فوائد من كتاب محاسبة النفس
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ؛ فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية "سورة : الحاقة آية رقم : 18 .
عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه قال : سمعت عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه يوما وخرجت معه حتى دخل حائطا (1) فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط : « عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ (2) والله لتتقين الله ، ابن الخطاب أو ليعذبنك ».
عن الحسن ( ولا أقسم بالنفس اللوامة )سورة : القيامة آية رقم : 2 قال : « لا يلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه ماذا أردت بكلمتي ماذا أردت بأكلتي ماذا أردت بشربتي والعاجز يمضي قدما لا يعاتب نفسه ».
عن قتادة ، ( وكان أمره فرطا ) سورة : الكهف آية رقم : 28 قال : « أضاع أكبر الضيعة أضاع نفسه وعسى مع ذلك أن تجده حافظا لما له ، مضيعا لدينه ».
عن الحسن قال: « إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته ». وعن ميمون بن مهران ، قال : « لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ».
عن مالك بن دينار قال : « رحم الله عبدا قال لنفسه النفيسة : ألست صاحبة كذا ؟ ألست صاحبة كذا ؟ ثم ذمها ثم خطمها ، ثم ألزمها كتاب الله ؛ فكان لها قائدا ».
قال إبراهيم التيمي : « مثلت نفسي في الجنة ، آكل ثمارها ، وأشرب من أنهارها ، وأعانق أبكارها ، ثم مثلت نفسي في النار ، آكل من زقومها ، وأشرب من صديدها ، وأعالج سلاسلها وأغلالها ؛ فقلت لنفسي : أي نفسي ، أي شيء تريدين ؟ ، قالت : أريد أن أرد إلى الدنيا ؛ فأعمل صالحا قال : قلت : فأنت في الأمنية فاعملي ».
عن مالك بن دينار ، قال : سمعت الحجاج ، يخطب ويقول : « امرأ وزن نفسه ، امرأ اتخذ نفسه عدوا ، امرأ حاسب نفسه قبل أن يصير الحساب إلى غيره ، امرأ أخذ بعنان عمله فنظر أين يريد ؟ امرأ نظر في مكياله ، امرأ نظر في ميزانه ، فما زال يقول امرأ حتى أبكاني ».
عن وهب بن منبه ، قال : « مكتوب في حكمة آل داود : حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويحمد ؛ فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات ، وإجماما للقلوب ، وحق على العاقل أن لا يرى ظاعنا إلا في ثلاث ، زاد لميعاد ، أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم ، وحق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه ، حافظا للسانه ، مقبلا على شأنه ».
عن سلمة بن منصور ، عن مولى لهم كان يصحب الأحنف بن قيس قال : كنت أصحبه فكان عامة صلاته الدعاء وكان يجيء المصباح فيضع أصبعه فيه ثم يقول : « حس » ثم يقول : « يا حنيف ، ما حملك على ما صنعت يوم كذا ؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا ؟ ».
عن سلام بن مسكين ، قال : خطب الحجاج ، أو قام خطيبا ، فقال : « أيها الرجل وكلكم ذلك الرجل ذموا أنفسكم واخطموها وخذوا بأزمتها إلى طاعة الله وكفوها بخطمها عن معصية الله ».
قال الحجاج بن يوسف ، على المنبر : « يا أيها الرجل وكلكم ذلك الرجل رجل خطم نفسه وذمها فقادها بخطامها إلى طاعة الله وعنجها بزمامها عن معاصي الله عز وجل ».
عن جعفر بن برقان ، أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله فكان في آخر كتابه « أن حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة ، فإنه من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب في الشدة ؛ عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة ، ومن ألهته حياته ، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة فتذكر ما توعظ به لكيما تنهى عما ينهى عنه وتكون عند التذكرة والموعظة من أولي النهى ».
