سورة إبراهيم
آية
﴿ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٥﴾]
قال تعالى: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) في غير موضع؛ فالصبر والشكر على ما يقدره الرب على عبده من السراء والضراء، من النعم والمصائب، من الحسنات التي يبلوه بها والسيئات؛ فعليه أن يتلقى المصائب بالصبر، والنعم بالشكر، ومن النعم ما ييسره له من أفعال الخير، ومنها ما هي خارجة عن أفعاله. ابن تيمية:4/107.
آية
﴿ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٥﴾]
(وذكرهم بأيام الله) أي: عقوباته للأمم المتقدمة، وقيل: إنعامه على بني إسرائيل، واللفظ يعم النعم والنقم، وعبر عنها بالأيام لأنها كانت في أيام، وفي ذلك تعظيم لها، كقولهم يوم كذا، ويوم كذا. ابن جزي:1/441.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلْءَاخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ فِى ضَلَٰلٍۭ بَعِيدٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٣﴾]
وكل من آثر الدنيا وزهرتها، واستحب البقاء في نعيمها على النعيم في الآخرة، وصد عن سبيل الله... فهو داخل في هذه الآية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون) وهو حديث صحيح، وما أكثر ما هم في هذه الأزمان، والله المستعان. وقيل: (يستحبون) أي: يلتمسون الدنيا من غير وجهها. القرطبي:12/104.
آية
﴿ كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١﴾]
(لتخرج الناس) أي: بالكتاب؛ وهو القرآن. (من الظلمات إلى النور) أي: من ظلمات الكفر والضلالة والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وهذا على التمثيل؛ لأن الكفر بمنزلة الظلمة، والإسلام بمنزلة النور. القرطبي:12/102.
آية
﴿ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓا۟ أَيْدِيَهُمْ فِىٓ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوٓا۟ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٩﴾]
(فردوا أيديهم في أفواههم): فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن الضمائر لقوم الرسل، والمعنى: أنهم ردوا أيديهم في أفواه أنفسهم غيظاً من الرسل؛ كقوله: (عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) [آل عمران: 119]، أو استهزاء وضحكا؛ كمن غلبه الضحك فوضع يده على فمه. والثاني: أن الضمائر لهم، والمعنى أنهم ردوا أيديهم في أفواه أنفسهم؛ إشارة على الأنبياء بالسكوت. والثالث: أنهم ردوا أيديهم في أفواه الأنبياء تسكيتاً لهم. ابن جزي:1/442.
آية
﴿ وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكْفُرُوٓا۟ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٨﴾]
ووجه الاهتمام بها أن أكثر الكفار يحسبون أنهم يحسنون إلى الله بإيمانهم، وأن أنبياءهم- حين يلحون عليهم بالإيمان- إنما يبتغون بذلك تعزيز جانبهم، والحرص على مصحلتهم، فلما وعدهم على الشكر بالزيادة وأوعدهم على الكفر بالعقوبة خشي أن يحسبوا ذلك لانتفاع المثيب بما أثاب عليه، ولتضرره مما عاقب عليه، فنبههم إلى هذا الخاطر الشيطاني حتى لا يسري إلى نفوسهم؛ فيكسبهم إدلالا بالإيمان، والشكر، والإقلاع عن الكفر. ابن عاشور:13/192.
آية
﴿ وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكْفُرُوٓا۟ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٨﴾]
ولما كان مَن حثَّ على شيء وأثاب عليه، أو نهى عنه وعاقب على فعله، يكون لغرض له، بيَّن أن الله سبحانه متعالٍ عن أن يلحقه ضر أو نفع، وأن ضر ذلك ونفعه خاص بالعبد؛ فقال تعالى حاكياً عنه: (وَقَالَ مُوسَى). البقاعي:4/172.
آية
﴿ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَٰلُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا۟ عَلَىٰ شَىْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلْبَعِيدُ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٨﴾]
بنوا أعمالهم على غير أساس صحيح؛ فانهارت، وعدموها أحوج ما كانوا إليها. ابن كثير:2/508.
