فوائد من كتاب محاسبة النفس
حكمــــــة
عن وهب بن منبه، قال: « مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويحمد ؛ فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات، وإجماما للقلوب، وحق على العاقل أن لا يرى ظاعنا إلا في ثلاث، زاد لميعاد، أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم، وحق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه، حافظا للسانه، مقبلا على شأنه ».
حكمــــــة
عن جعفر بن برقان، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله فكان في آخر كتابه « أن حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإنه من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب في الشدة ؛ عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة فتذكر ما توعظ به لكيما تنهى عما ينهى عنه وتكون عند التذكرة والموعظة من أولي النهى ».
حكمــــــة
عن الحسن، قال: « المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، إن المؤمن يفجأه الشيء ويعجبه، فيقول والله أني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي، ولكن والله، ما صلة إليك هيهات، حيل بيني وبينك ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: هيهات ما أردت إلى هذا وما لي ولهذا والله ما أعذر بهذا والله لا أعود إلى هذا أبدا إن شاء الله ومالي ولهذا، والله ما أعذر بهذا والله لا أعود إلى هذا أبدا إن شاء الله، إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم أن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئا حتى يلقى الله يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه، وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله ».
حكمــــــة
عن الحكم بن عبد السلام بن النعمان بن بشير الأنصاري أن جعفر بن أبي طالب حين قتل دعا الناس: « يا عبد الله بن رواحة يا عبد الله بن رواحة » وهو في جانب العسكر ومعه ضلع وجمل منهشة، ولم يكن ذاق طعاما قبل ذلك بثلاث، فرمى بالضلع، ثم قال: وأنت مع الدنيا « ثم تقدم فقاتل فأصيب أصبعه فارتجز فجعل يقول: » هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت يا نفس، إلا تقتلي تموتي هذا حياض الموت قد صليت وما تمنيت فقد لقيت إن تفعلي ؛ فعلها هديت وإن تأخرتي ؛ فقد شقيتي « ثم قال: » يا نفس، إلى أي شيء تتشوفين إلى فلانة، فهي طالق ثلاثا وإلى فلان وفلان - غلمان له - وإلى معجف - حائط له - فهو لله ولرسوله: يا نفس، ما لك تكرهين الجنه أقسم بالله لتنزلنه طائعة أو لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنه هل أنت إلا نطفة في شنه قد أجلب الناس وشدو الرنه.
حكمــــــة
عن حميد بن هلال، قال: كان الأسود بن كلثوم إذا مشى نظر إلى قدميه قال: ودور الناس إذ ذاك فيها تواضع فعسى أن يفجأ النسوة، فيقول بعضهن لبعض: كلا إنه الأسود بن كلثوم إنه لا ينظر فلما قرب غازيا، قال: « اللهم، إن هذه النفس تزعم في الرخاء أنها تحب لقاك، فإن كانت صادقة ؛ فارزقها ذاك، وإن كانت كاذبة ؛ فاحملها عليه وإن كرهت ؛ فاجعل ذلك قتلا في سبيلك، وأطعم لحمي سباعا وطيرا » قال: فانطلق في طائفة من ذلك الجيش الذي خرج فيه حتى دخلوا حائطا فيه ثلمة وجاء العدو حتى قام على الثلمة، فنزل عن فرسه، وضرب وجهه فانطلق غايرا، ثم عمد إلى الماء في الحائط، فتوضأ منه، وصلى، قال: « تقول العجم هكذا استسلام العرب » فلما قضى صلاته قاتلهم حتى قتل وعظم الجيش على ذلك الحائط وفيهم أخوه، فقيل لأخيه: « ألا تدخل الحائط فتنظر ما أصيبت من عظام أخيك فتجبه »، قال: « ما أنا بفاعل شيئا دعا به أخي فاستجيب له ».
