فوائد من كتاب الاعتبار
حكمــــــة
عن الصلت بن حكيم قال حدثني محبوب العابد قال: مررت بدار من دور الكوفة غداة فسمعت جارية تنادي من داخل الدار (ألا يا دار لا يدخلك حزن... ولا يذهب بساكنك الزمان) ثم مررت بالدار فإذا الباب وقد علته كآبة ووحشة فقلت ما شأنهم قالوا مات سيدهم مات رب الدار فوقفت على باب الدار فقرعته وقلت إني سمعت من ههنا صوت جارية تقول (ألا يا دار لا يدخلك حزن... ولا يذهب بساكنك الزمان) فقالت امرأة من الدار وبكت يا عبد الله إن الله تعالى يغير ولا يغير والموت غاية كل مخلوق فرجعت والله من عندهم باكيا
حكمــــــة
عن بكار بن منقذ قال: خرجنا مع الحسن إلى السوق فإذا جارية تقول يا أبتاه مثل يومك لا أرى قال الحسن وأبوك مثل يومه ما رأى يا بنية دليني على منزلك فانطلقت بين يديه وانطلق الحسن ونحن معه حتى وقف على باب الدار فنادى يا أهل هذه الدار ما لي أرى هذا الباب مهجورا بعد أن كان معمورا قال فنادته امرأة من داخل الدار يا عبد الله هكذا أبواب الأرامل واليتامى فانصرف الحسن باكيا.
حكمــــــة
عن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله قال: دخلت على حرقة بنت النعمان بن المنذر وقد ترهبت في دير لها بالحيرة وهي في ثلاثين جارية لم ير مثل حسنهن قط فقلت لها يا حرقة كيف رأيت خيرات الملك قالت ما نحن فيه اليوم خيرا مما كنا فيه أمس إنا نجد في الكتب إنه ليس من أهل بيت يعيشون في حبرة إلا سيعقبون بعدها عبرة إن الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه إلا بطن لهم بيوم يكرهونه وإني قد قلت في ذلك قولا قال وما هو قالت (بينا نسوس الناس والأمر أمرنا... إذا نحن منهم سوقة نتنصف) (فأف لدنيا لا يدوم نعيمها... تقلب تارات بنا وتصرف).
حكمــــــة
عن عروة بن الزبير قال: كلمت بنت ملك من الملوك ملوك الشام شبب بها عبد الرحمن بن أبي بكر قد كان رآها فيما يقدم الشام فلما فتح الله على المسلمين وقتل أبوها أصابوها فقال المسلمون لأبي بكر يا خليفة رسول الله أعط هذه الجارية عبد الرحمن قد سلمناها له قال أبو بكر كلكم على ذلك قالوا نعم فأعطاها له وكان لها بساط في بلادها لا تذهب إلى الكنيف ولا إلى حاجة إلا بسط لها ورمي بين يديها رمانتان من ذهب تتلهى بهما قال وكان عبد الرحمن إذا خرج من عندها ثم رجع إليها رأى في عينيها أثر البكاء فيقول ما يبكيك اختاري خصالا أيها شئت إما أن أعتقك وأنكحك قالت لا أبتغيه وإن أحببت أن اردك إلى قومك قالت لا أريد وإن أحببت رددتك على المسلمين قالت لا أريد قال فأخبرني ما يبكيك قالت أبكي للملك من يوم البؤس.
