بابُ ما يقولُ إذا فَرَغَ من الطَّعامِ
ذكـــــر
روينا في صحيح البخاري، عن أبي أُمامةَ رضي اللّه عنه أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: " الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيراً طَيِّباً مُبارَكاً فِيهِ غَيْرَ مَكْفيٍّ وَلا مُوَدَّعٍ وَلا مُسْتَغْنىً عَنْهُ رَبَّنا " وفي رواية " كان إذا فَرَغَ من طعامِه " وقال مرّة: إذا رفع مائدته قال: " الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفانا وأرْوَانا غَيْرَ مَكْفِيّ ولا مَكْفُورٍ " .
قلتُ: مكْفيّ بفتح الميم وتشديد الياء، هذه الرواية الصحيحة الفصيحة، ورواه أكثر الرواة بالهمز وهو فاسد من حيث العربية، سواء كان من الكفاية أو من كفأت الإِناء، كما لا يقال في مقروء من القراءة: مقرىء، ولا في مرمىْ بالهمز. قال صاحب مطالع الأنوار في تفسير هذا الحديث: المراد بهذا المذكور كله الطعام، وإليه يعود الضمير. قال الحربيّ: فالمكفيّ: الإِناء المقلوب للاستغاء عنه كما قال " غير مستغنى عنه " أو لعدمه، وقوله غير مكفور: أي غير مجحود نِعمَ اللّه سبحانه وتعالى فيه، بل مشكورة، غير مستور الاعتراف بها والحمد عليها.
وذهب الخطابي إلى أن المراد بهذا الدعاء كله البارى سبحانه وتعالى، وأن الضمير يعود إليه، وأن معنى قوله غير مكفيّ: أنه يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ كأنه على هذا من الكفاية، وإلى هذا ذهب غيره في تفسير هذا الحديث: أي إن اللّه تعالى مستغنٍ عن معين وظهير، قال: وقوله لا مودّع: أي غير متروك الطلب منه والرغبة إليه، وهو بمعنى المستغنى عنه، وينتصب ربنا على هذا بالاختصاص أو المدح أو بالنداء كأنه قال: يا ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا، ومن رفعه قطعه وجعله خبراً، وكذا قيده الأصيلي كأنه قال: ذلك ربّنا: أي أنت ربنا، ويصحّ فيه الكسر على البدل من الاسم في قوله الحمد للّه.
وذكر أبو السعادات ابن الأثير في نهاية الغريب نحو هذا الخلاف مختصراً. وقال ومن رفع ربّنا فعلى الابتداء المؤخر: أي ربنا غير مكفيّ ولا مودع، وعلى هذا يرفع غير. قال: ويجوز أن يكون الكلام راجعاً إلى الحمد كأنه قال: حمداً كثيراً غير مكفي ولا مودّع ولا مستغنى عن هذا الحمد. وقال في قوله ولا مودّع: أي غير متروك الطاعة، وقيل هو من الوداع وإليه يرجع، واللّه أعلم.
وروينا في صحيح مسلم، عن أنس رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إنَّ اللّه تعالى لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ يأكُلُ الأكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْها، ويَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْها " .
وروينا في سنن أبي داود وكتابي " الجامع " و " الشمائل " للترمذي، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه؛
أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا فَرَغ من طعامه قال: " الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنَا وَسَقانا وَجَعَلَنا مُسْلِمِينَ " .
وروينا في سنن أبي داود والنسائي، بالإِسناد الصحيح، عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي اللّه عنه قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أكَلَ أو شَرِبَ قال: " الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجاً " .
وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن معاذ بن أنس رضي اللّه عنه قال:
قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " مَنْ أكَلَ طَعاماً فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " قال الترمذي: حديث حسن. قال الترمذي: وفي الاب ـ يعني باب الحمد على الطعام إذا فرغَ منه ـ عن عقبةَ بن عامر وأبي سعيد وعائشة وأبي أيوب وأبي هريرة.
وروينا في سنن النسائي وكتاب ابن السني، بإسناد حسن، عن عبد الرحمن بن جُبير التابعي؛
بأنه حدَّثه رجلٌ خدمَ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم ثماني سنين أنه كان يسمعُ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم إذا قَرَّبَ إليه طعاماً يقول: " باسم اللَّهِ " فإذا فَرغَ من طعامه قال: " اللَّهُمَّ أطْعَمْتَ وَسَقَيْتَ وَأغْنَيْتَ وأقْنَيْتَ وَهَدَيْتَ وأحْسَنْتَ، فَلَكَ الحَمْدُ على ما أعْطَيْتَ " .
وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما،
عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم؛ أنه كان يقول في الطعام إذا فرغَ: " الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي مَنَّ عَلَيْنا وَهَدَانا، وَالَّذي أشْبَعَنا وَأرْوَانا، وكُلَّ الإِحْسانِ آتانا "
وروينا في سنن أبي داود والترمذي وكتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ طَعاماً " وفي رواية ابن السني " مَنْ أطْعَمَهُ اللَّهُ طَعاماً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وأطْعِمْنا خَيْراً مِنْهُ، وَمَنْ سَقاهُ اللَّهُ تعالى لَبَناً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وَزِدْنا مِنْهُ، فإنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِىءُ منَ الطَّعامِ وَالشَّرَابِ غَيْرَ اللَّبَنِ " قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في كتاب ابن السني، بإسناد ضعيف، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا شرب في الإِناء تنفَّسَ ثلاثة أنفاسٍ يحمد اللّه تعالى في كل نفس، ويشكرُه في آخره.