حكمــــــة
عن عبد الله بن قيس أبو أمية الغفاري، قال: « كنا في غزاة لنا، فحضر عدوهم، فصيح في الناس، فهم يثوبون إلى مصافهم، وفي يوم شديد الريح، إذا رجل أمامي، رأس فرسي عند عجز فرسه، وهو يخاطب نفسه، فيقول: أي نفسي، ألم أشهد مشهد كذا وكذا؟ فقلت لي: أهلك وعيالك، وأطعتك فرجعت، ألم أشهد مشهد كذا وكذا؟، فقلت لي: أهلك وعيالك، فأطعتك، فرجعت، والله، لأعرضنك اليوم على الله عز وجل، أخذك أو تركك، فقلت: لأرمقنه اليوم فرمقته فحمل الناس على عدوهم فكان في أوائلهم، ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا وكان في حماتهم، ثم حملوا على عدوهم فكان في أوائلهم، ثم حمل العدو وانكشف الناس فكان في حماتهم، قال: فوالله، مازال ذلك دأبه حتى رأيته صريعا فعددت به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنة ».
حكمــــــة
قال وهيب بن الورد: « بينما امرأة في الطواف ذات يوم وهى تقول: يا رب ذهبت اللذات وبقيت التبعات يا رب سبحانك وعزتك إنك لأرحم الراحمين يا رب ما لك عقوبة إلا النار، فقالت صاحبة لها كانت معها: يا أخية دخلت بيت ربك اليوم قالت: والله ما أرى هاتين القدمين وأشارت إلى قدميها أهلا للطواف حول بيت ربي فكيف أراهما أهلا أطأ بهما بيت ربي؟ وقد علمت حيث مشتا وإلى أين مشتا؟ ».
حكمــــــة
عن حماد بن جعفر بن زيد، أن أباه، أخبره قال: خرجنا في غزوة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة وصلوا فصلى ثم اضطجع فقلت: لأرمقن عمله فالتمس غفلة الناس حتى إذا قلت هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبا منا ودخلت على إثره فتوضأ ثم قام يصلي وجاء أسد حتى دنا منه قال: قصدت شجرة قال: فتراه التقت أو عد به جزوا حتى سجد فقلت: الآن يفترسه فلا شيء فجلس ثم سلم ثم قال: « أيها السبع اطلب الرزق في مكان آخر » فولى وإن له لزئيرا أقول: تصدع الجبال منه قال: فما زال كذلك يصلي حتى لما كان عند الصبح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله ثم قال « اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة؟ » قال: ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم.
حكمــــــة
عن الجلد بن أيوب، قال: « كان عابد في بني إسرائيل على صومعته منذ ستين سنة وإنه أتي في منامه فقيل له: إن فلانا الإسكاف خير منك فلما انتبه قال: رؤيا ثم سكت فلما كان من القائلة أيضا رأى مثل ذلك في منامه فلم يزل يرى في منامه مرارا حتى تبين له أنه أمر فنزل من صومعته فأتى الإسكاف فلما رآه الإسكاف قام من عمله وتلقاه وجعل يمسح به فقال له: ما أنزلك من صومعتك؟ قال: أنت أنزلتني أخبرني ما عملك؟ فكأنه كره أن يخبره ثم قال: أجل أعمل النهار وأكسب شيئا فما رزق الله من شيء أتصدق بنصفه وآكل مع عيالي النصف وأصوم النهار فانطلق من عنده فلما كان بعد أيضا قيل للراهب: سله مم صفرة وجهك؟ فأتاه فقال: مم صفرة وجهك؟ فقال: إني رجل لا يكاد يرفع لي أحد إلا ظننت أنه في الجنة وأنا في النار وإنما فضل علي الراهب بإزرائه على نفسه ».
حكمــــــة
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: « كان في بني إسرائيل رجل يتعبد في صومعته فمكث بذلك زمنا طويلا فأشرف ذات يوم فإذا هو بامرأة فافتتن بها وهم بها فأخرج رجله لينزل إليها فأدركه الله بسابقته فقال: ما هذا الذي أريد أصنع؟ ورجعت إليه نفسه وجاءته العصمة فندم فلما أراد أن يعيد رجله في الصومعة قال: هيهات هيهات رجل خرجت تريد أن تعصي الله تعود معي في صومعتي لا يكون ذلك والله أبدا فتركها والله معلقة من الصومعة تصيبها الأمطار والرياح والشمس والثلج حتى تقطعت فسقطت فشكر الله له ذلك فأنزل في بعض الكتب وذو الرجل يذكره بذلك ».
