سورة الفاتحة
باب الحث على سور وآيات مخصوصة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي سعيد رافع بن المعلى - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟» فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج، قلت: يا رسول الله، إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن؟ قال: «الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن الفاتحة أعظم سورة في القرآن. وفي حديث أبي هريرة: «أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها». قال العلماء: وإنما كانت أعظم سورة؛ لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن، ولذا سميت بأم القرآن. قال الحسن البصري: إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن، ثم أودع علومه في الفاتحة. فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسيره. وقال علي رضي الله عنه: لو شئت أن أوقر على الفاتحة سبعين وقرا لأمكنني ذلك. قوله: «هي السبع المثاني»، أي؛ لأن الفاتحة سبع آيات، وسميت الفاتحة مثاني لأنها تثنى في الصلاة في كل ركعة، ولاشتمالها على قسمين: ثناء، ودعاء. وقوله: «والقرآن العظيم»، قال الخطابي: فيه دلالة على أن الفاتحة هي القرآن العظيم، وأن الواو ليست بالعاطفة التي تفصل بين الشيئين، وإنما هي التي تجيء بمعنى التفصيل، كقوله: {فيهما فاكهة ونخل ورمان}... [الرحمن (68)]، وقوله: {وملآئكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة (98)]. قال الحافظ: وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله: «والقرآن العظيم» محذوف الخبر، والتقدير: ما بعد الفاتحة مثلا فيكون وصف الفاتحة، انتهى بقوله: «هي السبع المثاني»، ثم عطف قوله: «والقرآن العظيم»، أي: ما زاد على الفاتحة، وذكر ذلك رعاية لنظم الآية، ويكون التقدير: والقرآن العظيم هو الذي أوتيته زيادة على الفاتحة. انتهى. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: السبع المثاني: هي فاتحة الكتاب. والقرآن العظيم: سائر القرآن.
تدبــــر - المجموعة السادسة
قدم العبادة على الاستعانة في قوله تعالى: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5] لأن العبادة قسم الرب وحقه، والاستعانة مراد العبد، ومن الطبيعي أن يقدم العبد ما يستوجب رضا الرب ويستدعي إجابته قبل أن يطلب منه شيئا، وهو هنا التذلل لله والخضوع بين يديه بالعبادة، فكان القيام بالعبادة مظنة استجابة طلب الاستعانة. [ابن القيم]
تدبــــر - المجموعة السادسة
كثير من الناس حينما يستعيذ بالله من الشيطان، يستعيذ وفي نفسه نوع رهبة من الشيطان، وهذه الحال لا تليق أبدا بصاحب القرآن، الذي يستشعر أنه يستعيذ - أي يلوذ ويعتصم ويلتجئ - برب العالمين، وأن هذا الشيطان في قبضة الله، كيف لا وهو يقرأ قول ربه { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } [النساء:76] [د. عمر المقبل]
تدبــــر - المجموعة الثامنة
كثيرا ما يستعجل الإمام أو يغفل المأموم عن تدبر سورة الفاتحة، خاصة مع تكررها في مثل التراويح، طلبا لتدبر ما بعدها من تلاوة وربما لتدبر قنوت!! مع أن الفاتحة أولى السور بالتدبر؛ لأنها أعظم سورة، والله تعالى يقول: { ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم } [الحجر: 87] والفاتحة هي السبع المثاني والقرآن العظيم [باسل الرشود].
فوائد من تفسير العثيمين
سورة الفاتحة لها مميزات تتميز بها عن غيرها، منها أنها ركن في الصلوات التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، ومنها أنها رقية إذا قرئ بها على المريض شُفي بإذن الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي قرأ على اللديغ، فبرئ: (وما يدريك أنها رقية). وقد ابتدع بعض الناس اليوم في هذه السورة بدعة، فصاروا يختمون بها الدعاء، ويبتدئون بها الخطب ويقرؤونها عند بعض المناسبات، وهذا غلط: تجده مثلاً إذا دعا، ثم دعا قال لمن حوله: (الفاتحة) يعني اقرؤوا الفاتحة، وبعض الناس يبتدئ بها في خطبه أو في أحواله، وهذا أيضاً غلط لأن العبادات مبناها على التوقيف، والاتباع.
