باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} [الذاريات (50)].
----------------
قال البغوي: ففروا إلى الله: فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطاعة. قال ابن عباس: فروا منه إليه وعملوا بطاعته. وقال سهل بن عبد الله: فروا مما سوى الله إلى الله. وقال ابن كثير: ففروا إلى الله، أي: الجئوا إليه، واعتمدوا في أموركم عليه. قال الشارح: فجمعت لفظة «ففروا» التحذير والاستدعاء. وينظر إلى هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك». قال الحسين بن الفضل: من فر إلى غير الله لم يمتنع من الله.
باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
تطريز رياض الصالحين
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي». رواه مسلم.
----------------
والمراد بـ «الغني» غني النفس، كما سبق في الحديث الصحيح. الخفي: الخامل المشتغل بعبادة ربه وأمور نفسه.
باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
تطريز رياض الصالحين
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رجل: أي الناس أفضل يا رسول الله؟ قال: «مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله» قال: ثم من؟ قال: «ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه». وفي رواية: «يتقي الله، ويدع الناس من شره». متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: فضل العزلة عند خوف الفتنة، ولا ينافيه حديث: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». ونحوه، لأن هذا يختلف بحسب الأوقات، والأشخاص، والأحوال.
باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
تطريز رياض الصالحين
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن». رواه البخاري.
----------------
و «شعف الجبال»: أعلاها. في هذا الحديث: أيضا دليل على فضيلة العزلة لمن خاف على دينه.
باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم» فقال أصحابه: وأنت؟ قال: «نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة». رواه البخاري.
----------------
المراد بالقيراط هنا: جزء من الدينار والدرهم. وفيه: تواضعه - صلى الله عليه وسلم - واعترافه بنعمة الله عليه، والحكمة في رعي الأنبياء الغنم ليتمرنوا بذلك على سياسة الأمة.
باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة، طار عليه يبتغي القتل، أو الموت مظانه، أو رجل في غنيمة... في رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير». رواه مسلم.
----------------
«يطير»: أي يسرع. و «متنه»: ظهره. و «الهيعة»: الصوت للحرب. و «الفزعة»: نحوه. و «مظان الشيء»: المواضع التي يظن وجوده فيها. و «الغنيمة» بضم الغين: تصغير الغنم. و «الشعفة» بفتح الشين والعين: هي أعلى الجبل. فيه: فضيلة القتل أو الموت في سبيل الله، قال الله تعالى: {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون} [آل عمران (157)]. وفيه: فضيلة اعتزال الناس عند وقوع الفتنة.