حكمــــــة
عن مالك بن ضغيم، حدثتني خالتي حبابة بنت ميمون العتكية قالت: رأيت أبا ضغيما نزل ذات ليلة من فوق البيت بكوز قد برد له حتى صبه ثم اكتاز من الجب ماء حارا فشرب فقلت له بعد ذلك: بأبي أنت قد رأيت الذي صنعت فمم ذاك؟ قال: « حانت مني نظرة مرة إلى امرأة فجعلت على نفسي أن لا تذوق الماء البارد أيام الدنيا قلت »: أنغص عليها الحياة.
حكمــــــة
عن مالك بن ضغيم، قال: جاء رباح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر، فقلنا: إنه نائم، فقال: « أنوم هذه الساعة؟ أهذا وقت نوم؟ » ثم ولى منصرفا فأتبعناه رسولا فقلنا: قل له: ألا نوقظه لك؟ قال: فأبطأ علينا الرسول ثم جاء وقد غربت الشمس فقلنا: أبطأت جدا فهل قلت له؟ قال: هو أشغل من أن يفهم عني شيئا أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه وهو يقول: « أقلت: أنوم هذه الساعة؟ أفكان هذا عليك؟ ينام الرجل متى شاء وقلت: هذا وقت نوم؟ وما يدريك أن هذا ليس وقت نوم، تسألين عما لا يعنيك وتكلمين بما لا يعنيك أما إن لله علي عهدا لا أنقضه أبدا لا أوسدك الأرض لنوم حولا إلا لمرض جاء بك أو لذهاب عقل زائل، سوءة لك سوءة لك، أما تستحين كم توبخين وعن غيك لا تنتهين » قال: وجعل يبكي وهو لا يشعر بمكاني فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته.
حكمــــــة
عن طلحة، قال: انطلق رجل ذات يوم فنزع ثيابه وتمرغ في الرمضاء ويقول لنفسه: ذوقي، نار جهنم أشد حرا جيفة بالليل وبطالة بالنهار قال: فبينا هو كذلك إذ أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة فقال: غلبتني نفسي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « ألم يكن لك بد من الذي صنعت؟ أما لقد فتحت لك أبواب السماء ولقد باهى الله بك الملائكة » ثم قال لأصحابه: « تزودوا من أخيكم » فجعل الرجل يقول له: يا فلان ادع له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عمهم » فقال: اللهم اجعل التقوى زادهم واجمع على الهدى أمرهم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « اللهم سدده » فقال: اللهم واجعل الجنة مآبهم.
حكمــــــة
عن أبى أيوب، قال: قال لي أبو مالك يوما: « يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك، فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي وايم الله لئن لم تأت الآخرة والمؤمن بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران هم الدنيا وشقاء الآخرة » قال: قلت: بأبي أنت وأمي، وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله في دار الدنيا ويدأب؟ قال: « يا أبا أيوب، فكيف بالقبول؟ وكيف بالسلامة؟ » قال: ثم قال: « كم رجل يرى أنه قد أصلح شأنه قد أصلح قربانه قد أصلح همته قد أصلح عمله يجمع ذلك يوم القيامة ثم يضرب به وجهه ».
حكمــــــة
قال عطاء السليمي: « بلغنا أن الشهوة والهوى يغلبان العمل والعقل ». وعن عثمان بن زائدة، يقول: كان كرز الجرجاني يجتهد في العبادة فقيل له فقال: « كم بلغكم مقدار يوم القيامة؟ » قال: « خمسون ألف سنة » قال: « فكم بلغكم عمر الدنيا؟ » قال: « سبعة آلاف سنة » قال: « فيعجز أحدكم أن يعمل سبعا حتى يأمن ذلك اليوم؟ »
حكمــــــة
عن بهيم العجلي، قال: « ركب معنا شاب من بني مرة البحر من أهل البدو فجعل يبكي الليل والنهار فعاتبه أهل المركب على ذلك وقالوا: ارفق بنفسك قليلا قال: إن أقل ما ينبغي لي أن يكون لنفسي عندي أن أبكيها وأبكي عليها أيام الدنيا لعملي بما يمر عليها في ذلك اليوم غدا قال: فما بقي في المركب أحد إلا بكى ».
