الفصل الأول
الفصل الأول
في التعريف بالحج وحكمه والاستطاعة إليه([1])
أولاً التعريف:
لغةً:
قرئ الحَجُ والحِجُ بفتح الحاء، وكسرها.وهو قصد الشيء، وإتيانه، ومنه سُمي الطريق محجة؛ لأنه موضع الذهاب والمجيء، ويسمى ما يقصده الخصم حجة لأنه يأتمه وينتحيه، ومنه في الاشتقاق الأكبر الحاجة، وهو ما يقصد، ويطلب للمنفعة به.ومنه قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)؛ رواه أحمد والبخاري.
ويقول بعض أهل اللغة: الحج القصد أو كثرة القصد إلى من يعظمه.
وشرعًا:
ثم غلب في الاستعمال الشرعي، والعرفي على حج بيت الله سبحانه وتعالى وإتيانه، فلا يفهم عند الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد لأنه هو المشروع الموجود كثيرًا وذلك كقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] وقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، إلى قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]. وقد بين المحجوج إليه؛ فيقوله تعالى: {ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ} [آل عمران: 97]، وقوله تعالى: {فَمَن حَجَّ البَيتَ أَوِ اعتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158].
ثم إن حج البيت له صفةٌ معلومةٌ في الشرع، من الوقوف بعرفة والطواف بالبيت وما يتبع ذلك فان ذلك كله من تمام قصد البيت فإذا أطلق الاسم في الشرع انصرف إلى الأفعال المشروعة إما في الحج الأكبر أو الأصغر أي العمرة.
ثانيًا: حكم الحج والعمرة
1- حكم الحج:
واجب في الجملة، وهو أحد مباني الإسلام الخمس وهو من العلم المستفيض.
والأصل فيه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً}، وقد أتْبَعَهُ بقوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ العَالَمِينَ} {آل عمران: 97] فيبين أن من لم يعتقد وجوبه فهو كافر. وأنه إنما وضع البيت وأوجب حجه ليشهدوا منافع لهم لا لحاجة إلى الحجاج لأن الله غنى عن العالمين.
وأما السنة:
فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (بني الإسلام على خمس، شهادة إلا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت)؛ متفقٌ عليه.
والآيات والأحاديث الصحيحة في إثبات ذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون في الجملة على أن الحج فرض لازم.
2- حكم العمرة:
العمرة واجبة العمرة فريضة قاله أحمد في مواضع، وهو قول ابن عباس وابن عمر وجابر رضي الله عنهم، وذكر عنه رواية أخرى أنها سنة لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] ولم يذكر العمرة، وعن جابر - رضيَ الله عنه - قال: أتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعرابي فقال: أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم -: (لا، وإن تعتمر خيرٌ لك) [2]؛ رواه أحمد، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح[3].
3 - والحج والعمرة:
يجبان مرة في العمر بإيجاب الشرع، فأما إيجاب المرء على نفسه فيجب في الذمة بالنذر، ويجب القضاء لما لم يتمه، ويجب إتمامه بعد الشروع؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحَجَّ وَالعُمرَةَ لله} [البقرة: 96].
4- ولا يجب الوجوب المقتضى للفعل وصحته إلا على مسلم لقوله الله سبحانه: { إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقرَبُواْ المَسجِدَ الحَرَامَ بَعدَ عَامِهِم هَذَا} [التوبة: 38].
5-ولا حج على مجنون إلا أن يفيق، ولا على صبي حتى يبلغ؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (رُفع القلم عن المجنون حتى يفيق، والصبي حتى يحلم)؛ رواه أحمد: 1: 118، ورواه البخاري موقوفًا. ولا يجب إلا على حرٍّ كامل الحرية.
ثالثًا: الاستطاعة
1-أما الاستطاعة فهي شرط في الوجوب: وليست شرطًا في الإجزاء...والحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلا بنص القرآن والسنة وإجماع المسلمين وهو معنى قوله تعالى: {مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً}[آل عمران: 97].
2- واستطاعة السبيل عن الإمام أحمد وأصحابه: ملك الزاد والراحلة؛ فمناط الوجوب: وجود المال، فمن وجد المال وجب عليه الحج بنفسه أو بنائبه، وأن يجد ذلك بعد ما يحتاج إليه من قضاء دَيْنِه، ومؤنة نفسه وعياله على الدوام.
3- فان حجَّ راجلاً تجزؤه من حجة الإسلام ويكون قد تطوع بنفسه، (ورُويَ) أحاديث مسندة من طرق حسان ومرسلة وموقوفة تدل على أن مناط الوجوب وجود الزاد والراحلة، مع علم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -بأن كثيرًا من الناس يقدرون على المشي، ودليل الأصل قوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الذينَ إِذَا ما أَتَوكَ لِتَحمِلَهُم} [التوبة: 91، 92].
وأيضًا فإن المشي في المسافة البعيدة مظنة المشقة العظيمة. وتعتبر الراحلة في حق من بينه وبين مكة مسافة القصر عند أصحابنا، فأما القريب والمكي ونحوهما ممن يقدرون على المشي فيلزمه ذلك كما يلزمه المشي إلى الجمعة والعيد.
4- وإن كان العاجز عن الحج يرجو القدرة عليه كالمريض والمحبوس لم تجز له الاستتابة في فرض كما ذكره أحمد؛ لأن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنما أذن للشيخ الكبير الذي لا يستمسك على الراحلة، وأما الذي يُرجى أن يقدر على الحج ليس في معناه.
5- أما المرأة: فلا يجب عليها أن تسافر للحج ولا يجوز لها ذلك إلا مع زوج أو ذي محرم لقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا معها ذو محرم)؛ متفقٌ عليه. وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لها السفر إلا على وجه يؤمن فيه البلاء..والله أعلم.
-----------
[1] - انظر: شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق الدكتور صالح بن محمد الحسن [1/73-179] باختصار.
[2] - رجَّح الحافظ ابن حجر وقفه على جابر؛ انظر: بلوغ المرام حديث رقم (728).
[3] - قال شيخ الإسلام - رحمه الله – بالقولين؛ انظر: مجموع الفتاوى [26/5 – 9/197]، وشرح العمدة [1/88-104]، ولقد قال بسنِّيتها الأحناف والمالكية، وبوجوبها الشافعية، وكذا المشهور من قولَي الحنابلة، وهو الراجح،،، والله اعلم.