عن الحسن ، قال : « المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل ، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة ، إن المؤمن يفجأه الشيء ويعجبه ، فيقول والله أني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ، ولكن والله ، ما صلة إليك هيهات ، حيل بيني وبينك ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول : هيهات ما أردت إلى هذا وما لي ولهذا والله ما أعذر بهذا والله لا أعود إلى هذا أبدا إن شاء الله ومالي ولهذا ، والله ما أعذر بهذا والله لا أعود إلى هذا أبدا إن شاء الله ، إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم أن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئا حتى يلقى الله يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه ، وفي بصره ، وفي لسانه ، وفي جوارحه ، مأخوذ عليه في ذلك كله ».
عن الحكم بن عبد السلام بن النعمان بن بشير الأنصاري أن جعفر بن أبي طالب حين قتل دعا الناس : « يا عبد الله بن رواحة يا عبد الله بن رواحة » وهو في جانب العسكر ومعه ضلع وجمل منهشة ، ولم يكن ذاق طعاما قبل ذلك بثلاث ، فرمى بالضلع ، ثم قال : وأنت مع الدنيا « ثم تقدم فقاتل فأصيب أصبعه فارتجز فجعل يقول : » هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت يا نفس ، إلا تقتلي تموتي هذا حياض الموت قد صليت وما تمنيت فقد لقيت إن تفعلي ؛ فعلها هديت وإن تأخرتي ؛ فقد شقيتي « ثم قال : » يا نفس ، إلى أي شيء تتشوفين إلى فلانة ، فهي طالق ثلاثا وإلى فلان وفلان - غلمان له - وإلى معجف - حائط له - فهو لله ولرسوله : يا نفس ، ما لك تكرهين الجنه أقسم بالله لتنزلنه طائعة أو لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنه هل أنت إلا نطفة في شنه قد أجلب الناس وشدو الرنه .
عن حميد بن هلال ، قال : كان الأسود بن كلثوم إذا مشى نظر إلى قدميه قال : ودور الناس إذ ذاك فيها تواضع فعسى أن يفجأ النسوة ، فيقول بعضهن لبعض : كلا إنه الأسود بن كلثوم إنه لا ينظر فلما قرب غازيا ، قال : « اللهم ، إن هذه النفس تزعم في الرخاء أنها تحب لقاك ، فإن كانت صادقة ؛ فارزقها ذاك ، وإن كانت كاذبة ؛ فاحملها عليه وإن كرهت ؛ فاجعل ذلك قتلا في سبيلك ، وأطعم لحمي سباعا وطيرا » قال : فانطلق في طائفة من ذلك الجيش الذي خرج فيه حتى دخلوا حائطا فيه ثلمة وجاء العدو حتى قام على الثلمة ، فنزل عن فرسه ، وضرب وجهه فانطلق غايرا ، ثم عمد إلى الماء في الحائط ، فتوضأ منه ، وصلى ، قال : « تقول العجم هكذا استسلام العرب » فلما قضى صلاته قاتلهم حتى قتل وعظم الجيش على ذلك الحائط وفيهم أخوه ، فقيل لأخيه : « ألا تدخل الحائط فتنظر ما أصيبت من عظام أخيك فتجبه » ، قال : « ما أنا بفاعل شيئا دعا به أخي فاستجيب له ».
عن عبد الله بن قيس أبو أمية الغفاري ، قال : « كنا في غزاة لنا ، فحضر عدوهم ، فصيح في الناس ، فهم يثوبون إلى مصافهم ، وفي يوم شديد الريح ، إذا رجل أمامي ، رأس فرسي عند عجز فرسه ، وهو يخاطب نفسه ، فيقول : أي نفسي ، ألم أشهد مشهد كذا وكذا ؟ فقلت لي : أهلك وعيالك ، وأطعتك فرجعت ، ألم أشهد مشهد كذا وكذا ؟ ، فقلت لي : أهلك وعيالك ، فأطعتك ، فرجعت ، والله ، لأعرضنك اليوم على الله عز وجل ، أخذك أو تركك ، فقلت : لأرمقنه اليوم فرمقته فحمل الناس على عدوهم فكان في أوائلهم ، ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا وكان في حماتهم ، ثم حملوا على عدوهم فكان في أوائلهم ، ثم حمل العدو وانكشف الناس فكان في حماتهم ، قال : فوالله ، مازال ذلك دأبه حتى رأيته صريعا فعددت به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنة ».