حكمــــــة
عن الحارث بن سعيد، قال: أخذ بيدي رباح القيسي يوما فقال: « هلم يا أبا محمد، تجيء حتى تبكي على ممر الساعات ونحن على هذه الحال » قال: فخرجت معه إلى المقابر فلما نظر إلى القبور صرخ ثم غشي عليه فجلست والله عند رأسه أبكي فأفاق فقال: « ما يبكيك؟ » قلت: لما أرى بك قال: لنفسك فابك. قال: ثم قال: « وانفساه وانفساه ثم غشي عليه ».
حكمــــــة
عن عطاء، قال: دخلت على فاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة عمر بن عبد العزيز فقلت لها: يا بنت عبد الملك، أخبريني عن أمير المؤمنين، قالت: « أفعل ولو كان حيا ما فعلت، إن عمر رحمه الله كان قد فرغ نفسه وبدنه للناس كان يقعد لهم يومه فإن أمسى وعليه بقية من حوائج يومه وصله بليله إلى أن أمسى مساء وقد فرغ من حوائج يومه فدعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله ثم قام فصلى ركعتين ثم أقعى واضعا رأسه على يده تسايل دموعه على خده يشهق الشهقة فأقول: قد خرجت نفسه وانصدعت كبده فلم يزل كذلك ليلته حتى برق له الصبح ثم أصبح صائما قالت: فدنوت منه فقلت: يا أمير المؤمنين لشيء ما كان قبل الليلة ما كان منك؟ قال: أجل فدعيني وشأني وعليك بشأنك قالت: فقلت له إني أرجو أن أتعظ قال: إذا أخبرك إني نظرت إلي فوجدتني قد وليت أمر هذه الأمة صغيرها وكبيرها وأسودها وأحمرها ثم ذكرت الغريب الضايع والفقير المحتاج والأسير المفقود وأشباههم في أقاصي البلاد وأطراف الأرض فعلمت أن الله مسائلي عنهم وأن محمدا صلى الله عليه وسلم حجيجي فيهم فخفت أن لا يثبت لي عند الله عذر ولا يقوم لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة فخفت على نفسي خوفا دمعت له عيني ووجل له قلبي فأنا كلما ازددت لها ذكرا ازددت لهذا وجلا وقد أخبرتك فاتعظي الآن أو دعي ».
حكمــــــة
عن الشعبي، قال: سمع عمر بن الخطاب امرأة تقول: دعتني النفس بعد خروج عمرو إلى اللذات تطلع اطلاعا فقلت لها عجلت فلن تطاعي ولو طالت إقامته رباعا أحاذر أن أطيعك سب نفسي ومخزاة تحللني قناعا فقال لها عمر: « ما الذي منعك من ذلك؟ » قالت: الحياء وإكرام روحي فقال عمر: « إن في الحياء لهنات ذات ألوان من استحيى اختفى ومن اختفى اتقى ومن اتقى وقي ».
حكمــــــة
عن المعلى بن زياد، يقول: كان عامر بن عبد الله قد فرض على نفسه كل يوم ألف ركعة وكان إذا صلى العصر جلس وقد انتفخت ساقاه من طول القيام فيقول: « يا نفسي بهذا أمرت ولهذا خلقت يوشك أن تذهب الغيابق » وكان يقول لنفسه: « قومي يا مأوىكل سوء فوعزة ربي لأزحفن بك زحف البعير وإن استطعت أن لا يمس الأرض من رهمك لأفعلن » ثم يتلوى كما يتلوى الحب على المقلى ثم يقوم فينادي: « اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي ».