عبودية التكبير " الله أكبر "
فصل
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
و أُمر بأن يستقبل القبلة ـ بيته الحرام ـ بوجهه، و يستقبل الله عز و جل بقلبه، لينسلخ مما كان فيه من التولي و الإعراض، ثم قام بين يديه مقام المتذلل الخاضع المسكين المستعطف لسيِّده عليه، و ألقى بيديه مسلّماً مستسلماً ناكس الرأس، خاشع القلب مُطرق الطرف لا يلتفت قلبه عنه، و طرفة عين، لا يمنة و لا يسرة، خاشع قد توجه بقلبه كلِّه إليه. و أقبل بكليته عليه، ثم كبَّره بالتعظيم و الإجلال و واطأ قلبه لسانه في التكبير فكان الله أكبر في قلبه من كلِّ شيء، و صدَّق هذا التكبير بأنه لم يكن في قلبه شيء أكبر من الله تعالى يشغله عنه، فإنه إذا كان في قلبه شيء يشتغل به عن الله دلّ على أن ذلك الشيء أكبر عنده من الله فإنه إذا اشتغل عن الله بغيره، كان ما اشتغل به هو أهم عنده من الله، و كان قوله " الله أكبر " بلسانه دون قلبه ؛ لأن قلبه مقبل على غير الله، معظما له، مجلاً، فإذا ما أطاع اللسان القلب في التكبير، أخرجه من لبس رداء التكبّر المنافي للعبودية، و منعه من التفات قلبه إلى غير الله، إذا كان الله عنده و في قلبه أكبر من كل شيء فمنعه حقّ قوله: الله أكبر و القيام بعبودية التكبير من هاتين الآفتين، اللتين هُما من أعظم الحُجب بينه و بين الله تعالى.