فوائد من كتاب المنثور
فوائد من كتاب المنثور
حُكىَ أن إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - حجَّ إلى مكة فبينما هو في الطواف فإذا بشاب حسن الوجه قد قطع على الناس طوافهم من حسنه وجماله وبهت الناس ينظرون، فصار إبراهيم ينظر إليه ويبكي فقال بعض أصحابه: إنا لله وإنّا إليه راجعون غفلة دخلت على الشيخ بلا شك فقلت له: يا سيدي ما هذا النظرُ الذي يخالطه البكاء؟ فقال الشيخ: اعلم يا أخي أنّي لولا ما، عقدتُ مع الله عقداَ لا أقدر أفسخه كنت أدني لهذا الغلام منّي واسلِّم عليه واضمّه ألتزمهُ، ولكنّي خشيت أن يقطع بي عن من عقدت العقد بيني وبينه، اعلم أنّ هذا ولدي وقرّة عيني تركته صغيراً وفررت إلى الله، هو كما ترى مُذْ كَبر وهؤلاء عبيده وإني لأستحي من الله أن أعود لشيءٍ خرجتُ منه. وما عرضت لي نظرة مُذْ عرفته... ولا شيء إلاّ كان لي حيث أنظر اغارُ على طرفي له فكأنني... إذا رام طرفي غيره لستُ أبْصِرُ فيا منتهى سؤلي وذخري وعُدَتي... ودارك في قلبي إلى يوم أُحْشَرُ ثم قال امض وسلَّم عليه لعلِّي أتسَلّى بسلامك عليه وأبرِّدُ به ناراً على كبدي قال: فأتيت الفتى وسَلَمْتُ عليه وقلت له: بارك الله لأبيك فيك فقال: يا عم ! وأين أبي؟ إنّ أبي خرج فارّاً إلى الله تعالى، ليتني لو رأيتُه مرة واحدة وتخرج نفسي عند ذلك، هيهات تُرى يجمع الله شملي به، قال: وغَلَبَتْهُ العبرة فردّها بيده وقال: والله لقد أودُّ لو أنّي رأيتُه ودَعْني أموت مكاني. لقد حكم الزمانُ عليّ حتى... أراني في هواك كما تراني حبيبي إن بَعُدت فإنّ قلبي... على مَرِّ الزمان إليك وأني وإنْ بَعُدَتْ ديارُك عن دياري... فشخصك ليس يبرح عن عياني فيا وَلَعَ العواذل كفّ عنِّي... ويا كفَ الغرام خذي عناني لقد أمكنتَ حبّك من فؤادي... مكاناَ ليس يعرفه جَناني كأنَّك قد ختمتَ على ضميري... فغيرك لا يمرّ على لساني قال: فأتيت إبراهيم بن أدهم وهو ساجد في المقام وقد بلَّ الحصا بدموعه، وهو يتضرّع إلى الله ويقول: هجرت الخَلْقَ طرّاً في هواكاد... وأسلمتُ العبادَ لكي أراكا فلو قطعتني في الحبّ إرباً... لما سكنَ الفؤاد إلى سواكا فقلتُ له: ادعُ له، فقال: حَجَبَهُ الله عن معاصيه.