عن أبي نصيرة ، عن مولى ، لأبي بكر قال : قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : « من مقت نفسه في ذات الله ؛ آمنه الله من مقته ».
عن أبي الدرداء ، قال : « لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا ».
قال مطرف بن عبد الله وهو بعرفة : « اللهم لا ترد الجميع من أجلي ». قال بكر بن عبد الله المزني أو قال رجل : « لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنه قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم ».
قال مالك بن دينار : « أذكر الصالحين ، فأف لي وتف ». وقال أيوب السختياني : « إذا ذكر الصالحون كنت منهم بمعزل ».
عن سفيان الثوري قال: « جلست ذات يوم أحدث ومعنا سعيد بن السائب الطائفي فجعل سعيد يبكي حتى رحمته فقلت : يا سعيد ، ما يبكيك وأنت تسمعني أذكر أهل الخير وفعالهم ؟ قال : يا سفيان وما يمنعني من البكاء وإذا ذكر مناقب أهل الخير كنت منهم بمعزل ؟ قال : يقول سفيان : حق له أن يبكي ».
قال عبد الله بن داود : « لما حضرت سفيان الثوري الوفاة قال لرجل : أدخل علي رجلين ، فأدخل عليه أبا الأشهب وحماد بن سلمة ، فقال له حماد : يا أبا عبد الله ، أبشر فقد أمنت ممن كنت تخافه ، وتقدم على من ترجوه ، قال : إي والله ، إني لأرجو ذلك ».
عن مالك بن دينار ، قال : « إن قوما من بني إسرائيل كانوا في مسجد لهم في يوم عيد لهم فجاء شاب حتى قام على باب المسجد فقال : أنا صاحب كذا ليس مثلي يدخل معكم أنا صاحب كذا يزري على نفسه فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن فلانا صديق ».
قال وهيب بن الورد : « بينما امرأة في الطواف ذات يوم وهى تقول : يا رب ذهبت اللذات وبقيت التبعات يا رب سبحانك وعزتك إنك لأرحم الراحمين يا رب ما لك عقوبة إلا النار ، فقالت صاحبة لها كانت معها : يا أخية دخلت بيت ربك اليوم قالت : والله ما أرى هاتين القدمين وأشارت إلى قدميها أهلا للطواف حول بيت ربي فكيف أراهما أهلا أطأ بهما بيت ربي ؟ وقد علمت حيث مشتا وإلى أين مشتا ؟ ».
عن حماد بن جعفر بن زيد ، أن أباه ، أخبره قال : خرجنا في غزوة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة وصلوا فصلى ثم اضطجع فقلت : لأرمقن عمله فالتمس غفلة الناس حتى إذا قلت هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبا منا ودخلت على إثره فتوضأ ثم قام يصلي وجاء أسد حتى دنا منه قال : قصدت شجرة قال : فتراه التقت أو عد به جزوا حتى سجد فقلت : الآن يفترسه فلا شيء فجلس ثم سلم ثم قال : « أيها السبع اطلب الرزق في مكان آخر » فولى وإن له لزئيرا أقول : تصدع الجبال منه قال : فما زال كذلك يصلي حتى لما كان عند الصبح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله ثم قال « اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة ؟ » قال : ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم.
عن يونس بن عبيد ، قال : « إني لأعد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن في نفسي واحدة منها . وعن يونس بن عبيد ، قال : دخلنا على محمد بن واسع نعوده فقال : « وما يغني عني ما يقول الناس إذا أخذ بيدي ورجلي فألقيت في النار ؟ »
قال محمد بن واسع وهو في الموت : « يا إخوتاه تدرون أين تذهب بي ؟ والله الذي لا إله إلا هو إلى النار أو يعفو عني ». وعن محمد بن واسع ، قال : « لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد أن يجلس إلي ».
عن أبي الوزاع ، سمعت ابن عمر ، وقال له رجل : لا نزال بخير ما أبقاك لنا الله قال : « ثكلتك أمك وما يدريك ما يغلق عليه ابن أخيك بابه ؟ ».