حكمــــــة
قال أبو الأبطال: بعثت إلى سليمان بن عبد الملك ومعي ستة أحمال مسك فمررت بدار أيوب بن سليمان فأدخلت عليه فمررت بدار ما فيها من الثياب والنجد بياض ثم أدخلت منها إلى دار أخرى صفراء وما فيها كذلك ثم أدخلت منها إلى دار حمراء وما فيها كذلك ثم أدخلت إلى دار خضراء وما فيها كذلك فإذا أنا بأيوب وجارية له على سرير ما أعرفه من الجارية قال ولحقني من كان في تلك الدور فانتبهوا ما معي من المسك ثم خرجت منها فلما صرت إلى سليمان صليت العصر في مسجده فقلت لرجل إلى جنبي هل شهد أمير المؤمنين الصلاة فأشار إلى سليمان فأتيته فكلمته فقال أنت صاحب المسك قلت نعم قال اكتبوا له بالموافاة قال ثم مررت بدار أيوب بعد سبعة عشر يوما فإذا الدار بلاقع فقلت ما هذا قالوا طاعون أصابهم.
حكمــــــة
لما احتضر أيوب بن سليمان بن عبد الملك دخل عليه أبوه وهو يجود بنفسه ومعه عمر بن عبد العزيز وسعد بن عقبة ورجاء بن حيوة فخنقته العبرة وقال ما يملك العبد أن يسبق إلى قلبه الوجد وليست منكم وحشة وإني أجد في قلبي لوعة إن لم أسكنه بعبرة انصدعت كبدي كمدا وأسفا فقال عمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين الصبر أولى بك فنظر إلى سعد ورجاء نظرة مستغيث فقال له رجاء يا أمير المؤمنين افعل ما لم تأت الأمر المفرط فقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجد على ابنه إبراهيم قال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب فبكى سليمان بكاء شديدا ثم رقأت عبرته وغسل وجهه ثم مات أيوب فلما فرغ من دفنه وقف على قبره فنظر إليه ثم قال (وقوف على قبر مقيم بقفرة... متاع قليل من حبيب مفارق) ثم قال السلام عليك يا أيوب ثم قال (كنت لنا أنسا ففارقتنا... فالعيش من بعدك مر المذاق) وقربت إليه دابته فركب ثم عطف إلى القبر فقال (فإن صبرت فلم ألفظك من شبع... وإن جزعت فعلق منفس ذهبا).
حكمــــــة
عن أبي كنانة قال أخبرني بريد ليزيد بن المهلب قال: حملت حملين مسك من خراسان إلى سليمان بن عبد الملك فانتهيت إلى باب ابنه أيوب وهو ولي العهد فدخلت عليه فإذا دار مجصصة حيطانها وسقوفها وإذا فيها وصفاء ووصائف عليهم ثياب صفرة وحلي الذهب ثم أدخلت دارا أخرى فإذا حيطانها وسقوفها خضر وإذا وصفاء ووصائف عليهم ثياب خضر وحلي الزمرد قال فوضعت الحملين بين يدي أيوب وهو قاعد على سرير معه امرأته لم أعرف أحدهما من صاحبه فانتهب المسك من بين يديه فقلت له أيها الأمير اكتب لي براءة فزبرني فخرجت فأتيت سليمان فأخبرته بما كان فقال قد عرفنا قصتك فكتب لي براءة ثم عدت بعد أحد عشر يوما فإذا أيوب وجميع من كان معه في داره قد ماتوا أصابهم الطاعون.
