باب كراهة سب الحمى
باب كراهة سب الحمى
تطريز رياض الصالحين
عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم السائب، أو أم المسيب فقال: «ما لك يا أم السائب - أو يا أم المسيب - تزفزفين؟» قالت: الحمى لا بارك الله فيها! فقال: «لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد». رواه مسلم.
----------------
«تزفزفين» أي تتحركين حركة سريعة، ومعناه: ترتعدين. وهو بضم التاء وبالزاي المكررة والفاء المكررة، وروي أيضا بالراء المكررة والقافين. فيه: النهي عن سب الحمى لما فيه من التبرم والتضجر من قدر الله تعالى، مع ما فيها من تكفير السيئات، وإثبات الحسنات. وقال البخاري: باب الحمى من فيح جهنم. وذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحمى من فيح جهنم، فاطفؤها بالماء». قال الحافظ: والحمى أنواع: قال الخطابي: اعترض بعض سخفاء الأطباء على هذا الحديث بأن قال: اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك؛ لأنه يجمع المسام ويحقن البخار، ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم، فيكون ذلك سببا للتلف. قال الخطابي: وإنما في الحديث الإرشاد إلى تبريد الحمى بالماء، وإنما قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه ينفع، فليبحث عن ذلك الوجه ليحصل الانتفاع به، وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى، ما صنعته أسماء بنت الصديق، فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه، فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها. وقال المازري: ولا شك، إن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل، والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن، والزمان، والعادة، والغذاء المتقدم، والتأثير المألوف، وقوة الطباع. قال: ويحتمل أن يكون لبعض الحميات دون بعض، في بعض الأماكن دون بعض، لبعض الأشخاص دون بعض. قال الحافظ: يحتمل أن يكون مخصوصا بأهل الحجاز وما والاهم إذا كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من العرضية الحادثة عن شدة الحرارة، وهذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا؛ لأن الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب، وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى جميع البدن، وهي قسمان غرضية: وهي الحادثة عن ورم، أو حركة، أو إصابة حرارة لشمس، أو القيظ الشديد ونحو ذلك. ومرضية: وهي ثلاثة أنواع، وتكون عن مادة، ثم منها ما يسخف جميع البدن. فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهي حمى يوم؛ لأنها تقع غالبا في يوم، ونهايتها إلى ثلاث. وإن كان تعلقها بالأعضاء الأصلية فهي حمى دق، وهي أخطرها. وإن كان تعلقها بالأخلاط، سميت عفنية، وهي بعدد الأخلاط الأربعة. وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الإفراد والتركيب، فيجوز أن يكون المراد النوع الأول، فإنها تسكن بالانغماس في الماء البارد، وشرب المبرد بالثلج وبغيره، ولا يحتاج صاحبها إلى علاج آخر. وقد نزل ابن القيم حديث ثوبان مرفوعا: «إذا أصاب أحدكم الحمى، وهي قطعة من النار فليطفئها عنه بالماء، يستنقع في نهر جار، ويستقبل جريته وليقل: باسم الله، اللهم اشف عبدك، وصدق رسولك. بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، ولينغمس فيه ثلاث غمسات، ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ فخمس، وإلا فسبع، وإلا فتسع فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله». قال الترمذي: غريب. قال ابن القيم: هذه الصفة تنفع في فصل الصيف في البلاد الحارة في الحمى العرضية، أو الغب الخالصة التي لا ورم معها، ولا شيء من الأعراض الرديئة، والمواد الفاسدة، فيطفئها بإذن الله، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس، ووفور القوى في ذلك الوقت، لكونه عقب النوم والسكون وبرد الهواء. قال: والأيام التي أشار إليها هي التي يقع فيها بحرارة الأمراض الحادة غالبا، ولاسيما في البلاد الحارة. والله أعلم. انتهى ملخصا.