تدبــــر - المجموعة السادسة عشر
تعلم ان من رحمة الله بنا أن علمنا كيف نثني عليه ولولا ذلك ما استطاع أحد أن يأتي بالثناء الكافي على الله -عز وجل- مع العلم أنه لا يستطيع أحد أن يحصي الثناء على الله -عز وجل- لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ولكن من رحمة الله بنا أن علمنا كيف نثني عليه -سبحانه- وذلك في فاتحة كتابه في قوله:{الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة:2] فلو أراد أحد أن يأتي بثناء أفضل منه لن يستطيع!! أتعلم لماذا؟ لأن الله -عز وجل هو الذي أثنى على نفسه بهذا الثناء وأمرنا نثني عليه بهذا الثناء، فهو أعلم به منا سبحانه وتعالى، والحمد لله رب العالمين…
تدبــــر - المجموعة السابعة
{الحمد لله رب العالمين} يؤخذ من سورة الفاتحة، إيجاز المقدمة مع بلاغتها؛ لئلا تمل نفوس السامعين بطول انتظار المقصود، وهذا سنة للخطباء ألا يطيلوا المقدمة فينسبوا إلى العي، فإنه بمقدار ما تطال المقدمة يقصر الغرض، ومن هذا يظهر وجه وضعها قبل السور الطوال مع أنها سورة قصيرة. [ابن عاشور]
تدبــــر - المجموعة الثامنة
قال ابن تيمية رحمه الله: تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال العون على مرضاته تعالى، ثم رأيته في الفاتحة: {إياك نعبد وإياك نستعين} [5] ويشهد لقول ابن تيمية: الدعاء الذي أوصى نبينا معاذا أن يقوله دبر كل صلاة: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، فليتدبر المؤمن هذه الآية العظيمة وذلك الدعاء.
تدبــــر - المجموعة الثالثة والعشرين
من أعظم ما يذكر به الذين يتساهلون بالتشبه بالكفار: تدبر سورة الفاتحة؛ فإنها تقتلع أصول التشبه من جذوره، لكن المؤسف: أن يسأل المصلي ربه -في كل ركعة- أن يجنبه صراط المغضوب عليهم والضالين، ثم يتشبه بهم! إنه ليعز على الإنسان أن يصعب على هؤلاء التشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ويسهل عليهم التشبه بأعداء الله! [د.عمر المقبل]
تدبــــر - المجموعة السابعة
كثير من الناس إذا رأى في التفسير أن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون، ظن أن ذلك مخصوص بهم، مع أن الله أمر بقراءة الفاتحة كل صلاة، فيا سبحان الله كيف يأمره الله أن يستعيذ من شيء لا حذر عليه منه، ولا يتصور أنه يفعله؟ بل يدخل في المغضوب عليهم من لم يعمل بعلمه، وفي الضالين العاملون بلا علم. [محمد بن عبدالوهاب]
تدبــــر - المجموعة العشرين
كيف نستمع لسورة الفاتحة؟ هذا هو اسمها الأشهر وقد أجمعت عليه أمة القرآن، فالسورة هي مفتاحك الأعظم الذي تفتح به لنفسك كل أبواب الخير، فهي مفتاح الحُجُب بينك وبين الله، قد كنت بعيدا غائبا فلهج قلبك ولسانك بالحمد ففتح لك، ثم أثنيت بهما ثانية ففتح، ثم خضعت في الثالثة ففتح، قد وصلت فخاطب مخاطبة من حضر (إياك)، بعدها سل وأبشر (اهدنا) قال الله: هذه لعبدي ولعبدي ما سأل.