حكمــــــة
عن مسلم بن يسار قال: قدمت البحرين في تجارة فنزلت على أهل بيت يقومون بأمور الناس كالسماسرة فإذا إخوة وعبيد وتجارة وغنى ظاهر وحال حسنة والناس إليهم عنق واحد مقبلين ومدبرين ولهم أم في مسجد لها مقبل عليها بثها حزينة فلما قضيت حاجتي وأردت الانحدار دنوت منها فسلمت عليها وعرضت عليها الحاجة فقالت حاجتي إن عدت إلى بلادنا أن تأتينا وتلم بنا قال فقدمت البصرة فما لبثت إلا يسيرا حتى خرجت إلى البحرين فذكرت قولها فمضيت نحوهم حتى دنوت إلى بابهم وما أثبته فاستأذنت فخرجت إلي خادم أو محررة فقلت لها هذا منزل بني فلان قالت نعم قلت ما فعلوا قالت ماتوا وإذا ضحك في الدار قلت ما فعلت أمهم قالت هذا ضحكها ما في الدار غيري وغيرها قلت استأذني لي عليها فدخلت فسلمت عليها وجعلت أقلب طرفي في الدار فلا أرى مما كنت عهدت شيئا قالت كأنك منكر قلت إي والله وإني لأعجب إنما فارقتكم حديثا قالت فإن لم نعد إن فارقتنا فأقبل قبلنا فما وجهنا شيئا بحرا إلا ذهب وما وجهنا شيئا برا إلا ذهب وذهب بني الذي رأيت وعبيدي قلت فأخبرني عن ضحكك اليوم وحزنك يومئذ قالت كنت أخاف أن لا يكون لنا عند الله خير فأنا اليوم أرجو قال فقدمت المدينة فلقيت بن عمر فحدثته حديثها فقال ما سبقها أيوب عليه السلام إلى الجنة إلا زحفا لكن بن عمر ذهبت خمصيته فأسي عليها فغمه ذلك.
حكمــــــة
دخل محمد بن زيدان الكاتب يوما على يحيى بن خالد بن برمك فرآه مهموما مفكرا ينكت في الأرض فقلت أصلحك الله قد طال فكرك ففيم ذاك هذا ابنك الفضل على خراسان وجعفر على العراق ومحمد على اليمن وموسى على الجبال وأنت فيما أنت فيه فقال: ويحك ففي هذا كان فكري ولما نحن فيه كثر همي أنا علمت أن جدي برمك كان ينزل النوبهار وكان يقدم في كل سنة على هشام بن عبد الملك فكان يألف دهقانا بالجبل ينزل عليه ذاهبا وينزل عليه راجعا وكان في دنيا عريضة وأمر واسع جدا فقال له جدي مرة في بعض نزوله عليه إنك من الدنيا لفي أمر واسع وخير كثير هؤلاء ولدك قد ساووك وأموالك منتشرة وجاهك عريض قال وما ينفعني من ذلك وقد تكدر كل ما أنا فيه بصاحبتي أم أولادي هي الدهر باكية ليلها ونهارها فما أتهنى بشيء مما أنا فيه ولا أعلم ما سبب بكائها ولا تخبرني به قلت أفتأذن لي في كلامها قال نعم شأنك وذاك فقلت يا هذه إنكم من الدنيا في سعد ومن العيش فيما أنتم فيه وقد أفسدت ذاك على صاحبك بطول بكائك ودوام حزنك فمم ذاك قالت أما إنه يسائلني عن ذاك منذ مدة فما أخبره نحن أهل بيت لم نصب بمصيبة ولم تنزل بنا جائحة ولم نثكل ولدا فقد علمت أن هذا لا يتم على ما أرى ونفسي متوقعة أمرا ينزل بنا فطول بكائي ودوام حزني لذلك فقلت لها فلم تعجلين البكاء دعي الأمر حتى يقع قالت إن نفسي تأبى أن تسكن مع تغير ما تعلم قال فارتحلت من عندهم إلى هشام ثم رجعت فمررت بهم فإذا الأعراب والأكراد قد أغاروا عليهم فقتلوا الدهقان وولده وأخذوا أموالهم وأخربوا ضياعهم فأتيت المرأة فتوجعت لهما مما نزل بهم فقالت أبا فلان قد حل بنا ما كنا نتوقع فهل عندك من شيء فقال يحيى بن خالد ويحك فإنما طال فكري للأمر الذي نحن فيه قال فما لبثوا أن حل بهم ما حل.
حكمــــــة
عن نابل بن نجيح قال: كان باليمامة رجلان ابنا عم فكثر مالهما فوقع بينهما ما يقع بين الناس فرحل أحدهما عن صاحبه قال فإني ليلة قد ضجرت برغاء الإبل والغنم والكثرة إذ أخذت بيد صبي لي وعلوت في الجبل فأنا كذلك إذ أقبل السيل فجعل مالي يمر بين ولا أملك منه شيئا حتى رأيت ناقة لي قد علق خطامها بشجرة فقلت لو نزلت إلى هذه فأخذتها لعلي أنجو عليها أنا وبني هذا فنزلت فأخذت الخطام وجذبها السيل فرجع علي غصن الشجرة فذهب ماء إحدى عيني وأفلت الخطام من يدي فذهبت الناقة ورجعت إلى الصبي فوجدته قد أكله الذئب فأصبحت لا أملك شيئا فقلت لو ذهبت إلى بن عمي لعله يعطيني شيئا فمضيت إليه فقال لي قد بلغني ما أصابك والله ما أحببت أنه قد أخطأك فكان ذلك أشد مما أصابني فقلت أمضي إلى الشام فأطلب فلما دخلت إلى دمشق إذا الناس يتحدثون أن عبد الملك بن مروان أصيب بابن له فاشتد حزنه عليه فأتيت الحاجب فقلت إني أحدث أمير المؤمنين بحديث يعزيه عن مصيبته هذه فقال أذكر ذلك له وذكره فقال أدخله فأدخلني فحدثته بمصيبتي فقال قد عازيتني بمصيبتك عن مصيبتي وأمر لي بمال فعدت وتراجعت حالي.
حكمــــــة
قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد بن عروة فدخل محمد بن عروة دار الدواب فضربته دابة فمات ووقعت في رجل عروة الآكلة فقال له الوليد اقطعها قال لا فترقت إلى ساقه فقال الوليد اقطعها وإلا أفسدت جسدك فقطعت بالمنشار وهو يسبح لم يمسكه أحد فقال لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ولم يدع ورده تلك الليلة.
حكمــــــة
قدم على الوليد بن عبد الملك ذلك اليوم قوم من بني عبس فيهم رجل ضرير فسأله عن عينيه فقال له بت ليلة في بطن واد ولا أعلم في الأرض عبسيا يزيد ماله على مالي فطرقنا سيل فذهب ما كان لي من أهل وولد ومال غير صبي مولود وبعير وكان البعير صعبا فند فوضعت الصبي واتبعت البعير فلم أجاوزه حتى سمعت صيحة الصبي فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه يأكله واستدبرت البعير لأحبسه فنفحني برجله فأصاب وجهي فحطمه وذهبت عيناي فأصبحت لا أهل ولا مال ولا ولد فقال الوليد انطلقوا به إلى عروة فيخبره خبره ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاء
حكمــــــة
قال سعيد أبو عثمان نظر إلى امرأته فقال: ما رأيت مثل هذا الحسن وهذه النضارة وما ذاك إلا من قلة الحزن فقالت يا عبد الله والله إني ليذبحني الحزن ما يشركني فيه أحد قال وكيف قالت ذبح زوجي شاة مضحيا ولي صبيان يلعبان فقال أكبرهما للأصغر أريك كيف صنع أبي بالشاة فعقله فذبحه فما شعرنا به إلا متشحطا فلما استحلت الصيحة هرب الغلام ناحية الجبل فرهقه ذئب فأكله ونحن لا نعلم وقد اتبعه أبوه يطلبه فمات عطشا فأفردني الدهر قال فكيف صبرك فقالت لو رأيت في الجزع دركا ما اخترت عليه.
حكمــــــة
عن محمد بن سلام الجمحي قال زعم عوانة قال: لما وقع الطاعون الجارف بالبصرة وذهب الناس فيه وعجزوا عن موتاهم وكانت السباع تدخل البيوت فتصيب من الموتى وذلك سنة سبعين أيام مصعب وكان يموت في اليوم سبعون ألفا فبقيت جارية من بني عجل ومات أهلها جميعا فسمعت عواء الذئب فقالت (ألا أيها الذئب المنادي بسحره... هلم أبثك الذي قد بدا لنا) (بدا لي أن قد يتمت وإنني... بقية قوم أورثوا في المباكيا) (ولا ضير أني سوف أتبع من مضى... ويتبعني من بعد من كان تاليا).
