من سب الدهر فقد آذى الله
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
وقول الله تعالى: ﴿ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ﴾. الجاثية (24)
----------------
قال ابن كثير: ” يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد: ﴿ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا... ﴾. قال ابن جرير: ” أي ما حياة إلا حياتنا التي نحن فيها، ولا حياة سواها، تكذيباً منهم بالبعث بعد الموت “. ﴿ نموت ونحيا ﴾ قال ابن كثير: ” أي يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثَمَّ معاد ولا قيامة “. وهذا يقوله مشركي العرب المنكرين للمعاد. ﴿ وما يهلكنا إلا الدهر ﴾ قال ابن جرير: ” أي ما يهلكنا فيفنينا إلا مرّ الليالي والأيام وطول العمر، إنكاراً منهم أن يكون لهم ربّ يفنيهم ويهلكهم “. ﴿ وما لهم بذلك من علم ﴾ قال ابن جرير: ” يعني مكن يقين وعلم “. ﴿ إن هم إلا يظنون ﴾ قال ابن كثير: ” يتوهمون ويتخيلون ﴾.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي قال: (قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسبُّ الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار). وفي رواية: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر). رواه البخاري (4826) ومسلم (2246)
----------------
(في الصحيح) أي في صحيح البخاري. (يؤذيني ابن آدم) أي يُلْحِقُ بي الأذى، فالأذية ثابتة لله، ولا يلزم من الأذية الضرر، فالإنسان يتأذى بسماع القبيح ومشاهدته، ولكنه لا يتضرر. ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن، قال تعالى: ﴿ إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً ﴾. وهذا بخلاف الضرر، فقد أخبر سبحانه أن العباد لا يضرونه، كما قال تعالى: ﴿ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً ﴾. فبين سبحانه أن الخلق لا يضرونه، وقال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني). رواه مسلم (يسب الدهر) فيه أن سب الدهر يؤذي الله، ومعناه: قال الشافعي وأبو عبيد وغيرهم من الأئمة: ” كانت العرب في جاهليتهم إذا أصابتهم شدة أو بلاء، قالوا: يا خيبة الدهر فيسندون الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله، فكأنهم سبوا الله سبحانه وتعالى، لأنه فاعل ذلك في الحقيقة “. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ” وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم، مثل أن يقول: تعبنا من شدة حرّ هذا اليوم، فهذا جائز. القسم الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر، فهذا شرك أكبر، لأنه اعتقد مع الله خالقاً، لأنه نسب الحوادث إلى غير الله. القسم الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه، فهذا محرم ولا يصل إلى درجة الكفر “. أ. ﻫ