سورة الحجر
آية
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٩﴾]
ومعنى حفظه: حراسته عن التبديل والتغيير كما جرى في غيره من الكتب، فتولى الله حفظ القرآن، فلم يقدر أحد على الزيادة فيه ولا النقصان منه، ولا تبديله بخلاف غيره من الكتب؛ فإن حفظها موكول إلى أهلها؛ لقوله: (بما استحفظوا من كتاب الله) [المائدة: 44]. ابن جزي:1/450.
آية
﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلَٰٓئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٧﴾]
فَلَمَّا لم تأت بالملائكة فلست بصادق، وهذا من أعظم الظلم والجهل: أما الظلم فظاهر؛ فإن هذا تجرؤ على الله، وتعنت بتعيين الآيات التي لم يخترها، وحصل المقصود والبرهان بدونها من الآيات الكثيرة الدالة على صحة ما جاء به. وأما الجهل: فإنهم جهلوا مصلحتهم من مضرتهم؛ فليس في إنزال الملائكة خير لهم، بل لا ينزل الله الملائكة إلا بالحق الذي لا إمهال على من لم يتبعه وينقد له. السعدي:429.
آية
﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا۟ وَيَتَمَتَّعُوا۟ وَيُلْهِهِمُ ٱلْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٣﴾]
وفي الآية إشارة إلى أن التلذذ والتنعم وعدم الاستعداد للآخرة والتأهب لها ليس من أخلاق مَن يطلب النجاة، وجاء عن الحسن: ما أطال عبدٌ الأملَ إلا أساء العمل... وفي بعض الآثار عن علي...: إنما أخشى عليكم اثنتين: طول الأمل، واتباع الهوى؛ فإن طول الأمل ينسي الآخرة، واتباع الهوى يصدّ عن الحق. الألوسي:14/341.
آية
﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا۟ وَيَتَمَتَّعُوا۟ وَيُلْهِهِمُ ٱلْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٣﴾]
طول الأمل داء عضال، ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه، واشتد علاجه، ولم يفارقه داء، ولا نجع فيه دواء، بل أعيا الأطباء، ويئس من برئه الحكماء والعلماء. وحقيقة الأمل: الحرص على الدنيا، والانكباب عليها، والحب لها، والإعراض عن الآخرة. القرطبي:12/389.
آية
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٢٩﴾]
وإن كان مخلوقا من طين فقد حصل له بنفخ الروح المقدسة فيه ما شرف به؛ فلهذا قال: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)، فعلق السجود بأن ينفخ فيه من روحه، فالموجب للتفضيل هذا المعنى الشريف الذي ليس لإبليس مثله. ابن تيمية:4/125.
آية
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٢٩﴾]
وأمر الملائكة السجود لا ينافي تحريم السجود في الإسلام لغير الله من وجوه: أحدها: أن ذلك المنع لسدّ ذريعة الإشراك، والملائكة معصومون من تطرّق ذلك إليهم. وثانيها: أن شريعة الإسلام امتازت بنهاية مبالغ الحق والصلاح، فجاءت بما لم تجئ به الشرائع السالفة؛ لأن الله أراد بلوغ أتباعها أوج الكمال في المدارك. وثالثها: أن هذا إخبار عن أحوال العالم العلوي، و لا تقاس أحكامه على تكاليف عالم الدنيا. ابن عاشور:14/45.
آية
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَـْٔخِرِينَ ﴿٢٤﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٢٤﴾]
(ولقد علمنا المستقدمين منكم) يعني: الأولين والآخرين من الناس، وذكر ذلك على وجه الاستدلال على الحشر الذي ذكر بعد ذلك في قوله: (وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم)؛ لأنه إذا أحاط بهم علماً لم تصعب عليه إعادتهم وحشرهم. ابن جزي:1/451.
آية
﴿ نَبِّئْ عِبَادِىٓ أَنِّىٓ أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٤٩﴾ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلْأَلِيمُ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٤٩﴾]
فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائماً بين الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة؛ فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته وجوده وإحسانه أحدث له ذلك الرجاء والرغبة، وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه أحدث له الخوف، والرهبة، والإقلاع عنها. السعدي:432.
آية
﴿ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٦٥﴾]
لأن الملتفت غير ثابت؛ لأنه إما غير مستيقن لخبرنا، أو متوجع لهم، فمن التفت ناله العذاب، وذلك أيضاً أجدُّ في الهجرة، وأسرع في السير، وأدل على إخراج ما خلَفوه من منازلهم وأمتعتهم من قلوبهم، وعلى أنهم لا يرقُّون لمن غضب الله عليهم مع أنهم ربما رأوا ما لا تطيقه أنفسهم. البقاعي:4/229.
آية
﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَٰرَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٦٥﴾]
وقد جرت عادة الكبراء أن يكونوا أدنى جماعتهم إلى الأمر المخوف؛ سماحاًً بأنفسهم، وتثبيتاً لغيرهم، وعلماً منهم بأن مداناة ما فيه وَجَل لا يُقرِّبُ من أَجَل، وضده لا يُغنِي من قَدَر، ولا يُباعد من ضرر، ولئلا يشتغل قلبك بمن خلفك، وليحتشموك؛ فلا يلتفتوا، أو يتخلف أحد منهم، وغير ذلك من المصالح. البقاعي:4/229.
آية
﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٨٨﴾]
(لا تمدن عينيك) أي: لا تنظر إلى ما متعناهم به في الدنيا؛ كأنه يقول: قد آتيناك السبع المثاني، والقرآن العظيم؛ فلا تنظر إلى الدنيا؛ فإن الذي أعطيناك أعظم منها. ابن جزي:1/455.