حكمــــــة
عن عبد الله بن الأجلح الكندي قال: كانت امرأة من بني عامر بن صعصعة وكان لها تسعة من الأولاد فدخلوا غارا وأمهم معهم فخرجت لحاجة وتركتهم فرجعت وقد سقط الغار عليهم فجعلت تسمع أنينهم حتى ماتوا فقالت (إما تصيبك من الأيام جائحة... فما لقي ما لقيت العام من أحد) (ربيتهم تسعة حتى إذا اتسقوا... أفردت منهم كقرن الأعضب الوحد) (وكل أم وإن سرت بما ولدت... يوما ستثكل ما ربت من الولد).
حكمــــــة
عن مجالد بن سعد قال حدثنا أبي قال: سألت هلال الوزان فقلت كم ولد الزبير فقال أتاني نعي أخي من الكوفة وأنا بالمدينة فمررت على الزبير فسلمت عليه ومضيت فقال عروة والله ما كان يعودنا هذا كان إذا مر بنا يجلس فيا فلان لبعض غلمانه رده علي قال فلحقني فردني قال كنت إذا مررت بنا جلست فما بالك اليوم فقلت أتاني نعي أخي من الكوفة فقال عروة كان للزبير سبعة وعشرون ذكرا منهم من قتل ومنهم من مات وما بقي من ولده أحد غيري فأنا آكل أطيب الطعام وألبس ألين الثياب.
حكمــــــة
قال أبو بحر البكراوي عن أمه قالت: خرجنا هاربين من طاعون القنيات فنزلنا قريبا من سنام قالت وجاء رجل من العرب معه بنون له عشرة فنزل قريبا منا مع بنيه فلم يمض إلا أيام حتى مات بنوه أجمعون وكان يجلس بين قبورهم فيقول (بنفسي فتية هلكوا جميعا... برابية مجاورة سناما) (أقول إذا ذكرت العهد منهم... بنفسي تلك اصداء وهاما) (فلم أر مثلهم هلكوا جميعا... ولم أر مثل هذا العام عاما) قالت وكان يبكي من سمعه.
حكمــــــة
عن حاجب بن عمر أبو خشينة قال: مر زياد بالحيرة فقيل له إن في هذا القصر ابنة النعمان بن المنذر ملك العرب فقال ميلوا إلى باب القصر فدنا منه فقال قولوا لها فلتدن من الباب فدنت فقال لها زياد أخبريني عن دهركم قالت أفسر أو أجمل قال بل أجملي قالت فإنا أصبحنا ذا صباح وما في العرب أهل بيت أغبط عند الناس منا فما آبت الشمس حتى رحمنا عدونا.
حكمــــــة
عن كثير بن سعد بن هاشم السلمي عن أبيه قال: أعرس رجل من الحي على ابنه قال فاتخذوا لذلك لهوا قال وكانت منازلهم إلى جانب المقابر فوالله إنهم لفي لهوهم ذلك ليلا إذ سمعوا صوتا منكرا أفزعهم فاصغوا مطرقين فإذا هاتف يهتف من بين القبور (يا أهل لذة دنيا لا تدوم لهم... إن المنايا تبيد اللهو واللعبا) (كم قد رأيناه مسرورا بلذته... أمسى فريدا من الأهلين مغتربا) قال فوالله ما لبثوا بعد ذلك أياما حتى مات الفتى المزوج.