آية
﴿ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ ٱلْأَرْضَ مِنۢ بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٤﴾]
(ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد):... وفي الجمع بينهما دلالة على أن من حق المؤمن أن يخاف غضب ربه، وأن يخاف وعيده، والذين يخافون غضب الله ووعيده هم المتقون الصالحون. ابن عاشور:13/208.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰٓ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٣﴾]
خيَّر الكفار الرسل بين أن يعودوا في ملتهم أو يخرجوهم من أرضهم، وهذه سيرة الله تعالى في رسله وعباده؛ ألا ترى إلى قوله: (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها) [الإسراء: 76]. القرطبي:12/116.
آية
﴿ وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٢﴾]
واعلم أن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- توكلهم في أعلى المطالب، وأشرف المراتب، وهي التوكل على الله في إقامة دينه ونصره، وهداية عبيده، وإزالة الضلال عنهم، وهذا أكمل ما يكون من التوكل. السعدي:423.
آية
﴿ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٢﴾]
واعلم أن الله ذكر في هذه الآية أنه ليس له سلطان، وقال في آية أخرى: (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) [النحل: 100]، فالسلطان الذي نفاه عنه هو سلطان الحجة والدليل، فليس له حجة أصلاً على ما يدعو إليه، وإنما نهاية ذلك أن يقيم لهم من الشبه والتزيينات ما به يتجرؤون على المعاصي. وأما السلطان الذي أثبته فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه؛ يؤزهم إلى المعاصي أزاً. السعدي:425.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلشَّيْطَٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٢﴾]
حكى الله تعالى عنه ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون تنبيهاً للسامعين، وحثاً لهم على النظر في عاقبتهم، والاستعداد لما لا بد منه، وأن يتصوروا ذلك المقام الذي يقول فيه الشيطان ما يقول؛ فيخافوا، ويعملوا ما ينفعهم هناك. الألوسي:14/266.
آية
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٩﴾]
(إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) أي: هو قادر على الإفناء كما قدر على إيجاد الأشياء؛ فلا تعصوه، فإنكم إن عصيتموه (يذهبكم ويأت بخلق جديد) أفضل، وأطوع منكم. القرطبي:12/125.
آية
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا۟ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٨﴾]
ومن استقرأ أحوال العالم تبين له أن الله لم ينعم على أهل الأرض نعمة أعظم من إنعامه بإرساله، وإن الذين ردوا رسالته هم من قال الله فيهم: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار). ابن تيمية:4/116- 117.
آية
﴿ تُؤْتِىٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍۭ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٥﴾]
والحكمة في تمثيل الإيمان بالشجرة هي أن الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء: عرق راسخ، وأصل قائم، وفرع عال؛ كذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء: تصديق القلب، وقول اللسان، وعمل بالأبدان. البغوي:2/556.
آية
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٢﴾]
أي: اصبر كما صبر إبراهيم، وأَعْلِم المشركين أن تأخير العذاب ليس للرضا بأفعالهم؛ بل سنة الله إمهال العصاة مدة؛ قال ميمون بن مهران: هذا وعيد للظالم، وتعزية للمظلوم. القرطبي:12/157.
آية
﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ ۚ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٣٩﴾]
وأما قول إبراهيم عليه السلام: (إن ربي لسميع الدعاء) فالمراد بالسمع هاهنا السمع الخاص؛ وهو سمع الإجابة والقبول؛ لا السمع العام؛ لأنه سميع لكل مسموع. ابن تيمية:4/120.
آية
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِۦ رُسُلَهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٧﴾]
(فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) يعني: وعد النصر على الكفار؛ فإن قيل: هلا قال: مخلف رسله وعده، ولم قدم المفعول الثاني على الأول؟ فالجواب أنه قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً على الإطلاق، ثم قال: (رسله) ليعلم أنه إذا لم يخلف وعد أحد من الناس فكيف يخلف وعد رسله، وخيرة خلقه، فقدم الوعد أولاً بقصد الإطلاق، ثم ذكر الرسل لقصد التخصيص. ابن جزي:1/448.
آية
﴿ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْـِٔدَتُهُمْ هَوَآءٌ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٣﴾]
(مهطعين):...لا يلتفتون يميناً ولا شمالاً، ولا يعرفون مواطن أقدامهم... (لا يرتد إليهم طرفهم): لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر، وهي شاخصة؛ قد شغلهم ما بين أيديهم،(وأفئدتهم هواء):... خرجت قلوبهم عن صدورهم، فصارت في حناجرهم؛ لا تخرج من أفواههم، ولا تعود إلى أماكنها. البغوي:2/568.