عن الجلد بن أيوب ، قال : « كان عابد في بني إسرائيل على صومعته منذ ستين سنة وإنه أتي في منامه فقيل له : إن فلانا الإسكاف خير منك فلما انتبه قال : رؤيا ثم سكت فلما كان من القائلة أيضا رأى مثل ذلك في منامه فلم يزل يرى في منامه مرارا حتى تبين له أنه أمر فنزل من صومعته فأتى الإسكاف فلما رآه الإسكاف قام من عمله وتلقاه وجعل يمسح به فقال له : ما أنزلك من صومعتك ؟ قال : أنت أنزلتني أخبرني ما عملك ؟ فكأنه كره أن يخبره ثم قال : أجل أعمل النهار وأكسب شيئا فما رزق الله من شيء أتصدق بنصفه وآكل مع عيالي النصف وأصوم النهار فانطلق من عنده فلما كان بعد أيضا قيل للراهب : سله مم صفرة وجهك ؟ فأتاه فقال : مم صفرة وجهك ؟ فقال : إني رجل لا يكاد يرفع لي أحد إلا ظننت أنه في الجنة وأنا في النار وإنما فضل علي الراهب بإزرائه على نفسه ».
عن قبيصة بن عقبة قال : بلغ داوود الطائي أنه ذكر عند بعض الأمراء فأثني عليه فقال : « إنما نتبلغ بستره بين خلقه ولو يعلم الناس بعض ما نحن عليه ما ذل لنا لسان أن نذكر بخير أبدا ».
قال داوود الطائي : « تركنا الذنوب وإنا لنستحي من كثير من مجالسة الناس ». وقال : « ما نعول إلا على حسن الظن بالله تعالى فأما التفريط فهو المستولي على الأبدان ».
لقي مالك بن دينار ثابتا البناني فقال له ثابت : يا أبا يحيى ، كيف بك ؟ قال : « كيف بمن هو ظاهر العيوب كثير الذنوب مستور على غير استحقاق ؟ فكيف بك يا أبا محمد ؟ » قال : فكتف تابت يده ومد عنقه وخفض رأسه ، وقال : هذا عذر الخطائين الأشراء . قال : وأقبلا يبكيان حتى سقطا.
عن إبراهيم ، « أن رجلا من العباد كلم امرأة فلم يزل حتى وضع يده على فخذها فوضع يده في النار حتى نشت ».
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : « كان في بني إسرائيل رجل يتعبد في صومعته فمكث بذلك زمنا طويلا فأشرف ذات يوم فإذا هو بامرأة فافتتن بها وهم بها فأخرج رجله لينزل إليها فأدركه الله بسابقته فقال : ما هذا الذي أريد أصنع ؟ ورجعت إليه نفسه وجاءته العصمة فندم فلما أراد أن يعيد رجله في الصومعة قال : هيهات هيهات رجل خرجت تريد أن تعصي الله تعود معي في صومعتي لا يكون ذلك والله أبدا فتركها والله معلقة من الصومعة تصيبها الأمطار والرياح والشمس والثلج حتى تقطعت فسقطت فشكر الله له ذلك فأنزل في بعض الكتب وذو الرجل يذكره بذلك ».
عن هارون بن رئاب ، أن غزوان ، وأبا موسى كانا في بعض مغازيهم فتكشفت جارية فنظر إليها غزوان فرفع يده فلطم عينه حتى نفرت وقال : « إنك للحاظة إلى ما يضرك ».
عن مالك بن ضغيم ، حدثتني خالتي حبابة بنت ميمون العتكية قالت : رأيت أبا ضغيما نزل ذات ليلة من فوق البيت بكوز قد برد له حتى صبه ثم اكتاز من الجب ماء حارا فشرب فقلت له بعد ذلك : بأبي أنت قد رأيت الذي صنعت فمم ذاك ؟ قال : « حانت مني نظرة مرة إلى امرأة فجعلت على نفسي أن لا تذوق الماء البارد أيام الدنيا قلت » : أنغص عليها الحياة.
مر حيان بن أبي سنان بغرفة فقال : « متى بنيت هذه ؟ » ثم أقبل على نفسه فقال : « تسألين عما لا يعينك لأعاقبنك بصوم سنة فصامها ».