حكمــــــة
كان لبني العباس مولى يقال له الزرير بن عبد ربه وكان قد عمر حتى فقد ماله وولده فلم يبق له إلا بن واحد يقال له إبراهيم قال فكان إبراهيم الذي يغذوه ويرفق به والشيخ شبيه بالوالد فرمي في جنازة ابنه إبراهيم فأخذ الجيران في مصلحته وإنه لجالس في ناحية منزله لا يحير شيئا أكبر ظنهم أنه لا يفهم شيئا من فقد ابنه حتى إذا أصلحوا شأنه حملوا سريره خرج يهدج قدام الجنازة فلما انتهوا به إلى شفير قبره ضرب يده إلى أكفانه ثم قال (إني لأصبر من يمشي على قدم... غداة أبقى وإبراهيم في الرجم) (يا من لعين أباد الدهر قرتها... ومن لسمع رماه الدهر بالصمم) (قالوا أطلت الأسى فأربع عليك وهل... بكيت حبي ما لم أبكه بدم) (بدلت من فرحي الماضي به ترحا... وعاد عهد أبي إسحاق كالحلم) (فالله موضع ما أشكو وغايته... وبالإله من الشيطان معتصم) (قد ذاقه من به سميت فانهملت... عين النبي عليه سحة السجم) فقال (ما أنا فيك اليوم قائله... وبالإله سداد الفعل والكلم) (ما ضر من قال يودي الوجد صاحبه... وقد بقيت ووجدي ليس كالامم).
حكمــــــة
عن إسماعيل بن يعقوب التيمي قال: أقبلت من عمرة المحرم فنزلت العرج فإذا أنا بشاب ميت وظبي مذبوح وفتاة عبرى فقلت أيتها الفتاة ما خبر هذا الشاب وهذا الظبي فقالت إن هذا بن عمي وهو زوجي وإنا نزلنا هذا الموضع فمر به هذا الظبي فأخذه فاضجعه ليذبحه فلما أجرى الشفرة على حلقه ارتكض بيديه فوخزه بقوته فقتله وإذا هي تقول (يا خشف لو بطل لكنه قدر... على الإساءة ما أودى بك البطل) (يا خشف خشف بني نهد وأسرته... نكل العدو إذا ما قيل من رجل) (أمست فتاة بني نهد معطلة... وبعلها بين أيدي القوم مقتتل) (كانت منيته وخزا بذي شعب... فارتض لا أود فيه ولا فلل) قال فما رأيت ثلاثة نحبت مثلهم الشاب ميت والظبي مذبوح والفتاة عبرى.
حكمــــــة
عن علي بن عبد الله بن عباس قال: دخلت على عبد الملك بن مروان في يوم شديد البرد وإذا هو في قبة باطنها قوهي معصفر وظاهرها خزاغيره وحوله أربع كوانين قال فرأى البرد في تقفقفي فقال ما أظن يومنا هذا إلا باردا قال قلت أصلح الله أمير المؤمنين ما يظن أهل الشام أنه أتى عليهم يوم هو أبرد منه قال فذكر الدنيا فذمها ونال منها وقال هذا معاوية عاش أربعين سنة عشرين أميرا وعشرين خليفة هذه جثته عليها ثمامة نابتة لله در ابن حنتمة ما كان أعلمه بالدنيا.
حكمــــــة
عن بن سابط الجمحي: أنه خرج من قنسرين وهو قافل قال فأشار لي إنسان إلى قبر عبد الملك بن مروان فوقفت أنظر فمر عبادي فقال لم وقفت ههنا فقلت أنظر إلى قبر هذا الرجل الذي قدم علينا مكة في سلطان وأمن ثم عجبت إلى ما رد إليه فقال ألا أخبرك خبره لعلك ترهب قلت وما خبره قال هذا ملك الأرض بعث إليه ملك السماء والأرض فأخلع روحه فجاء به أهله فجعلوه ههنا حتى يأتي الله يوم القيامة مع مساكين أهل دمشق.
حكمــــــة
كان عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية رجلا لعبد الملك بن مروان فلما مات عبد الملك وتصدع الناس عن قبره وقف عليه فقال له أنت عبد الملك الذي كنت تعدني فأرجوك وتوعدني فأخافك أصبحت وليس معك من ملكك غير ثوبيك وليس لك منه غير أربعة أذرع في عرض ذراعين ثم انكفأ إلى أهله فاجتهد في العبادة حتى صار كأنه شن بال فدخل عليه بعض أهله فعاتبه في نفسه وإضراره بها فقال لقائله أسألك عن شيء تصدقني عنه ما بلغه علمك قال نعم قال أخبرني عن حالك التي أنت عليها أترضاها للموت قال اللهم لا قال فاعتزمت على النقال منها إلى غيرها قال ما أشجعت رأيي في ذلك قال أفتأمن أن يأتيك الموت على حالك التي أنت عليها قال اللهم لا قال فبعد الدار التي أنت فيها معتمل قال اللهم ولا قال حال ما أقام عليها عاقل ثم انكفا إلى مصلاه.
حكمــــــة
لما قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير بدير الجاثليق أقبل وعليه قلنسوة دنوسية فإذا الهيثم بن الأسود فقال له كيف رأيت ما فعل الله بأهل بلدك يا هيثم قال يا أمير المؤمنين خف الوطأة وأقل التثريب فجاء حتى دخل القصر وفيه عمرو بن حريث فأخذ بيده فجعل يريه منازل الأمراء فقال له هذا منزل المغيرة بن شعبة وهذا منزل زياد وكان هذا منزل سعد فانصرف عبد الملك فرمى بنفسه على السرير وقال (أرى كل حي يا أميم إلى بلى... وكل امرئ يوما يصير إلى كان).
حكمــــــة
عن أبي السائب العبدي قال: أتانا صالح المري فدخل علينا فقلت من أين أقبلت يا أبا بشر قال أقبلت من منزل أخوض المواعظ حتى صرت إليكم مررت بدار فلان فنادتني يا صالح خذ موعظتك مني فقد نزلني فلان فارتحل ونزلني فلان فارتحل ونزلني فلان فارتحل ومررت بدار فلان فنادتني يا صالح خذ موعظتك مني نزلني فارتحل ونزلني فلان فارتحل فجعل يعدد الدور دارا دار حتى وصل إلينا.
حكمــــــة
عن مهدية التميمية امرأة من بني العنبر كان لها بنون وإخوة فماتوا وبقي لها بن واحد فمات فأنشأت تقول: (أمنجاب المكارم عد إلينا... لأن نشفي برؤيتك الغليلا) (كأنك لم تقل للركب سيروا... ولم ترحل عذاقرة ذمولا) قال ثم حدثتنا ساعة ثم تبسمت فقالت لها امرأة منهن أتضحكين وأنت حرى ثكلى قد ثكلت منجابا أجنون اعتراك أم فند أم ماذا دهاك فبكت ثم قالت لا وأبيك ولكن الشر لا يجد لي مزيدا.
حكمــــــة
عن عبد الله بن وهب عن بن لهيعة: أن ذا القرنين لما حضرته الوفاة كتب إلى أمه إذا أتاك كتابي فاصنعي طعاما واجمعي عليه النساء فإذا جلسوا للغداء فاعزمي عليهن أن لا تأكل منهن امرأة ثكلى ففعلت فعلقن أيديهن كلهن فقالت ألا تأكلن أكلكن ثكلى قلن إي والله ما منا امرأة إلا وقد ثكلت أباها أو أخاها أو ابنها قالت إنا لله وإنا إليه راجعون هلك ابني ما كتب بهذا إلا تعزية.
حكمــــــة
عن الحسن قال: كان الإسكندر أول من خزن الأموال تحت الأرض فلما حضرته الوفاة دعا ابنه الأكبر وكان ولي عهده فقال يا بني إني أراني لمآبي فإذا أنا مت فابعث إلي حذاق الصاغة فأدخلهم الخزائن فلينتقوا جيد الذهب على أعينهم ثم ليصوغوا تابوتا ثم أدخلني فيه ثم ضعني وسط قصري ثم ابعث إلى أهل مملكتك وإلى العلماء منهم فليتكلم كل واحد منهم بما يعلم فلما هلك الإسكندر فعل ابنه ما أمره به أبوه سرا ثم بعث إلى أهل مملكته وإلى العلماء وكانوا ثلاثة عشر رجلا فأقبلوا حتى أطافوا بالتابوت كأنهم علموا ما يراد بهم فقال لهم ابنه أيها العلماء قوموا فتكلموا بما تعلمون فقال الأول فوضع يده على التابوت فقال سلك الإسكندر طريق من قبر وفي موته عبر لمن بقي ثم قام الثاني فقال هلك الإسكندر ومن يملك من بعده يهلك كما هلك ثم قام الثالث فقال خلف الإسكندر ملكه لغيره يحكم فيه بغير حكمه ثم قام الرابع فقال تفرقنا لموتك وقد فارق الإسكندر ومن كان به يغتبط ثم قام الخامس فقال أصبح الإسكندر مشتغلا بما عاين وهو بالأعمال يوم الجزاء أشغل ثم قال السادس فوضع يده على التابوت فقال اسكندر كان يخزن الذهب في الخزائن فأصبح الإسكندر مخزونا في الذهب ثم قام السابع فقال أنا السابع وأنا أقول من كان يرجو روح الآخرة فليعمل عملا يقبل منه ويرفع ثم قام الثامن فقال الإسكندر كنت مثلي حديثا وأنا مثلك وشيكا ثم قام التاسع فقال اسكندر وردت يوم وردت ناطقا وصدرت يوم صدرت صامتا وقام العاشر فقال اسكندر جمعت الآفاق لموتك وفي الموت عبرة لمن اعتبر وأبصر وقام الحادي عشر فقال اسكندر أرى مصيبته بعد نعمه وقد كانت وزمان فما أبكر فكلنا يصيبه ما قد نزل ثم قام الثاني عشرة فقال اسكندر هذا آخر عهدنا بك منعت جواب من يخاطبك ثم قام الثالث عشر فقال السلام على من رضي دار السلام وأدخل دار السلام.
حكمــــــة
قال بن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قال وكان متورايا عندي: فلما قدم بن هبيرة واسط أخذه فقيده وغله ثم بعث به إلى مروان بن محمد قال وأنا محمول معه أخدمه حتى قدم بنا عليه قال لما قدم به عليه أمر ببيت فبني له ثم جيء به فأدخله فذهب يقوم فلم يستطع أن يقيم فيه صلبه من قصره فجلس فاتكأ فذهب يمد رجليه فلم يستطع فقال الحمد لله يا بني بينما خاتمي يجول في مشارق الأرض ومغاربها صرت لا أملك موضع قدمي فلما قال ذلك بكيت فقال لا تبك يا بني ألا أحدثك عن جدك بحديث قلت بلى قال سمعت أبي يقول ما من ميت يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه.
حكمــــــة
عن المنهال بن عبد الملك مولى بني أمية قال: حبس هشام بن عبد الملك عياض بن مسلم كاتبا للوليد بن يزيد وضربه وألبسه المسوح فلم يزل محبوسا حتى مات هشام فلما ثقل هشام صار في حد لا يجرى لمن كان مثله في الحياة فرهقت عشية وظنوا أنه قد مات فأرسل عياض بن مسلم إلى الخزان احتفظوا بما في أيديكم فلا يصلن أحد إلى شيء وأفاق هشام من غشييته فطلبوا من الخزان شيئا فمنعوهم فقال هشام إنما كنا خزانا للوليد ومات هشام من ساعته فخرج عياض من الحبس فختم الأبواب والخزائن وأمر هشام فأنزل من فراشه ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن فكفنه غالب مولى هشام ولم يجدوا قمقما ليسخن فيه الماء حتى استعاروه فقال الناس إن في هذا لعبرة لمن اعتبر.