حال العبد في الفاتحة
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
فينبغي بالمصلي أن يقف عند كل آية من الفاتحة وقفة يسيرة، ينتظر جواب ربِّه له، و كأنه يسمعه و هو يقول: " حمدني عبدي " إذا قال: { الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ}. فإذا قال: { الرَّحمن الرَّحيم } وقفَ لحظة ينتظر قوله: " أثنى عليَّ عبدي ". فإذا قال: {مالكِ يومِ الدِّينِ } انتظر قوله: " مجَّدني عبدي ". فإذا قال: { إيَّاك نَعبدُ و إيَّاك نَستعين } انتظر قوله تعالى: " هذا بيني و بين عبدي ". فإذا قال: {اهدِنا الصِّراط المُستقيم } إلى آخرها انتظر قوله: " هذا لعبدي و لعبدي ما قال ". و مَن ذاق طعم الصلاة عَلِمَ أنه لا يقوم مقام التكبير و الفاتحة غيرهما مقامها، كما لا يقوم غير القيام و الركوع و السجود مقامها، فلكلٍّ عبوديته من عبودية الصلاة سرٌّ و تأثيرٌ و عبودية لا تحصل في غيرها، ثمَّ لكل آية من آيات الفاتحة عبودية و ذوق و وجد يخُصُّها لا يوجد في غيرها. فعند قوله: { الحمد لله رب العالمين } تجد تحت هذه الكلمة إثبات كللّ كمال للرب و وصفا و اسما، و تنزيهه سُبحَانه و بحمده عن كلِّ سوء، فعلاً و وصفاً و اسماً، و إنما هو محمود في أفعاله و أوصافه و أسمائه، مُنزَّه عن العيوب و النقائص في أفعاله و أوصافه و أسمائه. فأفعاله كلّها حكمة و رحمة و مصلحة و عدل و لا تخرج عن ذلك، و أوصافه كلها أوصاف كمال، و نعوت جلال، و أسماؤه كلّها حُسنى.