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
فينبغي بالمصلي أن يقف عند كل آية من الفاتحة وقفة يسيرة، ينتظر جواب ربِّه له، و كأنه يسمعه و هو يقول: " حمدني عبدي " إذا قال: { الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ}. فإذا قال: { الرَّحمن الرَّحيم } وقفَ لحظة ينتظر قوله: " أثنى عليَّ عبدي ". فإذا قال: {مالكِ يومِ الدِّينِ } انتظر قوله: " مجَّدني عبدي ". فإذا قال: { إيَّاك نَعبدُ و إيَّاك نَستعين } انتظر قوله تعالى: " هذا بيني و بين عبدي ". فإذا قال: {اهدِنا الصِّراط المُستقيم } إلى آخرها انتظر قوله: " هذا لعبدي و لعبدي ما قال ". و مَن ذاق طعم الصلاة عَلِمَ أنه لا يقوم مقام التكبير و الفاتحة غيرهما مقامها، كما لا يقوم غير القيام و الركوع و السجود مقامها، فلكلٍّ عبوديته من عبودية الصلاة سرٌّ و تأثيرٌ و عبودية لا تحصل في غيرها، ثمَّ لكل آية من آيات الفاتحة عبودية و ذوق و وجد يخُصُّها لا يوجد في غيرها. فعند قوله: { الحمد لله رب العالمين } تجد تحت هذه الكلمة إثبات كللّ كمال للرب و وصفا و اسما، و تنزيهه سُبحَانه و بحمده عن كلِّ سوء، فعلاً و وصفاً و اسماً، و إنما هو محمود في أفعاله و أوصافه و أسمائه، مُنزَّه عن العيوب و النقائص في أفعاله و أوصافه و أسمائه. فأفعاله كلّها حكمة و رحمة و مصلحة و عدل و لا تخرج عن ذلك، و أوصافه كلها أوصاف كمال، و نعوت جلال، و أسماؤه كلّها حُسنى.
فوائد من فقه الدنيا والاخرة
إذا أراد الإنسان أن يعرف قيمته عند الله فلينظر بماذا أقامه؟. هل هو ممن يجمع الحسنات، وينوع الطاعات، ويحفظ الأوقات بذكر الله وعبادته؟.. أم هو مشغول عن ذكر الله وعبادته بجمع الأموال والحطام، والتمرغ في الشهوات، وإضاعة الأوقات فيما يغضب الله، فاللهم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}... [الفاتحة: 6 - 7].
فوائد من اسرار الصلاة
فينبغي بالمصلي أن يقف عند كل آية من الفاتحة وقفة يسيرة، ينتظر جواب ربِّه له، و كأنه يسمعه و هو يقول: " حمدني عبدي " إذا قال: { الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ}. فإذا قال: { الرَّحمن الرَّحيم } وقفَ لحظة ينتظر قوله: " أثنى عليَّ عبدي ". فإذا قال: {مالكِ يومِ الدِّينِ } انتظر قوله: " مجَّدني عبدي ". فإذا قال: { إيَّاك نَعبدُ و إيَّاك نَستعين } انتظر قوله تعالى: " هذا بيني و بين عبدي ". فإذا قال: {اهدِنا الصِّراط المُستقيم } إلى آخرها انتظر قوله: " هذا لعبدي و لعبدي ما قال
فوائد من مجموع الفتاوى 1
أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة [اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين]، فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر لا في الدنيا ولا في الآخرة. 8 / 216 -- وقال رحمه الله في موضـع آخـر: ورأس هذه الأدعية وأفضلها قوله [اهدنا الصـراط المستقيـم صـراط الذين أنعمت عليهم غير المغضـوب عليهم ولا الضالين] فهـذا الدعاء أفضـل الأدعيـة وأوجـبـها عـلى الخلق، فإنه يجمع صلاح العبد في الدين والدنيا والآخرة