باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة
باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يثني على رجل ويطريه في المدحة، فقال: «أهلكتم - أو قطعتم - ظهر الرجل». متفق عليه.
----------------
«والإطراء»: المبالغة في المدح. قال البخاري: باب ما يكره من التمادح، وذكر الحديث والذي بعده.
باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة
تطريز رياض الصالحين
عن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رجلا ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ويحك! قطعت عنق صاحبك» يقوله مرارا: «إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله، ولا يزكى على الله أحد». متفق عليه.
----------------
قوله: «والله حسيبه» أي: محاسبه على عمله. والمعنى: فليقل: أحسب أن فلانا كذا إن كان يحسب ذلك منه، والله يعلم سره؛ لأنه هو الذي يجازيه. ولا يقل: أتيقن، ولا أتحقق جازما بذلك، ولا يزكى على الله أحد، فإنه لا يعلم بواطن الأمور إلا الله. قال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [النجم (32)].
باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة
تطريز رياض الصالحين
عن همام بن الحارث عن المقداد - رضي الله عنه - أن رجلا جعل يمدح عثمان - رضي الله عنه -، فعمد المقداد، فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو في وجهه الحصباء. فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:... «إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب». رواه مسلم.
----------------
قال الغزالي: آفة المدح في المادح أنه قد يكذب، وقد يرائي الممدوح بمدحه، ولا سيما إن كان فاسقا أو ظالما. فقد جاء في حديث أنس رفعه: «إذا مدح الفاسق غضب الرب». أخرجه أبو يعلى، وابن أبي الدنيا، وفي سنده ضعف. وقد يقول ما لا يتحققه مما لا سبيل له إلى الاطلاع عليه، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: « فليقل: أحسب» وذلك كقوله: إنه ورع ومتق وزاهد، بخلاف ما لو قال: رأيته يصلي، أو يحج، أو يزكي، فإنه يمكن الاطلاع على ذلك، ولكن تبقى الآفة على الممدوح، فإنه لا يأمن أن يحدث فيه المدح كبرا أو إعجابا. فإن سلم المدح من هذه الأمور لم يكن به بأس. قال ابن عيينة: من عرف نفسه لم يضره المدح. وقال بعض السلف: إذا مدح الرجل في وجهه، فليقل: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون. انتهى ملخصا من (فتح الباري). فهذه الأحاديث في النهي، وجاء في الإباحة أحاديث كثيرة صحيحة. قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ورياضة نفس، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه، فليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور، كره مدحه في وجهه كراهة شديدة، وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك. ومما جاء في الإباحة قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله عنه -: «أرجو أن تكون منهم». أي من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها. وفي الحديث الآخر: «لست منهم»: أي لست من الذين يسبلون أزرهم خيلاء. وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه -: «ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك». والأحاديث في الإباحة كثيرة، وقد ذكرت جملة من أطرافها في كتاب (الأذكار). قال البخاري: باب من أثنى على أخيه بما يعلم. وقال سعد: ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام، وذكر حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر في الإزار ما ذكر، قال أبو بكر: يا رسول الله، إن إزاري يسقط من إحدى شقيه. قال: «إنك لست منهم». قال الحافظ: قوله: باب من أثنى على أخيه بما يعلم، أي فهو جائز، ومستثنى من الذي قبله، والضابط: أن لا يكون في المدح مجازفة، ويؤمن على الممدوح الإعجاب والفتنة.