عن مالك بن ضغيم ، قال : جاء رباح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر ، فقلنا : إنه نائم ، فقال : « أنوم هذه الساعة ؟ أهذا وقت نوم ؟ » ثم ولى منصرفا فأتبعناه رسولا فقلنا : قل له : ألا نوقظه لك ؟ قال : فأبطأ علينا الرسول ثم جاء وقد غربت الشمس فقلنا : أبطأت جدا فهل قلت له ؟ قال : هو أشغل من أن يفهم عني شيئا أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه وهو يقول : « أقلت : أنوم هذه الساعة ؟ أفكان هذا عليك ؟ ينام الرجل متى شاء وقلت : هذا وقت نوم ؟ وما يدريك أن هذا ليس وقت نوم ، تسألين عما لا يعنيك وتكلمين بما لا يعنيك أما إن لله علي عهدا لا أنقضه أبدا لا أوسدك الأرض لنوم حولا إلا لمرض جاء بك أو لذهاب عقل زائل ، سوءة لك سوءة لك ، أما تستحين كم توبخين وعن غيك لا تنتهين » قال : وجعل يبكي وهو لا يشعر بمكاني فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته.
عن منكدر بن محمد ، عن أبيه ، أن « تميما الداري نام ليلة لم يقم يتهجد (1) فيها حتى أصبح فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع ».
عن طلق بن معاوية ، قال : « قدم رجل منا يقال له هند بن عوف من سفر فمهدت له امرأته فراشا وكانت له ساعة من الليل يقومها فنام عنها حتى أصبح فحلف أن لا ينام على فراش أبدا ».
عن طلحة ، قال : انطلق رجل ذات يوم فنزع ثيابه وتمرغ في الرمضاء ويقول لنفسه : ذوقي ، نار جهنم أشد حرا جيفة بالليل وبطالة بالنهار قال : فبينا هو كذلك إذ أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة فقال : غلبتني نفسي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « ألم يكن لك بد من الذي صنعت ؟ أما لقد فتحت لك أبواب السماء ولقد باهى الله بك الملائكة » ثم قال لأصحابه : « تزودوا من أخيكم » فجعل الرجل يقول له : يا فلان ادع له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عمهم » فقال : اللهم اجعل التقوى زادهم واجمع على الهدى أمرهم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « اللهم سدده » فقال : اللهم واجعل الجنة مآبهم .
قال حذيفة بن قتادة : « قيل لرجل : كيف تصنع في شهوتك ؟ قال : ما في الأرض نفس أبغض إلي منها فكيف أعطيها شهوتها ؟ ».
دخل ابن السماك على داود الطائي حين مات وهو في بيت على التراب فقال « داود : سجنت نفسك قبل أن تسجن وعذبت نفسك قبل أن تعذب فاليوم ترى من كنت له تعمل ».
عن وهب بن منبه ، « أن رجلا تعبد زمانا ثم بدت له إلى الله حاجة فصام سبعين سبتا يأكل كل سبت إحدى عشرة تمرة ثم سأل الله حاجته فلم يعطها فرجع إلى نفسه فقال : منك أتيت لو كان فيك خير أعطيت حاجتك فنزل إليه عند ذلك ملك فقال : يا ابن آدم ساعتك هذه خير من عبادتك التي مضت وقد قضى الله حاجتك ».
عن حنان بن خارجة ، قال : قلت لعبد الله بن عمرو : كيف تقول في الجهاد والغزو ؟ قال : « ابدأ بنفسك فجاهدها وابدأ بنفسك فاغزها فإنك إن قتلت فارا بعثك الله فارا وإن قتلت مرائيا بعثك الله مرائيا وإن قتلت صابرا محتسبا بعثك الله صابرا محتسبا »
قال الحسن : « حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الذنوب واقرعوا هذه الأنفس فإنها طالعة ، وإنها تنازع إلى شر غاية ، وإنكم إن تعاونوها لا تبق لكم من أعمالكم شيئا ، فتصبروا وتشددوا فإنما هي أيام قلائل ، وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى الرجل منكم فيجيب ولا يلتفت ، فانتقلوا بصالح ما بحضرتكم ».
عن عبد السلام بن حرب قال سمعت مالك بن دينار ، يقول لنفسه : « إني والله ما أريد بك إلا الخير » مرتين. وقال محمد ابن الحنفية : « إن الله جعل الجنة بمثابة لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها ».
عن إسماعيل بن أمية ، قال : كان الأسود بن يزيد مجتهدا في العبادة ويصوم حتى يخضر جسده ويصفر فكان علقمة يقول له : كم تعذب هذا الجسد فكان الأسود يقول : « إن الأمر جد فجدوا » وقال غيره : قال الأسود : كرامة هذا الجسد أريد.
قال محمد ابن الحنفية : « من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر ». وقال سعيد البرائي : « من كرمت نفسه عليه رغب بها عن الدنيا ».
عن مسعر بن كدام : « من أهمته نفسه تبين ذلك عليه ». وعن عثمان بن زائدة ، قال : قيل لابن الحنفية : من أعظم الناس قدرا ؟ قال : « من لم ير الدنيا كلها لنفسه خطرا ».
عن مطرف بن عبد الله ، أنه كان يقول : « يا إخوتاه ، اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما ترجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات الجنة وإن يكن الأمر شديدا كما تخاف وتحذر لم نقل : ربنا أرجعنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل نقول : قد عملنا فلم ينفعنا ذلك ».
قال زياد مولى ابن عياش لمحمد بن المنكدر وصفوان بن سليم : « الجد الجد والحذر الحذر فإن يكن الأمر على ما نرجوه كان ما عملناه فضلا وإلا لم تلوما أنفسكما ».
قال عامر بن عبد الله : والله لأجتهدن فإن نجوت فبرحمة الله وإلا لم ألم نفسي . عن الحسن ، قال : « ابن آدم عن نفسك فكايس فإنك إن دخلت النار لم تنجبر بعدها أبدا ».
عن أحمد بن العباس النمري ، قال : قال رجل من عبد القيس من أهل البصرة ذكر عنه فضلا : « أثامن بالنفس النفيسة ربها وليس لها في الخلق كلهم ثمن بها تملك الدنيا فإن أنا بعتها بشيء من الدنيا فذلكم الغبن لئن ذهبت نفسي بدنيا أصبتها لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن ».
كان توبة بن الصمة بالرقة وكان محاسبا لنفسه فحسب فإذا هو ابن ستين سنة ، فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال : « يا ويلتي ألق المليك بأحد وعشرين ألف ذنب كيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب » ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت ، فسمعوا قائلا يقول : يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى.
عن البحتري بن حارثة ، قال : « دخلت على عابد مرة فإذا بين يديه نار قد أججها وهو يعاتب نفسه فلم يزل يعاتبها حتى مات ».
عن الحسن ، قال : « المؤمن في الدنيا كالغريب لا ينافس في عزها ولا يجزع من ذلها ، للناس حال وله حال الناس منه في راحة ونفسه منه في شغل ».
كان بكر بن عبد الله المربي إذا رأى شيخا قال : « هذا خير مني هذا عبد الله قبلي » وإذا رأى شابا قال : « هذا خير مني ارتكبت من الذنوب أكثر مما ارتكب ».
كان عطاء السليمي إذا استيقظ قال : « ويحك يا عطاء ، ويحك يا عطاء ، وأبيك يا عطاء ، وأمك يا عطاء حتى يصبح ».
عن أبى أيوب ، قال : قال لي أبو مالك يوما : « يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك ، فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي وايم الله لئن لم تأت الآخرة والمؤمن بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران هم الدنيا وشقاء الآخرة » قال : قلت : بأبي أنت وأمي ، وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله في دار الدنيا ويدأب ؟ قال : « يا أبا أيوب ، فكيف بالقبول ؟ وكيف بالسلامة ؟ » قال : ثم قال : « كم رجل يرى أنه قد أصلح شأنه قد أصلح قربانه قد أصلح همته قد أصلح عمله يجمع ذلك يوم القيامة ثم يضرب به وجهه ».
عن عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن أبيه ، قال : « أدركتهم يجتهدون في الأعمال فإذا بلغوها ألقي عليهم الهم والحزن لا يدرون قبلت منهم أو ردت عليهم ؟ ».
عن وهب بن منبه ، قال : « الإيمان قائد والعمل سائق والنفس بينهما حرون فإذا قاد القائد ولم يسق السائق لم يغن ذلك شيئا وإذا ساق السائق ولم يقد القائد لم يغن ذلك شيئا وإذا قاد القائد وساق السائق اتبعته النفس طوعا وكرها وطاب العمل ».
عن أبي الدرداء ، قال : « إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله فإن كان عمله تبعا لهواه فيومه يوم سوء وإن كان هواه تبعا لعمله فيومه يوم صالح ».
قال عطاء السليمي : « بلغنا أن الشهوة والهوى يغلبان العمل والعقل ». وعن عثمان بن زائدة ، يقول : كان كرز الجرجاني يجتهد في العبادة فقيل له فقال : « كم بلغكم مقدار يوم القيامة ؟ » قال : « خمسون ألف سنة » قال : « فكم بلغكم عمر الدنيا ؟ » قال : « سبعة آلاف سنة » قال : « فيعجز أحدكم أن يعمل سبعا حتى يأمن ذلك اليوم ؟ »
عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : « الإيمان قائد والعمل سائق والنفس حرون فإذا وني قائدها لم تستقم لسائقها وإذا وني سائقها لم تستقم لقائدها فلا يصلح هذا إلا مع هذا حتى يقوم على الخير الإيمان بالله مع العمل لله ، والعمل لله مع الإيمان بالله ».
عن مالك بن مغول ، قال : كان رجل يبكي فتقول له أهله : لو قتلت قتيلا ثم جئت لأهله تبكي لعفوا عنك فيقول : « إنما قتلت نفسي ».
عن بهيم العجلي ، قال : « ركب معنا شاب من بني مرة البحر من أهل البدو فجعل يبكي الليل والنهار فعاتبه أهل المركب على ذلك وقالوا : ارفق بنفسك قليلا قال : إن أقل ما ينبغي لي أن يكون لنفسي عندي أن أبكيها وأبكي عليها أيام الدنيا لعملي بما يمر عليها في ذلك اليوم غدا قال : فما بقي في المركب أحد إلا بكى ».
عن الحكم بن أبان قال : رأيت عبد الرحمن بن زامرد الأزرق العدني وكان عابدا يقول : « ويلي وويحي من تتابع جرمي لو قد دعاني للحساب حسيب والويل لي ويل أليم دائم إن كنت في الدنيا أخذت نصيبي » قال : وزاد فيه غيره : واستيقظي يا نفس ويحك واحذري حذرا يهيج عبرتي ونحيبي.
عن زائدة بن قدامة ، قال : كان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت : رجل قد أصيب بمصيبة ولقد قالت له أمه : ما هذا الذي تصنع بنفسك ؟ تبكي الليل عامته لا تكاد أن تسكت لعلك يا بني أصبت نفسا قتلت قتيلا فيقول : « يا أماه ، أنا أعلم بما صنعت نفسي »
عن الحارث بن سعيد ، قال : أخذ بيدي رباح القيسي يوما فقال : « هلم يا أبا محمد ، تجيء حتى تبكي على ممر الساعات ونحن على هذه الحال » قال : فخرجت معه إلى المقابر فلما نظر إلى القبور صرخ ثم غشي عليه فجلست والله عند رأسه أبكي فأفاق فقال : « ما يبكيك ؟ » قلت : لما أرى بك قال : لنفسك فابك . قال : ثم قال : « وانفساه وانفساه ثم غشي عليه ».
عن محمد بن الحسن بن عبد ربه القيسي ، وكان ذا قرابة لرباح قال : كنت أدخل عليه المسجد وهو يبكي وأدخل عليه البيت وهو يبكي وآتيه في الجبال وهو يبكي فقلت له يوما : أنت دهرك في مأثم قال : فبكى ثم قال : « يحق لأهل المصائب والذنوب أن يكونوا هكذا ».
عن محمد بن كثير ، أنه كان يقول : « اللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملك فأعطنا من أنفسنا ما يرضيك عنا حتى تأخذ رضا نفسك من أنفسنا إنك على كل شيء قدير ».
عن عطاء ، قال : دخلت على فاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة عمر بن عبد العزيز فقلت لها : يا بنت عبد الملك ، أخبريني عن أمير المؤمنين ، قالت : « أفعل ولو كان حيا ما فعلت ، إن عمر رحمه الله كان قد فرغ نفسه وبدنه للناس كان يقعد لهم يومه فإن أمسى وعليه بقية من حوائج يومه وصله بليله إلى أن أمسى مساء وقد فرغ من حوائج يومه فدعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله ثم قام فصلى ركعتين ثم أقعى واضعا رأسه على يده تسايل دموعه على خده يشهق الشهقة فأقول : قد خرجت نفسه وانصدعت كبده فلم يزل كذلك ليلته حتى برق له الصبح ثم أصبح صائما قالت : فدنوت منه فقلت : يا أمير المؤمنين لشيء ما كان قبل الليلة ما كان منك ؟ قال : أجل فدعيني وشأني وعليك بشأنك قالت : فقلت له إني أرجو أن أتعظ قال : إذا أخبرك إني نظرت إلي فوجدتني قد وليت أمر هذه الأمة صغيرها وكبيرها وأسودها وأحمرها ثم ذكرت الغريب الضايع والفقير المحتاج والأسير المفقود وأشباههم في أقاصي البلاد وأطراف الأرض فعلمت أن الله مسائلي عنهم وأن محمدا صلى الله عليه وسلم حجيجي فيهم فخفت أن لا يثبت لي عند الله عذر ولا يقوم لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة فخفت على نفسي خوفا دمعت له عيني ووجل له قلبي فأنا كلما ازددت لها ذكرا ازددت لهذا وجلا وقد أخبرتك فاتعظي الآن أو دعي ».
عن إبراهيم بن الأشعث ، سمع فضيل بن عياض ، يقول في قوله عز وجل ( ولا تقتلوا أنفسكم ) سورة : النساء آية رقم : 29 قال : « لا تغفلوا عن أنفسكم » ثم قال : « من غفل عن نفسه فقد قتلها ».
عن سفيان بن عيينة ، قال : « كان الرجل من السلف يلق الأخ من إخوانه فيقول : يا هذا اتق الله وإن استطعت أن لا تسيء إلى من تحب فافعل » فقال له رجل يوما : وهل يسيء الإنسان إلى من يحب ؟ قال : « نعم نفسك أعز الأنفس عليك فإذا عصيت الله فقد أسأت إلى نفسك ».
عن يحيى بن أبي كثير ، قال : « كان يقال : ما أكرم العباد أنفسهم بمثل طاعة الله ولا أهان العباد أنفسهم بمثل معصية الله عز وجل ».
عن الشعبي ، قال : سمع عمر بن الخطاب امرأة تقول : دعتني النفس بعد خروج عمرو إلى اللذات تطلع اطلاعا فقلت لها عجلت فلن تطاعي ولو طالت إقامته رباعا أحاذر أن أطيعك سب نفسي ومخزاة تحللني قناعا فقال لها عمر : « ما الذي منعك من ذلك ؟ » قالت : الحياء وإكرام روحي فقال عمر : « إن في الحياء لهنات ذات ألوان من استحيى اختفى ومن اختفى اتقى ومن اتقى وقي ».
عن المعلى بن زياد ، يقول : كان عامر بن عبد الله قد فرض على نفسه كل يوم ألف ركعة وكان إذا صلى العصر جلس وقد انتفخت ساقاه من طول القيام فيقول : « يا نفسي بهذا أمرت ولهذا خلقت يوشك أن تذهب الغيابق » وكان يقول لنفسه : « قومي يا مأوىكل سوء فوعزة ربي لأزحفن بك زحف البعير وإن استطعت أن لا يمس الأرض من رهمك لأفعلن » ثم يتلوى كما يتلوى الحب على المقلى ثم يقوم فينادي : « اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي ».
عن عون بن أبي شداد ، أن عبد الله بن غالب ، كان يصلي الضحى مائة ركعة ويقول : « لهذا خلقنا وبهذا أمرنا ويوشك أولياء الله أن يكفوا ويحمدوا ».