باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء
باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء (78)]. وقال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة (195)].
----------------
في هاتين الآيتين: شاهد لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض، فلا تقدموا عليه. وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه».
باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد - أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه - فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام. قال ابن عباس: فقال لي عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعوتهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر - رضي الله عنه - في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر - رضي الله عنه -: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! - وكان عمر يكره خلافه - نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل، فهبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» فحمد الله تعالى عمر - رضي الله عنه - وانصرف. متفق عليه.
----------------
و «العدوة»: جانب الوادي.
باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء
تطريز رياض الصالحين
عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا سمعتم الطاعون بأرض، فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض، وأنتم فيها، فلا تخرجوا منها». متفق عليه.
----------------
قال البخاري: ما يذكر في الطاعون، وذكر حديث أسامة وابن عباس. قال الحافظ: قوله: «لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه»، هم: خالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو ابن العاص. وكان أبو بكر قد قسم البلاد بينهم، وجعل أمر القتال إلى خالد، ثم رده عمر إلى أبي عبيدة. وكان عمر قسم الشام أجنادا: الأردن جند، وحمص جند، ودمشق جند، وفلسطين جند، وقنسرين جند، وجعل على كل جند أميرا. ومنهم من قال: إن قنسرين كانت مع حمص، فكانت أربعة، ثم أفردت قنسرين في أيام يزيد بن معاوية، إلى أن قال: وفي هذا الحديث: جواز رجوع من أراد دخول بلدة فعلم أن بها الطاعون، وأن ذلك ليس من الطيرة، وإنما هو من منع الإلقاء إلى التهلكة. وقال البخاري أيضا: باب من خرج من أرض لا تلائمه، أي: لا توافقه. وذكر فيه قصة العرنيين. قال الحافظ: وكأنه أشار إلى أن الحديث الذي أورده في النهي عن الخروج من الأرض التي وقع فيها الطاعون ليس على عمومه، وإنما هو مخصوص بمن خرج فرارا منه. وأيد الطحاوي صنيع عمر بقصة العرنيين، فإن خروجهم من المدينة كان للعلاج لا للفرار، وهو واضح من قصتهم؛ لأنهم شكوا وخم المدينة، وأنها لم توافق أجسامهم. وكان خروجهم من ضرورة الواقع؛ لأن الإبل التي أمروا أن يتداووا بألبانها وأبوالها واستنشاق روائحها، ما كانت تتهيأ إقامتها بالبلد، وإنما كانت في مراعيها، فلذلك خرجوا. وقد لحظ البخاري ذلك فترجم: من خرج من الأرض التي لا تلائمه. ويدخل فيه ما أخرجه أبو داود من حديث فروة بن مسيك، قال: قلت: يا رسول الله، إن عندنا أرضا يقال لها أبين، هي أرض ريفنا وميرتنا، وهي وبئة. فقال: «دعها عنك، فإن من القرف التلف». قال ابن قتيبة: القرف: القرب من الوباء. وقال الخطابي: ليس في هذا إثبات العدوى، وإنما هو من باب التداوي، فإن استصلاح الأهوية من أنفع الأشياء في تصحيح البدن وبالعكس. انتهى ملخصا.