن أبي الجلد قال : لقيني رجل من العجم ، فشكا إلي سلطانه وما يلقى من الظلم ، فقلت له : ألا « أدلك على أمر إن أخذت به وتركت ما سواه كفيت أمر السلطان وغيره ؟ قال : بلى ، قلت : ارجع إلى أهلك ، وتوكل على الله في أمرك كله ؛ فإنك إن تفعل تجد ما أقول لك . قال : فلقيني بعد ذلك ، فجعل يتشكر لي ويقول : إني والله رجعت يومئذ إلى أهلي ، وتوكلت على الله ، فلم ألبث إلا أن جاءني ما أحب ».
عن إبراهيم بن زكريا القرشي قال : سمعت هدابا البصري ، يقول : قال لي قائل في منامي : يا هداب « توكل على من توكل عليه المتوكلون قبلك فإنه جل ثناؤه لا يكل متوكلا عليه إلى غيره ».
قال أبو فروة الزاهد : قال لي رجل في منامي : أما علمت أن المتوكلين هم المستريحون ؟ قلت : يرحمك الله مم ذا ؟ قال : من هموم الدنيا ، وعسر الحساب غدا قال أبو فروة : فوالله ما اكترثت بعد ذلك بإبطاء رزق ولا سرعته ؛ وذلك أنه « من أجمع التوكل عليه كفاه ما همه ، وساق الرزق والخير له ، وقد قال الله عز وجل : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره ».
عن محمد بن الحسين قال : سمعت أبا جعفر - عابد رأيته بمكة عند قادم الديلمي - يقول : كان يقال : « توكل تسق إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف ».
عن حكيم بن جعفر قال : سمعت أبا عبد الله البراثي يقول : قال لي رجل من العباد : إنك أيها الرجل « إن فوضت أمرك إلى الله ، اجتمع لك في ذلك أمران ، قلت : ما هما ؟ قال : قلة الاكتراث بما قد ضمن لك ، وراحة البدن من مطلب ذلك ، فأي حال أكبر من حال المطيع له ، والمتوكل عليه كفاه الله بتوكله عليه الهم ، وأعقبه الراحة ».
عن الشعبي قال : تجالس شتير ومسروق ، فقال شتير : سمعت عبد الله يقول : إن أشد آية في القرآن تفويضا : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) فقال مسروق : صدقت. قال زهير البابي : « ما أقدر أن أقول : توكلت على الله ».
قال أبو سليمان : لو توكلنا على الله حق توكله ما بنينا حائطا على لبنتين ولا جعلنا على بابنا غلقا .
ذكر محمد بن عبد الله بن جحش قال : تفاخرت زينب وعائشة ، فقالت زينب : أنا الذي نزل تزويجي من السماء . وقالت عائشة : أنا الذي نزل عذري في كتاب الله حين حملني ابن المعطل على الراحلة . فقالت لها زينب : ما قلت حين ركبتيها ؟ قالت : « قلت : حسبي الله ونعم الوكيل . قالت لها زينب : قلت كلمة المؤمنين ».
عن بعض الحكماء قال : « التوكل على ثلاث درجات : أولاها ترك الشكاية ، والثانية الرضا ، والثالثة المحبة ، فترك الشكاية درجة الصبر ، والرضا سكون القلب بما قسم الله له وهي أرفع من الأولى والمحبة أن يكون حبه لما يصنع الله به ، فالأولى للزاهدين ، والثانية للصادقين ، والثالثة للمرسلين ».