ما جاء في أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
وقول الله عز وجل: ﴿ يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ﴾. النساء (171)
----------------
تعريف الغلو: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” الغلو: مجاوزة الحد، بأن يزاد في الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك “. وعرفه الحافظ ابن حجر بقوله ” المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد “. وبمثل هذا التعريف عرفه الإمام الشاطبي. وهذه التعاريف كلها متقاربة، وتقيد أن: الغلو هو: تجاوز الحد الشرعي بالزيادة. المعنى الإجمالي: قال ابن كثير في تفسيره: ” ينهى الله تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيّـز النبوة إلى أن اتخذوه إلهاً من دون الله يعبدونه كما يعبدونه. قوله ﴿ ولا تقولوا على الله إلا الحق ﴾ أي لا تفتروا عليه وتجعلوا له صاحبة وولداً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولهذا قال تعالى: ﴿ إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ﴾ أي إنما هو عبد من عباد الله، وخلْق من خلقه، قال له: كن فكان، ورسول من رسله.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قول الله عز وجل: ﴿ وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ وَدّاً ولا سُواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً ﴾. قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تُعبَد، حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم عُبدت). رواه البخاري [4920] وقال ابن القيم: ” قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم “.
----------------
(أنصاباً) جمع نصب، والمراد به هنا الأصنام المصورة على صورهم، المنصوبة في مجالسهم وسموها بأسمائهم. (حتى إذا هلك أولئك) أي الذين صوروا تلك الأصنام. (ونُسِيَ العلم) وفي رواية (وينسخ) أي: درست آثاره بذهاب العلم، وزالت المعرفة بحالها، وما قصدوه من صورها، وعمَّ الجهل حتى صاروا لا يميزون بين التوحيد والشرك، فوقعوا في الشرك، ظناً منهم أنه ينفعهم عند الله تعالى. (عُبِدَت) تقدم أنه دبَّ إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر، فعبدوهم. وفي رواية أنهم قالوا: (ما عظم أولنا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله، فعبدوهم).
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
وعن عمر أن رسول الله قال: (لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عَبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله). أخرجه البخاري (3445) ومسلم (1691)
----------------
(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم) الإطراء: مجاوزة الحد في المدح، والكذب فيه. (إنما أنا عبد الله ورسوله) أي لا تمدحوني، فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى. فأبى المشركون إلا مخالفة أمره وارتكاب نهيه، فعظموه بما ينهاهم عنه وحذرهم منه، وناقضوه أعظم مناقضة، وضاهوا النصارى في غلوهم وشركهم، ووقعوا في المحذور، وجرى منهم الغلو والشرك شعراً ونثراً ما يطول عده. المعنى الإجمالي: يقول : لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى فادَّعوا فيه الألوهية، إني لا أعدو أن أكون عبداً لله ورسولاً منه فصفوني بذلك ولا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
قال رسول الله : (إياكم والغلوّ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ). رواه أحمد (1/215/347) وابن ماجه (3064)
----------------
غداة جمع: (هلمّ الْقط لي، فلقطت له حصيات هنّ حصى الحذف، فلما وضعهن في يده قال: نعم، بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلوّ في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدين). (إياكم) أحذركم. (من كان قبلكم) من الأمم. المعنى الإجمالي للحديث: يحذر النبي أمته من الزيادة في الدين على الحد المشروع، وهو عام في جميع أنواع الغلوّ في الاعتقادات والأعمال، ثم علل النهي عن الغلوّ بأنه هو السبب في هلاك الأمم السابقة، وذلك يقتضي مجانبة هديهم في هذا إبعاداً عن الوقوع فيما هلكوا به.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
ولمسلم عن ابن مسعود: أن رسول الله قال: (هلك المتنطعون) قالها ثلاثاً. رواه مسلم (2670)
----------------
(هلك المتنطعون) قال النووي: ” المتنطعون: أي المتعمقون المغالون المتجاوزون للحدود في أقوالهم وأفعالهم. (قالها ثلاثاً) أي قال هذه الكلمة ثلاث مرات، مبالغة في التحذير والتعليم. مناسبة الحديث للباب: حيث دل الحديث على أن التنطع في الأمور كلها بما في ذلك تعظيم الصالحين، من أساب الهلاك