باب تحريم احتقار المسلمين
باب تحريم احتقار المسلمين
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} [الحجرات (11)].
----------------
قال ابن كثير: ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الكبر بطر الحق، وغمص الناس». ويروى: «وغمط الناس». والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله تعالى، وأحب إليه من الساخر منه - المحتقر له -. ولهذا قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن}، فنص على نهي الرجال، وعطف بنهي النساء. وقوله تبارك وتعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم}، أي: لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون. كما قال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة}، والهمز بالفعل، واللمز بالقول. كما قال تعالى: {هماز مشاء بنميم} [القلم (11)]، أي: يحتقر الناس ويهمزهم طاغيا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة. وهي اللمز بالمقال. وقوله تعالى: {ولا تنابزوا بالألقاب} [الحجرات (11)]، أي: لا تداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها. وعن أبي جبيرة بن الضحاك قال: فينا نزلت في بني سلمة: {ولا تنابزوا بالألقاب}، قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: يا رسول الله، إنه يغضب من هذا. فنزلت: {ولا تنابزوا بالألقاب}. رواه أحمد. انتهى ملخصا. وقال عكرمة: هو قول الرجل للرجل يا فاسق. يا منافق. يا كافر. وقال الحسن: كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال له بعد إسلامه: يا يهودي. يا نصراني. فنهوا عن ذلك. وقال عطاء: هو أن تقول لأخيك: يا كلب، يا حمار، يا خنزير. وروي عن ابن عباس قال: التنابز بالألقاب، أن يكون الرجل عمل السيئات، ثم تاب عنها، فنهي أن يعير بما سلف من عمله. {بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان}، أي: بئس الاسم أن يقول له يا يهودي، أو يا فاسق، بعدما آمن وتاب. وقيل: معناه أن من فعل ما نهي عنه من السخرية، واللمز، والنبز، فهو فاسق. وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان فلا تفعلوا ذلك، فتستحقوا اسم الفسوق، ومن لم يتب من ذلك فأولئك هم الظالمون.
باب تحريم احتقار المسلمين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم». رواه مسلم
----------------
قال الشارح: «بحسب»، أي: كافي، «امرئ»، أي: إنسان، «من الشر أن يحقر أخاه المسلم»، أي: وذلك لعظمه في الشر، كاف له عن اكتساب آخر، ولا يخفى ما فيه من فظاعة هذا الذنب، والنداء عليه بأنه غريق في الشر، حتى إنه لشدته فيه يكفي من تلبس به عن غيره.
باب تحريم احتقار المسلمين
تطريز رياض الصالحين
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر!» فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة، فقال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس». رواه مسلم.
----------------
ومعنى «بطر الحق» دفعه، «وغمطهم»: احتقارهم، وقد سبق بيانه أوضح من هذا في باب الكبر. في هذا الحديث: وعيد شديد للمتكبرين. وفيه: أن التجمل إذا لم يكن على وجه الخيلاء غير مذموم بل مستحب.
باب تحريم احتقار المسلمين
تطريز رياض الصالحين
عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله - عز وجل -: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان! إني قد غفرت له، وأحبطت عملك». رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: التحذير من احتقار أحد من المسلمين، وإن من كان الرعاع، فإن الله تعالى أخفى سره في عباده.